الخميس 26 /1/ 2006

 


هل من تعقيدات في الموقف الدولي من مساعي إيران النووية؟

 

كاظم حبيب

يتسم الموقف الدولي في التعامل مع المسألة النووية بتعقيدات غير قليلة ناجمة عن عدة مسائل, منها:
1. شرعية وقبول المجتمع الدولي باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية, رغم الاتجاهات البيئية الجديدة التي تسعى إلى تقليص استخدامها.
2. رفض الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية التوسع بامتلاك أو إنتاج دول أخرى للسلاح النووي.
3. بروز تباين بين موقف الوكالة الدولية لطاقة النووية والدول الصناعية السبع الكبار من امتلاك بعض الدول للسلاح النووي.
4. استمرار امتلاك وتطوير مجموعة من دول العالم المتقدمة والنامية للسلاح النووي في بلدانها, في حين أنها تطالب الدول الأخرى بغير ذلك.
من المعروف أن توفر إمكانية تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية, تسمح أيضاً في إنتاج السلاح النووي. وهي المعضلة الراهنة القائمة بين العالم من جهة, وإيران من جهة أخرى. وبالتالي تسعى الأمم المتحدة والدول الكبرى والوكالة الدولية للطاقة النووية إلى منع إيران من تخصيب اليورانيوم بسبب خشيتها من استخدامها في إنتاج السلاح النووي.
والمشكلة تكمن في أن الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي, وهو ترفض جهود إيران لتخصيب اليورانيوم, يقوم بتطوير أسلحتها النووية وربما إنتاج أجيال جديدة منها من جهة, وتسكت عن دول أخرى في العالم تمتلك الأسلحة النووية ولا تلتزم بشروط الوكالة الدولية للطاقة النووية وتمارس الجهود لتوسع ترسانتها من الأسلحة النووية الهجومية, كما في حالة إسرائيل وباكستان والهند على سبيل المثال لا الحصر. كما أن الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي والصواريخ ذات المديات المختلفة تقوم بتخصيص مبالغ كبيرة في ميزانياتها للحفاظ على أسلحتها النووية وتطويرها. فهي والحالة هذه تدخل في تناقض صارخ مع الدول والشعوب الأخرى, إذ أنها تنظر إلى الأمور بمنظارين وتتحدث بلسانين لا يمكن القبول به من شعوب العالم.
ولكن لِمَ هذه الخشية الفائقة من احتمال تصميم إيران على إنتاج السلاح النووي في حين توجد دول أخرى تمتلك مثل هذا السلاح ومخاطر ذلك على شعوب المناطق المختلفة غير قليلة؟ ولِمَ هذا الإصرار الإيراني على تخصيب اليورانيوم إن لم تكن راغبة في إنتاج السلاح النووي ما دامت هناك بدائل أخرى لتوفير اليورانيوم المخصب لها لاستخدامه للأغراض السلمية, كما في المقترح الروسي؟ وهل صحيح ما تقول به إيران بأنها تريد الدفاع عن حقها في السيادة في هذه المسألة؟ والسؤال الآخر الذي يستوجب الإجابة عنه هو: هل في مقدور العالم منع إيران من إنتاج السلاح النووي؟ وكيف؟
من تابع السياسة الإيرانية خلال العقدين المنصرمين يمكنه القول بأنها, وأن تقلبت قليلاً, حافظت على نهج ثابت على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية, نشير إلى بعض جوانبه فيما يلي:
1. مارست سياسة داخلية متطرفة جداً في مكافحتها للآخر فكراً وسياسة وتنظيماً واستخدمت أساليب لا تمت إلى السلوك الإنساني السوي بصلة كالاعتقال والسجن والتعذيب الوحشي والقتل والتشهير وفرض التوبة وغسل الأدمغة بأساليب العنف والعصا.
2. رفضت منح القوميات الأخرى في إيران حقوقها القومية المشروعة, بل حاربت كل مطلب من تلك المطالب ومارست العنف في ملاحقة واغتيال وقتل الأشخاص الذي طالبوا بذلك في الداخل والخارج أو قامت بتدمير التنظيمات التي تبنت تلك المطالب العادلة. ولم يقتصر هذا على الشعب الكردي في إيران, بل مس الشعوب والقوميات الأخرى في إيران.
3. استخدمت الصبية الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد في حروبها وفي جهاز الحرس الثوري وأدخلت لأول مرة في عملياتها ونشاطها العسكري أسلوب الانتحار لقتل أكبر عدد ممكن من الناس باسم الجهاد الإسلامي.
4. قدمت الدعم المتنوع للحركات الإسلامية المتطرفة في الكثير من بقاع العالم العربي والإسلامي, إذ أنها تقف إلى جانب تصدير الثورة الإسلامية التزاماً منها بنهج الراحل السيد روح الله الخميني.
5. شكلت جيشاً سمته جيش القدس, على غرار ما مارسه صدام حسين في العراق, بحجة تحرير القدس الذي يفترض أن يمر عبر كربلاء! وهو جيش لا يختلف كثيراً عن الحرس الثوري بأهدافه وأساليب ولا يختلف كثيراً عن الحرس القومي الذي شكله البعث في عام 1963 في العراق في الموقف من المجتمع والأحزاب والقوى السياسية الأخرى المعارضة أو في دعم القوى السياسية الإسلامية المتطرفة في الدول الأخرى, كما يجري اليوم في جنوب ووسط العراق.
6. دعوتها المستمرة, التي تهدأ وتتصاعد بين حين وآخر, كما هو الحال راهنياً, وعلى لسان رئيس الجمهورية أحمدي نجاد, بإلقاء إسرائيل بالبحر أو بتصفية الدولة الإسرائيلية ومحوها من خارطة الشرق الأوسط, ودعوة أوروبا إلى إقامة دولة لليهود فيها. وهذه السياسة ليست فقط غير واقعية, بل هي استهلاكية وتعبوية ومواجهة مشكلاتها الداخلية أساساً. إنها تحرض العرب على عدم الدخول بعملية سلام مع إسرائيل وتنشط اليهود في الخشية من العرب وتعزز وتنشط روح العداء بين الشعبين وتعيق عملياً إقامة دولة فلسطينية, وهي تخدم سياسة اليهود المتطرفين.
7. رفضها أي دعوة عقلانية لحل مشكلة احتلالها للجزر العربية الثلاث في الخليج (طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى) بالطرق السلمية والتفاوضية وأطماعها المستمرة في مناطق أخرى في الخليج وفي شط العرب.
8. دعوتها المستمرة لإقامة محور فكري ديني وسياسي شيعي في المنطقة يمتد من إيران عبر العراق والبحرين وصولاً إلى العلويين في سوريا والشيعة في لبنان والسعودية, وهي إشكالية ليست جديدة, بل كانت وما تزال عالقة بذهن الإيرانيين منذ عقود كثيرة وتحلم بالتوسع الديني المذهبي إلى المنطقة بأسرها. ويشكل جنوب العراق محوراً أساسيا في هذا النهج, وهي المحرضة الأساسية لإقامة فيدرالية في جنوب العراق منفصلة عن السنة العرب في العراق والتي تذكر بسياسة الصفويين.
9. وأخيراً وليس آخراً فأن إنتاج إيران للسلاح النووي يمكن أن يشدد اندفاع دول أخرى لإنتاج السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
إن هذه السياسة التي تمارسها إيران حالياً بأساليب مختلفة لا يمكن إيقافها إن امتلكت حكومتها المحافظة والمتطرفة في نهجها, كما نلاحظ ذلك في سياسة أحمدي نجاد. إنها يمكن أن ترتكب الكثير من الحماقات, إذ أن نهجها من حيث الجوهر لا يختلف عن نهج صدام حسين, والفارق كان في ادعاء صدام حسين العلمانية والقومية, وادعاء إيران الدين الإسلامي والمذهب الجعفري, وفي الجوهر القومي الفارسي المتطرف. ومن هنا تنشأ خشية العالم من السياسة الإيرانية ومن احتمال امتلاكها للسلاح النووي, وهي سياسة يفترض أن يخشى منها العرب وشعوب المنطقة.
ومما يعقد وحدة العالم إزاء الموقف من جهود إيران لامتلاك السلاح النووي هي السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء سياسات إسرائيل إزاء فلسطين والمنطقة وإزاء امتلاك إسرائيل للسلاح النووي وتسليحها المتواصل بمختلف الأسلحة الهجومية والدفاعية. وهي مرتبطة بدورها بخشية الولايات المتحدة وأوروبا من السياسات العربية ومواقف القوى المتطرفة من إسرائيل والتي لم تكف عن إعلان رغبتنها في تدمير إسرائيل, كما في سياسات الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية وخاصة المتطرفة منها. وهي بطبيعة الحال غير قادرة على ذلك ولكنها لا تجعل المنطقة تنعم بالراحة والهدوء من جهة وتسمح للسياسة الإسرائيلية أن تستفيد منها لصالح تعزيز مواقفها التوسعية المتطرفة وكسب تأييد العالم لسياساتها.
ومن تابع الملف النووي الإيراني يلاحظ بروز ظاهرتين, وهما:
1. بدأت إيران تشدد من نهجها السياسي ومن رفضها عملياً التعاون الفعلي والجاد مع العالم في الموقف من تخصيب اليورانيوم وفي الإشراف والمراقبة على مؤسساتها النووية, وتهدد بأنها قادرة على المواجهة.
2. اختلاف العالم في الموقف من الأسلوب الذي يفترض أن تتخذه الأمم المتحدة والوكالة الدولة للطاقة النوويةالدولية إزاء جهود إيران لامتلاك الطاقة النووية.
والتشدد الإيراني ناجم عن ثلاث خلفيات بدأت تستفيد منها كثيراً, وهي:
• الضعف الذي تعاني منه الولايات المتحدة في العراق ورفض العالم والشعب في الولايات المتحدة لحرب إستباقية جديدة ضد إيران, إضافة إلى ارتفاع حس الكراهية إزاء الولايات المتحدة في أوروبا والذي يتجلى بقدر ملموس على سياسات الاتحاد الأوروبي وغالبية الدول الأوروبية.
• الصراع الدولي المتنامي بين الصين وروسيا بشكل خاص من جهة, وبقية الدول الغربية من جهة ثانية, على النفط وإقامة المشاريع الاقتصادية المرتبطة بالنفط والطاقة وغيره في إيران وفي المنطقة.
• حاجة العالم كله إلى النفط الإيراني.
إلا أن هذا التشدد له عواقب وخيمة على إيران, وهو يذكرنا بتهديدات صدام حسين, إذ أن الدول الأوروبية قادرة في لحظة معينة على الاتفاق مع الولايات المتحدة أولاً والوصول معاً إلى إقناع روسيا والصين بنهج آخر إزاء إيران وبالتالي يمكن أن تفرض الحصار الاقتصادي الدولي ضدها والذي يقود إلى عواقب وخيمة على الشعب الإيراني, ويزيد من التوترات في المنطقة كلها. كما أن هذا التشدد يمكن أن يدفع بتوجيه ضربات عسكرية قاسية إلى المفاعلات النووية في إيران والتي تجلب معها مخاطر غير قليلة على الشعب الإيراني وشعوب المنطقة. ويمكن أن تقوم إسرائيل بذلك, كما حصل في العراق, رغم توزع مؤسسات الطاقة النووية في إيران على مناطق مختلفة, إذ إمكانية توجيه ضربات عديدة في آن واحد ممكنة قطعاً, كما يمكن أن تقوم الولايات المتحدة ذاتها بذلك لتجنيب إسرائيل ضربات إيرانية مضادة. ولهذا فأن حسابات أحمدي نجادي وقوى المحافظين المتشددين الذين يمثلهم, وخاصة قادة الحرس الثوري, تشبه حسابات صدام حسين كثيراً, وسوف لن تنفع إيران في المحصلة النهائية, بل تقود إلى تجميع العالم كله ضدها, بما في ذلك دول العالم العربي.
إن اختلاف العالم في أسلوب مواجهة إيران لا يعني اختلافها في الموافقة أو رفض قيام إيران بتخصيب اليورانيوم, بل أن هناك اتفاقاً عالمياً على ذلك. والاختلاف في متى وكيف سوف يقدم الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي, وهل استخدمت واستنزفت الدبلوماسية الدولية كل قدراتها الفعلية في إقناع إيران على التخلي عن مشروعاتها النووية؟ إن مثل هذه الخلافات يمكن معالجتها لأنها لا تمس الجوهر في منع إيران من امتلاك السلاح النووي. ولدى المجتمع الدولي قناعة واسعة بجهود إيران في هذا الاتجاه. إن الخلاف القائم بين الدول إزاء الملف النووي الإيراني يمنح إيران وقتاً ثميناً لمواصلة عملها في تخصيب اليورانيوم الذي لم يتوقف أبداً في مواقع مختلفة غير مكشوفة, وليس بعيداً أن تعلن دفعة واحدة بإنتاجها السلاح. وهو ما يخشاه الأمريكيون والإسرائيليون والعرب والكثير من شعوب ودول العالم.
من الواجب أن تمارس الدبلوماسية الدولية أبعادها وتأخذ وقتها الكافي, ولكن يفترض أن لا يكون ذلك على حساب منح إيران فرصة إنتاج السلاح النووي فعلاً ثم وضع العالم أمام الأمر الواقع, كما هو الحال في كوريا الشمالية أو إسرائيل أو غيرها من الدول.
أشك في قدرة الحصار الاقتصادي على منع إيران من الحصول على ما تحتاجه من سلع متنوعة, بما فيها المحرمة دولياً, من السوق السوداء الدولية, بل حتى من السوق الأمريكية والأوروبية ومن الصين وروسيا أساساً. فتجربة العراق مع الحصار الدولي, رغم آثاره المدمرة على الشعب العراقي, دلل على إمكانية النظم الشمولية على الالتفاف بطرق مختلفة على الحصار. كما أن قرار النفط مقابل الغذاء دلل على مدى الفساد المالي السائد في جهاز الأمم المتحدة وكثرة من الشركات والأشخاص والمؤسسات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني الدولية المرتبط بها. ولهذا يفترض التفكير بأساليب أخرى غير الحرب يكون في مقدورها منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
إنها الجزء الأساسي من المشكلة التي تواجه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تتطلب المعالجة والحل الشافي.
إن النظام السياسي القائم في إيران يعاني من مشكلات داخلية كثيرة ويواجه مصاعب غير قليلة. ففي إيران نشأت اليوم فئة من رجال الدين المتنفذين والفاسدين الذين يشكلون قاعدة النظام الاجتماعية وهم منتشرون في أجهزة الدولة ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحرسها الثوري. ونشأت بين هذه القوى البيروقراطية والتكنوقراطية, في دولة ذات نهج ثيوقراطي متخلف ومتطرف وطائفي متعسف, من جهة, وبين الأوساط الواسعة من الشعب الإيراني, وخاصة الفئات المثقفة والواعية, من جهة أخرى, صراع اجتماعي وسياسي ينمو ويتطور يوماً بعد آخر, وهو ما يفترض الاستفادة منه لصالح تعزيز مواقع قوى المعارضة الإيرانية المناهضة لسياسات النظام الإيراني, إلى جانب ما يراه المجتمع الدولي من إجراءات تضع حداً للتسلط الإيراني على الشعب وفرض استمرار وتعميق وتوسيع الردة الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها. إن الوضع في إيران معقد ومتشابك ولم تنجح قوى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي من تحقيق نتائج إيجابية لأنها خرجت من تحت عباءة النظام وقواه الأساسية, ولأنها كانت تخشى التغيير على مصالحها بالذات فكانت تعمل وهي تراوح بين مدينتي نعم ولا, إضافة إلى أن العالم لم يلعب دوره في تعميق تلك الخلافات من خلال سياسات أكثر عقلانية وواقعية في مواجهة الوضع في إيران.
إن إيران ستصر على سياستها, حتى لو ساومت مؤقتاً, ولن تكف عن بذل الجهد والمال لإنتاج السلاح النووي, إذ أن الطاقة النووية للأغراض السلمية ليس هو هدفها المباشر, إذ أنها تمتلك الكثير من البدائل الفعلية والجيدة لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية التي تتمنى الكثير من دول العالم الأخرى أن تمتلك مثلها, مثل النفط والغاز وأشعة الشمس والريح والماء, على سبيل المثال لا الحصر. ومن هنا تنشأ حاجة العالم إلى إستراتيجية مشتركة وموحدة لمواجهة الوضع الإيراني والسياسة الإيرانية والملف النووي الإيراني, وهي كلها تشكل حزمة واحدة متشابكة وذات أبعاد واحدة.


موقع الناس     http://al-nnas.com/