| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 26/7/ 2008



هل سيواصل حكام إيران السير على طريق صدام حسين ؟

كاظم حبيب

أسئلة تدور في بال الملايين من البشر في إيران والعراق ومنطقة الشرق الأوسط , بل على لسان الكثير من الناس في العالم ممن يهتمون بمصائر البشر في إيران ومنطقة الشرق الأوسط : هل سيواصل حكام إيران السير على طريق صدام حسين؟ وهل سينتهون إلى نفس المصير الأسود الذي انتهى إليه الدكتاتور الأهوج؟ أوليس في إيران من يستطيع لجم هذا التيار والنهج المتطرفين في السياسة الإيرانية؟ وهل سيبقى الشعب الإيراني بكل مكوناته القومية عرضة لابتزاز الحاكم من خلال السياسات الخارجية المتطرفة لإيران؟
إن المتتبع لمجرى السياسة الإيرانية في المنطقة تبدو له اللوحة وكأن هناك لعبة يمارسها حكام إيران هي أشبه بلعبة القط والفأر , ولكن نتيجتها التهام القط للفأر بعد إجهاده ومهما أبدى من محاولات الهروب منه. ولكن في هذه اللعبة السياسية لا يموت الفأر وحده , بل يأخذ معه عشرات ألوف البشر , إضافة إلى الجرحى والمعوقين والخراب الاقتصادي والدمار , إضافة إلى خسائر مادية وحضارية كبيرة , كما تسيل الكثير من الدماء والدموع.
كما تبدو للناظر من على سطح الأحداث وكأن هناك لعبة مطاردة بين الأمم المتحدة , ومعها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي , من جهة , وبين إيران , وكأنها ضحية لسياسات ومواقف الدول الكبرى من جهة. ولكن هذه النظرة التي تروج لها الدعاية الإيرانية على قدم وساق وتحاول أن تنشر وعياً زائفاً ومشوشاً عن حقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية. إذ أن تزييف الوعي وتشويه الحقائق وتضبيب المواقف يمكن أن يقود إلى عواقب وخيمة لا على إيران وحدها , بل على شعوب ودول المنطقة بأسرها أيضاً.
نحن أمام دولة فارسية تدين بالمذهب الشيعي الصفوي القائم على أساس ولاية الفقيه والتبشيري التوسعي , إذ يعتقد حكامها الحاليون بأنها أصبحت مؤهلة لأن تلعب مع بداية القرن الحادي والعشرين دور الدولة الإسلامية الكبرى لتحل محل الإمبراطورية العثمانية الإسلامية السنية المذهب , الدولة التي غابت شمسها مع العقد الثاني من القرن العشرين. وهذه الدولة التي تتطلع لدور جديد في المنطقة والعالم تسعى إلى لعب أربعة أدوار في آن واحد , وهي :
الدور الأول : أن تكون دولة إسلامية عظمى تقود العالم الإسلامي من طهران وتفرض على شعوب العالم الإسلامي إرادتها ومصالحها.
الدور الثاني : دولة إسلامية تريد أن تلعب الدور الذي مارسه صلاح الدين الأيوبي في الحروب الصليبية في فلسطين والعمل من أجل طرد اليهود من إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية كلها كما كانت عليه قبل قرار التقسيم في العام 1947 وجعلها للعرب لا غير وتحت الوصاية الفارسية.
الدور الثالث : إقامة دولة كبرى على صعيدي منطقة الشرق الأوسط والعالم , فحكامها يعتقدون بأنها من حيث حجم سكانها ومواردها الأولية والاقتصادية وامتلاكها لقدرات التطور العلمي التكنولوجي وإنتاج السلاح النووي وبقية الأسلحة المحرم استخدامها دوليا , مؤهلة لأن تلعب هذا الدور.
الدور الرابع : تصدير الفكر والثورة الإسلامية من خلال نشر الدين الإسلامي على وفق المذهب الشيعي الصفوي نحو الدول الأوروبية وبقية دول العالم.
وإذا كانت الأدوار الثلاثة الأولى بارزة للعيان ومكشوفة للجميع , فأن الدور الرابع لا تمارسه إيران وحدها , بل تشارك معها دول أخرى , وخاصة السعودية , بأكاديمياتها التعليمة ومساجدها واتجاهات تعليمها الديني الوهابي المتطرف وفتاوى شيوخها الكثيرة التي تلعب دوراً مناهضاً لبقية الأديان والمذاهب.
وإذ تدلل الحياة يومياً على أن هذه الاتجاهات الأربعة هي التي تشكل جوهر السياسة الإيرانية نحو الخارج , فما هي الأدوات التي تستخدمها لهذا الغرض؟ يمكن تسجيل النقاط التالية:
1. يستخدم حكام إيران كبقية الدكتاتوريات في العالم سياسة الكذب والرياء والخديعة في اعتقاد منهم أن ذلك سيقنع الناس بصواب ما يدعونه جرياً على قاعدة "افتروا ثم افتروا ثم أفتروا , لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس" وهو السبيل الذي سار عليه صدام حسين طوال حياته.
2. استخدام دبلوماسية المناورة وتوزيع الأدوار بحيث يبدو البعض متشدداً والبعض الآخر لينياً بهدف كسب الوقت لتحقيق ما يهدفون.
3. اللعب على الخلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جانب وروسيا والصين وبعض الدول الأوروبية من جانب آخر للمماطلة وكسب الوقت أيضاً وتعطيل اتخاذ قرارات ردعية ضد إيران.
4. استخدام التهديد والوعيد في غلق مضيق هرمز وإيقاف تدفق النفط الخام عبر الخليج أو تهديد بضرب المصالح الأمريكية في الخليج والعالم أو توجيه ضربات ماحقة إلى إسرائيل.
5. استخدام التنظيمات الإسلامية السياسية التابعة لها في تهديد إسرائيل والمنطقة , كما في حالة حزب الله في لبنان وجيش المهدي وغره في العراق أو تنظيمات مماثلة في دول عربية أخرى.
6. محاول إغراء الدول بالمساعدات المالية والنفطية لاتخاذ مواقف مؤيدة لإيران , كما هو الحال مع سوريا على سبيل المثال لا الحصر.
7. تأجيج المشكلات في دول المنطقة وخاصة في العراق وفلسطين ولبنان , بل ودعم واستخدام قوى القاعدة وتنظيمات إسلامية أخرى لقتل والتخريب وإشاعة الفوضى.
إن هذا الواقع يهدد المنطقة والعالم بالكثير من المشكلات , فكيف يفترض أن يواجهها المجتمع الدولي والرأي العام العالمي ؟
حين نتابع السياسة الدولية التي يمارسها مجلس الأمن الدولي إزاء القضية الإيرانية , وخاصة سياستها النووية , يسجل خللاً كبيراً وخطراً ينجم عنه متاعب كبيرة لشعوب منطقة الشرق الأوسط والعالم. فنحن نسجل مواقف متباينة ومتناقضة في غالب الأحيان بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا من جهة , وبين روسيا الاتحادية والصين الشعبية من جهة أخرى , ثم تحاول دول الاتحاد الأوروبي أن تتخذ موقفاً بينهما يقلص من الاندفاع الأمريكي ويعجل من البرود الروسي والصيني.
فموقف روسيا والصين يمكن أن يمنح إيران وقتاً كافياً للسير المعجل لإنتاج السلاح النووي بعد أن تقدمت خطوات في إنتاج الصواريخ ذات المدى المتوسط وانتقلت الآن إلى الصواريخ ذات المدى الأبعد , وهي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. إن الولايات المتحدة الأمريكية مندفعة بقوة لأسباب معروفة لنا جميعاً , كما أن التأخير الروسي الصيني مرتبط بمصالح غير قليلة لهما في إيران. لكن المشكلة هي أكبر بكثير من المصالح الراهنة لهذه الدول , إذ أنها ترتبط باحتمال نشوء مخاطر جدية عند امتلاك إيران للسلاح النووي , وهي دولة غير معتدلة ومتطرفة ولها أهداف غير قليلة وخطرة في المنطقة والعالم.
إن استمرار سياسة التباين بين الدول الأعضاء في مجموعة الدول السبع زائداً واحد أو في مجلس الأمن الدولي سيقود إلى فقدان الكثير من تلك الدول لمصالحها في المنطقة لأسباب ترتبط بعواقب امتلاك إيران للسلاح النووي. كما سيجعل من الحل التفاوضي للمشكلة أكثر تعقيداً وسخونة. فنحن أمام حلين كما طرحهما الباحث والسياسي الإيراني الدكتور أمير طاهري حين أكد : إما نجاح إيران في مواصلة العمل لإنتاج السلاح النووي وتراجع مجلس الأمن عن مطالبه بالتوقف , وإما نجاح مجلس الأمن في إقناع إيران بالتراجع عن إصرارها بتخصيب اليورانيوم وإنتاج السلاح النووي. وفي حالة عدم الوصول إلى أحد هذين الحلين , فهذا يعني منح إيران مزيداً من الوقت للتقدم في إنجاز مشاريعها وبالتالي ستعرض المنطقة إلى احتمال حرب جوية مدمرة لها وللمنطقة. إن إيران تسير , كما تدلل الكثير من الحوادث والتصريحات وأساليب العمل , على الطريق الأهوج الذي سار عليه صدام حسين وقاد العراق إلى طريق مسدود , وكانت النتيجة معروفة للجميع. فهل حكام إيران يعون الطريق الذي يسيرون عليه , أم أن العزة بالإثم سوف تصل بهم إلى نهاياتهم المحتومة ؟
إن من لا يريد تدمير إيران , كما دمر العراق , ومن لا يريد إشعال حرب في المنطقة , ومن لا يريد تحميل الشعب الإيراني وشعوب المنطقة المزيد من الموت والخراب وتعطيل عملية التنمية , ومن يريد انتصار العقل والحكمة , عليه أن يبادر إلى إقناع إيران بإيقاف نشاطها النووي وإيقاف تدخلها الفظ في الشئون الداخلية للشعوب والدول الأخرى وإرسال أسلحتها لتنشيط العمليات الإرهابية , وإيقاف تهديداتها الفارغة بما يتعارض مع الشرعية الدولية. إن التأخير باتخاذ موقف يتجاوب مع قرارات مجلس الأمن الدولي يقرب أجل الضربات الجوية المدمرة على تلك المواقع التي تعتقد إيران بإمكانها استخدامها ضد إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة. فالضربات سوف لن تتوجه ضد إيران حسب , بل وكذلك ضد كل أولئك الذين يشكلون أذرع إيران في المنطقة.
إن مراهنة إيران على معارضة روسيا والصين لن تنفع كثيراً , فالولايات المتحدة مستعدة لأن تمارس تلك الضربات حتى دون العودة إلى مجلس الأمن , كما حصل مع العراق حين رفض مجلس الأمن اتخاذ قرار بشان الحرب , بغض النظر عن مدى شرعية أو عدم شرعية مثل هذا الموقف , خاصة وأن محمود أحمدي نجاد يهدد صباح مساء بتدمير إسرائيل ومسحها من خارطة الشرق الأوسط والعالم , ولن ينفع تصريح نائب الرئيس بصداقة إيران مع الشعب الإسرائيلي. وسوف تعمل الولايات المتحدة من أجل تشكيل تحالف دولي جديد وواسع لهذا الغرض , وسوف يجد حكام إيران أنفسهم وحيدين وعاجزين عن الدفاع عن بلادهم , وسيفقدون الحكم آجلاً أو عاجلاً , إذ أن الشعب سوف لن يغفر لهم تعاميهم عن حقائق الوضع العالمي واتجاهات تطوره.
إن المماطلة في الموقف إلى حين الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة لن تنفع كثيراً و بغض النظر عن الفائز , الديمقراطي أو الجمهوري , فالمصالح الاستراتيجية واحدة للحزبين , والتباين في التكتيكات محدود جداً ولن يغير من حقيقة الموقف من السلاح النووي الإيراني ومن التدخل الفظ في الشأن العراقي أو في لبنان وغزة.


26/7/2008
 


 

free web counter