| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأحد 26/2/ 2006

 

 

جريدة المدى البغدادية
الرأي الآخر:

 


أيها السياسيون في العراق:

عجلوا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية, عجلوا بوقف نزيف الدم المتفاقم . وإلا فالمصيبة أعظم !

 

كاظم حبيب

لم ينقطع سيل الدم في العراق, لم تنقطع عمليات تخريب وتدمير الجوامع والمساجد والحسينيات والكنائس, وأخيراً مراقد الأمة والأولياء الصالحين, ولم ينقطع تدمير المنشآت الاقتصادية وأنابيب نقل النفط والغاز, كما سوف لن ينقطع الإرهاب بكل أشكاله ما دامت الأجهزة التنفيذية في الدولة العراقية, ومنها القوات المسلحة بمختلف صنوفها ومجالات عملها غير مكتملة وغير قادرة على استكمال جميع الإجراءات الضرورية لمواجهة الإرهاب الدموي الذي تفرضه عصابات الإرهاب التكفيرية والصّدامية وكل الجناة الأوباش أياً كانت الهوية التي يحملونها والطائفة التي ينتمون إليها أو الجماعات المسلحة التي ينتسبون إليها, وما دامت الملفات الأمنية لم تستقر بعد بأيدي عراقية حيادية أمينة وصادقة وغير متحيزة. ولن تنتهي عمليات القتل المتبادل بين ميليشيات معلنة وقائمة على الأرض, وأخرى فاعلة وقائمة على الأرض ولكن غير معلن عن وجودها رسمياً. ولن تهدأ الصراعات والنزاعات إن استمر التثقيف الطائفي السياسي الذي تمارسه بعض الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية. لقد سُفكت الكثير من الدماء وما زال القتلة يمتلكون القدرة على إنزال ضربات جديدة بالمجتمع وإشاعة عدم الاستقرار والأمن والهدوء ومنع الناس من ممارسة أعمالهم بصورة طبيعية وتعطيل عملية إعادة إعمار العراق والسير على طريق التنمية.
لقد قُُتل واستشهد حتى الآن عشرات الألوف من العراقيات والعراقيين والمئات من العلماء وأساتذة الجامعات, إضافة إلى أعضاء في الجمعية الوطنية والمجالس المحلية وجمهرة من العاملين في الحقل السياسي والاجتماعي والنقابي ورجال الدين وأئمة المساجد جوامع, كما جرت وتجري عمليات اعتداء على حرمة بيوت الناس والعوائل واختطاف الكثير من العراقيين, إضافة إلى الأجانب. ولقي المئات من أفراد الشرطة والجيش ورجال الأمن حتفهم على أيدي هؤلاء القتلة بأساليب مختلفة ولأسباب كثيرة بما فيها ضعف اليقظة والحيطة والتجربة المحدودة وقلة المعرفة بأساليب وأدوات العدو والعجز عن اكتشاف أوكاره ومنابعه وأدواته. ولدي شكوك كبيرة بقدرة الأجهزة العراقية, حتى بالتعاون مع الأجهزة الأمريكية والبريطانية, على إنهاء النشاط الدموي في العراق بسرعة, لا لأنهم غير جديين في مكافحة الإرهاب, بل لأنهم لا يمتلكون التجربة الكافية ولا بد من الاستعانة بالخبرة الأوروبية التي لم ترغب الولايات المتحدة حتى الآن الاستعانة بها, أو أن الدول الأوروبية تتردد في تقديمها, إضافة إلى عدم معرفة الأمريكيين بطبيعة المجتمع العراقي وتعقيداته من جهة, وتأسيس قوى الإرهاب, ومنهم العصابات الصدامية, بنية تحتية وعلاقات متشعبة واسعة تستطيع من خلالها التحرك الحر دون معوقات كثيرة من جهة أخرى, وهي تستفيد من الخلافات الطائفية المستعرة حالياً.
وفي الوقت الذي يصول ويجول المجرمون في أنحاء شتى من العراق ويقتلون الناس الأبرياء, حتى بعد تفجير قمة المرقد الشريف للإمامين علي الهادي والحسن العسكري وقبر الصحابي سلمان الفارسي وإعلان حالة الاستنفار القصوى في صفوف القوات المسلحة وحظر التجوال وسير المركبات, كما حصل في كربلاء وبعقوبة وبغداد أو في أثناء تشييع جنازة الشهيدة أطوار بهجت, أو القتل على الهوية في مناطق مختلفة, نتلمس التحرك,رغم كثافته الأخيرة, ما يزال بعيدا عن ضرورات التعجيل في الوصول إلى صيغة تساهم في تهدئة الوضع وتوقف نزيف الدم المتبادل وتشكيل حكومة تنهي الأزمة الراهنة.
إن الاتفاق بين القوى السياسية ينبغي له أن يتسارع وأن تتحدد المهمات الملقاة على عاتق التحالف الحكومي الواسع المنشود والتي لا يفترض أن ترتبط بالكشف عن أوكار قوى التكفير والتخريب والتدمير وقوى الخيانة الصدامية فحسب, بل يفترض أن تتضمن أيضاً حل المليشيات المسلحة السرية والعلنية التابعة للأحزاب الإسلامية السياسية المشاركة في المجلس الوطني أو في الحكومة أو حتى خارجها ونزع سلاحها ومنع ممارسة السلطة غير الشرعية من خارج السلطة الشرعية أو من تحت عباءتها, إذ أن ذلك سيضيع على الدولة هيبتها وعلى الحكومة فرض سيطرتها الفعلية وتحكمها بالوضع القائم ومنع الازدواجية في الحكم وتحقيق الاستقرار.
إن تأخير الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية, بسبب الصراع على الحقائب الوزارية لم ولن يخدم أحداً سوى أعداء الشعب العراقي, كما أن إعطاء حقائب الدفاع والداخلية والأمن الداخلي إلي أيدي عراقية مستقلة وحيادية سيبقى السبيل الوحيد والصائب لتجنب مزالق الفتنة الطائفية والحرب الأهلية التي يروج لها الكثيرون ويعملون من أجل إشعالها, وهم ما زالوا يتمنون حصولها.
إن إسقاط هذا الحلم الوسخ, حلم إشعال حرب طائفية في العراق, الذي يدور منذ زمن في رؤوس الخونة والإرهابيين وعصابات القتل الصدّامية, ينبغي أن يكون الهدف المركزي لكل القوى السياسية العراقية الوطنية بعد أحداث الحادي والعشرين من شباط/فبراير 2006, كما ينبغي أن يكون هدف العراقيات والعراقيين جميعاً.
من يقرأ بيانات القوى الصدامية والقومية الشوفينية وبعض القوى الأخرى, التي تساند العمليات الإرهابية وتتبناها, والتي أصدرتها في أعقاب حادث تفجير قبة مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري, يدرك تماماً بأن هؤلاء البشر فقدوا البوصلة الوطنية تماماً وغاصوا في العداء للديمقراطية في العراق ويسعون إلى تأليب القوى السياسية ضد بعضها. وقد فسروا ما حدث في سامراء على خلاف الحقيقة والواقع تماماً. فبدلاً من اتهام القوى الحقيقية التي قامت بتفجير قبة الإمامين ومقبرة الصحابي سلمان الفارسي فيما بعد, وأعني بها قوى تنظيم القاعدة والظواهري والزرقاوي وأنصار الإسلام السنة الكرد والعرب والقوى الصدامية المجرمة المتحالفة معها في نشاطها في العراق, راحت تتهم من كان سبباً في سقوط نظامهم الدموي, وأعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية. لم أكن يوماً ما صديقاً ومؤيداً لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وفي المنطقة, كما لم أكن إلى جانب الحرب أو فرض قرار الاحتلال على العراق وانتقدت الكثير من السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة في العراق التي مارسها بريمر ومن جاء من بعده, وشجبت التعذيب الوحشي الذي تعرض له المعتقلون في سجن أبو غريب في العديد من المقالات, وما أزال ارى ضرورة خروج القوات الأمريكية من العراق بالوقت المناسب وعندما تكون القوات العراقية قادرة حقاً في الدفاع عن أمن البلاد وسلامة المواطنين.
تقول حكمة الإنسان وخبرته الطويلة: "حدث العاقل بما لا يعقل, فأن صدق فلا عقل له", وهذه الحكمة تنطبق بالضبط على مضمون البيان الصادر عن الجماعة القومية العربية البائسة التي تسمي نفسها بـ"القوميين الديمقراطيين". فهم يتهمون الولايات المتحدة بما حصل في سامراء وهكذا تساهم إيران في توجيه هذا الاتهام أيضاً وكلاهما كاذب ومخادع. يقول المثل العراقي النابت "أگعد أعوج, لكن أحچي عدل", وهو ما خالفه فعلياً هؤلاء الناس فلا جلسوا باستقامة ولا تحدثوا باستقامة, بل يساندون الإرهاب قولاً وفعلاً, وهي محاولة يائسة للتغطية على التحالف الذي نشأ على الأرض بين القوى التكفيرية المجرمة وقوى البعث الصدامية الجائرة المنحدرة من أجهزة الأمن والمخابرات وفدائيي صدام حسين ومن لف لفهم من أعضاء حزب البعث أو "منظماته الشعبية!" وأجهزته السرية.
إن علينا أن ندرك اللعبة القذرة التي تمارس اليوم على صعيد المنطقة, وليس العراق وحده. وهناك العديد من القوى التي يهمها تصعيد التوتر وتشديده في العراق ليتسنى لها العمل بسهولة في الاتجاهات التي تريدها والمناهضة لأمن وسلامة واستقرار وازدهار شعوب المنطقة وحريتها وكرامتها والحياة الديمقراطية التي تسعى إليها. إنها تريد تسريع إخراج القوات الأمريكية قبل تأمين مستلزمات الدفاع عن الأمن والاستقرار ليتسنى لها فرض إرادتها بقوة السلاح على الشعب العراقي أو فتح كل الأبواب على حرب طائفية لا تبقي ولا تذر.
إن الوضع في المنطقة يشير إلى وجود أكثر من لاعب غير إنساني يهمه توتير الأجواء في العراق, ولا نبتعد عن الحقيقة حين نقول بأن بعض دول الجوار, ومنها إيران وسوريا, على سبيل المثال لا لحصر, مهتم تماماً بمثل هذا التوتر المتفاقم, وكأن العمليات الجبانة والمجرمة التي نفذت في سامراء جاءت منسجمة ومتطابقة مع الأجواء التي تناسبه لتنفيذ أهدافه الشريرة. وهذا البعض يروج لتداعيات فعلية على الأرض العراقية تقود إلى المزيد من القتل والبؤس والفاقة والخراب. وما لانفعالات الأخيرة إلا التعبير غير العقلاني لما كان يفترض أن يحصل في العراق أي تشديد اللحمة الوطنية وليس الغوص في الدم أكثر فأكثر. ولولا العقلاء من الناس في بلادنا لانتهى الوضع إلى حرب طائفية حقاً.
إن العراق يتعرض اليوم إلى مؤامرة قبيحة خيوطها تنتهي بأيدي بن لادن وجماعة البعث والتكتل القومي الشوفيني وإلى قوى خارجية يهمها سيادة الفوضى في العراق, وهي تهدف إلى إشعال حرب طائفية بين الشيعة والسنة لتعم الفوضى كل العراق, وهي تهدف في الوقت نفسه إلى نشر هذه الحرب على صعيد المنطقة بأسرها بحجة وجود فعلي لصدام بين الحضارات, ولا بد من خوض الصراع ضد الولايات المتحدة في العراق. عندها لن يكون هناك أي رابح أو خاسر, فالخاسر الوحيد هو الشعب, وستكون قوى الإرهاب التكفيرية والصدًامية هي الرابحة الوحيدة التي كانت وما تزال تهيئ منذ فترة غير قصيرة لفتنة طائفية من هذا النوع.
إن على حكومة الجعفري أن لا تكتفي بالإجراءات السبعة عشر التي اتخذتها في غرفة عملياتها في يوم 25/2/2006 والتي أعلنها السيد رئيس الوزراء من جهة, والسيدان وزير الدفاع ووزير الداخلية من جهة أخرى, شريطة أن لا تستخدم في مجال الإعلام لكبح النقد لسياسات وأساليب الحكومة الناقصة أو الخاطئة في التعامل مع الوضع في العراق, المتضمنة منع التجول ومنع حمل السلاح في أيام منع التجول, بل يفترض أن تؤكد ضرورة جمع السلاح من المواطنين ووضعه تحت تصرف الدولة بدلاً من وجود من يمكن أن يستخدمه بهدف أخذ الثأر أو الانتقام أو لإثارة فتنة طائفية. وقد وجدنا الملايين من قطع السلاح تظهر للعيان في شوارع بغداد والبصرة وكربلاء وغيرها من المدن العراقية, وهي التي يمكن أن تتسبب في إشعال شرارة الحرب الطائفية.
إن الصرامة والحزم ضروريان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق إلى جانب التعجيل بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الذي يتجاوب مع نداء الشعب كله بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية بين جميع مكونات الشعب العراقي, فهل ستكون للقوى السياسية الأساسية في العراق أذناً صاغية لنداء الشعب؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة, ولكن الدلائل الأولية تشير إلى أن الجميع لا يجد سبيلاً غيره لمعالجة الأزمة المتفاقمة!