| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 26/1/ 2006

 



 

رسالة مفتوحة إلى لجنة اجتثاث البعث!

 

كاظم حبيب

ليس فينا من لا يعرف الكوارث التي جرها حزب البعث العربي الاشتراكي على العراق والشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية, وليس فينا من لا يعرف الأساليب التي مارسها البعث وأجهزته القمعية في:
• إسقاط الناس سياسياً وإبعادهم قسراً عن أحزابهم التي كانت كلها في الغالب الأعم وفترات طويلة تعمل في ظروف السرية التامة ومعرضة لأشد العقوبات القانونية وخارج الفانون.
• ملاحقة وإرهاب واضطهاد المواطنات والمواطنين من أجل فرض الانتماء إلى "اللجان الوطنية" التابعة لحزب البعث والتي كان يشرف عليها مجموعة من كوادر حزب البعث وأجهزة أمن النظام كخطوة أولى على طريق جرهم إلى صفوف حزب البعث ومنظماته المختلفة.
• مطاردة الإنسان العراقي ليل نهار لفرض الانتماء المباشر عليه إلى صفوف حزب البعث. والجميع يتذكر قول الدكتاتور "العراقيون بعثيون وأن لم ينتموا!". وقد حركت هذه المقولة أجهزة البعث كلها لملاحقة الناس من أجل أن يلتحقوا بحزب البعث.
وعلى هذا الطريق تعذب الكثيرون ومات الكثيرون أنهم رفضوا الانتماء إلى اللجان الوطنية أو إلى حزب البعث أو إلى منظماته "الجماهيرية!" السيئة الصيت, أو لأنهم رفضوا أن يمارسوا مهنة الجاسوسية ضد مواطنيهم لصالح أجهزة الأمن وحزب البعث.
لقد كنت محنة العارقيات والعراقيين كبيرة حقاً في هذا الصدد. وعلينا أن نتذكر جيداً زيارات أجهزة الحزب والأمن في المحلات من أجل فرض الاستمارات حول العائلة والأقرباء والأصدقاء ومن أجل فرض الانتماء كمحصلة نهائية.
أقدم هنا عينة بسيطة جداً من كتاب للعقيد الركن أحمد الزيدي, حيث نقل لنا الكاتب حواراً نموذجياً كان يدور بين موظف غير حزبي ومسؤول في حزب البعث في الدائرة التي يعمل فيها الموظف:
"المسؤول الحزبي: أنت تعلم بأن الحزب قد حقق تأميم النفط, ويقف من القضية الفلسطينية موقفاً ثابتاً على الرغم من تخلي بقية الأنظمة عنها, وتعلم بأن علاقاتنا بالدول التقدمية وحركات التحرر في العالم جيدة, وإننا أعداء حقيقيون للإمبريالية العالمية و ... الخ ..
الموظف : نعم أعلم ذلك, ولكنني لا أرغب بأن أنظم لأي حزب .. إنني أعمل وأنجز واجباتي بصورة جيدة, وهذه خير خدمة للوطن وحتى للحزب .. والسيد النائب أطلق شعار "المواطن الجيد هو البعثي الجيد".
المسؤول الحزبي: نعم .. نعلم ذلك, ولكننا نعتقد بأن المواطن الجيد هو المواطن الذي يكمل أعماله الجيدة بانضمامه للحزب.
الموظف : إنني لست مستعداً الآن للعمل الحزبي, فهو يحتاج مني إلى تخصيص وقت كثير للاجتماعات وغيرها, مما يتطلبه العمل الحزبي.
المسؤول الحزبي: أنت الآن لست مطالباً بتخصيص وقت كبير لهذا العمل, فساعة واحدة بالأسبوع تكفي.
الموظف : أعتقد بأنني لست قادراً على ذلك الآن, فلدي التزامات عائلية واجتماعية كثيرة, والوقت الذي يتيسر لدي في الواقع لا يتيح لي حتى قضاءها.
المسؤول الحزبي: اسمع! لقد تحملتك كثيراً لحد الآن, كلمتي الأخيرة, أنه لمصلحتك أولاً وأخيراً أن توافق على الانضمام للحزب, وأنا أنصحك بذلك, وإلا فإنك ستندم, هذا آخر ما أقوله لك.. ولن تلوم إلا نفسك". (راجع: الزيدي, أحمد. "البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية" صادر عن دار الروضة-بيروت 1990. ص 268/269)
وبعد هذه المحادثة المتكررة عدة مرات تكون النتيجة إما أن يرضخ الموظف للأمر, أو أن يبقى يتلقى زيارات يومية أو أسبوعية من قبل أجهزة الأمن ثم غالباً ما تنتهي بالتوقيف أو ...الخ ليجبر على الرضوخ للأمر الواقع. هكذا كانت الأمور, وعلينا جميعاً أن نفهم هذه الحقيقة المرة!
هذا نموذج واحد من نماذج عدة ارتبطت بحزب البعث, ولكنه تشكل الغالبية العظمى ممن أجبر على الالتحاق بحزب القائد القاتل, أما النموذج الثاني فهو الانتهازي الذي وجد ضالته وفرصته في الحصول على مكاسب وتقدم في سلم الوظيفة أو غيرها. والنموذج الثالث فهو من كان عضواً عادياً بهذا الحزب بين مقتنع به وغير مقتنع بنا سجري, وكان بين نارين. والنموذج الرابع فهو البعثي الذي غاص في سياسات البعث ونشاط أجهزته ونفذ أوامر قيادته بما في ذلك تعذيب وقتل الآخرين. وهو النموذج الذي يفترض أن يحاسب ويعاقب وفق القوانين وعبر القضاء العراقي.
إن طرحي هذه المسألة على السيدات والسادة الأفاضل العاملين في لجان اجتثاث البعث يهدف إلى جلب الانتباه إلى ضرورة التمييز بين هذه الأصناف ممن انتسب إلى حزب البعث خلال العقود الثلاثة المنصرمة, لكي لا نحرق الأخضر بسعر اليابس أولاً, ولكي لا نحول من لم يكن بعثياً إلى بعثي فعلاً ثانياً, ولكي نعرف كيف نكسب الناس لكي يقفوا إلى جانب الوطن والشعب بعد أن وقفوا, شاءوا ذلك أم ابوا, إلى جانب تمريغ جباه المواطنين بالتراب .
أدرك تماماً بأن من وافق على الانتماء لحزب البعث تحت ضغوط البعثيين وأجهزتهم عبروا عن نقطة ضعف ويتحملون مسؤولية ذلك, ولكن هذا لا يعني بأي حال بأن علينا أن نخسرهم كمواطنين ما دامت الغالبية العظمى من أعضاء أو مؤيدي حزب البعث قد فرض عليهم التسجيل في صفوفه.
لقد بدأ فصل موظفين من اختصاصات مختلفة لكونهم كانوا من البعثيين الذين انتموا تحت الضغط المتواصل, لأن من فصلهم كان أو ما يزال يعتقد بأن المفصولين جميعهم من البعثيين الذين أساءوا التصرف إزاء المجتمع. إن علينا أن ننتبه إلى طبيعة هؤلاء الناس وإلى سلوكهم اليومي وأن نحاول احتضانهم بدلاً من التفريط بهم وباختصاصاتهم التي يحتاجها العراق. كما أن البعض يحاول التخلص من هؤلاء لأنه يريد أن يحتل مكانه, رغم معرفة هذا البعض بأن هذا الشخص الذي التحق بحزب البعث بالرغم منه لم يكن بعثياً أولاً, كما لم يؤذ أحداً بأي حال.
علينا أن نمتلك الحس الذي يساعدنا على التمييز بين الناس وعلى احتضان من أخطأ وليس من أجرم.
إن تجربة الأخوة في اتحادية إقليم كردستان مع الجماعات التي أطلق عليها النظام اسم "الفرسان", وأطلق عليها الشعب الكردي بالجحوش يفترض أن تؤخذ بنظر الاعتبار, إضافة إلى أولئك الذين التحقوا بصيغة ما بحزب البعث القومي الشوفيني, أو بأحزاب كردية شكلية تعاونت مع حزب البعث ومارست سياساته في كردستان قبل تحررها منم ربقة النظام الصدامي في عام 1991. وتجربة جنوب أفريقيا غنية جداً وعلينا الاستفادة منها أيضاً. وكم هو مفيد إرسال وفد عراقي إلى هناك لدراسة هذه التجربة الغنية. من حيث المبدأ والممارسة لا سكوت على المجرمين القتلة الذين لطخوا أيديهم بدماء الشعب ومرغوا جباه الناس بالتراب, لا سكوت على من عذب الناس حتى الموت, ولكن التعامل الواعي مع أولئك الذين ابتهجوا بسقوط النظام رغم كونهم كانوا مسجلين كأعضاء أو مؤيدين في حزب البعث. كم أتمنى على الحكومة العراقية أن تتعامل بوعي ومسؤولية مع هذه العناصر, وأن لا تنسى بأن العنف لا ينهي فكراً وسياسة بل الحوار الفكري والسياسي وتفنيد أيديولوجيات شمولية هو الطرق السليم للخلاص من تلك الإيديولوجيات الشوفينية المقيتة, إذ لم يعد لها مكاناً في المجتمعات المدنية الديمقراطية الحديثة, أياً كان الرداء الذي ترتديه والصبغة التي تظهر فيها والشعارات الصفراء التي ترفعها.