| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

السبت 25/3/ 2006

 

 

 


الطائفية المقيتة تهيمن على لغة المليشيات المسلحة في العراق!

 

كاظم حبيب

عندما فجر الإرهابيون المجرمون القتلة قبة الإمام علي الهادي في سامراء, كانوا يهدفون إلى تفجير نزاع طائفي شرس في العراق يقود إلى حرب أهلية بين السنة والشيعة, عندها يحترق الأخضر واليابس في آن واحد. إلا أن حكمة الشعب وعمق وعيه التاريخي وحصافة جمهرة من السياسيين أمكن تجاوز هذه الأزمة التي أراد البعض الآخر تأجيجها بأعمال انتقامية طالت الكثير من الناس الأبرياء من أهل السنة والشيعة.
ووفق كل التقارير التي تحت تصرفي حزن أهل سامراء الشرفاء وسدنة الحرمين, وهم من أهل السنة الحنفية, تماماً كما حزن الشيعة الجعفرية. فهؤلاء الأولياء من أحفاد علي بن أبي طالب ومن صلب الرسول. وأهل سامراء يُجلون هؤلاء الأئمة والأولياء الصالحين, ولم يكن هناك من هلل لهذا العمل الإجرامي إلا أولئك الذين قاموا بتفجير الحرم وخططوا له ووجهوه وسعوا إلى تفجير النزاع, وهم من التكفيريين المغالين في عدائهم للإنسان الآخر ولكل الأديان والمذاهب والأفكار الأخرى. وقد تجلى الموقف السليم للشعب العراقي, بكل أتباع أديانه ومذاهبه واتجاهات الفكرية والسياسية, حين أدان هذه العملية الجبانة والحاقدة واعتبرها تتويجاً لعملياتهم الإرهابية التي تطال يومياً بنات وأبناء الشعب العراقي من مختلف الأعمار, إضافة إلى تخريب مؤسساته ومنشآته وتعطيل العملية الاقتصادية فيه. ومن هذا المنطلق كان على الجميع أن يحترم ويثمن الموقف المخلص الذي اتخذه جميع العراقيات والعراقيين من أهل السنة الذين رفضوا ذلك الجرم الخسيس وتنادوا للوحدة الوطنية في مواجهة جميع قوى الإرهاب والتكفير والطائفية المقيتة. ولكن كيف تعامل البعض مع هذا الحدث؟
في الثاني والعشرين من شباط/فبراير 2006 أصدر مسؤول فرع الدورة لمنظمة بدر, عبد السادة كريم الزبيدي, كتاباً رسمياً برقم 186/م ك/2006 موجهاً إلى الدائرة السياسية لمنظمة بدر -المقر العام –سري-, كما أرسل نسخاً منه إلى السيد عبد العزيز الحكيم, الرئيس الأسبق لفيلق بدر, وإلى الأمانة لعامة لمنظمة بدر, وإلى وزارة الداخلية- وكالة العمليات الخاصة للإطلاع, ونسخة إلى دائرة الوقف الشيعي لتسجيل المساجد في إطار الوقف الشيعي, هذا نصه:
" السلام عليكم
بعد الاعتداء السني الوهابي الكافر الذي حصل على مرقد الإمام علي الهادي عليه السلام وتنفيذاً للتوجيهات الصادرة من الأمانة العامة للمنظمة وحسب الأمر الصادر قامت سرايا مالك الأشتر بإعادة الحق إلى أهله بعد ما ضلت الطغمة الفاسدة تسيطر عليه لعشرات السنين حيث تم استعادة المساجد التي يستخدمها الوهابيين الكفرة إلى أهلها الشرعيين من أبناء علي والحسين عليهما السلام". [نص الكتاب بأخطائه النحوية]
كيف يقرأ هذا الكتاب المختصر وماذا يتضمن من اتهامات؟ يؤكد الكاتب, وقبل صدور أي نتائج للتحقيق الرسمي الجاري, ما يلي:
1. إن الاعتداء سني وهابي كافر.
2. صدور توجيهات من الأمانة العامة للمنظمة إلى فرع المنظمة في الدورة لتنفيذ عملية استعادة حق مغتصب وتسليمه لأهل الحق المغتصب.
3. أن الحق المغتصب كان بأيدي طغمة فاسدة ضلت الطريق ولعشرات السنين.
4. جرى تنفيذ العملية وفقاً للتوجيهات العليا واستعيدت المساجد من أيدي الوهابيين الكفرة.
كيف يفسر هذا الكتاب؟ وكيف يفهم في إطار الوحدة الوطنية التي يسعى إليها الشعب؟
إن الاعتداء لم يتم من عصابة إرهابية تكفيرية دموية حاقدة على كل الشعب العراقي, بل كان الاعتداء سنياً وهابياً كافراً, أي أن جميع أهل السنة الوهابية هم من الكفرة, وكأنهم جميعاً شاركوا في هذه العملية, وليس عصابة مجرمة. والسؤال هو: كيف يحق لفرد مثل السيد عبد السادة كريم الزبيدي اعتبار جميع السنة من أتباع المذهب الوهابي هم من الكفرة, ألا يدخل هذا الشخص ومن يسانده في باب التكفيريين أيضاً؟ لا أمتلك حتى الآن الكتاب الأصلي الصادر من قيادة منظمة بدر إلى فرع الدور حول تنفيذ هذه العملية واللغة التي استخدمها فيه, والتي, كما تبدو لي, لا تختلف عن لغة مسؤول فرع بدر في الدورة.
صدرت التوجيهات من قيادة منظمة بدر شبه العسكرية, وهي منظمة غير رسمية وغير مجازة رسمياً وغير مسموح بنشاطها وبعيداً عن القانون والدولة, بالاستيلاء على المساجد وإعادتها لأهلها, أي تسجيلها بالوقف الشيعي. فمن هو صاحب الحق يا ترى ومن هو المغتصب, وكيف يصدر مثل هذا القرار وينفذ بعلم من وزارة الداخلية دون أن يتم إيقافه؟
لقد كانت المساجد في سامراء بأيدي أهل سامراء, وهم من أهل السنة, وهم الذين حافظوا على هذين المرقدين الشريفين عقوداً طويلة دون أن يجري أي اعتداء عليهما, وكانت هذه المساجد مصدر رزق لكثير من الناس الفقراء أيضاً. فكيف يحق لشخص مثل عبد السادة كريم الزبيدي اتهام هؤلاء الناس بأنهم طغمة ضالة اغتصبت الحق عشرات السنين؟
ولم يكتف صاحب الكتاب "المقدام" بذلك, بل تجاوز كل الحدود حين اتهم سدنة المساجد من أهالي سامراء والوقف السني بأنهم من الوهابيين الكفرة الذين استخدموا هذه المساجد, في حين أنه يعرف تماماً بأن أهالي سامراء هم من أهل السنة الحنفية!
إن الرسالة قد وصلت إلى السيد عبد العزيز الحكيم ولم يصدر عنه أي احتجاج على هذا العمل الاستفزازي دون وجه حق ودون العودة إلى القانون وتكليف سريا مالك الأشتر التابعة لفيلق بدر بالهجوم على المساجد والاستيلاء عليها بحجة إعادة الحق إلى أهله, في حين كان وزير الداخلية قد ادعى قبل ذاك بأنه قد حل هذه المنظمة وأدخل أتباعها, وهو رئيسها السابق, في وحدات وزارة الداخلية ووزارة الدفاع وأجهزة الأمن.
ألا يشكل نص الكتاب طائفية مقيتة, ألا يدرج تحت باب التكفيريين أيضاً؟ إن العمل الشرير الذي نفذته قوى الإرهاب الدموي في سامراء ودمرت قبة ضريح الأمام علي الهادي, أياً كانت الجماعات التي خططت له ووجهته, لا يمكن أن يقابل بمثل تلك الإجراءات والاتهامات غير القانونية وخارج الشرعية وغير المسؤولة, وهو ما تسبب ويتسبب في موت المزيد من البشر في العراق.
إن على الدولة والقوى الممثلة في البرلمان أن تحترم بنود الدستور وتخضع لمضامينه وتتحرك في ضوئه, وليس في الدستور ما يسمح لمنظمة بدر بالوجود أصلاً ولا بالقيام بذلك العمل الذي وردت مفرداته في كتاب مسؤول فرع الدورة.
أملي أن يعي الجميع مخاطر مثل هذه الأفعال والاتهامات, التي لا يجوز القبول بها. إذ أنها تساهم في إذكاء وإشاعة المزيد من الفوضى في العراق الذي يعاني من الفوضى أصلاً.
ملاحظة: نسخة من النص متوفرة في أرشيف الكاتب يمكن تزويد من يريد التأكد من صحتها, إن لم تكن قد وصلته كما وصلتني.