| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأربعاء 25/10/ 2006

 



ميليشيات جيش المهدي والدولة العراقية الجديدة!

 

كاظم حبيب

من مصائب العراق المتوارثة والمتراكمة أن شعوب العراق لم تشهد حكومة التزمت بالدستور والقوانين التي أصدرتها والمنسجمة مع بنود الدستور منذ قيام الدولة العراقية الحديثة في العام 1921. بل كان التقليد الشائع هو التجاوز على مضامين الدستور وقوانينه من جهة, وإصدار قوانين أخرى مخالفة لروح الدستور ومضامينه الجوهرية من جهة أخرى. وكانت الأخيرة تأخذ طريقها إلى التنفيذ على نمط ما كانت تمارسه الدولة العثمانية. عرفنا هذا النهج غير الديمقراطي في ظل الدولة الملكية وفي ظل حكومة الجمهورية الأولى. وتعمقت هذه الحالة واشتد الاستبداد في ظل الجمهورية الثانية والثالثة, ولكنه تفاقم بشكل استثنائي في فترة الجمهورية الرابعة ذات الممارسة الفاشية التي قادها حزب البعث وصدام حسين حتى يوم خلع النظام والدكتاتور في نيسان 2003.
والحكومة التي تلتزم بالدستور وتحترم القوانين التي تصدرها عبر مؤسسات الدولة الشرعية, يفترض أن تحترم ويلتزم بتنفيذها لتمارس دورها في تحقيق السياسات التي تضعها وتلاحقها لصالح المجتمع قبل كل شيء.
وفي ضوء الدستور الجديد يحق للحكومة وأجهزتها أن تمارس مسؤوليتها في العراق لصيانة الأمن وحماية أرواح المواطنات والمواطنين ورعاية مصالحهم. وفي هذا الإطار يحق للحكومة أن تعتقل الأفراد أو الجماعات التي ترى أنهم يمارسون أعمالاً تخل بأمن وسلامة المواطنات والمواطنين شريطة أن تقترن بموافقة فعلية من هيئة قضائية عراقية مستقلة مخولة بإصدار قرارات الاعتقال ومستندة إلى نصوص قانونية واضحة. وأن يكون هذا الاعتقال خاضعاً للمعايير القضائية وسلطة القضاء المستقلة عن السلطة التنفيذية (الحكومة وأجهزتها التنفيذية وعن السلطة التشريعية). أي أن يكون الاعتقال قائماً على أساس معاملة المتهم وفق بنود القوانين الديمقراطية وحقوق الإنسان واستناداً إلى قاعدة أن "المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته".
وإذا ما اتبعت الحكومة العراقية هذه الخطوات في الاعتقال, فليس من حق أحد أن يرفع سلاح التحدي والعصيان, ولكن من حق عائلته وأتباعه أو المسؤولين عنه أو محاميه أن يطالبوا معاً بتفسير أو يرفعوا احتجاجاً إلى السلطات المسؤولة أو يجمعوا التواقيع ضد الاعتقال ويوكلوا هيئة محامين للدفاع عنه وإطلاق سراحه بكفالة أو تبرئة ذمته. كل هذا ممكن واعتيادي في دولة ديمقراطية, ولكن ما لا يجوز القيام به هو رفع السلاح أو قتل مسؤولين بسبب صدور قرار باعتقال شخص ما اتهم بقتل شخص أو أكثر أياً كان القاتل أو القتيل.
ومنذ أيام وقع حادث من هذا النوع في العمارة. إذ قام مسلحون بقتل أربعة أفراد مسؤولين في جهاز الأمن الحكومي في المدينة. وجهت التهمة في عملية القتل إلى أفراد من مليشيا جيش المهدي. قامت الشرطة العراقية بمداهمة أحد مقرات هذه المليشيات واعتقلت بعض المتهمين بعملية القتل المشار إليها. ولا شك في أن هذا الاعتقال لم يتم بمعزل عن الأجهزة الحكومية المسؤولة ولا عن موافقة القضاء العراقي في المدينة. فما هي التداعيات التي حصلت في المدينة؟
قامت ميليشيا جيش المهدي ذات الأردية السوداء, التي تذكرنا بأساليب الحرس القومي البعثي والحرس الثوري الإيراني, وكلاهما سيء الفعل والصيت, بتطويق مركز للشرطة ومن ثم دوائر حكومية أخرى ودخلت في معركة بالأسلحة مع قوات الشرطة, سقط على إثرها 18 قتيلاً من ميليشيا جيش المهدي و10 شهداء من الشرطة العراقية, إضافة إلى الكثير من الجرحى, وأصبحت المدينة بكاملها تحت سيطرة ميليشيا جيش المهدي المدججة بالسلاح الخفيف والحديث.
هذه الحادثة تذكرنا بأحداث مماثلة في مدينة العمارة ذاتها قبل ذاك, كما تذكرنا بحوادث النجف وما قامت به مليشيا جيش المهدي من الهيمنة على صحن الأمام علي بن أبي طالب وشكلت محكمة إسلامية غير شرعية أصدرت أحكاماً بالموت خارج القانون ونفذتها وقتلت الكثير من الناس الأبرياء وخاصة من أفراد الشرطة, إضافة إلى ذاكرتنا الحية بحادث الاعتداء على حياة السيد عبد المجيد الخوئي وقتله في الصحن الشريف المذكور قبل أكثر من ثلاث سنوات. ولم تتخذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة ومعاقبة القتلة والموجهين لهم حتى الآن. وكانت تلك الجماعات الإرهابية, وكما يبدو, نواة هذه المليشيا الدموية التي بدأت بالتشكل وفق البنية الهجينة التي تحدثنا عنها من حيث الانتماء الإيديولوجي البعثي والديني الشيعي المتطرف والإيراني من حيث الفكر والسياسة والممارسة السادية.
وحسب المعلومات الواردة قامت الحكومة بإرسال وفد رسمي إلى العمارة وإلى النجف لحل المشكلة وعقد اتفاق غير سليم بين الحكومة وجماعة التيار الصدري لا يحقق قواعد القانون ومضامين الدستور العراقي, بل يشجع على التمادي في سياسات مليشيا جيش المهدي, كما جرى في مواقع أخرى, أو تدخل رئيس الوزراء لإطلاق سراح أحد المسؤولين في التيار الصدري دون مسوغ قانوني. كما شكلت لجنة تحقيق لن تصل إلى نتائج فعلية على الأرض كسابقاتها من اللجان التي شكلت في مثل هذه الحالات. وأخيراً فرض منع التجول في العمارة لاعتقال المتسببين في الأحداث ومنع التسلل من وإلى إيران المجاورة.
إن الموقف لا يحتمل التخاذل والمساومة, فهذه الجماعة, المزودة بأسلحة حديثة وجديدة قادمة من وراء الحدود, ستواصل عملياتها الإرهابية والتجاوز على بنود الدستور والقوانين العراقية ومحاولة فرض وجودها كدولة إرهابية داخل الدولة العراقية لها قوانينها وقواعد عملها ولا تخضع للحكومة بل لجماعة التيار الصدري وهي تسعى لانتزاع السلطة كاملة وليس المشاركة في السلطة فقط. فهل ستواصل الحكومة سياسة القبول بمثل هذه القوات غير الشرعية والمتمردة التي تتحول يوماً بعد آخر إلى كارثة حقيقة تحدق بالعراق حتى بعد الانتهاء من تصفية الإرهاب الدموي لقوى البعث الصدامية والقوى التكفيرية من أتباع بن لادن وأنصار الإسلام السنة ومن لف لفهم.
على حكومة الدكتور المالكي أن تتصرف باعتبارها حكومة وحدة وطنية مستقلة وغير ضعيفة ووفق التزاماتها التي أعلنت عنها في بيانها الحكومي الأول وفي التصريحات المتكررة والكثيرة لرئيس الوزراء, وأن تتصرف بحكمة, ولكن بصرامة ضد وجود المليشيات المسلحة وعملياتها العسكرية والقتل المتواصل, لأنها إن لم تتصرف كذلك ستكون القشة التي تقصم ظهير البعير العراقي الذي يحمل أوزاراً لا يستطيع إلا النفق تحتها. تتحمل الحكومة مسؤولية عدم تكرار مأساة رئيس الحكومة السابقة الدكتور الجعفري, الذي أُجبر على الذهاب, لأنه ساوم وساهم في تكريس ما نحن فيه الآن من نشاط للمليشيات المسلحة والطائفية السياسية وسمح, شاء ذلك أم أبى, باختراق أجهزة الدولة العسكرية والأمنية بقوى غير سليمة.

21/10/2006