| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

السبت 25 /11/ 2006

 

 

هل انتصرت هستيريا القتل الطائفي السياسي المتبادل في العراق؟

 

كاظم حبيب

كل يوم يواجه المجتمع العراقي, وخاصة في بغداد, المزيد من الفجائع البشعة. وكل يوم يرتفع عدد قتلى الأحياء الشعبية غير المحمية إلا من ميلشيات مسلحة تشكل جزءاً من عمليات القتل المتبادل, حتى وصل عدد قتلى الجريمة التي ارتكبت في مدينة الثورة (الصدر) حتى الآن 256 قتيلاً وما يقارب ذلك من الجرحى والمعوقين. فهل انتصرت هستيريا القتل الطائفي المتبادل ورؤية الجنائز التي تسير في شوارع بغداد لتودع عشرات بل مئات الشيعة, أو تحمل عشرات أو أكثر من السنة إلى مثواهم الأخير؟ هل بدأت الحرب الأهلية؟ وهل نجح القتلة في تفجير الفتنة الطائفية في العراق؟
تبرهن الأحداث الجارية في العراق إلى أن قوى الإسلام السياسي العراقية, سواء أكانت شيعية أم سنية, تقوم على أسس مذهبية ضيقة متعصبة ومتعارضة, وهي بالتالي ليست مؤهلة لحكم بلاد متعدد القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية, لأنها مصابة بعلة الطائفية السياسية, بعلة الكراهية المتبادلة والحقد الطائفي الأعمى, بعلة ألـ "أنا", ذات الهوية الطائفية القاتلة, في مقابل ألـ "آخر" بهويته الطائفية الأخرى, برفض الاعتراف بالآخر وعدم احترامه والسعي لإقصائه أو حتى استئصاله من الوجود أو المجتمع.
لقد سقط العراق في بحر من دماء الأبرياء من العراقيات والعراقيين, أصبح الموت يومياً واعتيادياً ولم يعد يشعر به إلا أولئك الذين يفقدون قريباً لهم وللحظة قصيرة, إذ اعتاد الناس على الموت وذرف الدموع, وإلا لما استطاع الإرهاب أن يتواصل حتى الآن.
لم يسقط العراق من ذاته بل أسقطته جمهرة من الساديين القتلة ومن المصابين بلوثة عقلية وأغرقته في هذا البحر من دماء الأبرياء. أما العقلاء من الناس, فهم الذين يقتل منهم يومياً العشرات وأحياناً كثيرة المئات, وهم ساكتون وعاجزون حتى الآن عن الحركة للجم المجرمين القتلة أياً كانت هويتهم المذهبية القاتلة. الأغلبية السكانية صامتة كصمت أبي الهول, وهي صابرة كصبر أيوب, وهي كما يبدو نائمة, وكأنها من أهل الكهف.
الاتهامات والتهديدات متبادلة بين الطائفيين السياسيين, فتل العضلات لم يتوقف سياسياً وعسكرياً. كل يهدد بقدراته على تأديب الآخر ويملك ما يساعده على ذلك, في حين تبدو الحكومة عاجزة عن استخدام السياسة والقوات المسلحة في إيقاف نزيف الدم المتواصل منذ ثلاث سنوات.
لم يعد يخفي البعض علاقته بقوى القاعدة وتأييده لها ولغيرها من قوى الإرهاب الصدامية باعتبارها قوى مقاومة للمحتلين, تماماً كما فعل حارث الشيخ ضاري في لقائه الصحفي في قناة الفضائية العربية, كما لم يخف التيار الصدري استعداده لممارسة القوة والعنف والانسحاب من البرلمان والحكومة إذ التقى رئيس الوزراء ببوش في الأردن, كما صرح بذلك صالح العگيلي عضو البرلمان العراقي عن التيار الصدري في مؤتمر صحفي عقد يوم 24/11/2006, فهل يلعب هذا التيار ذات اللعبة التي يمارسها حزب الله في لبنان لإسقاط الحكومة وإيقاف المحكمة الدولية عن ممارسة دورها في الكشف عن القتلة المجرمين.
الساديون القتلة يستخدمون قنابل الهاون والـ RBG7 والسيارات والعربات المفخخة والمجانين من الناس المفخخين, ويضحكون بملء أشداقهم ويسعدون كلما ارتفع عدد قتلى عملياتهم الإجرامية. والحكومة عاجزة عن اكتشاف أوكار هؤلاء القتلة ووضعهم في السجون وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاء ما فعلو ويفعلون. أما جمهرة السياسيين فتصريحاتهم تلهب المشاعر الطائفية البائسة وتعمق الاستقطاب وتحولها إلى أسلحة نارية قاتلة!

هل ولج العراق حرباً أهلية, كما توقعها بعض الصحفيين والسياسيين الغربيين وراهنوا عليها, نتيجة خلافهم وصراعهم مع الولايات المتحدة, وكأنهم كانوا ينفخون بها. وحصيلة هذا الصراع الدامي يتحمله سكان العراق بدمائهم وأرواحهم واستمرار تخلف بلادهم.
إن الإرهاب والفساد والطائفية السياسية تعتبر ظواهر متعانقة مع بعضها ومتشابكة ومتبادلة التأثير والفعل وناجحة في تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولا ينفع حين يحتج ممثل السيد السيستاني على دخول الأفراد إلى سلك الشرطة عبر مبلغ من المال غير موحد الكمية ليحصل من خلال هذه الرشوة على موقع مناسب له, وربما مناسب أيضاً للعصابة التي تقف وراء ولوجه سلك الشرطة والجيش وتأمين مبلغ الرشوة له. فالمؤسسة الدينية في الدول العربية, سواء أكانت سنية أم شيعية, مسؤولة مسؤولية مباشرة وغير مباشرة حول ما يجري في العراق.
ولا ينفع الاحتجاج ضد مبدأ المحاصصة الطائفية, كما عبر عن ذلك ممثل السيستاني, السيد الصافي, وخطيب جامع فاطمة الزهراء في النجف, السيد القبانجي, وهم من شارك في, وسهل, عملية توزيع المواقع في الدولة والحكومة, ما لم تخرج المؤسسة الدينية من أسر الطائفية السياسية ومن تأييدها الفعلي للأحزاب الإسلامية السياسية, ما لم تطالب بحل الميلشيات المسلحة, ما لم يتم الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية لصالح الطرفين ومصالح الناس الآخرين من القوميات والديانات والمذاهب العديدة.
ورغم هذه العمليات القذرة والمجازر البشعة الجارية حالياً في العراق, فأن المنطق السليم يؤكد بأن الهستيريا التي تسود صفوف القتلة من التكفيريين والصداميين والطائفيين السياسيين المتطرفين والميلشيات المسلحة والمصابة بجنون الكراهية والحقد والقتل الأعمى, لا يمكن أن تنتصر على إرادة الحياة والخير والحرية, ولا يمكن أن يستمر هذا طويلاً.
ويوماً بعد يوم, ورغم الضعف الذي تعاني منه القوى الديمقراطية والمدنية واللبرالية العراقية, يتأكد لدى الناس بأن قوى الإسلام السياسي, سواء أكانت في الحكم أم في خارجه, عاجزة عن ممارسة سياسة عقلانية غير طائفية وغير متعصبة وغير مستعدة لقتل الآخر المختلف عنها أو معها. ولهذا يفترض أن نتوقع تحولاً مهماً في مواقف الفرد والمجتمع.
ولكن, كما لم يسقط صدام حسين رغم ضعف نظامه وعزلته عن المجتمع, إلا بقوى خارجية, فأن الخلاص من الحالة الراهنة تتطلب دون أدنى ريب, وبخلاف ما يطالب به التيار الصدري لإشاعة الفوضى في البلاد والسماح لإيران بالهيمنة على العراق سياسياً وعسكرياً والتحكم بالوضع العام وتعطيل الحياة السياسية, كما يجري اليوم في لبنان بسبب دور حزب الله الموالي لإيران, يفترض أن نؤكد أهمية وضرورة دعم العالم, كل العالم للعراق سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً, من أجل الخلاص من الإرهاب ومن الميلشيات المسلحة الدموية ومن القوى التي تسعى إلى توزيع الدولة والحكومة والمؤسسات على أساس طائفي, ما لم تتحد القوى الديمقراطية والمدنية واللبرالية من العرب والكرد والتركمان والكلد أشور لتمارس العمل السياسي لتغيير وجهة التدهور الجارية حالياً في العراق. إن قوى الإسلام السياسي يمكن أن تدفع بالبلاد إلى أتون حرب أهلية, فهل يفترض أن نبقى نتفرج على ما يجري, أم يفترض أن نتحرى عن أساس سياسي وديمقراطي مشروع لعمل القوى التي تدرك عمق الهوة التي يتدحرج نحوها العراق لإيقافه من الوصول إلى قاع الهاوية.
من أجل إيقاف هستيريا الكراهية والحقد والقتل المتبادل بين القوى الطائفية السياسية وميلشياتها المسلحة وكل قوى الإرهاب الأخرى, أدعو إلى عقد مؤتمر عراقي واسع في كردستان العراق للحوار الهادئ والمسؤول حول سبل الخروج من الأزمة العميقة التي تأخذ بخناق الدولة والحكومة والمجتمع وجميع القوى السياسية, باعتباره الخطوة الأولى على طريق سليم يمكنه أن يوصل البلاد إلى جادة السلامة, إلى شاطئ الأمن والأمان والسلم الاجتماعي. أدعو قائمة التحالف الكردستانية أو القوى الديمقراطية الكردستانية كلها إلى أخذ المبادرة والدعوة إلى عقد مثل هذا المؤتمر أو الاستجابة لمبادرة لجنة دعم الديمقراطية في الخارج/بريطانيا, حول عقد مثل هذا المؤتمر.
أرجو أن تكون للقوى الديمقراطية والمدنية واللبرالية وقوى المسلمين المتفتحة أذاناً صاغية تسمع صرخات الاستغاثة التي تنطلق من أعماق العراق ومن ملايين العراقيين المجبرين على العيش في الغربة.
أرجو أن تكون لهذه القوى الإرادة الحية والوعي بالمسؤولية العالية وإدراك المخاطر الجمة التي تحيط بالمجتمع لكي تستجيب لنداء الاستغاثة, إذ قد فاض الكأس وغاص العراق في بحر جديد من دماء الأبرياء. وما سيأتي, ما لم يتم تدارك الأمر, سيكون أقسى واشد وأمر على كل العراقيات والعراقيين دون استثناء. فالطائفية السياسية المقيتة القائمة على التعصب والتمييز ورفض الآخر والرغبة في استئصاله يمكنها أن تحرق اليابس والأخضر وتحيل العراق إلى أنقاض وجثث, تماماً كما تنبأ وأراد ذلك الدكتاتور المجرم صدام حسين ورهطه. وعلينا جميعاً أن نوقف هذا النهج, أن نلجم الجماعات الدافعة إليه بكل حزم وصرامة وإصرار.
وعلى القوى الديمقراطية والمدنية واللبرالية أن تفرض على الولايات المتحدة الأمريكية تغيير نهجها الخاطئ وأساليب عملها المتخلفة في مواجهة الإرهاب, وهي مهمة ليست سهلة, ولكن الوضع الدولي المحيط بالإدارة الأمريكية والضغط الإقليمي والداخلي يمكن أن يساعد القوى الديمقراطية العراقية على تحقيق هذا التغيير المنشود.

25/11/2006