| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 24/1/ 2008



في الذكرى الأربعينية لرحيل الصديق الشاعر مرتضى الشيخ حسين

كاظم حبيب

قرأت له في منتصف الخمسينات من القرن الماضي , حين كنا نلتهم كل ما يقع تحت أيدينا وما يكتب عن واقع الريف والمجتمع العراقي المتخلف , فجاء كتابه الموسوم " قصة من الجنوب" الصادر في العام 1954 ليعرفنا عن أوضاع ريف لواء البصرة وما فيه من بؤس وفاقة وكدح يقصف عمر الفلاحين من النساء والرجال , وكانت كتاباته الصحفية تقرأ منا نحن الشبيبة الشيوعية حينذاك , كما كنا نقرأ الكثير من كتابات الآخرين ونتعلم منهم الشيء الكثير. كان الأستاذ الراحل صديقاً لعدد كبير من المناضلين الديمقراطيين والشيوعيين والمستقلين ويتمتع باستقلالية عالية في طرح وجهات نظره في الصحافة حينذاك.
ثم تعرفت عليه في برلين حين جئت إليها للدراسة في العام 1960 , وكان الرجل قد قضى عدة سنوات في ألمانيا الغربية يعمل ليعيش ويتعلم اللغة الألمانية , ثم انتقل للعيش في ألمانيا الشرقية ليعيش في مدينة برلين المجزأة إلى شطرين , إذ كان يقيم في القسم الشرقي منها ويعمل كصحفي وكاتب ومترجم.

كنا نلتقي , نحن الطلبة أعضاء جمعية الطلبة العراقيين في ألمانيا الديمقراطية , بالسيد في فعاليات الجمعية الكثيرة التي كانت تقام في المناسبات الوطنية مثل ذكرى ثورة تموز 1958 أو الأعياد الشعبية مثل عيد نوروز وعيد الأضحى وعيد رأس السنة الميلادية.
وكان الشيخ يحضر جميع تلك الفعاليات والمناسبات ويحتك بالطلبة ويتبادل معهم الأخبار عما يجري في العراق حين كان عبد الكريم قاسم في الحكم , إذ كانت الجمعية بمثابة الوعاء الذي يلتقي عنده الطلبة والعمال النقابيين والصحفيين الذين كانوا يعملون في ألمانيا الديمقراطية.
وحين وقعت كارثة انقلاب شباط الفاشي في العام 1963 كان الشيخ حسين من بين من ساهم بفعالية في المؤتمر الكبير الذي نظمته الجمعية ومشاركة وفد كبير من أعضاء لجنة الدفاع عن الشعب العراقي برئاسة شاعر العراق والعرب الأكبر الراحل محمد مهدي الجواهري وعضوية الشخصيات الوطنية المعروفة مثل الراحل الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم والدكتور الراحل فيصل السامر والصديق الأستاذ نوري عبد الرزاق والدكتور الراحل ماجد عبد الرضا الذين قدموا من براغ في حينها إلى برلين. لقد كان اجتماعاً كبيراً وحاشداً شارك فيه عدد كبير من العراقيات والعراقيين الذين قدموا من سائر أنحاء الألمانيتين ليحتجوا بشدة ضد الإرهاب الدموي الذي نظمه حزب البعث والقوميون العرب اليمينيون والحرس القومي السيئ الصيت ضد القوى الديمقراطية والشيوعية ومؤيدي عبد الكريم قاسم وراح ضحية ذلك الانقلاب الكثير من المناضلين الشجعان من مختلف الاتجاهات السياسية الديمقراطية العراقية , إضافة إلى عشرات الألوف لتي اعتقلت وعذبت وسجنت لسنوات طويلة.
درس أبو مفيد الصحافة وتخرج من كليتها في برلين , ودرس اللغة العربية في جامعة هومبولد ببرلين , وساهم في ترجمة الكثير من الدراسات والمقالات , ثم كتب عن تأثير القران في شعر شاعر ألمانيا الكبير فولنگانگ گوتيه. وكانت واحدة من أحسن مقالاته التي بلور فيها مواقفه أيضاً تلك التي كتبها عن فترة حكم قاسم , إذ كان قد زار العراق في العام 1961 وسجل ملاحظاته وانطباعاته الذكية والملموس تحت عنوان "عبد الكريم قاسم (أسوة بمصدق) بين المطرقة والسندان السوفيتي - مرتضى الشيخ حسين" نشرت في موقع الجيران , وهي من بين أوراق الراحل المهمة التي عبر فيها عن وعي عميق بالمشكلات التي تواجه المجتمع العراقي والأهمية البالغة لدولة القانون الديمقراطي وغياب الوعي بذلك حتى لدى الكثير من القوى السياسية حينذاك.

جاء في نعي نادي الرافدين الثقافي العراقي ما يلي:
عمل أبو مفيد مراسلا لصحيفة 14 تموز التي كان يصدرها الشاعر الكبير محمد مهدي ألجواهري ، بالإضافة إلى بعض الصحف ألأخرى مثل الصحيفة التي كان يصدرها لطفي بكر صدقي ، كما نشر مجموعة كبيرة من شعره في الصحف والمجلات العراقية والألمانية ، إضافة إلى بعض القصص ، وقد نشر أول قصصه عام 1954في نقد الوضع الاجتماعي السائد آنذاك وبعنوان "قصة من الجنوب" , وفي وقت لاحق كتب قصة "لقاء في الظهيرة اللاهثة" ، كما أسس مشاركة مع الدكتور صلاح خالص جمعية "أسرة الأدب الواقعي.., وعمل كمحرر للصفحة العربية في مجلة "الصادرات الألمانية" وعمل كذلك في إذاعة برلين العالمية , ثم عمل كمترجم في دار الترجمة . "
Intertext
كان الزميل الراحل صحفياً وكاتباً معروفاً , كثير القراءة وواسع المعرفة والثقافة , وخاصة في التراث الأدبي والثقافي العراقي , وكان وثيق الصلة بالأدب العربي والألماني كما كان دءوباً على الكتابة والنشر في مختلف المجلات والصحف العراقية والعربية والأجنبية وفي مجالات مختلفة.
كنت على علاقة طيبة مع الصديق مرتضى الشيخ حسين , كنت التقي في بيته أتمتع بمطالعة بعض كتب مكتبته الغنية وأتحاور معه حول القضايا العراقية , وكنت أتمتع بحكاياته الحلوة عن مغامراته الليلية مع نساء برلين الجميلات , وخاصة عندما يكون الجواهري في معيته ويقضون الأمسيات الحلوة في مرقص بودابست القريب من شقته في الدار رقم 39 في شارع كارل ماركس في وسط برلين. كان الراحل والجواهري يتمتعان بأمسيات حلوة وبمطاردات شعرية جميلة , إضافة إلى قراءة الجديد من قصائدهما. كانا يعيشان أياماً حلوة بين اللحن وكأس الويسكي والوجه الحسن. وكأي شاعر يعيش فيه جنّيه الخاص كان يعشق الناس ويرى فيها المرأة المظلومة التي حرمت في بلادنا من كل شيء رغم كثافة وغزارة العطاء النسوي للحياة وللرجل والعائلة. وكان الشيخ حسين يتمتع بعلاقات ودية وصداقية مع عدد كبير من الكتاب والشعراء في العراق وفي المهجر ويتبادل معهم الرسائل والكتابات , وكان متابعاً لما يكتب في العراق ويساهم في الكتابة إلى المجلات العراقية في مختلف الفترات دون توقف. وقد ترك خلفه كمية كبيرة من تلك الكتابات الغنية التي تحتاج إلى أرشفة ونشر لأن فيها الكثير مما ينفع قراء العربية ويبرز قدرات هذا الرجل الذي عرف الهجرة والغربة والوحدة , ولكنه عرف مفهوم الوطن ببعده الإنساني الجميل والحديث. وقد وضعت هذه التركة الثقافية في عهدة ابنته السيدة ملك (أم تمامة) عقيلة الكاتب والقاص والصحفي العراقي الأخ والصديق جاسم المطير.
في العام 1973 صدرت قصته الثانية والأخيرة المنشورة تحت عنوان "لقاء في الظهيرة اللاهثة" عن مطبعة الأديب البغدادية , حيث يروي فيها قصة عائلة فلاحية فقيرة تقع في حبائل معاون قائد القوات البريطانية في منطقة الاحتلال الجنوبية السيد داوسن وتتحول إلى عائلة تتجسس على أبناء جلدتها لصالح الاستخبارات البريطانية في الجنوب , وخاصة الشاب شامل, لقاء هدايا وراتب يفوق ما يحققه الفلاح من دخل يعيش منه الفلاح بكرامة. يتضمن الكتاب إدانة شديدة للنشاط التجسسي والعمالة الأجنبية , كما يتضمن أفكاراً مهمة عن الوطن حين يذكر عن لسان الفلاح البائس رداً على منتقديه لعلاقته بداوسن ما يلي:
"- ماذا استفدنا من هذا الوطن . وطن , وطن , إنه اسم بلا جسم. مضت سنوات ونحن نسمع هذه الكلمة فأين هو الوطن؟ هل لدي شبر واحد من أرضه , أهذا الكوخ القصبي البالي المفكك هو وطني؟ وأنا لا أملك حتى أشبار الأرض التي بنيت عليها هذا الكوخ. الوطن هو الخبز وحيثما تيسر لي كان فيها وطني. كل من يساعدني على كسب هذا الخبز ولا يسلبه مني فهو أخي أخدمه بعيني وقلبي. لو أن الملاك يسلمني حق أتعابي لما طلبت مساعدة من أحد ولو أن الحكومة تلتزم جانبي ولا تسجنني عند معارضتي للملاك ومطالبتي بحقوق عملي لرفضت كل مساعدة من أي أجنبي." (
ص 33/34).
كان الشيخ في كتابه لا يدين التجسس فقط , بل يدين أولئك الذين يستغلون الفلاح ويحيلونه جلداً على عظم , ويدين الحكومات المتعاقبة التي لا توفر للفلاح وللمواطن ما يفترض أن يوفر العيش الكريم للإنسان , كما كان في ذلك يطرح جملة العوامل التي تراكمت لتقود إلى ثورة تموز في العام 1958.
كتب مرتضى الشيخ حسين الكثير من القصائد الشعرية , حتى سنواته الأخيرة وقبل أن يصاب بالعمي تقريباً وبالصمم وبالشيخوخة المرهقة , كان يمارس كتابة الشعر ويرسلها للنشر ويحضر اجتماعات نادي الثقافي العراقي وقد تجاوز الثمانين سنة.
كتب شعراً جميلاً في فترات شبابه الأولى ونشر قصائد مهمة منها مثلاً قصيدته المعروفة بعنوان "الكارثة الكبرى" التي نشرت في موقع المركز الفلسطيني للإعلام جاء فيها :

                حتى م يكذب حكام من العرب             والكذب عندهم أحلى من العنب
                في كل يوم لهم أكداس ثرثرة             من الأكاذيب في الأقوال والخطب
                يسقون أرض فلسطين بأدمعهم           وهم على شعبها كالنار بالحطب
                عين تغازله وداً وتنجدها                  عين تراقبه بالحقد والغضب

رحل عنا الشاعر والأديب والصحفي والصديق مرتضى الشيخ حسين بين 15-17 من شهر كانون الأول من العام 2007 عن عمر تجاوز 83 عاماً , دون أو يودعنا , فقد فاضت روحه حين كان وحيداً في شقته في برلين , ولم يتسن لأبنته الفاضلة أم تمامة أن تصل إليه حين اتصل بها يعلمها بوضعه المرهق وقرب نهايته التي كان يحس بها تماماً ورجاها أن تسرع بالمجيء إليه. حتى الصديق العزيز وعضو الناي العراقي السيد طارق حبيب الذي كان يساعده في الأشهر الأخيرة من حياته , كان حين رحيله عنا بعيداً عنه.
لقد شارك في وداعه الأخير جمع غفير من عائلة وأصدقاء الراحل وصحبه ومن الجالية العراقية في برلين وأقيم لتوديعه أكثر من حفل تأبيني في برلين ولاهاي , فله الذكر الطيب ولعائلته الصبر والسلوان.

23/1/2008



 

Counters