| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأثنين 24/7/ 2006

 

 


رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس وزراء الحكومة العراقية

 

السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي الدكتور جواد المالكي المحترم

تحية واحتراماً وبعد,
يدرك الكثير من الناس في العراق أن الموقف السلبي إزاء السيد الدكتور الجعفري من جانب الكثير من القوى السياسية العراقية لم يكن بدافع شخصي بأي حال, بل ارتبط بالسياسات التي مارسها والمواقف التي اتخذها الدكتور الجعفري خلال فترة حكمه التي دامت حوالي سنة ونصف السنةً, حيث اشتد في فترة رئاسته للوزارة الاصطفاف والاستقطاب الطائفي السياسي في العراق وشارك بفعالية في تعميق الارتباط الحكومي المباشر بالمرجعيات الدينية في حين كان الموقف الحكيم يتطلب تجنيبها مشكلة الحكم والسياسة, إذ أنه حوّل المرجعية الدينية إلى ولاية الفقيه عملياً, في حين لا يأخذ حزب الدعوة بقاعدة ولاية الفقه. كما ساهم بدور ملموس, وبالتعاون الوثيق مع وزير الداخلية بيان جبر, في تسهيل اختراقات المليشيات المسلحة لجميع أجهزة الدولة العسكرية, إضافة إلى اتجاهات سلبية أخرى في ممارسة الحكم, وخاصة الفردية الفاضحة والسكوت عن الفساد المالي والنهب الواسع للنفط من جانب بعض أبرز قوى الإسلام السياسي الشيعية في البصرة وساعد أو سكت على الامتداد الإيراني في الجنوب وفي بغداد. لقد كان يتعامل مع الأحداث بكلمات ضخمة متعالية ولكنها فارغة أو موجهة بصورة خاطئة ومضرة. وقد كتبت عن ذلك في حينها العديد من المقالات بهدف المساهمة في تعديل المسار, ولكن دون فائدة.
ومع التبديل الوزاري وتسلمكم رئاسة الحكومة وطرحكم مشروع المصالحة الوطنية, استبشر الناس خيراً للنهج الذي تتبعوه حالياً, إذ جاءتكم الكثير من إشارات التأييد للسياسة الجديدة ونهج الاستشارة والتشاور والابتعاد عن الفردية التي تميزت بها سياسة ومواقف السيد الجعفري. ومن هنا يتبين أن الموقف إزاء الجعفري لم يكن لغرض شخصي أو تعمد الإساءة إليه, بل بسبب نهجه السياسي الخاطئ وممارساته غير السليمة التي كانت تشير إلى روحية استبدادية ملموسة.
ومع تأييدي للنهج الذي بدأتم به, رغم اعتراضي المطلق على المحاصصة الطائفية في تشكيل الوزارة وتوزيع المناصب ...الخ, أود أن أشير إلى ثلاث استنتاجات بعد مرور فترة مناسبة على طرح المبادرة وخطة أمن بغداد, وهي:
• إن الاستجابة لهذه المبادرة ما تزال محدودة بل وضعيفة عموماً.
• وإن خطة أمن بغداد لم تنجح ولم تحقق أهدافها بأي حال.
• وأن عمليات الإرهاب والقتل والتدمير ما تزال متواصلة دون توقف في بغداد والبصرة وكركوك وفي مدن أخرى وأن عدد القتلى في تزايد وكذلك الخسائر المادية.
وعلينا أن نتساءل مع الكثيرين: هل هناك من خلل؟ وإذا كان موجواً فأين يكمن الخلل؟ إن تتبعي للأوضاع السياسية في العراق يسمح لي بطرح الإجابة التالية عن السؤالين, وهي أقرب إلى قراءة الواقع العراقي منها إلى الاجتهاد.
يبدو لي بأن هناك خلالاً كبيراً في الوضع القائم في العراق وفي سبل ممارسة السياسة والنهج الذي طرحتموه. كما يبدو لي أن هناك ستةَ عوامل تساهم في استمرار غياب الأمن والاستقرار في العراق أدرجها فيما يلي حسب أهميتها الفعلية في الساحة السياسية العراقية:
1. الممارسة المناهضة لسياسة المصالحة الوطنية التي تمارسها المليشيات الإسلامية المسلحة ومشاركتها الفعلية في إشاعة القتل والاختطاف والابتزاز وطلب الفدية ...الخ.
2. الاختلاف البيّن في وجهات نظر قوى الإسلام السياسي الشيعية أولاً والسنية ثانياً من موضوع المصالحة وحدودها وشروطها والقوى المشمولة بها .. الخ, إذ من المؤسف أنها لم تتوصل إلى رؤية مشتركة حلو هذه القضية.
3. الخطاب المزدوج الذي تتحدث به الجهات المسؤولة في الحكومة أو مستشاري الحكم, كما في موضوع الجماعات التي يراد اعتقالها والمقيمة في العراق أو الدول العربية وطريقة عرض الموضوع والتي لا تعبر عن وجود سياسة واحدة ومنسقة ومشتركة بين الأطراف المتحالف في الحكومة العراقية. ويكفي أن نطلع على موقفي رئيس الدولة من هذه القضية جهة, وموقف وتصرف مستشار الأمن القومي منها من جهة أخرى, لندرك الفارق النوعي بينهما لصالح رئيس الدولة.
4. الأخطاء التي ما تزال تصاحب السياسة الأمنية والعسكرية للقوات الأجنبية في العراق وعجزها عن توفير مستلزمات التنفيذ الفعال والواضح والتنسيق العقلاني مع القوات العراقية لا في تنفيذ خطة أمن بغداد فحسب, بل في مجمل العملية الجارية في العراق, والتي يعود بعضها إلى تشتت وتباين وسوء إدارة المواقف العراقية التي تربك عمل القوات الأجنبية, وربما العكس صحيح أيضاً.
5. الاختراقات الكبيرة الراهنة في أجهزة وقوات الشرطة والجيش والأمن من جانب المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المختلفة وقوى الجريمة المنظمة.
6. العجز عن تحسين الخدمات العامة والتخفيف من أعباء الناس وخاصة البطالة وانقطاع التيار الكهربائي والنقل والخدمات الأخرى والتضخم الزاحف الذي يتجلى في ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات ...الخ.
ولكن لا بد لي من إضافة ثلاثة عوامل إلى هذه العوامل لتبدو الصورة أكثر وضوحاً وواقعية, وهي:
1. إصرار جميع قوى الإرهاب العراقية والعربية والإسلامية الفاعلة في العراق على مواصلة مسيرة القتل والتخريب والتدمير من أجل إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والتذمر والتشكيك بقدرة الدولة العراقية على تحقيق الأمن والسلام في العراق وإعاقة سير عملية المصالحة واستتباب الأمن.
2. التدخل الخارجي الفظ في شؤون العراق الداخلية وخاصة من دول وقوى الجوار العراقي, وعلى نحو ملموس إيران وسوريا, وقوى سياسية في لبنان والأردن والخليج. ولا شك في أن استمرار التسلل منها ومن السعودية يساهم في مواصلة وصول مجموعات جديدة من الانتحاريين البؤساء والجهلاء والمهووسين بدخول الجنة! إلى الساحة العراقية.
3. كما تلعب بعض أجهزة الإعلام العراقي والعربي والإسلامي دورها في التدخل الفظ في الشأن العراقي وتأجيج الطائفية وتشجيع العنف عبر بعض الفضائيات العراقية والعربية والإيرانية والإسلامية بوضوح كبير أيضاً.
كل هذه العوامل مجتمعة تلتقي لتصب في مجرى واحد هو إعاقة الحركة صوب المصالحة الوطنية واستتباب الأمن والاستقرار في البلاد ووضع العقبات في طريق الحكومة وعجزها عن تنفيذ مهماتها الوطنية والديمقراطية في هذه المرحلة الحرجة.
ومن هنا تأتي أهمية معالجة القضايا الداخلية في الصف الحكومي أولاً, لكي يمكن توفير مستلزمات الحديث مع القوى الأخرى التي تسعى الحكومة إلى تأمين مستلزمات الحوار معها والوصول بالعراق إلى طريق السلامة ثانياً.
إن تشكيل لجنة سياسية قوامها 30 شخصاً, كما أعلنه السيد رئيس الجمهورية العراقية باتفاق الرئاسات الثلاث مفيد طبعاً, ولكن يفترض في هذه اللجنة الجديدة أن تراقب أولاً وقبل كل شيء نشاط الجماعات المسلحة التي تخل يومياً بمبدأ المصالحة الوطنية في الصف الحكومي من خلال تأجيج الطائفية السياسية وإعاقة الاستقرار وتوسيع عمليات القتل المتبادل والاختطاف والابتزاز والفدية ...الخ. ويصعب على هذه اللجنة تسهيل وتوفير مستلزمات نهوض الحكومة بمهماتها ما لم تبادر إلى قطع دابر أولئك الذين يتحركون من خلال قوى الحكم لإعاقة تنفيذ مهمة المصالحة الوطنية.
إن الدلائل التي تحت تصرفنا تشير إلى أن قوى فعلية في الميليشيات المسلحة لقوى الإسلام السياسي, الشيعية منها والسنية, تمارس أفعالاً تقود إلى المزيد من التوتر والنزاعات الدموية والقتل الثأري المتبادل. وأن قوى أخرى فيها ترفض ذلك ولكنها ضعيفة الوزن وقليلة التأثير وأن القوة والتأثير والنفوذ تبرز في من لديه السلاح ويتحكم بقراراتها.
لا يمكن للعراق أن يهدأ وتستتب فيه الأمور ويتجه صوب إعادة البناء والتعمير إلا إذا تسنى له البدء بممارسة السياسات التالية, كما أرى, من جانب الحكومة المركزية, وهي:
• توحيد المواقف بين أطراف الحكومة العراقية والعمل على منع حقيقي لممارسة السياسات والمواقف الطائفية من جانب قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية. وأن يتجلى هذا المنع في الكف عن فرض المحاصصة الطائفية وبالطريقة المعمول بها حالياً, إذ أنها تمزق وحدة النسيج الوطني وتضعف كلية روح المواطنة والإحساس بالمساواة وتعيد العملية إلى نقطة الصفر, أي لا نبتعد عن السياسة الطائفية التي مارسها صدام حسين ولكن من طرف آخر, إذ كان الضحية باستمرار, ولكن عليه أن لا يكون الجلاد الجديد بأي حال. علينا أن ندرك جميعاً ب "أن الدين لله والوطن أو الدولة العراقية للجميع", وليكن هذا شعارنا, شعار المرحلة الراهنة والمستقبل أيضاً.
• العمل من أجل إبعاد المشاريع الطائفية السياسية في إقامة الفيدراليات العراقية, فالعراق يتسع لفيدراليتين لا غير, فيدرالية كردستانية وأخرى عربية, وحكومة مركزية تجمع الفيدراليتين, وبالتالي فموضوع فيدرالية الجنوب دون محافظات غرب بغداد, أو ما يطلق عليه بالمثلث السني خطاً ومعها الموصل, لا يعني سوى تقسيم العراق العربي إلى فيدراليات شيعية وأخرى سنية في إطار القومية الواحدة, وهو أمر لا يجوز قبوله على هذا الأساس, إذ أنه تمزيق للوحدة القومية العربية في العراق. وأنا واثق بأن هذه الإشكالية هي أحدى معوقات العمل من أجل المصالحة الوطنية التي يفترض أن نعمل على تجنبها.
• أدرك حقاً صعوبة إنهاء الوجود الفعلي للمليشيات المسلحة في صفوف قوى الإسلام السياسي المتطرفة منها والمعتدلة, ولكن لا مندوحة من ذلك, ولا يجوز بأي حال السماح لها بدخول القوات المسلحة, فهوية هذه القوى طائفية سياسية بحتة قبل أن تكون عراقية, في حين أن المهم أن تكون عراقية أولاً وقبل كل شيء.
• على الرئاسات الثلاث ومجلس الوزراء إعادة النظر بسرعة بمسألتين مهمتين, وهما: شروط المصالحة الوطنية من أجل توسيع قاعدة المشمولين أولاً, وتغيير جدي في خطة أمن بغداد والعراق لصالح تجنب الأخطاء التي ارتكبت وساهمت بفشلها وتوحيد الخطاب الأمني العراقي بشكل خاص ثانياً.
• تعجيل توفير الخدمات العامة للمواطنين وإيجاد فرص عمل للعاطلين بشكل واسع من خلال إقامة الطرق والجسور وتبليط الشوارع وتنظيف المدن العراقية من النفايات التي تعج بها المدن ودعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي تشغل المزيد من الأيدي العاملة من خلال الموافقة على تقديم القروش المناسبة وبدون فائدة ولعشر سنوات قادمة مثلاً.
• تنشيط عملية المراقبة على الحدود العراقية الإيرانية والعراقية السورية والعراقية السعودية والعراقية الخليجية, إضافة إلى تشديد الرقابة على القادمين عبر وسائط النقل الجوي من أوروبا والدول العربية وغيرها, إذ أنها الطريق السهل للعبور خاصة وأننا لا نأتمن بصورة مضمونة جميع السفارات العراقية الراهنة التي ما يزال يعمل فيها البعض الذي لا يمكن الثقة به وبسلوكه السياسي وأمانته.
• تأمين مشاركة فعلية لدول أوروبية مع الولايات المتحدة في الجهود المبذولة لاستتباب الأمن والاستقرار في العراق من خلال العملية السياسية والأمنية والاقتصادية, بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها والتي برهنت حتى الآن على أنها ليست بقادرة على كل شيء.
• تأمين التعاون الجدي مع الجامعة العربية لتقوم بدورها المطلوب في المصالحة الوطنية والتي يفترض عقدها في شهر آب/أغسطس 2006, إذ أن لها تأثيرها السياسي على بعض القوى السياسية العراقية.
السيد رئيس الوزراء المحترم
أدرك تماماً صعوبة تنفيذ مثل هذه الخطوات, ولكن أدرك أيضاً بأن لا سبيل لنا غير هذا السبيل, فهو الذي يساعدنا على مواجهة قوى الإرهاب الدموية التي لا تريد الكف عن قتل الناس العراقيين, من نساء ورجال وأطفال, على قتل الأبرياء, وخاصة الفقراء والكادحين منهم, إضافة إلى الإجهاز على مثقفي واختصاصي البلاد من خيرة أساتذة الجامعات العراقية والعلماء والأدباء والفنانين من مختلف المجالات الإبداعية, وكذلك قتل وتشريد وتهجير أتباع الديانات العراقية الأخرى كالديانات المندائية والمسيحية أو الشبكية والأيزيدية وكذلك أتباع المذاهب الأخرى, بهدف التخلص منهم أو إجراء تغيير سكاني في المناطق والمحافظات والمدن العراقية. إننا أمام معركة حامية الوطيس بين قوى الشر وقوى الخير وأن الانتصار في النهاية سيكون لقوى الخير دون أدنى ريب. ولكن لن يتحقق هذا النصر دون تحقيق المهمات المشار إليها وغيرها في هذه الفترة من تاريخ العراق. أملي أن يكون حزبكم, حزب الدعوة وبقية الأحزاب الإسلامية السياسية, قد تعلم من دروس الماضي القريب ومن دروس حكومة الدكتور الجعفري لكي يتجنب المطبات التي صادفتنا وما تزال تواجه التحرك صوب المصالحة الوطنية, كما أن نهجكم الراهن يشير إلى البدء باستيعاب تلك الدروس, وأتمنى أن لا أكون مخطئاً في ما أقول.
وإذا ما اتفقنا على أهمية تنفيذ المهمات المشار إليها وغيرها, عندها يمكننا أن نردد مع الشاعر الذي قال:
                وستنقضي الأيام والخير ضاحك            يعم الورى والشر يبكي ويلطم

مع خالص التقدير والاحترام

كاظم حبيب
برلين في 23/7/2006