| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأحد 24/2/ 2008



الحقوق القومية بين النظرية والتطبيق *

كاظم حبيب

تنص اللوائح الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها بكل حرية وبعيداً عن أي تأثير داخلي أو خارجي. ويجد هذا الموقف تعبيره الواضح في لائحة حقوق الإنسان الدولية الصادرة في العام 1948 , وكذلك في العهود والمواثيق الدولية الصادرة فيما بعد , وخاصة في سنوات العقد السابع من القرن العشرين. كما أن هذا مثبت في "إعلان الجمعية العامة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية الصادر برقم /135 والمؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1992.
ووفق المعلومات المتوفرة لدينا , فأن الكثير من دول العالم , وخاصة الدول النامية , لم تلتزم بمضامين هذه اللوائح الدولية أو تتجاوز على الكثير من مضامينها , مما فسح ويفسح في المجال لارتكاب تجاوزات فظة على مدى سنوات القرن العشرين حتى يومنا هذا ضد الكثير من الشعوب والقوميات والأقليات القومية أو الإثنية أو الدينية ... الخ. وتقدم الدول العربية نموذجاً صارخاً في هذا المجال , رغم أن بعضها قد اقر وصادق على تلك اللوائح ويفترض فيه أن يلتزم بتنفيذها. وتقدم الدول العربية في المشرق العربي ودول شمال أفريقيا (الدول المغاربية) نماذج حية في هذا الصدد , سواء ما يمس حقوق المنتمين إلى قوميات غير القومية العربية أو إلى أديان غير الدين الإسلامي , كما يبرز أيضاً في بعضها التمييز المذهبي , إضافة على التمييز ضد المرأة. وهي لوحة قاتمة في حياة شعوب كثيرة , إذ أنها كلفت ولا تزال تكلف الإنسانية الكثير من الضحايا والكثير من الخسائر المادية والحضارية. ومن المؤسف حقاً أن الأمم المتحدة لم تتخذ في أغلب الحالات أية إجراءات قانونية دولية تفرض على حكومات الدول الشمولية وغير الديمقراطية الالتزام بمضامين تلك اللوائح وتنفيذها لصالح الإنسان ولصالح تطور وتلاحم مواطنات ومواطني ذات الدول.
والعراق الحديث قدم منذ تأسيسه في العام 1921 نموذجاً صارخاً في هذا المجال , رغم توقيع العراق على كل اللوائح الصادرة عن الأمم المتحدة تقريباً , ابتداءً من اللائحة الدولية لحقوق الإنسان التي شارك في وضعها والتوقيع والمصادقة الرسمية عليها ومروراً بالكثير من اللوائح والمواثيق الأخرى.
ولست في معرض تقديم دراسة تاريخية عن تجاوزات الحكومات العراقية المتعاقبة على حقوق القوميات المختلفة في العراق , سواء أكان في العهد الملكي أم في العهد الجمهوري , الذي بدأ في العام 1958 , حيث برزت بعض المظاهر التي كانت تشير إلى احتمال التزام العراق بتلك اللوائح في أعقاب قيام الجمهورية الأولى , ولكن سرعان ما اختفى ذلك الاحتمال وحل الخلاف الشديد بين القوى السياسية ثم بدأ منذ العام 1961 الخلاف بين سياسة عبد الكريم قاسم والقوى السياسية الكردية بشأن الحقوق القومية للشعب الكردي, وتفاقمت هذه الحالة في أعقاب انقلاب شباط الدموي في العام 1963 , وتحول إلى مواصلة الاضطهاد والحروب وسيل من الدماء كرد على مطالبة القوميات العديدة الموجودة في العراق بحقوقها القومية. ولنا في ما تعرض له الشعب الكردي في كُردستان العراق من جرائم بشعة ضد الإنسانية وجرائم إبادة ضد الجنس البشري في عمليات الأنفال ما يندى له جبين البشرية كلها. وقد شملت هذه العمليات الدموية قتل المئات من بنات وأبناء الشعب الكلداني الآشوري السرياني. وعلينا أن نتذكر هنا أيضاً ما فعله النظام بالكُرد الفيلية من قتل وتهجير قسري ومصادرة أموال ودور سكن. وحين نعود بالذاكرة على العام 1980 فعلينا أن لا ننسى التهجير الواسع النطاق لعرب الوسط والجنوب , باعتبارهم شيعة , واتهامهم , ومعهم الكردي الفيلية , باحتمال أن يكونوا "حصان طروادة" (كذا!) في العراق لصالح إيران!
في العام 1991 وفي أعقاب اندحار القوات العراقية في حرب الخليج الثانية أجبر النظام العراقي على الانسحاب من إقليم كُردستان العراق وتشكلت حكومة كردستانية فيه. ثم تأسست في العام 1992 فيدرالية كُردستان التي تكرست تشريعاً وفق القانون الأساسي الذي صدر في العام 2006.
من المعروف أن العراق متعدد القوميات , ففيه توجد القوميات العربية والكردية والتركمانية والكلدانية الآشورية السريانية. وهي لها حقوق وواجبات. وقد أكد الدستور الجديد على تلك الحقوق. واعتبر العراق يتكون من قوميتين رئيستين هما العربية والكردية وأقليات قومية هي التركمان والكلدان والآشوريين. وعلينا أن لا ننسى بأن العراق يتكون أيضاً من مجموعات دينية عديدة والتي يفترض أن تتمتع بحقوقها المشروعة كأتباع أديان يحق لهم المساواة التامة ودون تمييز بسبب الدين أو المذهب من جهة , ويحق لهم ممارسة طقوسهم الدينية بحرية وأن تحترم خصوصيتهم وتصان من أي إساءة لهم من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار تؤكد اللوائح الدولية على حقوق أساسية للأقليات القومية التي لا يضعف كونها أقليات قومية من حيث عدد النفوس , ولكن لها حقوق متساوية من حيث المواطنة المتساوية ومن حيث التمتع بالحقوق الثقافية والإدارية والحرية الدينية والمشاركة المتساوية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعلم باللغة القومية ...الخ, إذ أن من الواجب تأكيد قاعدة مبدئية مهمة جداً وحرية بالتنفيذ هي "الدين لله والوطن للجميع".
إلا أن العراق , وبسبب معاناته من غياب التنوير الديني والاجتماعي وغياب الدولة المدنية عن حياته العامة , فقد أدخلت الأحزاب الإسلامية السياسية , سواء شيعية كانت أم سنية , نصاً غير عقلاني يؤكد أن دين الدولة هو الإسلام , وهو بخلاف الدولة العلمانية أو الدولة المدنية التي تفصل بين الدين والدولة , وتعتبر الدين لله والوطن للجميع. ومن هنا فأن بعض ما يفترض أن يكون متساوياً بين المواطنين قد صودر عملياً مثل مصادرة حق الإنسان غير المسلم في الترشيح لموقع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة , على سبيل المثال لا الحصر. وهو أمر غير سليم ولا يقوم على أسس مدنية حديثة.
الشعب الكلداني الآشوري السرياني , كما هو معروف من بين أقدم شعوب المنطقة , وهو يتكون من قبائل سامية (وفق التصنيف الجاري) عديدة , ولكنها , كما تشير إليه كتب التاريخ والأجناس أنها جميعاً تنحدر من جذر واحد. وقد تبنت كلها الدين المسيحي منذ بدايات بروز الدين المسيحي , بعد أن كانت على دين العراقيين القدامى في الدولة البابلية والآشورية والكلدية.
ولست معنياً باعتبارها من قومية واحدة أم من قوميات عديدة , فمن حقهم حسم هذا الأمر لصالح وحدتهم وقوتهم وتحقيق مطالبهم في العراق. ولكني أعتقد بأن هذه المجموعات البشرية لها حقوق واضحة في العراق فهي تعيش فيه منذ ما يقرب من 3000 عام على اقل تقدير , وهي من بقايا الدولة الآشورية والبابلية والكلدية. ولغة هذه التكوينات القومية الثلاثة هي اللغة الأكدية أو السريانية , والتي يتحدثون بها بلهجات متقاربة.
ولم تكن تعيش في الأراضي التي هي الآن ضمن الحدود العراقية للدولة الحديثة , بل كانت تمتد إلى مناطق في تركيا وفي إيران وسوريا.
وإذ نترك التاريخ لدارسيه , فأن ما يهمني هو حقوق هذه الجماعة البشرية من مواطنات ومواطني العراق. فأنا إلى جانب منحهم فوراً الحقوق الإدارية والثقافية والسياسية والتعليمية وبقية حقوق المواطنة الكاملة غير المنقوصة , وهي حالة تستوجب تعديل الدستور ليكون علمانياً , لكي يحق للمواطنة أو المواطن المسيحي أن يكون رئيساً للجمهورية العراقية أو رئيساً للوزراء أيضا.
يتوزع مواطنات ومواطنو هذا الكيان القومي على مختلف مدن العراق عموماً , فهم يعيشون في مناطق تعتبر ضمن إقليم كُردستان وأخرى ضمن الموصل التي هي جزء من العراق , كما أن هناك مسيحيين يعيشون في البصرة وفي بغداد بشكل خاص. إلا أن من الواجب منح الأقضية والنواحي والقرى التي تعيش فيها أكثرية كلدانية أو آشورية أو سريانية إدارة ذاتية ضمن المنطقة التي يعيشون فيها , سواء أكانت في العراق ككل أم في إقليم كُردستان العراق. هذا من الناحية الإدارية , كما يحق لهم التعلم باللغة السريانية , إضافة إلى اللغة العربية أو الكردية ولغة أجنبية كالإنجليزية والفرنسية مثلاً , ولكن أجد مناسباً أن تدخل في المناهج العراقية إمكانية تدريس هذه اللغات وكذلك اللغة التركمانية في كل المدارس العراقية على أن يكون بعضها غير إلزامي , بل اختياري.
ويفترض أن تتمتع هذه المكونات القومية بحقوقها الثقافية من إصدار الكتب بلغة الأم وإقامة المحاضرات والندوات والمسرح ... الخ. إن تطور هذه الثقافات سيسمح بتلاقح أفضل في ما بينها وإغناء متبادل أيضاً.
ويبدو لي مناسباً أن أشير هنا إلى إمكانية وضرورة تكوين مجلس عراقي للقوميات , إلى جانب المجلس النيابي. ولا أريد هنا في هذه العجالة أن أقدم مشروعاً في كيف يمكن أن يكون مثل هذا المجلس وبنيته وحقوقه وواجباته بجوار مجلس النواب , بل يفترض أن يستفاد من تجارب الدول الديمقراطية والدراسات التشريعية في هذا الصدد.
إن العراق الراهن لم يعرف حتى الآن كيف يتعامل مع الحقوق القومية والحقوق الدينية والمذهبية للشعوب والقوميات المختلفة , ولكن لا بد أن يأتي اليوم الذي تعيش كل أتباع كل القوميات والأديان والمذاهب والأفكار بكل حرية وحياة دستورية ديمقراطية تصان فيه كرامة الإنسان وحياته وحقوقه كاملة غير منقوصة , ومنهم المواطنات والمواطنون من الكلدان والآشوريين والسريان.
من الواجب أن تصدر قوانين عن المجلس الوطني العراقي وعن المجلس الوطني في إقليم كُردستان تتحدد فيها بوضوح الحقوق المشروعة والعادلة لهذه القوميات بما لا يترك مجالاً للشك أو التفسير الخاطئ أو التجاوز على تلك الحقوق , كما تتحدد فيها الواجبات التي هي واجبات المواطنة الكاملة والمتساوية.
إن الاستجابة التامة للحقوق القومية المشروعة والعادلة ستساهم دون أدنى ريب في تعزيز التآخي والتضامن والتفاعل في مابين مكونات الشعب العراقي.

برلين في 23/2/2008

* قدمت هذه الكلمة في الندوة التي أقامها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في ألمانيا في مدينة برلين بتاريخ 23/2/2008.



 


 

Counters