| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأربعاء 23/1/ 2008



رسالة مفتوحة
القوى اليسارية والديمقراطية العراقية إلى أين؟

كاظم حبيب

يمر العراق بمرحلة مهمة ومعقدة جداً تشير إلى فعل عوامل كثيرة داخلية وإقليمية ودولية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على حركة المجتمع وقواه وأحزابه السياسية وعلى بروز محاولات لاصطفافات جديدة في الساحة السياسية تحاول أن تضع لها أهدافاً جديدة وساحبة خلفها قوى سياسية مهمة , ولكنها لا تزال ضعيفة غير قادرة حتى الآن التأثير الفعال في الحياة السياسية العراقية , وخاصة الأجنحة اليسارية والديمقراطية العربية , وعاجزة عن أن تجد لها حلفاء فعليين أقوياء على مستوى العراق لتؤثر في مجمل العملية السياسية.
لقد بلورت الفترة الأولى التي أعقبت سقوط النظام فرصة مثالية لقوى اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية على مستوى القطر في أن تلملم نفسها وتجمع قواها وتوحد صفوفها وتدفع بها لتؤثر بفعالية وحيوية في مجمل العملية السياسية. ولم يحصل هذا لأسباب لسنا في معرض البحث فيها على أهميتها , إذ ما يهمنا الآن هو ما العمل في هذه المرحلة التي تبدو لي في بعض جوانبها جديدة.
في مقابل ذلك التخلف الذي صاحب تلك القوى , نشأت تحالفات ذات وجهة يمينية بين القوى السياسية الإسلامية التي كانت ولا تزال تسعى إلى إقامة دولة دينية في العراق , جرّت معها, وبسبب حركتها ودعم قوى الاحتلال لها ودور وتأثير المرجعية الدينية في وعي الناس المعروف لنا جميعاً , قوى الحركة السياسية الكردية , التي حاولت ن تخفف من غلواء قوى الإسلام السياسي , ولكنها لم تستطع منعها من السيطرة الفعلية على وسط وجنوب العراق والتحكم إلى حدود بعيدة في تقاسم السلطة الذي ساهم بدوره وتأثير بتهميش قوى اليسار والديمقراطية في العراق وأن تجرها لمساومات معينة لم تكن كلها إيجابية.
ولكن الفترة الجديدة تشير إلى بروز إرهاصات جديدة لا تزال في بداية تكونها تشير إلى احتمال نشوء مناخ سياسي جديد في العراق تستوجب التفكير المتأني لاتخاذ المواقف الأكثر سلامة وحيوية وقوة وتأثيراً. إن أول معالم هذا التحول التدريجي البطيء , ولكنه ملموس يبرز في بدء تفكك الجبهة اليمينية المكونة من الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية , سواء أكانت شيعية أم سنية. ويمكن أن يؤشر هذا بداية نشوء مصاعب في التحالف بين التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد. ورؤية هذه الحالة تستوجب عدم المبالغة بهذا التحول , ولكن لا بد من رصدها وتتبع تحركها والتفكير بمدى إمكانية التأثير الإيجابي عليها بما يساعد على تحول ديمقراطي أكثر عمقاً وأكثر حيوية وأكثر مسئولية في موقف التحالف الكردستاني إزاء مصائر العراق كله وليس كُردستان وحدها على أهمية مصير كُردستان , إذ أن المصيرين مشتركان في المسيرة والنتائج , سلبية كانت أم إيجابية. هذا التفكك لم ينشأ من فراغ , بل بسبب سلوك ذات القوى في فعلها المباشر وهي في السلطة في المركز وفي المحافظات والصراعات في ما بينها حول السلطة والنفوذ والمال , وحول المحرمات التي تفرضها على المجتمع ودور ميليشياتها الطائفية المسلحة وفساد جزء كبير منها في مواجهة المال والإدارة والعلاقة بالمجتمع. في حين أن عمل قوى اليسار والديمقراطية , على أهميته , لم يكن له الفعل الكافي في تحقيق مثل هذا التفكك , ولكنه لم يكن دون مشاركة فعلية فيه. والمعلم الثاني هو بروز استعداد لدى قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبرالية على الاقتراب في ما بينها والتفكير باتجاه يقود على أعمال مشتركة وربما إلى تحالف جديد مهم.
عملية التفكك التي أشرت إليها لم تقترن بالمقابل , رغم توفر فرصة جديدة , بتحرك قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية , وبضمنهم قوى سياسية مسلمة علمانية , بسرعة مناسبة صوب لململة صفوف واسعة لا تقتصر على الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية , بل تشمل معها بقية فصائل اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبرالية , أحزاباً وكتلاً وجماعات وأفراداً. إنها الفرصة التي يفترض أن لا تضيع , بل يفترض أن نلتقطها بسرعة ونعمل , رغم كل مصاعب الاتفاق , إذ أن الأرضية لمثل هذا التعاون أصبحت أكثر توفراً الآن وممكنة فعلاً شريطة أن لا نتذرع بالقول : من هي هذه القوى , وكأنها غير موجودة , فهي موجودة شئنا ذلك أم أبينا , وعلينا أن نفتح عيوننا لنراها ونفتح قلوبنا لاحتضانها ونفتح عقولنا للحوار معها والتفتيش عن نقاط التقاء بدلاً من نقاط الاختلاف , ونعمل معها على أسس متكافئة وواعية لأهمية الوحدة في العمل في المرحلة الراهنة. نحن بحاجة ماسة إلى تغيير في طريقة التفكير , أن تكون طريقتنا مادية جدلية موضوعية وإلا فقدنا الأرضية التي نقف عليها ونسبح في مثاليات لا نهاية لها
نحن أمام وضع سياسي جديد يفرض اصطفافات جديدة في العراق وعلى من يرى ذلك أن يسعى لاستقباله والتفاعل معه والتأثير فيه باتجاه التعاون , إذ عليها أن لا تضيع الفرص بانتظار الفرص.
لقد بين بيان الشخصيات السياسية الوطنية العراقية الثلاث "مدنيون" , (من أجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق) , أنهم أدركوا الوضع الجديد والمهمات الجديدة والإمكانيات الجديدة , كما أن البيان وفر أرضية مهمة يمكن أن تلتقي عنده جماهير واسعة وأن تتوسع دائرة المشاركين في التوقيع على النداء وأن تستجيب القوى الثلاث وبقية القوى للمقالة المهمة التي كتبها الأخ المناضل رزگار عقراوي والاستجابات الطيبة التي جاءت من كتل وقوى سياسية وطنية عراقية أخرى. إن مثل هذا التوجه يساعدنا باتجاهات ثلاثة مهمة , وهي:
1. تعزيز حركة اليسار والديمقراطية في العراق وتنشيط دورها كمنظمات وأحزاب وأفراد في العملية السياسية وفي العلاقة من فئات المجتمع.
2. يسقط في أيدي أولئك الذين يريدون جر القوى الديمقراطية العراقية إلى اتفاقيات وتحالفات غير ديمقراطية مفتتة للوحدة الوطنية تحت شعارات وكأنها تدعو للوحدة الوطنية.
3. كما إنه يساهم في تفتيت قوى اليمين السياسي والرجعي في العراق.
ماذا يفترض أن نعمل في هذه المرحلة الجديدة التي تبرز طلائعها من بعيد , ولكنها يمكن أن تتحرك بسرعة أكبر مما نتصورها , بسبب المرارات الكبيرة من الحكم القائم الذي تعاني منه الجماهير الواسعة ومن مختلف الطبقات والفئات والقوى والأديان والمذاهب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية. ليس أمامي إلا أن أقترح وأتمنى على كل الناس المناضلين من أجل عراق ديمقراطي اتحادي وعلماني مستقر وآمن ومتطور أن يتحركوا بالاتجاهات التالية:
1. أن يدفعوا للمشاركة بمزيد من الناس الذين يشاركون في التوقيع على نداء القوى الثلاث الوطنية والديمقراطية.
2. أن يدعو إلى لقاء في العراق يضم إليه ممثلو القوى والجماعات اليسارية والديمقراطية والعلمانية واللبرالية وبعض الشخصيات التي تبدي استعداداً للتفاعل مع هذه الحركة لعقد مؤتمر وطني عراقي يدرس ورقة العمل المثبتة في النداء , إذ يمكن عبر الحوار أن يتم الاتفاق عليها باعتبارها الحد المناسب حالياً للتعاون والتحالف بين جميع تلك القوى ولا يرفض بالضرورة أي تطوير إيجابي مناسب.
3. يخرج هذا المؤتمر بلجنة تسمى جبهة قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية التي تتبنى برنامجها وتنظم عملها ونشاطاتها وفعالياتها وفق أسس تساهم في تكامل تلك الفعاليات وتنشيط قدراتها.
4. ويمكن إيجاد مكتب تنسيق أصغر ينجم عن اتفاق في ما بينها لا ينفرد بالعمل ولكنه يؤدي إلى مزيد من التنسيق والعمل الجماعي لمواجهة الوضع الجديد.
5. إن مثل هذا التحالف الجديد , رغم رؤيتي الواقعية للمصاعب التي تحيط بقيامه , يمكن أن يقوم أولاً , ويمكن أن يساعد على تحقيق تحالفات أخرى مع التحالف الكُردستاني وأي تحالف ينتهج سياسة وطنية وديمقراطية لصالح العراق الذي يفترض أن نناضل من أجل بنائه في العراق ثانياً.
ورغم تواضع إمكانياتي الشخصية ومحدودية حركتي لأسباب صحية , فأنا على استعداد كامل للمشاركة في أي جهد أو دور يرى الأخوة في الأحزاب الثلاثة التي وقعت على نداء (مدنيون) وبقية القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية واللبرالية مناسباً أن أؤديه لصالح نهوض مثل هذا التحالف.
دعوة مخلصة أوجهها إلى أصدقائي الثلاثة الذين بادروا إلى إصدار هذا النداء في أن يفتحوا عقولهم وقلوبهم أكثر فأكثر إلى جميع القوى التي تصطف في إطار هذه التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية العراقية لكي تعمل سوية من أجل مواجهة الوضع الجديد والخروج من الأزمة المتفاقمة والمعرقلة لحركة وفعل المجتمع بالاتجاه السليم المنشود والمثبت في نداء "مدنيون".
مع أطيب تمنياتي وخالص اعتزازي.
كاظم حبيب


 


 

Counters