| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأثنين 23/1/ 2006

 

 

 

مسرحية بائسة ينظمها اتحاد المحامين العرب في دمشق!

 

كاظم حبيب

ليس فينا من كان يتمنى لاتحاد المحامين العرب أن يكون في مؤتمراته ونشاطه مسوقاً للدكتاتوريات العربية في أنحاء الدول العربية, وليس فينا من كان يريد لأولئك الذين أقسموا على حماية القانون وحقوق وواجبات الناس وعدم الإخلال بمبادئ المهنة أن يقفوا كأطفال صغار يصفقوا لدكتاتور صغير خائب فقد توازنه وهو يتحدث عن الكرامة والشرف, في حين كان وما يزال يمرغ كرامة الشعب السوري بالوحل ويسيء إلى كل إنسان يحمل في ثناياه حباً لسوريا المعطاءة. ليس فينا من كان يتصور أن المحامين الذين يفترض فيهم رفض الدكتاتورية والظلم والقتل أن يقفوا ليصفقوا ويهتفوا لرئيس يحمي الفساد المالي والإداري ويحمي القتلة وخاطفي المناضلين من أجهزة الأمن السوري ويحمي كل من أساء إلى لبنان وشعبه واستقلاله وسلامته وقتل أبناء لبنان, ويوجه تهمة الخيانة للمناضلين الذين يرفضون سياساته التي تلحق الضرر بشعوب المنطقة كلها.

من تابع مؤتمرات اتحاد المحامين العرب خلال السنوات المنصرمة سيجد أن الحضور كان يهتف ويصفق لصدام حسين, الطاغية الذي تسبب في موت مليوني إنسان عراقي وهجرة أكثر من ثلاثة ملايين عراقي وتهجير قسري لمئات الآلاف من الناس من عرب وكرد وقوميات أخرى. فمن كان فينا يتصور أن اتحاد المحامين العرب لا يشجب استخدام النظام الدموي في بغداد السلاح الكيماوي في حلبچة أو مجازر الأنفال أو مجازر الانتفاضة الشعبية لعام 1991 أو الحرب ضد إيران أو غزو واحتلال الكويت أو تجفيف مياه الأهوار وتهجير سكانها! ولكن كل هذا قد حدث فعلاً, ولم يصدر أي احتجاج من اتحاد المحامين العرب, جاء التأييد لهذا النظام والمساندة والتهليل للدكتاتور الأهوج. والسؤال الذ يدور في رأس كل إنسان عاقل هو: لماذا حصل كل ذلك ولماذا يقف اتحاد المحامين العرب في مؤتمراته إلى جانب النظم الدكتاتورية التي أذلت شعوبها وعذبت مواطنيها وسامتهم سوء العذاب, في وقت كان يفترض في المحامين أعضاء المؤتمرات العتيدة أن يحملوا مشاعل الدفاع عن الحرية والحياة الدستورية والقانون والعدالة ويطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين في سوريا وحيثما وجدوا في السجون والمعتقلات؟

إن الإشكالية تكمن كما أرى في غياب العقلانية والرؤية الواعية لما جري في العراق في ظل نظام البعث الساقط, وما جرى ويجري حتى الآن في سوريا ومنطقة الشرق أولاً, وفي هيمنة التيار القومي اليميني والشوفيني على فكر وممارسات الغالبية من قيادة اتحاد المحامين العرب, كما يبدو, وأن هذا التيار الفكري والسياسي, رغم كونه في تراجع حقيقي بسبب الخيبات التي تسبب بها في الدول التي حكم فيها أو التي يؤثر فيها, فأنه ما يزال قادراً في التأثير على اتحاد المحامين العرب وعلى تحريك مؤتمراته بالوجهة التي تخدم مصالح محددة, وهي بعيد كل البعد, كما أرى, عن المصالح الحقيقية للمجتمعات العربية وللمجتمع العراقي. إن الإنسان العربي ليستحي من نفسه وهو يرى كيف يتهافت محامون عرب كبار السن على مصافحة الدكتاتور وهو يمر بهم في طريق خروجه من الصالة التي ألقى فيها خطابه التهريجي, أو كيف يرفع البعض عقيرته بالهتاف بالحياة للمستبد بأمره أو بدعم قوى الإرهاب في العراق باعتبارها أعمال "مقاومة" ولكنها وحشية ضد الشعب أولاً وقبل كل شيء.

إن الإشكالية الكبيرة في التيار القومي اليميني تبرز في الفكر الاستبدادي الذي نمت فيه وترعرعت وهيمنت على مشاعر الناس وغيبت العقلانية عن الفكر والممارسة العملية. والسؤال هو متى يتسنى للديمقراطيين استعادة مواقعهم الطبيعية في اتحاد المحامين العرب ليستطيع أداء مهماته ودوره في حماية الإنسان وحريته وحماية دولة القانون الديمقراطي وليس التهريج والدفاع عن الاستبداد والمستبدين والموافقة على الدوس على القانون والشرعية والحياة الدستورية ببساطيل المستبدين.               

إنهم محامون أولئك الذين صفقوا للدكتاتور في الوقت الذي يقبع في سجونه السورية الكثير من الناس الطبيبين والخيرين من أمثال الاقتصادي المعروف الأستاذ الدكتور عارف دليلة. ألم يكن الأجدر بهم أن يطالبوا بإطلاق  سراح عارف دليلة وكل المعتقلين في سوريا, أو أن يطالبوا بالكشف عن مصير الاقتصادي العراقي السيد شاكر الدجيلي الذي اختطف في آذار من العام الماضي (2005) في الشام ولم يعرف مصيره حتى الآن.

إنها لمحنة حقيقية تلك التي يعيشها فيها مواطنو الدول العربية وهو يراقبون كيف تعقد مؤتمرات اتحاد المحامين العرب وكيف تسير أعماله وكيف تستقبل اجتماعاته خطب بعض المتسبدين بأمرهم ضد شعوبهم, وليس أمامنا إلا أن نقول "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!".