| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الجمعة 23/2/ 2007

 


 

من المستفيد من فشل الخطة الأمنية
والمصالحة السياسية في العراق؟


كاظم حبيب

عند متابعة سير الأحداث في العراق يمكننا القول بأن المشكلات المباشرة التي تواجه جميع القوى السياسية بهذا القدر أو ذاك تتلخص بثلاث مسائل رئيسة نحن بأمس الحاجة إلى الحديث عنها بصراحة وشفافية, ثم السعي لمعالجتها بعناية ومبدئية عالية بأمل الوصول إلى حلول لما يعاني منه العراق حالياً من صراعات وكوارث وعمليات إرهابية واسعة. وأعني بذلك ما يلي:
1. انعدام الثقة بصورة متبادلة بين مختلف القوى السياسية, إذ أن الشك هو السائد وهو المتحكم بالأحداث وتداعياتها, كما أن المصداقية المتبادلة مفقودة.
2. التباين في المصالح وما ينشأ عن ذلك من صراع حولها وما نجم عنه من غياب للهوية الوطنية لصالح ألهويات الطائفية المهيمنة والقاتلة.
3. الرغبة المتبادلة في الهيمنة على السلطة والانفراد بها وفرض الخيمة الفكرية المذهبية من كل طرف على الأطراف الأخرى.
4. ولا شك في أن في صفوف الأحزاب والقوى السياسية المرتبطة بهذه الطائفة أو تلك تتصارع هي الأخرى على المواقع والمكاسب على حساب القوى الأخرى والمجتمع.
ونتيجة لهذه الظواهر السائدة, بغض النظر عن نسبيتها, فأنها تتسبب باستمرار إلى تفاقم موجات الانفعال والغضب وإطلاق العنان لاتخاذ قرارات وإصدار تصريحات ونشر بيانات تشكل بمجملها تصعيداً خطيراً في العلاقات المتبادلة وتهديداً متفاقماً للأمن الأهلي الداخلي والوطني العراقي. وليس أدل على ذلك ما حصل مع السيدة التي وجهت عبر قناة الجزيرة اتهامها لعدد من ضباط الشرطة العراقية بعملية اغتصاب جنسية أو انتهاك عرض السيدة المذكورة.
من عاش فترة الحكم البعثي الصدَّامي يعرف جيداً أن أجهزة الأمن, وليس غيرها, مارست عمليات الاغتصاب ضد النساء والرجال في آن واحد بهدف كسر معنوياتهم وانتزاع الاعترافات منهم. ولم يقتصر هذا الاغتصاب على بعض الشيوعيات والشيوعيين, بل شمل جماعات قومية عربية وكردية وعناصر بعثية مخالفة أو معارضة وجماعات إسلامية سياسية وغيرها.
لست معنياً هنا أن أشير إلى مدى صواب أو خطأ هذه التهمة التي تحدثت بها السيدة العراقية, إذ أنها مشكلة ثانوية لا لأنها ليست جريمة بشعة إن صح وقوعها, ولا لأنها ليست جريمة بشعة ترتكبها السيدة العراقية إن كانت الرواية غير صحيحة, بل يهمني أن أشير إلى أنه لو كانت قد حصلت مثل هذه الحادثة في وقت آخر وتحت ظروف أخرى, هل كانت تقود إلى مثل هذه الأزمة والمهاترات بين شخصيات وقوى سياسية يفترض أن تكون بمستوى وعي مناسب يساعدهم على تجاوز مثل هذه الحالات. إذ أن تشكيل لجنة من رئاسة الجمهورية يشارك فيها عدد من مختلف الأطراف التي يهمها الوصول إلى نتيجة صحيحة بشأن التهمة واستناداً إلى الوقائع القائمة, هو الكفيل بمعالجة الأمر دون تداعيات إضافية تعرقل سير العملية الأمنية الجارية حالياً. وقد تشكلت مثل هذه اللجنة الآن وبقرار من السيد رئيس الجمهورية ولا بد أنها ستصل إلى نتيجة واضحة يتم الإعلان عنها بكل شفافية وصراحة.
لا يمكن الوصول إلى تحسين الثقة المتبادلة بين الأطراف العراقية دون الجلوس إلى طاولة المباحثات بعيداً عن الأضواء والصحافة والإعلام, الجلوس بهدوء والبحث في تفاصيل النقاط التي يفترض أن تبحث, وخاصة النقاط الثلاث التي أشرت إليها في أعلاه, إضافة إلى كل النقاط التي يريد كل طرف البحث فيها والوصول إلى حلول بشأنها يلتزم بها جميع الأطراف.
الجميع يعترف بوجود اختلالات حادة بين القوى السياسية العراقية, والجميع يدرك بضرورة معالجة هذه القضية لا بين المتفقين في الرأي, بل وبين المختلفين أساساً. وإذا كان الخلل واضحاً ومعروفاً, فَلِمَ لا تجلس الأطراف المعنية حول طاولة المفاوضات لتحديد المواقف إزاء ما هو مختلف بشأنه؟
يبدو لي أن الطرف الأول الذي اعتبر نفسه خاسراً بسبب سقوط النظام, والطرف الثاني الذي اعتبر نفسه منتصراً بعد سقوط النظام, يقفان حتى الآن في خندقين متضادين يرفضان بذل الجهود الجادة للخروج من تخندقهِما الراهن والولوج بحوارات فعلية لحل المشكلات. الإرادة هنا مفقودة لدى الطرفين, إذ أن كلاً منهما يعتقد بأن أي تنازل يعني خسارة له وكسباً للطرف الآخر, وبالتالي لا يريد التزحزح عن مواقعه. ومثل هذه السياسة المتطرفة هي التي كانت ولا تزال تقود إلى الصدام المتواصل, خاصة وأن هناك عوامل كثيرة تدفع باتجاه تشديد هذا الصدام وتحويله إلى نزاع مسلح شامل, إلى حرب أهلية؟ الرهان الجاري لا يعتمد على القوى الداخلية فحسب, بل وعلى قوى وأطراف ودول إقليمية ودولية, وهي الإشكالية التي تزيد من المصاعب التي تواجه العراق.
لا شك في أن المستفيد الرئيس من تفاقم الصراع والنزاع الراهن في العراق ليست الأطراف العراقية, بل هي الخاسرة باستمرار, سواء أكانت تلك التي اعتبرت نفسها خاسرة من التغيير في العراق, أم تلك التي اعتبرت نفسها منتصرة, بل أن المستفيد الوحيد يتمثل بالقوى والأطراف الخارجية والدول الإقليمية وبعض الدول الأخرى. والقوى الطائفية السياسية العراقية, وقبل ذاك وأتباع الأديان والمذاهب الدينية, ستكون على المدى الأبعد أول وأكثر الخاسرين بسبب تفاقم هذا الصراع الجاري, إذ أن المجتمع سيرفضها ويلفظها نتيجة حجم الضحايا الهائلة التي تتساقط يومياً بسبب الصراع في ما بينها على أهداف ومهمات يمكن إنجازها لمصلحة الجميع دون استثناء ودون قتال وخراب ودمار. وسيجد الشعب نفسه في مواقع أخرى تختلف عن المواقع التي تحتلها الآن القوى الطائفية المتصارعة, ويجد مصلحته أن يبتعد عن الطائفية وعن المحاصصة الطائفية وما تؤول إليه من عواقب ضد وحدة العراق وضد روح المواطنة وضد المواطنات والمواطنين.