| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

السبت 23/9/ 2006

 



البابا والغضب والعنف الذي تفجر من جديد!

 

كاظم حبيب

لا شك في أن النص الذي أورده البابا بنيدكت في المحاضرة التي ألقاها في ألمانيا هو من مخلفات فكر وثقافة وممارسات العنف والحروب الصليبية التي تميزت بها تلك الفترة الواقعة بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الميلادي وامتداداته حتى القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي, بما في ذلك تلك الحروب التي أطلق عليها بحروب الصليبيين الأطفال. وقد كان الأمراء الإقطاعيون الأوروبيون وراء تلك الحروب, إذ أنهم قاموا بتنظيمها وتعبئة المقاتلين لها وشنها في سبع موجات غزو معروفة كان الهدف من ورائها احتلال الشرق والهيمنة على سوريا وفلسطين بحجة حماية أورشليم القدس. وهذا النص يجسد تلك الصراعات والنزاعات والتهم المتبادلة بين الأمراء الأوروبيين والمؤسسة الإسلامية الحاكمة حينذاك. وبالتالي فأن إيراد هذا النص في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العنف المنفلت من عقاله من قبل قوى إسلامية إرهابية متطرفة يقدم زاداً لها لمواصلة نشر الكراهية والحقد في نفوس المسلمات والمسلمين إزاء أتباع الأديان الأخرى بحجة عدائهم للإسلام والمسلمين.
وكان في مقدور البابا أن يمارس النقد المباشر إلى تلك القوى الإسلامية المتطرفة لممارساتها العنف في الوقت الحاضر ليس في الدول الإسلامية فحسب, بل وما تمارسه تلك القوى في المدن الأوروبية المختلفة وما قامت به في الحادي شر من أيلول / سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, وبالتالي كان مثل هذا الطرح سيدعم النضال الذي تخوضه الشعوب في الدول الإسلامية المختلفة ضد قوى الإرهاب العالمي المتمثل بالجماعات التكفيرية التي تدعي الإسلام. ولهذا فالنص لم يكن قديماً وبالياً فحسب, بل وغير موفق ويثير من الشبهات أكثر مما يقلل من الخلافات بين أتباع الأديان المختلفة. فالخلاف القائم حالياً وعلى مختلف الصعد ليس بين الأديان, بل هو بين المؤسسات الدينية وأتباع الأديان لا غير, إذ أن الأديان أساسها واحد وقاعدتها واحدة, وبالتالي لا اختلافات حادة وشديدة في ما بينها, بل بين أتباعها.
ولكن ما يفترض الانتباه إليه ومعالجته منذ الآن هو ردود فعل جماهير واسعة من المسلمات والمسلمين في بقاع واسعة من العالم. وقد تجلى ذلك في صيحات غاضبة ذات وجهة هستيرية موجهة انطلقت من حناجر كثرة من المهيمنين على المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم الإسلامي أولاً وقبل كل شيء, ولكن بشكل خاص من الشيخ يوسف القرضاوي وغيره من أتباع منظمات الإخوان المسلمين وبعض رجال الدين في السعودية وبعض الشيوخ الشيعة في إيران والعراق ولبنان وغيرها. في حين كان العقل الراجح يتطلب تهدئة الأمور والدعوة إلى الحوار الهادئ مع البابا لكي يتراجع عن تلك المقولة وينهي الأمر بمزيد من التعاون والحوار بين أتباع الأديان المختلفة.
لقد عمدت أغلب المؤسسات الدينية الإسلامية, في ما عدا جمهرة من شيوخ الإسلام الذين تميزوا بالهدوء والموضوعية وطالبوا بالحوار والهادئ والابتعاد عن الغوغائية, إلى الدعوة سواء أكانت علنية أم متسترة, إلى التظاهر وإعلان الاحتجاج بالعويل وبالصراخ اللذين تميزا بالغضب والحقد والكراهية لأتباع الأديان الأخرى, وإلى حرق الأعلام والرموز الدينية والسياسية وإلى الاعتداء على الكنائس والمسيحيين في أكثر من بلد واحد. لقد سعوا إلى إهانة أكبر رجل دين في الكنيسة الكاثوليكية. لقد عبر المحتجون, وبهذه الطريقة السيئة, عن كونهم ما زالوا بعيدين عن فهم دينهم وكيف يفترض أن يتعاملوا مع الاختلاف في الرأي. لقد جسد هؤلاء العنف بعينه حين مارسوه عملياً وفي شوارع الكثير من المدن, بما فيها البصرة التي تعرض فيها المسيحيون والصابئة المندائيين على اعتداءات وقتل وتهجير قسري من قبل المنظمات الإسلامية الشيعية المتطرفة, إضافة إلى عمليات اعتداء وتهجير لأتباع المذهب السني لتكون البصرة موقعاً للشيعية فقط, وهي التي يراد لها أن تكون عاصمة الإقليم الجنوبي من العراق! إن هؤلاء قد أكدوا من جديد على أنهم لم يفهموا من الإسلام سوى ممارسة العنف, في حين أنه يدعو إلى السلام ابتداء من التحية اليومية "السلام عليكم". وهذا العنف لا يرتبط بالإنسان وسلوكه الطبيعي, بل بالمؤسسات الدينية التي تثقف بهذا العنف وتربي الأجيال عليه وتثقف بالعداء للأديان الأخرى بل وكذلك في ما بين المذاهب الإسلامية ذاتها.
عودوا إلى الكتب الدراسية في السعودية, التي يراد الآن تحسينها, أو في المدارس الدينية في باكستان أو في المدارس الخارجية التابعة لأتباع المذهب الوهابي في أوروبا أو التثقيف الذي تمارسه جماعات إرهابية تكفيرية مثل تنظيم القاعدة وطالبان وأنصار الإسلام السنة وغيرهم, أو بعض الجماعات الشيعية المتطرفة أيضاً. إن من يرجع إلى ذلك سيجد حقيقة التثقيف بالعنف والكراهية والحقد على الدين المسيحي واليهودية والبوذية وغيرها من الأديان.
إن الجماهير الواسعة التي انطلقت بمظاهرات احتجاجية عارمة وهي تصرخ بهستيرية رهيبة مستعدة للقتال والقتل لم تنطلق بمفردها, بل دعيت للقيام بذلك من قبل مؤسسات وجماعات دينية أو شخصيات دينية, وهو الذي يفترض أن يشجب.
إننا سنبقى بعيدين عن حضارة القرن الجديد, إن كنا لا نستطيع فهم أهمية الحوار حول النقاط المختلف عليها أو الاستماع للنقد والرد عليه أو الابتعاد عن النقد الجارح. وهذا لا ينطبق على المسلمين وحدهم, بل يفترض أن يشمل المسيحيين واليهود وأتباع بقية الأديان.
إننا أمام جماعات تريد الاستفادة من كل خطأ يرتكب لتأجيج الصراع والنزاع بين أتباع الحضارات أو الثقافات أو الأديان المختلفة, في حين أن العالم بحاجة إلى حوار بين أتباع تلك الحضارات والثقافات والأديان.
إن الجماعات التي مارست العنف والقتل وإشعال الحرائق في الكنائس في موجات الغضب والكراهية المنفلتة الأخيرة التي ارتبطت بمحاضرة البابا بنييكت أكدت على المخاطر التي تسود في مجتمعاتنا الإسلامية وقدرة المنظمات المتشددة والإرهابية على إشعال فتيل الحروب الدينية والمذهبية المحلية والإقليمية, ما لم تبذل المزيد من الجهود لإرساء حياتنا على أسس الحرية والديمقراطية واحترام الرأي الآخر ووالدين أو المذهب الآخر والحوار الديمقراطي الموضوعي الهادئ بين أتباع جميع هذه الأديان والمذاهب.
إن دعوة البابا للحوار مع السفراء العرب في الفاتيكان وتوضيحاته الكثيرة بظروف طرح النص المشار إليه, مع تقديرنا بعدم صواب طرحه لتلك الموضوعة في تلك المحاضرة من ناحية المضمون والشكل والمكان والزمان, يفترض أن تؤخذ بالاعتبار وأن يسيطر العقل على العاطفة لدى المؤسسات الدينية الإسلامية في سائر أرجاء العالم والشخصيات الدينية الإسلامية إلى القبول بتوضيحاته وأسفه وإلى تهدئة الأمور في العالم الإسلامي بدلاً من تهييجها ودفعها إلى ما لا تحمد عقباه, خاصة وأن الإرهابيين القتلة والفاشيين في العالم الإسلامي, وهم ليسوا كثرة بطبيعة الحال, ينتظرون أي فرصة سانحة لتأجيج الصراعات والاستفادة منها لبث الحقد والكراهية في نفوس الناس ضد الآخرين, سواء أكانوا مسيحيين أم من أديان ومذاهب واتجاهات فكرية أخرى.