| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأربعاء 23/8/ 2006

 




من أجل تنشيط العلاقة النضالية بين قوى الشعب الكردي وبقية القوى الديمقراطية في العراق!

 

كاظم حبيب

على امتداد عقود الحكم الوطني من القرن العشرين في العراق وقفت القوى الديمقراطية العربية في العراق إلى جانب القضية الكردية وحقوق الشعب الكردي العادلة, وبشكل خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه المواقف ناجمة عن ثلاث حقائق جوهرية تستوجب الإشارة إليها, وهي:
1. اعتماد مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في النشاط الفكري والسياسي للإنسان يستوجب من حيث المبدأ الاعتراف بالحقوق القومية العادلة للشعوب والقوميات الأخرى, إذ أن أي تنكر لتلك المبادي يعتبر تجاوزاً عليها وفقدان مصداقية الدعوة إلى تلك المبادئ.
2. الوعي بأن النضال في سبيل الحقوق القومية لا ينفصل بأي حال عن النضال في سبيل سيادة مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدستور الديمقراطي والحياة النيابية والتعددية الفكرية والسياسية. وأن احترام الإنسان للقوميات الأخرى واعترافه الكامل بحقوقها يعتبر تجسداً لاحترام الإنسان لقوميته ونضاله المشروع من أجل حقوقها كاملة.
3. وأن النضال المشترك لكل القوميات في الدولة الواحدة هو السبيل لتحقيق المصالح المشتركة في التقدم والازدهار وفي ضمان الوصول إلى الحقوق القومية العادلة.
ومن هنا يفترض ابتداءً أن نؤكد بأن دعم النضال الوطني التحرري للشعب الكردي من جانب القوى الديمقراطية العربية لم يكن فضلاً أو منة منها على الكرد وقواها السياسية الديمقراطية, كما يحاول البعض صياغة موضوعات خاطئة في هذا الصدد, بل كان واجباً أدركته القوى الديمقراطية العربية وماسته, رغم التباين في ما بين هذه القوى في مدى وعيها واعترافها ببعض أو كامل تلك الحقوق من جهة, وفي مدى اختلافها عن سياسات ومواقف الكثير من القوى القومية اليمينية والمتطرفة إزاء قضية الأمة الكردية عموماً والشعب الكردي في العراق خصوصاً.
وقد كان لهذا النضال المشترك, رغم كل حركته الزكزاكية على امتداد العقود المنصرمة أحد الأسباب المهمة والأساسية في عدد من النجاحات التي تحققت خلال الفترات المنصرمة, رغم الانتكاسات التي تعرضت لها, كما أن النضال المشترك يفترض أن يشكل الأساس المادي لانتصارات جديدة للمجتمع العراقي بكل قومياته في يالوقت الحاضر وفي المستقبل.
لا شك في أن موازين القوى كانت ولا تزال تلعب دورها في نشوء التحالفات السياسية المؤقتة أو المتواصلة لفترات أطول بين مختلف القوى السياسية, وأن هذه التحالفات تتأثر بالسياسات والمواقف وبمدى اعتراف هذا الطرف أو ذاك بالحقوق والمهمات والأهداف التي يناضل من أجلها الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى. وإذا كان هنذا صحصحاً, فأن الصحيح أيضاً هو أن التحالفات السياسية يفترض أن تتحكم فيها ثلاث مسائل جوهرية أيضاً, وهي:
1. المبادئ الديمقراطية التي يعتمدها كل طرف في نشاطه وعلاقاته.
2. الأهداف المشتركة التي تسمح بالنضال والتحالفات المشتركة.
3. الرؤية الواعيةلآفاق العمليات السياسية والا جتماعية والاقتصادية والثقافية الجارية في البلاد وفي المنطقة, في ضوء المعرفة الفعلية بالاتجاهات الفكرية والسياسية للقوى المختلفة. أي أن لا تستند التحالفات إلى رؤية مبسطة أو مسطحة للواقع القائم ولأهداف آنية يمكن أن تقود إلى مطبات ومشكلات على المدى الأبعد.
استناداً إلى هذه الوجهة في التفكير والتحليل غير المعقد والواضح أود أن أشير إلى أن التحالف الضروري بين القوى الديمقراطية الكردية والقوى الديمقراطية العربية على وجه الخصوص لم يكن قائماً أو بالمستوى المطلوب وخضع لأهداف واعتبارات أنية رغم أهميتها, ولم تؤخذ بنظر الاعتبار بما فيه الكفاية مختلف الاحتمالات من جهة, والأرضية الفكرية التي تستند إليها مختلف الأطراف من جهة ثانية, وفي مدى قدرة هذه التحالفات على مواجهة التطورات اللاحقة على صعيد العراق والمنطقة من جهة ثالثة.
لا استطيع أن أوكد بأن المسؤول عن هذا الواقع هو القوى الديمقراطية الكردية وحدها, كما يشير إلى ذلك الكثير من العناصر الديمقراطية التي أثق بصدقها, بسبب الصعوبات الكبيرة والتعقيدات الأكبر القائمة في الساحة السياسية العراقية, ولكن أستطيع أن أوكد بأن التحالف الكردستاني يشارك بهذه المسؤولية, بسبب الوحدة التي نشأت في صفوف القوى الديمقراطية الكردية منذ سقوط النظام بشكل خاص من جهة, والضعف والتفكك في صف القوى الديمقراطية العربية من جهة أخرى, والتباين النسبي في المواقف إزاء القضايا الكردية من جانب القوى الديمقراطية العربية. وما يمكن تسجيله حتى الآن ودون أن نقع في فخ الاختلاف هو أن التعاون بين القوى الديمقراطية الكردية المتمثلة في قائمة التحالف الكردستاني من جهة, والقوى الديمقراطية العربية, بغض النظر عن وجودها في قوائم أو خارج التحالفات السياسية في إطار المجلس النيابي الراهن, بعيدة كل البعد عما يفترض أن يكون عليه التحالف السياسي بين قوى ديمقراطية وليبرالية وعلمانية عقلانية تسعى إلى إرساء مجتمع مدني ديمقراطي عقلاني في العراق.
لا شك في أن المصالح هي التي تتحكم في العلاقات ليس بين الدول فحسب, بل وبين القوى السياسية في الدولة الواحدة أيضاً, سواء أكانت تلك التحالفات السياسية مؤقتة أم ذات المدى البعيد. وأن التنازلات والمساومات ضرورية في مثل هذه التحالفات, على أن ينظر إليها لا بمنظار اليوم فحسب, بل بمنظار الغد والمستقبل واحتمالات التغير في السياسات والمواقف في ضوء الأساس الفكري لكل طرف من الأطراف.
إن مطالبتي للأخوة والأخوات في التحالف الكردستاني أن يعيروا اهتماماً خاصاً للتحالف مع القوى الديمقراطية العربية في المرحلة الراهنة ناشئة عن بعض المسائل المهمة, وهي:
1. القوة النسبية الجيدة التي يتمتع بها التحالف الكردستاني في الوقت الحاضر وتأثيره الإيجابي في الساحة السياسية العراقية.
2. مواقفه الإيجابية من إقامة مجتمع مدني عقلاني في العراق بعيداً عن الدولة الدينية المماثلة لما هو عليه الوضع في بعض الدول.
3. الضعف الذي تعاني منه القوى الديمقراطية العربية التي تحتاج إلى دعم وإنهاض لصالح الجميع.
4. المخاطر الجدية التي تتهدد تفاقم الصراع الطائفي السياسي في العراق وعواقبه على المجتمع بإسره, وخاصة الدور السلبي المتفاقم للمليشيات المسلحة في مجمل العملية السياسية وتشكيلها عملياً دويلات داخل دولة عراقية اتحادية غير متكاملة وضعيفة.
ويبدو مفيداً أن أشير إلى ملاحظتين مهمتين, وهما
• أن ضعف القوى الديمقراطية العربية في العراق ليس أزلياً, بل حالة مؤقتة يمكنها أن تتغير في الفترة القادمة لصالح بناء المجتمع المدني الديمقراطي التعددي في العراق. ولكن مثل هذا التغيير لا يحصل بصورة عفوية وبنداءات فقط, بل عبر جهود مشتركة من جانب القوى الديمقراطية العربية والقوى الديمقراطية الكردية وبقية القوى الديمقراطية في القوميات الأخرى في العراق. أي نحن بحاجة إلى جهد مشترك لصالح أهداف مشتركة.
• وأن التهديد بأن تفاقم الصراع الطائفي وسيادة الفوضى في العراق سيدفع الكرد بالتفكير الفعلي بالانفصال لا ينفع أحداً ولا في محله, إذ أن من حق الكرد, تأسيساً على حق تقرير المصير, ممارسة ذلك بدون تهديد. ولكن التهديد في مثل هذه المرحلة وبين فترة وأخرى لا يشجع القوى الديمقراطية العربية على التعاون في ما بينها, بل ربما يزيدها تعقيداً وتفككاً, كما أنه ينعش القوى السياسية اليمينية في العراق وفي الدول العربية, التي ترى في كل تحرك كردي انفصالاً عن العراق ومأساة لا تطاق!
إن الدعوة إلى التحالف بين القوى الديمقراطية على صعيد العراق كله لا تنطلق من رؤية تكتيكية فجسب, بل من رؤية استراتيجية أيضاً, كما أنها لا يستثني بأي حال التحالف بين القوى الديمقراطية العربية والكردية وبقية القوى الديمقراطية في القوميات الأخرى من جهة, والقوى الإسلامية السياسية المتفتحة التي تعمل على أسس ديمقراطية ولا تلتزم الطائفية السياسية أساساً في الهوية, بل روح المواطنة المتساوية والآخاء القومي والديني والمذهبي والفكري من جهة أخرى, وهي القوى التي تعترف بحقوق الإنسان وحقوق القوميات. إذ أن على القوى الديمقراطية في المجتمع العراقي أن تدرك بأنها تواجه مرحلة استثنائية معقدة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً تستوجب تحالفات واسعة وذكية وذات آفق إنساني وعقلاني, إذ بدون ذلك سنجد أنفسنا خارج التاريخ نراوح في مواقعنا دون أن نعي المهمات الملقاة على عاتق القوى الديمقراطية العراقية في المرحلة الراهنة, عندها سيعاقب التاريخ من يأتي متأخراً أو يدرك الحقائق بعد فوات الآوان.

أواخر آب/أغسطس 2006

جريدة الاتحاد /الاتحاد الوطني الكردستاني
رؤية حوارية