موقع الناس     http://al-nnas.com/

صحيفة الاتحاد – بغداد
رؤية حوارية

مع مَن مِن العرب يفترض خوض الحوار حول المسألة الكردية؟

 

كاظم حبيب

الثلاثاء 23/5/ 2006

اعتاد منظمو الفعاليات الثقافية والسياسية في إقليم كردستان العراق دعوة الأصدقاء العرب لزيارة كردستان ليطلعوا على المنجزات المتحققة أو على المواقف والسياسات التي يمارسها الحكم أو الاطلاع على رأي الشعب والمسؤولين الكرد بشأن القضايا المطروحة على الساحة العراقية. وعلى أهمية هذه الدعوات والمشاركات الداعية إلى تفهم القضية الكردية وتنشيط الأصدقاء بهدف نشر الوعي بمضمون القضية الكردية وعدالتها ونضال الشعب الكردي طيلة العقود المنصرمة من القرن العشرين, إلا أنها تشكل نصف المسألة, إذ أن النصف الثاني والمهم منها يقترن بالإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن تنظيم حوارات عقلانية هادئة مع أناس غير مقتنعين بعدالة القضية الكردية وشرعية تمتع الشعب الكردي بحقوقه المشروعة بما في ذلك, بل في مقدمتها حقه في تقرير مصيره؟
والسؤال هنا لا يرتبط بتلك الجماعات التي حسمت موقفها من نضال الشعب الكردي وقررت مقاومة هذا النضال بالطريقة التي مارسها صدام حسين ونظامه الدكتاتوري الدموي في العراق, رغم الفشل الذريع الذي تعرضت له والاندحار على صخرة الحقيقية الكردية, إذ أن هذه الجماعات ما تزال تتحرى عن فرص للانقضاض ثانية على الشعب الكردي وتنظيم مجازر أبشع من مجازر الأنفال وحلبجة. فهؤلاء الناس عنصريون أوباش لا غير ولا يمكن خوض الحوار معهم, كما أنه غير نافع, إذ يدور في حلقة مفرغة وأيديولوجية عنصرية ترفض الآخر وى تعترف للآخرين بالحقوق بل تطالب بحقوقها فقط. ولكن من الضروري جداً الكتابة عنهم وفضح الخلفية الإيديولوجية الرجعية التي تقف وار تلك السياسات والمواقف.
إن المعلومات التي ليدينا تشير بما لا يقبل الشك إلى أن هناك الكثير من الجماهير العربية في الدول العربية, التي لا تعرف حتى الآن عن وجود أمة كردية, عن وجود شعب كردي في كل من العراق وإيران وتركيا وسوريا, ولا تعرف شيئاً عن نضال هذا الشعب الكردي وعن أهداف هذا النضال وعن الممارسات الاستبدادية والعدوانية التي نفذها صدام حسين ورهطه في العراق ضد الكرد, أو ما يجري في بلدان أخرى ضد الشعب الكردي, كما في حالة إيران وتركيا وسوريا. وهذا الواقع يؤشر لنا عدة ملاحظات علينا الانتباه إليها, وأعني بها:
1. أن لا نفترض مسبقاً بأن غالبية العرب أعداء للشعب الكردي, وأنهم جميعاً يعرفون ما كان أو ما يجري الآن في أقاليم كردستانية عديدة في دول المنطقة من اضطهاد ووتعسف وقمع وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة والعادلة لهذا الشعب الذي يقترب عدد نفوسه من 30 مليون نسمة.
2. وعلينا أن نقر بأن الديمقراطيين العرب في العراق أو في الدول العربية لم يبذلوا حتى الآن الجهود الفعلية الكافية لطرح القضية الكردية على العالم العربي بخطاب سياسي مناسب وبأساليب وأدوات مؤثرة تسمح بشرح الوقائع المنصرمة على مدى سنوات القرن العشرين. وهي مهمة كبيرة وصعبة بسبب السياسات التي كانت تمارسها حكومات جميع الدول العربية تقريباً إزاء القوى الديمقراطية في بلدانها والتي تميزت في الوقت نفسه بمواقف شوفينية مناهضة عموماً للقوميات الأخرى.
3. إن الأحزاب الكردستانية التي تسنى لها الوصول إلى الدول العربية استطاعت أن تؤثر بحدود معينة على بعض المواقف لصالح القضية الكردية, ولكنها لم تكن بالمستوى المناسب وابلطريقة التي يفترض أن تعالج به القضايا القومية في بلدان تتميز حكوماتها والكثير من القوى السياسية فيها بالشوفينية أو برفض الآخر.
4. كما أن المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإقليمية والعربية والدولية كالجامعة العربية ومنظمة الشعوب الإسلامية ودول عدم الانحياز والمنظمات التابعة للأمم المتحدة لم تمارس دوراً إيجابياً واضحاً وصريحاً في طرح وشرح القضية الكردية, رغم معرفتهم الدقيقة بطبيعة هذه المشكلة وأبعداها وأحداث العراق والسياسات التي مورست ضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى في العراق. حتى أن عمليات جرائم الأنفال لم تجلب انتباه هذه المنظمات والهيئات الدولية للمآسي والكوارث الدموية التي نفذها نظام البعث الصدامي في العراق ضد الشعب الكردي. لإضافة إلى مواقف حكومات الدول الأخرى في المنطقة إزاء الشعب الكردي.
نحن بحاجة ماسة إلى غزو فكري فعلي من حيث الكم والكيف بهدف الولوج إلى عقل وفكر الشعب العربي في الدول العربية من خلال الصحف ومختلف وسائل الإعلام ومن خلال المزيد من الكتب والمنشورات التي تطرح حقيقة القضية الكردية والمشكلات المحيطة بمستويات متباينة لكي تصل إلى جميع الطبقات والفئات الاجتماعية وإلى أولئك المسحوقين الذين يشكلون جمهرة كبيرة غير مؤثرة في الحياة العامة, ولكنيتم استغلال جهلها في فترات ومناسبات معينة لدفعها كالقطيع ضد هذه القضية العادلة للشعب الكردي.
إن طرح القضية الكردية يفترض أن لا ينطلق من موقع يعتقد بضرورة معرفة وإقرار الجميع بهذه القضية أو هضمها أو معرفة التهميش الطويل الأمد والمجازر التي تعرض لها الكرد في مختلف أوطانهم وعلى أرضهم كردستان, بل يفترض أن نعالج القضية دون توتر أو انفعال حين نصطدم بمن لا يفهمها أو لا يسعى إلى فهمها أو حتى من لا يعرفها. إن تجربتي السياسية والتعليمية في الجامعات العراقية والجزائرية تشير إلى أن خوض الحوارات الفكرية مع الأفكار الأخرى يفترض أن تتسم بالروية والصبر والاستماع إلى الرأي الآخر بأذن صاغية ومناقشته بهدوء وموضوعية. كثيراً ما يساء فهم القضية الكردية من خلال بعض الأساليب غير الجيدة في الحوار ومنها أساليب الشتم أو الإساءة المباشرة لأن هذا الشخص أو ذاك لم يتعرف أو له بعض الأفكار المسبقة عن القضية الكردية, إذ أن علينا أن ندرك بأن العرب قد تعرضوا إلى ثقافة غير عقلانية, ثقافة ترفض الأخر فكراً وممارسة, ثقافة تكرس العنف واللاحوار, إضافة إلى عملية تجهيل طويلة الأمد عمرها مئات السنين. عندما يحارب الكرد الشوفينية عند العرب, يفترض أن يحاربوا الشوفينية المحتملة في نفوس البعض من الكرد أيضاً.
نحن بحاجة إلى إعلام ذكي, متفتح وهادف, بحاجة إلى وعي بالمسؤولية المباشرة إزاء مختلف القضايا التي تمس العراق, ومنها الموقف من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, نحن بحاجة إلى تمتين العلاقات العربية والإقليمية والدولية, ومعالجة الإشكاليات اليومية التي تواجه المجتمع. فكلما أحرز المجتمع العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية نجاحات جديدة في ظل دولة ديمقراطية اتحادية تعددية, أمكننا كسب المزيد من البشر العرب وغير العرب إلى جانب العراق وإلى جانب تفهم قضاياه العادلة ومنها قضية الشعب الكردي والقوميات الأخرى.
لا أشك بأن الشعب الكردي والمسؤولية فيد إقليم كردستان العراق يتحملون مسؤولية خاصة في اتخاذ مواقف سليمة وصادقةفكراً وممارسة إزاء القوميات الأخرى في كردستان العراق. ولا يتم ذلك إلا عبر إصدار قانون عن البرلماني الكردستاني ينظم العلاقة بين القوميات ويعترف بحقوقها المشروعة والعادلة, تماما كما كنا نطالب بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في إطار كردستان والعراق. أي أن تنظم الحقوق الثقافية والإدارية للشعب الكلداني الآشوري السرياني والتركمان بما يساهم في تطمين مصالح هذه القوميات ويعزز التآخي والوحدة الوطنية الإقليمية ويبعد الضرر عنهم الذي يمكن أن يلحق بهم بسبب ممارسات شوفينية تقترب من سياسات بعض الشوفينيين العرب, ومنهم الحكام العرب وبعض المنظمات العربية الأكثر شوفينية, إزاء الكرد وبقية القوميات في العراق.
إن المواقف السليمة للشعب الكردي وقياداته المسؤوله من القوميات الأخرى في كردستان العراق بمقدورها أن تؤكد مصداقية الكرد في نضالهم من أجل حقوقهم المشروعة من خلال دفاعهم عن القوميات الأخرى المتعايشة معهم على أرض واحدة منذ مئات السنين واحترامهم لحقوقهم المشروعة والعادلة.