| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 23/2/ 2011

 

نقاش ودي مع الأستاذ هلماز جاويد

كاظم حبيب

تسنى لي أن اقرأ مقالتكم حول التظاهرات التي أشارك في الدعوة لها أولاً, ثم وصلتني رسالتكم الموجهة لي حول الموضوع ذاته ثانياً. ثم أخيراً قرأت ملاحظات أوردها الصديق الدكتور زهدي الداوودي حول مقالكم الذي سميتم فيه التظاهرات بالفجة.

1 . في رسالتكم الشخصية تكتبون ما يلي: "في الحقيقة لا يختلف إثنان على ما يعانيه الشعب من جميع ما أدرجت في مقالتك وما لم تدرجه." من هذا أفهم ايضاً بأن هناك الكثير الذي لم أذكره مما يعانيه الشعب العراقي في المرحلة الراهنة. ورغم كل ذلك تطلب عدم التظاهر. والسؤال يا ترى ماذا ينبغي على الشعب العراق أن يفعله بعد مرور ثماني سنوات على سقوط الدكتاتورية؟ هل عليه أن يسكت وينتظر, على وفق المثل العراقي "عيش يا كديش حتى يطلع الحشيش", أم إن عليه أن يجد أسلوباً حضارياً وإنسانياً ومثبت في الدستور العراقي كجزء أساسي من حقوق الإنسان ؟

أخي الفاضل: الشعب العراقي انتظر طويلاً بل وأكثر مما ينبغي, فهو يرى بأم عينيه كيف يغتني البعض بموارد البلاد بطرق غير مشروعة, في حين يُعتصر هو يومياً بسبب الجوع والحرمان والبطالة ويذبل هو وعائلته, وكيف يتسكع الأطفال المشردون في شوارع العراق وكيف تتحرى الأرامل على لقمة خبز تشبع بها رمق أطفالها, وربما يجبر البعض منهن على بيع أنفسهن للحصول على لقمة الخبز. هل المطالبة بالتظاهر لإيصال صوت الشعب المرتفع إلى الحكومة العراقية ووفق الأصول الدستورية أمر فج؟ هل وصل بنا الاستبداد والقسوة إلى حد التفكير والتصور بأن التظاهر من أجل قوت الشعب ونوره وحياته اليومية أمر فج لا يجوز اللجوء إليه عند الضرورة؟ لدي القناعة بأنكم لم تفكروا بالأمر ملياً وسارعتم إلى كتابة مقال كان الأجدر أن لا يكتب بهذه الصورة مع كل احترامي لكم ولرأيكم.   

2 . ذكرتم في رسالتكم ما يلي: "ثمّ تحذر المنظمين والمتظاهرين من بعض ما تتخوّف منها بسبب إحتمال إندساس غير المرغوب فيهم والذين قد يحرفون المظاهرة عن أهدافها."

التحذير ليس عيباً بل هو أمر ضروري في كل الأحوال, إذ عشنا تجارب غنية جداً خلال العقود الستة المنصرمة وفي كل العهود, ولهذا فالتحذير لا يشكل سبباً لإلغاء التظاهرة الشبابية والشعبية. لا أن يتم تفتيش كل إنسان, بل يمكن عزل الشعارات التي تكون خارج الصدد, أو أؤلئك الذين يحاولون تخريب التظاهرة بهتافات نابية أو إخراج المظاهرة عن طابعها السلمي الديمقراطي. كل هذه الإجراءات ممكنة وقابلة للتطبيق وفيها خبرة كبيرة متراكمة لدى أبناء وبنات الشعب العراقي. ولم أُبعد احتمالات من هذا النوع ولهذا حذرت ونبهت إليها.

3 . ترفضون التظاهر لأن "من الداعين لها المجلس الأعلى والتيار الصدري (وهم مشاركون في الحكومة) ومطالب الشعب متعارضة مع مصالحهم. ومن الداعين إلى المظاهرة جماعة أياد علاوي (وطبعاً بضمنهم ظافر العاني الذي تخوّفت منه بالإسم ، وهم أيضاً يعتبرون جزء من الحكومة (ولو خط مائل)".

أنا أختلف معكم في هذا الصدد. حين تجد قوى سياسية مشاركة في السلطة إنها ملزمة على المشاركة في تظاهرة جماهيرية تطالب بتحقيق مصالح الشعب, وحين ترى أنها حين لا تشارك سوف تنعزل عن الشعب, فمثل هذا الأمر إيجابي ولا ضير فيه وهو لا يعفيها من مسؤوليتها في السياسات التي تمارسها الحكومة, بل تسالها لماذا لا تغيرون سياسة الحكومة وأنتم جزء منها. يضاف إلى ذلك ان جمهرة كبيرة من القوى المؤيدة لهذين الحزبين هما من الناس الكادحين الذين يعانون من الأوضاع التي يعيشها الشعب, إذ أن الحديث لا يتوجه صوب عمار الحكيم أو مقتدى الصدر أو قيادتيهما, بل صوب الجماعات المؤيدة لهم ولأسباب نعرفها جميعاً, وبالتالي فهو نقد مفيد للجميع حين تشارك قوى من الحكومة في التظاهرة الشعبية الواسعة, غذ إن النقد يمسها مباشرة. وحين أحذر من شخص معين أو مجموعة معينة, فهذا يعني أني أخشى أن تكون له علاقات معينة مع هيئة علماء المسلمين من جهة, ومع البعثيين من أتباع عزة الدوري من جهة أخرى, وأن الرجل يمكن أن يلحق أذى بالمظاهرة ولهذا حذرت منه, ولكني لا أحذر من جميع من هم في القائمة العراقية, إذ إن فيها عناصر يفترض أن تشارك في التظاهرة مثل الأخت ميسون الدملوجي.

4 . وتقولون ايضاً بأن "من الداعين إلى المظاهرة  الحزب الشيوعي - اللجنة القيادية وهم أصدروا ما سموه ( نداء الثورة ) يدعون فيه إلى الهجوم على مراكز الشرطة ومواقع عسكرية والحصول على السلاح. وهذا الحزب متكوّن من رجال الإستخبارات وتم تشكيله في عهد صدام."  

أنتم تبالغون في تقدير قوة هذه الجماعة التي لا يتجاوز عديد افرادها عدد الذين كتبوا البيان مباشرة, كما إن الدعوة الشعبية للتظاهر لا تخرج عن إطار العملية السياسية وتغييرها لصالح المجتمع المدني والديمقراطية بالطرق السلمية والديمقراطية وليس بالقوة والعنف. ولهذا ستجد أن هذه المجموعة غير قادرة على التأثير على المظاهرة المرتقبة أو تغيير وجهتها.

5 . ثم تكتبون إن "نوع الشعارات ومضامينها لا ترتقي إلى مستوىً يستشف منها أن للحزب الشيوعي دوراً في صياغتها ، ولا هناك دليل على وجود تأثير له في تنظيم التظاهرة.

الحزب الشيوعي العراقي ضمن من دعا إلى هذه المظاهرة ولا تختلف شعاراته عن الشعارات التي ترفعها الشبيبة وبقية فئات الشعب التي تتوجه صوب المطالب المهنية والحيوية للشعب كالعمل والكهرباء والخبز والبطاقة التموينية ومكافحة الفساد ورفض المحاصصة الطائفية, وصوب بناء المجتمع المدني والحرية والديمقراطية وحماية الثقافة الديمقراطية والأخذ التام بهوية المواطنة العراقية. وفي هذا تناغم تام بين شعارات الحزب الصديق ونداءات غالبية القوى التي تدعو للتظاهر.

6 . وأخيرا تقول: "إذا إعترفنا بحركة الشعب العفوية وسرنا معها ، وخاصة إذا عرفنا مع مَن نتكاتف في المظاهرة من المذكورين أعلاه ، فهل نحن ذيليون أم نظل قادة للجماهير كما المفروض أن نكون ".

اولاً من قال لك أن هذه المظاهرة عفوية, فليس هناك في العمل السياسي والاجتماعي ما يطلق عليه بالعفوية, وإذا ما حصل أي فعل عفوي ففيه دون أدنى ريب ما يكفي من الوعي الذي تسبب في هذه الحركة أو تلك مما نطلق عليه مجازاً واحياناً بالعفوية. هل تعتقد أخي الكريم ان التظاهرات المستمرة منذ أشهر في عدد متزايد من محافظات ومدن العراق ضد استمرار انقطاع الكهرباء وقطع البطاقة التموينية والبطالة الطويلة ومستوى الفقر الذي بلغ تحت وعلى وفوق خطر الفقر بقليل وصل إلى أكثر من 60 % من سكان العراق وسيادة نظام كامل للفساد في البلاد يعتبر عفوياً أم إنه التعبير السليم والواعي لتراكم المشكلات وغياب الحلول العملية لها بحيث تحولت هذه المشكلات إلى تناقض بين الحاكم والمحكوم وإلى صراعات سياسية لا بد منها لكي تفرض التغيير المنشود في سياسات الدولة العراقية.

ليس هناك من ذيلية في السير في مظاهرات الشعب, الكل يسير في تظاهرة شعبية والكل يحمل شعارات أصبحت عامة ومطلوبة من الجميع, ولهذا فأنا الشخص المستقل مستعد أن اشارك في مظاهرات يدعو لها الشباب أو فئات الشعب المختلفة لأنها تجد في ذلك محاولة  جادة لتحقيق مصالحها قبل أن تستفحل الأمور وتتحول إلى تناقضات لا يمكن حلها. حين يقودني الشباب في طريق أجده سليماً فلا مانع لدي ابداً, بل وباعتزاز أقبل بمثل هذه القيادة الشابة والناضجة. لا تسيء الظن بالشبيبة فهم قادة اليوم والغد, وفيهم الكثير من الحيوية والذهن المتفتح والطاقة الفكرية والحركية ما لا امتلكها, وربما كنت أمتلكها قبل اربعين او ثلاين عاماً ولا أجد عيباً في قول ذلك. لنحترم الشبيبة ونعتز بها ما دامت تلعب دورها الفعلي في التغيير المطلوب في سياسات العراق السلبية والخاطئة الراهنة.     

وأخيراً أتمنى عليك ان تقرأ ملاحظات الصديق الدكتور زهدي الداووي إذ خفف عني مسؤولية مناقشاتكم في القضايا الأخرى التي طرحتموها. المظاهرات التي ستجري يوم 25 شباط/فبراير 2011 ليست فجة ولا عفوية ولا عنفية, بل سلمية وديمقراطية وتستهدف تحقيق مصالح الشعب والوطن.

 

  22/2/2011



 

 

free web counter