| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 23/2/ 2010

 

خلوة مع النفس والتفكير بصوت مرتفع حول واقعنا الراهن في العراق
(3)

كاظم حبيب

قبل أيام قليلة صادفت عدداً من الأصدقاء القدامى, سألني أحدهم عن صحتي فأجبته شاكراً بأنها أفضل قليلاً منذ خروجي القريب من المستشفى. والجديد إني فقدت ستة كيلوغرامات من وزني. انبرى صديق بجواره قائلاً لازم عندك هموم! لم أجبه إذ شعرت بأنه غير جاد بما خرج من فمه دون تفكير, في حين كان صاحب السؤال جاداً في الاستفسار عن صحتي لمعرفته بالذبحة الصدرية التي أعاني منها وبالفقرات المشدودة بعدد من قضبان مادة التيتان وبالركبتين الاصطناعيتين اللتين أحملهما معي ليحملا ما تبقى من هذا الجسد ولما تبقى من سني العمر.
حين ابتعدت عن المجموعة الطيبة وجلست في القاعة التي احتفلت بها قائمة اتحاد الشعب ببرلين بدعوة كريمة من منظمي الحفل, سرحت مع نفسي بعيداً عن القاعة أفكر بالجملة التي نطق بها هذا الشخص "لازم عندك هموم!" إذ أهملت الإجابة واكتفيت بابتسامة فيها شيء من المرارة.
سألت نفسي في خلوة معها, رغم ضجيج القاعة, وكأن ليس فيها من ضجيج: هل هذا السؤال من شخص عاقل معقول حقاً في أوضاع العراق الراهنة؟ ألا يعيش هذا الرجل هموم العراق, ألا يرى الموت الذي يخطف العشرات من البشر والخراب الاقتصادي والبؤس الثقافي الذي يعم والجهل الذي يُستثمر ويُستغل من قبل قوى وأحزاب سياسية للحصول أصوات الناخبين وبالتالي على مقاعد في البرلمان دون وجه حق, إذ لم تبرهن على صواب وجودها في المجلس؟ ألا يعيش وضع المرأة العراقية والأرامل اللواتي يزداد عددهن وبؤسهن يومياً, ألا يدرك وجود أطفال خارج صفوف الدراسة يتسكعون في الشوارع يجمعون أعقاب السجاير أو يحملون أكياس النايلون ليتنفسوا بها, أطفال مشردون يتسكعون بين القبور في مدينة كربلاء مثلا, هذه المقبرة التي سرق كل طابوقها والتي أصبحت في وسط المدينة ولم تبق فيها شواهد على من في القبور إلا ما ندر, يبيعون زجاجات الماء أو يتسولون من أجل عدد من الدنانير للعيش بها.
ألا يرى أولئك الذين يستغلون هذه الحالة في الكثير من مدن العراق ليغتصبوا الصبية أو يشتروا من أفراد عائلاتهم بعض أجزاء هؤلاء الأطفال أو يختطفونهم بصيغ مختلفة.
ألا يحس بالفجوة المتسعة بين الفقراء والأغنياء, بين المتخمين والجياع, بين الغنى والفاقة, ألا يحس بآلام أولئك الين ينامون على الطوى جوعاً, ألا يرى النظام المحاصصي الطائفي الذي قسم المجتمع وشدد بذرة الصراع والنزاع والرغبة في تشديد الاستقطاب من قبل القوى والأحزاب الطائفية رغم رفض وإدانة الدستور العراقي للطائفية.
هل وحدي أنا المهموم بأوضاع العراق, أم الغالبية العظمى من سكان العراق, من هو غير المهموم من العراقيين حول أوضاع العراق؟ إنهم الإرهابيون والقتلة والمجرمون, إنهم الفاسدون والمفسدون وسرّاق قوت الشعب , إنهم الذين يأكلون السحت الحرام, تلك الأموال التي يفترض أن توجه لبناء المدارس وصفوف الدراسة وبناء المستوصفات والمستشفيات وإقامة شبكات الكهرباء والماء وتأمين الأمن والاستقرار في البلاد.
إن الهموم التي تسحقني يومياً تسحق الكثير من البشر في العراق وخارج العراق, من جانبي أحاول تصريف بعض هذه الهموم عبر الكتابة, عبر مقالات شبه يومية أكتبها وأنشرها مجاناً, إنها عصارة حياتي وما تبقى من هذا العمر الذي أحمل ثقله على كتفيي, إنها غضبي المكبوت, إنه كظم الغيظ, وهو الأسلوب الذي يجعلني اشعر بأدميتي وبعراقيتي لأن شعب العراق يسحق بالصراعات الطائفية والحزبية الضيقة يومياً.
كنت سعيداً حين ابتعدت عن الدخول مع السائل بنقاش غير مجدٍ, أو الإساءة إليه بكلمة جوابية جارحة, إذ أن الكلمة التي تخرج من فم الإنسان لا يمكن إعادتها للفم.
قطع خلوتي صوت السيدة وفاء, عريفة الحفل, تدعوني لإلقاء كلمة بمناسبة الدعاية الانتخابية لقائمة اتحاد الشعب, هذه القائمة التي تعاني من نقص شديد بالمال لإعلامها وتعاني من صعوبة الظهور على شاشة القنوات الفضائية التي ترفع من أسعار الدقائق التي تظهر الدعاية, فالأغنياء من الأحزاب الحاكمة والقوى التي تحصل على دعم خارجي لا مانع لديها من دفع عشرات بل مئات الألوف من أجل هذه الدعاية, وليس هناك من يسأل هذه القوى من أين جاءت بهذه الأموال الكثيرة. إنها قضية النعجة التي خلفت في فترة قصيرة من الزمن ثلاث ألاف نعجة, كما حدثنا بها خالد القشطيني في أحد مقالاته الأخيرة, فهل هذا ممكن؟ وإلا فمن أين جاءت إليه؟
نسيت دعابة الرجل السمجة "لازم عندك هموم!", وتوجهت لأحدث المستمعين ومن يمكن أن يقرأوا كلمتي من على منصة هذا الحفل وأنا أدعو لانتخاب قائمة اتحاد الشعب ومرشحيها أهمية أن يحكّم الإنسان ضميره قبل أن يكتب اسم القائمة أو اسم المرشح في صندوق الاقتراع. الضمير الذي ينبغي أن لا يباع ويشترى, فمن يبيع ضميره يفقد الكثير جداً من إنسانيته وكرامته, يفقد شيئاً أساسياً منه, ومن يشتري الصوت سيفتضح أمره كما افتضح أمر أولئك الذين وزعوا البطانيات ومدافئ علاء الدين وغيرها, إذ أن حبل الكذب قصير.
كم أتمنى أن تقرأ البرامج الانتخابية ليدركوا أهمية هذا البرنامج الوطني الديمقراطي الذي وضعته وتبنته وطرحته القوى المؤتلفة بقائمة اتحاد الشعب لكي يجدوا الفارق بين الوعود الطنانة والرنانة, وغالباً ما تكون مثالية أو فارغة, وبين البرنامج الواقعي الذي طرحته قائمة اتحاد الشعب.


23/2/2010
 

¤  خلوة مع النفس والتفكير بصوت مرتفع حول واقعنا الراهن في العراق (2)
¤  خلوة مع النفس والتفكير بصوت مرتفع حول واقعنا الراهن في العراق (1)


 

free web counter