موقع الناس     http://al-nnas.com/

صحيفة الصباح البغدادية
من منظور مختلف

هل العراق سفينة تشتعل فيها النيران ينبغي نهب ما فيها قبل فوات الأوان؟

 

كاظم حبيب

الثلاثاء 23/5/ 2006

 ليس هناك أسوأ من أن تجد بلادك مستباحة يجول ويصول فيها الكثير الكثير من بشر لا يمتون إلى الإنسانية بصلة. ليس هناك أسوأ من أن تجد بلادك تنهب أموالها ويسلب نفطها وتسرق اللقمة من أفواه الجياع والمحرومين والعاطلين عن العمل والمهمشين اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً من كل حدب وصوب ولا يستطيع أحد إيقاف ما يجري من تجاوز على حرية الإنسان وحياته. ليس هناك أسوأ من أن تجد الناس الطيبون الأبرياء يقتلون في كل زقاق وشارع وسوق, سواء تم ذلك بسيارة مفخخة أم بانتحاري جبان ينتظر دخول جنة ليس فيها سوى الجحيم. وليس هناك أسوأ من أن تجد كل ذلك ولا يستطيع أحد إيقاف ما يجري ويضع حداً له. ليس هناك أسوأ من أن تجد الصبية يخشون الذهاب إلى المدرسة لأن في كل شارع ومفترق طرق وزاوية يقف من بتربص بهم الشر والخطف والاعتداء على الشرف أو البيع في سوق النخاسة أو البيع إلى الإرهابيين أو الابتزاز الدنيء!
النهابة وقطاع الطرق وخطافوا الناس من الشوارع والقتلة المجرمون يسومون الناس سوء العذاب ويطفئون الأمل في عقول وصدور الناس ولا تجد أحداً في دولة معطلة وكسيحة من يستطيع إيقاف ما يجري على أرض الرافدين, أرض الحب والخصب والحياة والسلام, أرض الآلهة والأنبياء والأولياء الصالحين والناس الخيرين, أرض جميع الأديان قديمها وحديثها, أرض الأتباع من مشركين وموحدين.
تلإنسان يقتل, النفط يصدر دون حسيب أو رقيب من الموانئ أو بالشحنات, مشتقات النفط التي تستورد يعاد تصديرها عبر السوق السوداء حتى قبل توزيعها, الأموال الممنوحة للعراق تسرق في وضح النهار ومن مسؤولين غير صغار, من أجاب وعراقيين أتمنوا عليها, الفساد المالي يتحول إلى نظام فاعل معترف بوجوده يعم البلاد ويسود في المجتمع ويحرق الأخضر واليابس بسمعته السيئة. الإرهاب بتآخى مع الفساد ويتبادل المنفعة ويمارس تدمير المجتمع أمام أنظار الجميع. الحديث عن النزاهة بلا نزاهة, والحديث ضد الإرهاب بلا روح ولا مسؤولية.
هكذا هو العراق الجديد حتى الآن في واحد من اسوأ جوانب الحياة المهيمنة على أذهان الناس وعلى حياتهم اليومية رغم أن الناس قد اعتادوا ذلك ولم يعد يؤرقهم ذلك أو يثير فيهم ما يستوجب التحرك ضده. منذ ما يزيد عن سبعين عاماً نقل عن الراحل السيد علي جودت الأيوبي, أحد رؤساء الوزرارات في العراق الملكي وأحد الوزراء الالمتكررين كثيراَ, قوله: "العراق ليس سوى سفينة تحترق, وعلى كل منا أن ينقذ ما يشاء مما فيها لنفسه قبل أن تغرق تماماً". لقد كان في قوله هذا يعبر عن الفساد السائد وعدم المسؤولية وضياع القيم لدى الناس, أفلا ينطبق هذا القول على عراق اليوم, عراق ما بعد الدكتاتوررية والمستبد بأمره, خير انطباق؟
لإنه كذلك, رغم الأمل الذي يراودني والحلم الذي أسعى إلى التمتع به أكثر وقت ممكن, حلم رؤية العراق خال من كل ذلك ويسير على قيم الإنسانية, قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
التقيت بمئات من العراقيات والعراقيين من خيرة المثقفين والمبدعين, التقيت بمن يعيش في وسط الشعب ويتعامل معه يومياً ويكتب عن هموم الناس ومشاكلهم وآمالهم وأحلامهم. التقيت بمن فقد الأمل بالعراق الجديد ولا يرى أفقاً غير ضبابي, والتقيت ايضاً بمن لم يفقد الأمل, بل يدرك أن هناك من يعمل لهذا الوطن. ولكنهم جميعاً يشكون من الفساد أولاً والإرهاب ثانياً, إذ أن الفساد يسهل مهمة الإرهابيين في كل مكان ويفسح لهم في المجال ما يساعد على تنفيذ عماياتهم الإجرامية. كل هؤلاء ورغم كتاباتهم يشعرون بالتهميش وبالخطر في آن. يشعرون بالخطر من مسؤولين فاسدين أن يرسلوا لهم إرهابيين لقتلهم وخنق أصواتهم, يخشون من بعثيين مجرمين يتعاونون مع جماعات الزرقاوي وأنصار الإسلام السنة الكرد وغيرهم, وليس كل البعثثين مجرمين طبعاً, لينقضوا علي عوائلهم لسلبهم أو خطفهم أو قتلهم.
إنها المحنة بعينها. قال لي أحدهم, وهو مهندس محترم أثق بكلمته الحرة والكريمة, أنت تكتب لأنك بعيد ولا تخشى شيئاً, ولكننا نعيش المحنة بعينها, نعيش الإرهاب والفساد يومياً وفي كل لحظة والموت يتربص بنا في كل خطوة وعوائلنا تتوقع أن يأتي خبر موتنا. أجبته بوضوح إلى أن مئات الإعلاميين والمثقفين ينشرون يومياً عشرات المقالات التي تتضمن أفكاراً مماثلة أو حتى أكثر جرأة من كتاباتي في الصحف العراقية, وهم يدركون الخطر الذي يتربص بهم. وعليك أن ترى المئات من هؤلاء قد استشهدوا بسبب قولهم كلمة الحق وجرأتهم على تحدي الإرهاب. أننا ننحني إجلالاً لهؤلاء الناس الطيبين الذين ذهبوا مبكراً من بين صفوفنا.
تصلنا نحن المقيمين في الخارج الكثير من التهديدات بالقتل وبالويل والثبور, وهي تهديدات وقحة وبائسة وتعبر عن يأس أصحابها, ولكن لسنا أحسن ممن ذهب من بين صفوفنا غدراً وغيلة.
ولكن يتطلب منا اليوم أن نرفع صوتنا عالياً ونطالب بوحدة النضال العادل لجميع الناس الطيبين من غير الطائفيين السياسيين ومن غير العنصريين والتكفيريين والصداميين ضد الإرهاب والفساد والموت اليومي. لنقف صفاً واحداً ونسد الدرب على الأعداء ونردد مع الشاعر العراقي كاظم السماوي قوله:

وإذا تكاتفت الأكف             فأي كف يقطعون
وإذا تعانقت الشعوب             فأي درب يسلكون