موقع الناس     http://al-nnas.com/

Prof. Dr. sc. K. A. Habib, PSF: 400129, 12631 Berlin, Germany
Tel. & Fax: (004930) 54 14 150, khabib@t-online.de


رسالة مفتوحة ثانية إلى سماحة السيد عبد العزيز الحكيم

 

كاظم حبيب

الأربعاء 22 /2/ 2006

سماحة السيد عبد العزيز الحكيم المحترم/ رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ورئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد
تحية واحتراماً وبعد,

أكتب لكم للمرة الثانية أحاول فيها أن أوضح تصوراتي للمعوقات والمصاعب التي تواجه العراق. والرسالة المفتوحة المتواضعة التي أوجهها لكم, هي موجهة في الوقت نفسه إلى كل العراقيات والعراقيين في الوطن المستباح من قبل قوى الإرهاب التي تهدر دم بنات وأبناء الشعب العراقي يومياً بدم بارد وضمير غائب, وهي نداء من إنسان يريد الخير لهذا الشعب وإبعاد الشر عنه وبما يسهم في إيصال العراق إلى شاطئ السلام والأمان والانتهاء من الموت الذي يتربص بالناس ليل نهار وفي كل ركن من أركان العراق الحبيب. حتى المدن الآمنة يأتيها الطاعون الأصفر بين فترة وأخرى لتفقد الكثير من الناس الطيبين.
أكتب لكم لشعوري بأن الوقت ما زال متاحاً لتغيير الوجهة التي أشعر أنكم ما زلتم تدعون لها, كما يدعو لها آخرون, وهي ليست الوجهة التي يحتاجها العراق في المرحلة الراهنة .
لم يكن العراق يوماً ما ملكاً لدين أو طائفة دينية دون غيرها, رغم أن بعض النخب السياسية قد هيمنت على العراق لسنوات طويلة وتحدثت باسم طائفة دون غيرها, ولكنها أذاقت الشعب العراقي كله مر العذاب والموت والحرمان. ورغم أن تلك النخب الحاكمة في ظل النظم الاستبدادية والرجعية قد اضطهدت الشعب الكردي واضطهدت عرب الوسط والجنوب من أتباع المذهب الشيعي طويلاً وكثيراً, إلا أنها لم ترحم الناس الطيبين والغالبية العظمى من أتباع المذهب السني في العراق. ويبدو لكل ذي عقل حصيف وعاطفة دافئة على مستقبل العراق إن هذا الشعب قد كره ورفض تلك السياسات القومية الشوفينية والعنصرية أو السياسات الطائفية المقيتة التي تميز بين المواطنين على أساس الدين والمذهب, وأنه يتطلع إلى ممارسة سياسات أخرى تؤمن بحق المواطنة لكل العراقيين, لأن الدين يا سيدي لله والوطن للجميع. ولهذا فمن غير المعقول أن يتحول العراق من اضطهاد طائفي باتجاه معين من قبل نخبة جائرة إلى اضطهاد طائفي باتجاه آخر ومن نخبة أخرى تريد ممارسة الجور أيضاً رغم الادعاء بغير ذلك. إذ أن مثل هذه السياسات ستقود إلى تأجيج الصراع الطائفي بين المذاهب الإسلامية القائمة ليدمر البلاد كلها دون أي وعي وشعور بالمسؤولية الوطنية على العراق الجديد الذي تصور ويأمل الكثيرون أن يكون وطناً للجميع دون استثناء.

لقد حزتم على الموقع الأول في الانتخابات الأخيرة. واعترف الآخرون لكم بهذا الفوز, رغم كل التجاوزات المعروفة والتي أقر بها وفد المراقبة الدولي. ولكن السؤال الآن هو: كيف توظفون هذا الفوز النسبي لقائمتكم لصالح العراق الديمقراطي الجديد المنشود؟ هل ستسعون إلى فرض سياسة طائفية سياسية مقيتة كما فعل صدام حسين ورهطه عقوداً عديدة, وكما فعل نوري السعيد ورهطه في سنوات العهد الملكي أيضاً, وهو ما تقولون أنكم لا تريدونه, أم أنكم ستسعون مع بقية القوائم العراقية إلى خلق أجواء جديدة في هذا العراق, الذي ما يزال مستباحاً دماً ودموعاً ومالاً, لبناء عراق خال من الطائفية السياسية والتمييز بين أتباع المذاهب الأخرى وخال من ممارسة سياسة العداء لأتباع الأديان الأخرى؟
أتمنى عليكم الإجابة بـ "لا" بالنسبة إلى الشطر الأول من السؤال, كما أرجو لكم الإجابة بـ "نعم" للشطر الثاني من السؤال. هذا ما أرجوه وأتمناه. فهل ما يجري اليوم في العراق يسير بهذا الاتجاه؟

إن السياسة التي تمارسونها تدفع بالقوى العراقية الديمقراطية واللبرالية والعلمانية إلى التكتل ضد وجهتكم في محاولة السيطرة على الحكومة وعلى القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والعسكري في البلاد. إذ أن بالإمكان تشكيل تحالف مقابل ائتلافكم ويفوق عدد مقاعدكم في المجلس النيابي. والمفروض في هذا الواقع أن يدفعكم بالتفكير بصورة واقعية, كما أرى, باتجاهات أساسية تالية تساهم في بناء الوحدة الوطنية وفق أسس أخرى غير طائفية:
• الابتعاد عن سياسة إقصاء هذا الطرف أو ذاك من القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي الجديد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق الاستثنائي ما دامت ترفض العنف لمعالجة المشكلات القائمة في البلاد.
• الاتفاق على تشكيل آلية مناسبة من القوى المشاركة في الحكم أو حتى إضافة قوى سياسية أخرى غير ممثلة في المجلس النيابي أو الحكم لتشارك في هذه الآلية لتحديد السياسات الاستراتيجية للعراق خلال السنوات الأربع القادمة. وانتم بذلك تتجنبون محاولات البعض منكم أو من الغير لفرض سياسة معينة على الحكومة, بل تلتزم الحكومة بتنفيذ السياسات التي تقر من قبل الجميع في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة. وهي بهذا المعنى تجنبكم من محاولات الضغط الخارجي عليكم من أي جهة كانت لصالح الوحدة الوطنية. ويمكن لهذه السياسة أن تجد تعبيرها في برنامج وطني عام وملموس في آن واحد يمس ابرز القضايا التي تمس الوطن, بما فيها قضايا الإرهاب والفساد وإشغال وظائف الدولة بعيداً عن الحزبية الضيقة أو حرمان غير الحزبيين من العمل الوظيفي, إضافة إلى معالجة القضايا المعقدة التي لم تعالجها الحكومات السابقة, ومنها موضوع كركوك.
• تجنب وضع وزراء من أحزاب سياسية كبيرة على رأس وزارة الداخلية وأجهزة الأمن ووزارة الدفاع العراقية, أي القبول بوزراء مستقلين حياديين ينظرون إلى مصلحة الوطن والشعب قبل النظر إلى مصالح أحزابهم أو طوائفهم الدينية. وهذه المسألة تجنبكم الاتهامات والمشكلات التي برزت في وزارة الداخلية ومعتقل الجادرية أو فرق الموت التي تمارسها إيران وقوى سياسية عراقية في وزارة الداخلية وفي مدن عراقية غير بغداد, كالبصرة مثلاً. ومن الممكن أن تتكون آلية الرقابة على سياسة الحكومة هي الضمانة التي تساهم في الإشراف والرقابة على وزارتي الدفاع والداخلية وأجهزة الأمن والشرطة.
• وفي حالة موافقة الائتلاف على تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة وتراس الحكومة الجديدة, يفترض فيها أن تمارس سياسة رقابة حازمة على رئيس الوزراء, إن استمر تكليف السيد الجعفري بهذا المنصب الحساس, لكي لا يساهم في تعقيد العلاقات مع القوى الأخرى, خاصة وأنه ما يزال يمارس توريط المرجعية الدينية بمواقف سياسية ليكسب من خلالها تأييد قوى معينة من الشيعة في منافسة غير عقلانية مع بقية قوى الإسلام السياسي الشيعية, إذ كلما أحس بموقف ضعيف سافر إلى النجف لمقابلة السيد السيستاني.

سماحة السيد عبد العزيز الحكيم
اسمحوا لي أن أشير لكم بما يفترض أن تعرفوه حول المسارات الطائفية السياسية التي لا تساهم إلا في تفتيت الصف الوطني وإنعاش الحقد والكراهية في صفوف المجتمع. كان التنوع المذهبي في الإسلام دليل صحة وعافية وظاهرة إيجابية تعبر عن قدرة الإنسان المسلم في التفكير الحر المستقل وحق الاختلاف في التحليل والتفسير والاجتهاد والإيمان. إلا أن التنوع المذهبي قد ساهم في البعض الكثير من فترات الحكم الاستبدادي في العراق وعلى امتداد فترة الدولة الأموية والدولة العباسية أو في فترات الحكم الفارسي والعثماني في العراق إلى مصائب رهيبة وإلى موتى وجرحى وإهانات للطرفين بسبب التشدد المذهبي السياسي الفارسي أو العثماني, ولا بد وأنكم أدرى بتاريخ الصراعات العثمانية الفارسية في العراق وعواقبها على الناس وعلى مراقد الأئمة والأولياء الصالحين في العراق. إن الكتابات الاجتماعية والتاريخية للدكتور الراحل علي الوردي جديرة بالدراسة والاستفادة منها للمرحلة الراهنة وللمستقبل من كل عراقي حريص على شعبه ووطنه أو حتى حريص على دينه ومذهبه. فحرية ممارسة الأديان والمذاهب واحترامها جميعاً والابتعاد عن أي شكل من أشكال الإساءة لأتباعها أو التمييز إزاء المواطنات والمواطنين لهذا السبب هي المستلزم الكفيل بحماية الناس وحماية الأديان.

إن تتبع الأوضاع في العراق يشير إلى ثلاث ظواهر سلبية علينا العمل على معالجتها بعقل بارد وقلب دافئ, وهي:
1. تصاعد النغمة الطائفية السياسية المقيتة بين قوى الإسلام السياسي السنية والشيعية حتى أصبح بعض الشارع يتحدث بلهجة عدائية إزاء البعض الآخر, وكأن العراق دخل حرباً أهلية والناس يتخندقون في مواجهة بعضهم البعض الآخر. وأصبح القول بأن هذا شيعي وهذا سني حديث الساعة, في وقت كان الناس وما زالوا لا يرغبون بمثل هذه التقسيمات لأن المذاهب تعود للمؤمنين بها وليس لإشاعة الخلاف بين الناس. إن السياسة الطائفية الراهنة التي تمارسها الأحزاب الإسلامية السياسية في مقدورها أن تمزق العراق إرباً إربا, فهل أنتم راغبون بذلك؟ أتمنى أن لا تكونوا كذلك, وأتمنى عليكم أن تفكروا ملياً مع نفسكم لا لصالح الناس في هذا اليوم بل لصالح الناس في المستقبل أيضاً, فالعراق ليس ملكنا نحن الذين نعيش اليوم فيه, بل هو ملك الأجيال القادمة, ولا يجوز أن لا نحرث الأرض جيداً للقادمين الجدد من الأجيال العراقية التي ينبغي لها أن تعيش سوية على هذه الأرض الطيبة. أتمنى عليكم أن تساهموا برفض الطائفية السياسية وأن تمارسوا العقلانية في السياسة التي تساعد على نهوض عراق إنساني وحضاري حديث ومتقدم بدلاً من عراق متخلف ومتصارع طائفياً. ويقع مفهوم الفيدرالية الجنوبية في الإطار الطائفية السياسية التي تثير إشكاليات للمجتمع أكثر مما تنفع المجتمع, في حين أن سيادة النظام الديمقراطي والانتخابات الحرة هو السبيل الوحيد لحماية حقوق الأكثرية والأقلية في المجتمع والابتعاد عن الاستبداد أو العنصرية أو الطائفية السياسية أو اضطهاد البعض لصالح البعض الآخر.
2. بدأت ظاهرة عدم الارتياح القومي بين العرب والكرد تلوح في الأفق بين الناس أنفسهم وليس بين الحكام, في حين كانت المسألة في السابق بين الحكام وليس بين الناس. وهي ظاهرة غذّاها النظام الاستبدادي والعنصري السابق وسعى إلى تأصيلها وعلينا العمل من أجل معالجتها وحل الإشكاليات التي تعتبر سبباً في نشوء مثل هذا الجو. وهذه المسألة لا ترتبط بكم فقط, بل تمس جميع القوى السياسية العراقية العربية منها والكردية التي يفترض فيها جميعاً أن تبذل الجهود الطيبة في هذا الصدد.
3. وتزداد في المجتمع ظاهرة إقصاء المرأة من الحياة العامة ودفعها نحو المطبخ والبيت وعدم منحها حقوقها الفعلية والسعي إلى تبرير ذلك بأساليب غير مقبولة إنسانياً وحضارياً. وغالباً ما يتجه الناس للاستفادة من فتاوى وتصريحات وممارسات بعض رجال الدين الجهلة لفرض التقوقع على المرأة ومصادرة إرادتها لصالح الرجل بحجة أن الرجال قوامون على النساء!
أتمنى لكم أخيراً موفور الصحة ورجاحة القرار السياسي في هذا الظرف المعقد من تاريخ العراق وأنتم تترأسون قائمة الائتلاف العراقي الموحد,

مع خالص التقدير والاحترام.


برلين في 21/2/2006