| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 22/6/ 2006

 



إيران في تصريحات الرئيس العراقي!

 

كاظم حبيب

أتابع باستمرار بعناية خاصة تصريحات السيد رئيس الجمهورية العراقية, إذ أنها كانت وما تزال تلعب دوراً مهماً في عملية تجميع وحدة الصف العراقي وتجاوز الخلافات عبر الحوارات اليومية بين جميع فصائل الحركة السياسية العراقية. وقد أمكن لهذا الجهد, إضافة إلى جهود قائمة التحالف الكردستاني, أن يثمر عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية القائمة حالياً. وكان قيام هذه الحكومة بمثابة عملية قيصرية مرهقة لجميع القوى السياسية, ولكن بشكل خاص للشعب العراقي لأنها أخذت وقتاً طويلاً واقترنت بمزيد من القتلى والجرحى في صفوفه, إلا أنها كانت ولحد الآن عملية ناجحة, رغم كل ما يحيط بها من إشكاليات وما يمكن أن تنشأ عنها من تعقيدات يفترض أن تعالج بحس عراقي جديد لم يتوفر طويلاً, وأعني به حس المواطنة العراقية وليس حس المواطنة لهذه الطائفة الدينية أو تلك. ولدي القناعة بأن هذا الدور للسيد رئيس الجمهورية العراقية معترف به من قبل جميع القوى السياسية العراقية, إذ أنه كان دوراً بارزاً ومتميزاً, لأنه كان موقفاً عقلانياً ومقبولاً في آن واحد.
وفي يوم 16/6/2006 استمعت إلى لقاء صحفي بثته القناة الفضائية "العربية" حول جملة من القضايا العراقية الراهنة والساخنة. ولفت انتباهي ذلك الجزء الخاص بإيران من التصريحات.
يمكن تلخيص جملة الأفكار التي وردت في تلك التصريحات بالنقاط التالية:
1. أن إيران دولة كبرى في المنطقة ولها مصالحها ومخابراتها ونشاطها في المنطقة وفي العراق, كم أن لها من يؤيدها في العراق.
2. أن إيران تقدم الدعم المتنوع لقوى مماثلة لها في العراق, تماما كما تقوم الدول العربية بذلك.
3. إن إيران لا تتدخل في شؤون العراق وليس هناك من ألقي القبض عليه وأشار إلى دور إيران بي ما يجري في العراق.
4. وأن إيران ساندت الوضع السياسي الجديد في العراق منذ تأسيس مجلس الحكم الانتقالي.
5. وأن هناك اختلاف بين السياسة العراقية والسياسة الإيرانية إزاء الموقف من الولايات المتحدة, وهو ما يعبر عن استقلالية السياسية العراقية عن السياسة الإيرانية.
6. أن شيعة العراق لا يعملون وفق مبدأ ولاية الفقيه, ومرجعيتها مستقلة عن المرجعية الإيرانية.
7. وإن الشيعة في العراق غير موالين لإيران بل هم موالون للعراق.
هناك بعض النقاط التي يمكن الاتفاق فيها مع السيد رئيس الجمهورية, ولكن هناك أفكاراً أخرى اختلف فيها معه تماماً ولم أجد ما يبرر إعطاء شهادة حسن سلوك للحكومة الإيرانية إزاء العراق, والقول بأن إيران لا تتدخل في الشؤون العراقية وأن الحكومة الإيرانية تساند الوضع السياسي في العراق, وأنها أيدت مجرى التطور الجاري في العراق, إذ أن في هذا القول ما يدعوني إلى عدم تأييده.
من المفروض أن السيد رئيس الجمهورية مطلع على الوضع في العراق بكل تفاصيله لا بسبب وجوده على رأس الدولة العراقية الاتحادية التي لم تكتمل بعد, ولا بسبب رئاسته لحزب سياسي كردستاني يشارك في الحكم أيضاً, فحسب, بل وبسبب تجاربه والخبرة المتراكمة لديه في السياسة العراقية وسياسة الدول المجاورة للعراق.
إن المعطيات التي يقدمها الشارع البصري وشارع الجنوب عموماً والأحداث الجارية هناك لا تقدم شهادة حسن سلوك لا للحكومة الإيرانية ولا للحكومة السورية ولا للكثير من القوى السياسية, القومية منها وغير القومية, في الكثير من بلدان الشرق الأوسط إزاء موقفها من العراق ودورها في الأوضاع الراهنة.
من الصحيح أن نقول بأن المصالح العراقية لا تتفق كلها وبالضرورة مع المصالح الإيرانية, ولكن من الصحيح أن نقول أيضاً بأن من مصلحة البلدين أن يأخذا بنظر الاعتبار مصالح كل منهما بنظر الاعتبار حين يرسمان سياساتهما, لكي لا ينشأ عنهما ما يثير الغبار وما ينجم عنه من تدخل غير مقبول في شؤون البلدين الجارين.
وليس هناك أي شك في أن قوى الإسلام السياسي الشيعية تختلف مصالحها وجملة من مواقفها عن المصالح والرؤية الإيرانية للأمور, خاصة وأن الدولة الإيرانية, باعتبارها إحدى الدول الكبرى في المنطقة, لها طموحاتها ومشاريعها التي يمكن أن تختلف بهذا القدر أو ذاك عن مشاريع الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية العراقية. وأتفق بأن المرجعية الدينية الشيعية العراقية غير خاضعة للمرجعية الشيعية في إيران, ولكن لا بد أن نقر بأن ليست هناك مرجعية واحدة للشيعة في العراق, كما في ولاية الفقيه في إيران, بل هناك عدة مرجعيات لها علاقاتها الأكثر من حميمة مع المرجعية الإيرانية الواحدة والحاكمة في إيران. وفي ضوء هذه الحقيقة اختلفت مع الطريقة التعميمية غير الدقيقة وغير الصحيحة التي عالج بها السيد رئيس الجمهورية المصرية هذه المشكلة, حين اتهم الشيعة في العراق في كون ولاؤهم لإيران أكبر من ولائهم للعراق. ولكن هذا الخطأ الفادح لا يغير من الحقائق التالية بالنسبة إلى جنوب ووسط العراق ودور إيران في ما يجري فيه, إضافة إلى دور الطائفية السياسية والفساد المالي السائدين هناك. وبودي أن أشير إلى ضرورة زيادة الانتباه حول ما يجري في كردستان العراق, وخاصة في المناطق الحدودية من تدخل إيراني ملموس ومحسوس في شؤون المنطقة في آن واحد, والتي يمكن في ظروف معينة أن تطفو على سطح الأحداث يصعب عندها الإمساك بخيوط اللعبة تماماً:
• إن إيران تمتلك على الأرض العراقية عدداً كبيراً من بيوت الأمن الخاصة بالمخابرات والأجهزة الأمنية الإيرانية التي تعمل في أوساط عديدة ومن خلال قوى عراقية كانت تعمل لديها في إيران وعادت إلى العراق بعد تحرير العراق من قبضة الدكتاتورية. وهي تستخدم هذه الشبكة من الأشخاص والبيوت بشكل واسع لا لجمع المعلومات فحسب, بل والتدخل في شؤون الأحزاب الإسلامية السياسية وفي إثارة بعضها ضد البعض الآخر وفق أهداف وتكتيكات محددة, إضافة إلى التغلغل في مؤسسات الدولة الإدارية وأجهزتها العسكرية والأمنية.
• إن إيران, حكومة وأجهزة سياسية ومنظمات غير حكومية وقوى دينية, تمتلك في العراق مواقع مهمة داخل هذا الحزب السياسي الإسلامي الشيعي أو ذاك, وداخل هذه المنظمة غير الحكومية أو تلك وداخل هذه الحسينية أو تلك, وهي التي تحاول من خلال تلك المواقع التأثير على مجرى الأحداث اليومية في العراق. وهذا لا يعني أنها قادرة بالضرورة على إحداث التأثير وأن تلعب الدور الذي تريده, ولكنها قادرة بصيغة ما في الوصول إلى معرفة ما يجري وما يطرح من المسؤولين العراقيين من مواقف مفيدة أو ضارة لها في العراق من خل منظورها للأمور.
• إن إيران, وعبر قوى غير رسمية, تستخدم قوى خاصة للمشاركة في عمليات الاختطاف, سواء بنقل المختطفين إلى إيران أو وضعهم في بيوت آمنة, لأسباب كثيرة.
• وأن الدعاة الإيرانيين أو من ذوي الولاء لإيران يلعبون دورهم البارز في الحسينيات الشيعية وفي إثارة الصراعات الطائفية أو حتى ملاحقة أتباع الديانات الأخرى.
• إن إيران لا تقدم الدعم المالي فحسب, بل تقدم الدعم الدعائي والسياسي والسلاح أيضاً والمؤيدين أيضاً إلى بعض القوى السياسية الإسلامية المرتبطة بها بصيغ مختلفة.
ولهذه الأسباب لا أجد ما يبرر إعطاء الإيرانيين ورقة حسن السلوك إزاء الوضع في العراق, في حين نتابع بوضوح كبير تدخلها المباشر في أوضاع جنوب العراق, وخاصة ما يجري في البصرة. كما أن علينا أن نتذكر باستمرار ما يلي:
• إن لإيران مصلحة كبيرة في أن لا تهدأ الأوضاع في العراق ومن أجل استمرار إشاعة الفوضى والعبثية والقتل لإقلاق راحة الولايات المتحدة وإحراجها أمام شعبها والرأي العام العالمي ومن أجل إشعارهم بأن التدخل العسكري في إيران سوف يكون أكثر مما هو عليه في العراق حالياً, وأن الأوضاع في المنطقة كلها ستشتعل إن حاول الأمريكيون التدخل في إيران.
• إن مطامح إيران كدولة كبرى في الشرق الأوسط واسعة جداً, وأن من بين أولياتها إقامة تحالفات سياسية مع قوى سياسية مقاربة لها في المذهب الديني, كما هو الحال مع شيعة البحرين أو شيعة دول الخليج أو شيعة لبنان, وخاصة حزب الله, أو مع الحكم السوري العلوي أو مع شيعة السعودية. وفي حالة غياب الشيعة في هذه المنطقة أو تلك فلا خيار آخر غير التعاون مع القوى الإسلامية السياسية الموجودة, كما هو الحال مع دعمهم لحماس, رغم معرفتهم بالعلاقة بين حماس وبين أتباع المذهب الوهابي في المنطقة والعلاقة المذهبية المتوترة بين أتباع المذهب الوهابي المتطرفين وأتباع المذهب الشيعي عموماً ولأسباب لا ضرورة لتبيانها هنا, ولكن يتجلى ذلك في ممارسات الوهابيين المعتدلين منهم والمتطرفين في العراق والعالم العربي أو حتى في قناة المستقبل الفضائية التي كرست نفها لمثل هذه الصراعات الفكرية والسياسية.
• من الممكن أن يتحدث المسؤولون الإيرانيون عن مواقفهم السياسية المعلنة إزاء العراق على امتداد الفترات المنصرمة. ولكن من واجبنا أن نتابع الإعلام الإيراني, أن نتابع التصرفات الفعلية للقوى الإيرانية في العراق, أن نتذكر بأن غالباً ما تمارس قوى أو دول عمليات اغتيال لشخصيات معينة, ثم تسير في مواكب تشييعهم وتحضر مراسيم العزاء معزية بموت من قتلته قبل ذاك بقليل. كان هذا سلوك الحكام البعثيين في العراق, وخاصة في فترة حكم البكر وصدام حسين وقائمة الضحايا والشهداء طويلة, وهو سلوك كان وما زال البعثيون في سوريا يمارسونه, كما أنه يماثل سلوك قوى غير قليلة في إيران وفي المنطقة بأسرها.
لهذا أجد نفسي مختلفاً في هذا الصدد مع السيد رئيس الجمهورية العراقية مام جلال طالباني, رغم احترامي لرأيه وقناعتي بأن الدبلوماسية مطلوبة في الموقع الذي يحتله في الدولة العراقية الاتحادية الجديدة, في الجمهورية الخامسة, وخاصة في العلاقات الدولية.

ملاحظة : نشر في جريدة الاتحاد البغدادية (الاتحاد الوطني الكردستاني).