موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل قيام حكومة وحدة وطنية هو السبيل المناسب لمواجهة تحديات المرحلة؟

 

كاظم حبيب

الأربعاء 22 /2/ 2006

تتميز المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق بتعقيدات كبيرة كما تواجه العملية السياسية مصاعب جمة بسبب تشابك مجموعات من العوامل الفاعلة في الساحة السياسية العراقية والمؤثرة سلباً أو إيجاباً على هذه العملية. وإذا كان بعض هذه العوامل ناجم عن الوضع الداخلي والتباين في مواقف مختلف القوى السياسية العراقية, فأن بعضه الآخر ناجم عن القوى والدول العربية والإقليمية وعن الوضع الدولي الراهن المتزايد تأثيراً في العراق.
فعلى الصعيد الدولي يتجلى:
• تنامي الاختلاف بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الموقف من مضمون ووجهة العولمة ومن مشكلات منطقة الشرق الأوسط والنفط ومشكلات البيئة والتجارة على الصعيد الدولي أولاً, كما تتباين الحلول والمواقف المطروحة من كل طرف لهذه المشكلات.
• وفي الوقت نفسه ينمو الصراع بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى, ويرتبط بالمصالح المتباينة لهذه الدولة التي تقود بدورها إلى بروز خلافات حادة في المعالجات والحلول.
• وتتخذ اليابان مواقف مساندة للولايات المتحدة الأمريكية عموماً, رغم رغبتها في تأييد مواقف الاتحاد الأوروبي, بسبب مصالحها في الشرق الأوسط التي ترتبط حالياً بالسياسة الأمريكية, وخاصة في مسألة النفط الخام والتجارة الدولية.
وتتخذ هذه الصراعات والخلافات شكلها الملموس في الموقف من الوضع في العراق ومن سعي إيران لتخصيب اليورانيوم وتدخلها المتزايد في المنطقة والمشكلة الفلسطينية والتحالف الناشئ بين إيران وسوريا وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. إذ تعذر حتى الآن الوصول مواقف مشتركة في ما بينها في مجلس الأمن الدولي ومؤسساته المختلفة.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط أحرزت قوى الإسلام السياسي نجاحات ملموسة في كل من العراق وفلسطين ومصر ولبنان (حزب الله) وسوريا (التأييد المتزايد للإخوان المسلمين), وهي تدخل حالياً في تحالف متعدد الوجوه مع النظام الإيراني القادر على مد هذه الأحزاب بالأموال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية. كما أن النجاح الذي حققته القوى المحافظة والحرس الثوري في إيران دفع بالقوى المحافظة إلى العودة لممارسة سياسة تصدير الثورة الإيرانية بأساليب جديدة مستفيدة من تعقيدات الوضع في المنطقة ومحفزة على المزيد من الكراهية والعداء للولايات المتحدة الأمريكية تحت شعار صدام الحضارة الإسلامية بالحضارة المسيحية.
وها هي تستفيد من الصور الكاريكاتيرية السيئة والمسيئة لشخص ومقام الرسول الكريم على أوسع نطاق من خلال تسخير إعلامها ودعايتها لتأجيج الحملة واستخدامها في صراعها مع الغرب عموماً والتغطية على مشكلة تخصيب اليورانيوم والتخفيف من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة. وهي تتسبب في تعميق الهوة بدلاً من مد الجسور بين الحضارتين.
وكل الدلائل تشير إلى تفاقم التدخل الإيراني في الصراعات الدائرة في كل من العراق ولبنان وسوريا لخدمة مصالحها وتعميق الانشقاق في الصف الوطني العراقي واستخدام القوى الأكثر تطرفاً لضمان الهيمنة على منطقة جنوب العراق وجعلها بعداً إستراتيجياً لها في المنطقة وإزاء دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية. وقد بدأت تسند بتصريحاتها مواقف القوى المتطرفة في الصف الإسلامي السياسي الشيعي في العراق لمنع قيام أي ائتلاف سياسي مع القوى العلمانية العربية, أي محاولة جعل السلطة تحت نفوذ تام لقوى الإسلام السياسي المؤيدة لها. وهي تماس ذات السياسة في لبنان.
لا تتدخل إيران وحدها في الشؤون الداخلية للعراق, بل هناك سوريا من خلال علاقاتها بالقوى القومية اليمينية والقوى البعثية والعلاقات العشائرية القريبة من الحدود العراقية السورية أولاً, كما أن هناك بعض القوى الشيعية أو السنية المتطرفة في الخليج والسعودية التي تدفع باتجاه سيطرة القوى الإسلامية السياسية على الوضع في العراق لأنها ترى في ذلك مصلحتها, ومن هنا جاء تقديم الملايين من الدولارات في الحملة الانتخابية الأخيرة لصالح بعض القوى السياسية العراقية.
كل هذه العوامل وغيرها تساهم في إضعاف الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمواجهة الإرهاب المتفاقم في العراق وإفشال مخططاته واستعادة الأمن والاستقرار للشعب العراقي..
فالعراق ما زال يواجه إرهاباً شرساً من تنظيمات بن لادن والظواهري والزرقاوي وأنصار الإسلام الكرد والعرب السنة وقوى أجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات وفدائيي صدام السابقة من جهة, ويواجه القوى السنية المتشددة الفاعلة في بعض الهيئات الدينية التي ترى بأنها فقدت مواقعها في السلطة من جهة ثانية, ولكنه في الوقت نفسه يواجه قوى إسلامية سياسية شيعية تريد الهيمنة المطلقة على السلطة بأي ثمن كان وتسعى إلى فرض إرادتها على الوضع في العراق وهي مستعدة إلى استخدام كل السبل الشرعية وغير الشرعية لضمان الوصول إلى هذه النتيجة. وفي هذه القوى أجنحة تملك ميليشيات شبه عسكرية تمارس القمع والإرهاب, سواء أكان من أجل الانتقام غير المشروع أم من أجل الحصول على مواقع أفضل في السلطة أم من أجل إشاعة الفوضى بأمل الوصول إلى الهيمنة على السلطة, ومنها ما كشف عنه من فرق الموت والتي تحدثت عنها في مقالاتي الثلاثة: البصرة الحزينة ... البصرة المستباحة!
وعلى الطرف الثاني يحاول التحالف الكردستاني أن يمارس سياسة الجمع بين جميع القوى مع ضمان تحقيق الأهداف التي يسعى إليها وبشكل خاص موضوع الديمقراطية ومعالجة قضية كركوك. وفي النقطة الأخيرة تلتقي, رغم اختلافها, مواقف قوى ديمقراطية ولبرالية من جهة, مع قوى إسلامية سياسية عربية من جهة أخرى, في محاولة منها لتجاوز مطلب قائمة التحالف الكردستاني بشأن حل مسألة كركوك وفق ما جاء في المادة 140 من الدستور الجديد, كما أن البعض الآخر يرفض حتى الفيدرالية, كما جاء ذلك في تصريحات السيد مقتدى الصدر في عمان وفي مقابلته مع قناة الجزيرة, رغم أنه برز وبصواب خطأ إقامة فيدرالية في جنوب العراق.
أما القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية العراقية العربية والكلدو آشورية والتركمانية فتعاني من ضعف شديد لا في المجلس النيابي الجديد فحسب, بل وفي الساحة السياسية العراقية وفي أوساط المجتمع. وستبقى هذه الحالة لفترة غير قصيرة تلعب دوراً سلبياً إلى حين بدء هذه القوى بممارسة سياسات حديثة وواضحة وجريئة في معالجة مشكلات البلاد لكسب استعادة ثقة المجتمع بها. وهي عملية معقدة وطويلة في ظل ألأوضاع الثقافية والسياسية والاجتماعية الراهنة والموروثة من عهد الدكتاتورية المقيتة.
وباختصار, تتلخص العوامل الفاعلة في الواقع السياسي الراهن في عدة نقاط, منها:
- الإرهاب المستمر والقتل المتواصل للناس من جانب القوى الشريرة.
- الفساد المالي السائد حقاً في العراق والمشارك مع الإرهاب في تعميق الأزمة.
- السياسة الطائفية التي تصر على ممارستها بعض قوى الإسلام السياسي العراقية, سنية كانت أم شيعية.
- البطالة الواسعة جداً التي تشمل أوساطاً كثيرة والحالة المالية الضعيفة والفجوة المتفاقمة في الدخل السنوي للأفراد ومستويات المعيشة للسكان, حيث يزداد فقر الناس وتتحسن ظروف حياة وعمل فئات قليلة جداً, ويغتني المفسدون في العراق.
- بطء سير عملية إعادة البناء ونقص الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود والماء وتراكم أكوام القمامة والشوارع القذرة التي تعيد أوضاع القرن التاسع عشر وسنوات الفيضانات والأوبئة ...الخ.
- الممارسات السيئة وغير العقلانية للقوات الأمريكية والبريطانية في العراق وتجاوزها على حقوق الإنسان وحرمة العوائل ...الخ.
- السياسة القمعية التي تمارسها وزارة الداخلية العراقية وأجهزة الأمن والمليشيات التابعة لبعض القوى السياسية, إضافة إلى فرق الموت.
- التدخل الخارجي وخاصة الإيراني والسوري والسعودي والخليجي المباشر وغير المباشر في شؤون العراق الداخلية.
إن هذه اللوحة تجعل من الصعوبة إيجاد تحالفات سياسية سريعة لأن المطبخ الفاعل ليس عراقياً فحسب, بل وعربياً وإقليمياً ودولياً.
ورغم ذلك فالجهود التي تبذل حالياً من جانب السيد رئيس الجمهورية وقائمة التحالف الكردستاني من أجل قيام حكومة وحدة وطنية هي الأفضل من أي حل آخر ممكن في العراق, إذ أن مثل هذه الحكومة وبصراحة متناهية ستسمح بـ:
- منع انفراد الائتلاف العراقي بالسلطة السياسية حتى في حالة ائتلافه مع التحالف الكردستاني.
- صعوبة فرض الحلول ذات الوجهة الدينية المتزمتة على المجتمع العراقي من خلال وجود قوى عديدة وعلمانية تساهم في دعم مواقف التحالف الكردستاني, والعكس صحيح أيضاً.
- لا يجوز ولا يمكن تجاوز قوى قائمة التوافق الوطني, إذ أنها قادرة على المشاركة في لجم بعض القوى التي تدعي المقاومة!
- إمكانية الوصول إلى حلول تخدم مصالح التطور اللاحق للعراق وتجميع القوى لمقاومة الإرهاب وكسر شوكته والتهيئة الفعلية لخروج القوات الأجنبية من العراق.
- وهي الصيغة العملية لوقف تدخل إيران وغيرها من الدول في شؤون العراق ومنع الإساءة إلى أتباع الأديان والمذاهب الأخرى التي تسعى بعض القوى إلى ممارستها كما فعلت وتفعل اليوم في منطقة جنوب ووسط العراق.
- كما أن حكومة الوحدة الوطنية يمكنها أن تساهم معاً بإعادة بناء المؤسسات العراقية واستكمالها وتنشيط فعلها وفرض الرقابة على ممارستها ومنع حصول ما يحصل اليوم في وزارة الداخلية مثلاً.
ووفق قناعيتي لا أرى أي نفع في الوقوف في صف المعارضة في هذه المرحلة, إذ أن بعض القوى السياسية, وخاصة بعض القوى الإسلامية السياسية, ستكتسح الساحة في وسط وجنوب العراق وستمارس الإرهاب ضد القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية وستجد الدعم الكامل من جانب إيران بشكل مباشر. وفرق الموت هي صورة واحدة من صور التدخل الإيراني في العراق ودعمها لقوى إسلامية سياسية متطرفة.
إن تكليف الدكتور الجعفري برئاسة الوزارة جاء بسبب التوازن المختل في الائتلاف العراقي لصالح القوى الأكثر تشدداً والأقل تسامحاً, وسيخلق إشكاليات كبيرة للقوى الديمقراطية والقوى الكردستانية في آن واحد. إلا أن تعاون مختلف القوى السياسية في داخل الحكم يمكن أن تحد من مواقف الدكتور الجعفري الفردية أو من يؤيده من قوى الإسلام السياسي المتشددة.
لدي القناعة بأن الحكومة يمكن أن تتشكل من أربع قوى هي الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني والتوافق العراقي والقائمة الوطنية العراقية, وربما ستجد جماعة د. صالح المطلگ موقعاً لها أيضاً, رغم أنها ما تزال تتمسك بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف وتدافع عن قوى الإرهاب بدعوى أنها مقاومة وطنية. ولا أرى صواب العمل معها ما لم تتخلى عن مواقفها الراهنة من العنف وما يسمى بالمقاومة.
إن المهمات التي ستواجه المجلس النيابي والحكومة الجديدة ورئاسة الجمهورية كبيرة جداً ومعقدة, ولن يكون في مقدورها الوصول إلى نتائج إيجابية ما لم تتفق على جملة من الأهداف, منها على سبيل المثال لا الحصر:
• الاتفاق على برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وعسكري وأمني توافقي متوازن وعقلاني وقابل للتنفيذ.
• الاتفاق على تعديل الدستور من أجل إزالة النصوص الخاصة بالطائفية وتمجيد الطائفية أو رموزها وتحسين الموقف من المرأة وحقوقها أزو إزالة الغموض من بعض المواد.
• التصدي الصارم للإرهاب ورفض أي ادعاء بمقاومة مسلحة والكف عن ممارسة العنف في السياسة.
• تطوير مؤسسات الدولة وتسلم كل الملفات من أيدي القوات الأجنبية في العراق, والعمل من أجل تقليص وجودها وضمان انتهاء مهمات وجودها في العراق.
• إنهاء وجود المليشيات الراهنة وإرساء دعائم العمل السياسي قبل العمل العسكري في معالجة مشكلات المجتمع.
• تحسين الخدمات العامة وتقليص البطالة وتنشيط السوق المحلي وتحسين حياة الكادحين والقوى التي دفعت إلى الهامش خلال العقود المنصرمة وحاربت بحزم وجدية الفساد المالي السائد في البلاد.
• معالجة قضايا المعتقلين والموقوفين وفرض الرقابة الصارمة على وزارة الداخلية والتعامل بوعي ومسؤولية مع قضايا حقوق الإنسان. ويفترض هنا تشكيل هيئة مدنية من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني وحقوق الإنسان للرقابة على عمل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وترتبط بمجلس النواب ورئاسة الجمهورية مباشرة.
• الالتزام بالمادة 140 من الدستور لمعالجة قضية كركوك.
• إيقاف الاعتداءات على أتباع مختلف الأديان والمذاهب والأفكار والاتجاهات السياسية في العراق.
• التمييز السليم بين المتهمين بالإجرام في العراق من قوى النظام السابق وبين الانتهازيين منهم أو الذين فرضت عليهم عضوية حزب البعث والابتعاد عن التعامل معهم وكأنهم جميعاً من طبيعة واحدة. وبالتالي تشكيل لجنة تابعة لمجلس النواب تهتم بهذا الموضوع بدلاً من لجنة اجتثاث البعث الراهنة.
• الكف عن فرض المعايير الخاصة ببعض القوى الدينية على المجتمع العراقي والتعامل مع الناس على أساس حق المواطنة وبعيداً عن كل أشكال التمييز أو منع الناس من العمل في مجالات تعتبر من وجهة نظرها غير مقبولة.
• ربط لجنة النزاهة بمجلس النواب ورئيس الجمهورية أو بمجلس القضاء العالي وتنسيب عناصر مستقلة ومتمكنة ونزيهة إليها لكي لا تمارس سياسة حزبية ضيقة بهذا الخصوص.
 

الرأي الآخر: جريدة المدى البغدادية - 21/2/2006