موقع الناس     http://al-nnas.com/

المزيد من العناية بأطفال كردستان ، بناة الحياة الجديدة!

 

كاظم حبيب

الأثنين 22/5/ 2006

تسببت السياسات الشوفينية والتهميشية التي مارستها النظم غير الديمقراطية في العهد الملكي التي سبقت النظم الدكتاتورية في العراق, ثم السياسات التي مارسها العنصرية والعدوانية والقهرية التي مارسها حكم البعث الصدامي ضد الشعب العراقي عموماً وضد الشعب الكردي وسكان وسط وجنوب العراق على وجه الخصوص, إضافة إلى الحروب الدموية الخارجية إلى نشوء معضلات كبيرة في المجتمع. ويبدو للمتتبع أن هذه المشكلات ستبقى لفترة غير قصيرة تلاحق أو تلتصق بالمجتمع لسنوات قادمة إلى أن يتسنى للمسؤولين على صعيد العراق وعلى صعيد كردستان وضع الحلول العملية لها ومعالجتها.
وإذا كان إقليم كردستان قد تحرر من ربقة الدكتاتورية الغاشمة منذ نهاية العام 1991, فأن المشكلات والصراعات الداخلية والحصار الاقتصادي المركزي ومستوى التخلف وتراكم المشكلات قد أعاق إلى حدود غير قليلة التخلص من عدد غير قليل من المشكلات, بالرغم من الجهود التي بذلت على هذا الطريق وحققت بعض التقدم, في حين ما يزال وسط وزجنوب العراق يعانيان من تلك المشكلات بمقاييس أكبر, يزيدها سوءاً استمرار الإرهاب الدموي والصراعات السياسية وعدم الاتفاق المطلوب بين القوى السياسية العراقية, في حين حققت كردستان خطوة مناسبة أولية على طريق الاتفاق وحل المعضلات في ما بين الحزبين الرئيسيين بالطرق السلمية وعبر العمل المشترك. ويتمنى الإنسان أن يتطور هذا الاتجاه ويتعزز عبر تعزز ممارسات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي, وأن يعم العراق كله .

      صورة لصبيين يعملان في البناء في عنكاوة بأربيل 24/4/2006

واجه المجتمع العراقي بكل مكوناته خلال فترة حكم البعث سياسات عدوانية من جانب السلطة إزاء الشعب وإزاء الدول المجاورة والعالم. منها الحروب الداتخلية ضد الشعب الكردي التي توجها بعمليات الأنفال الدموية ومجزرة الكيماوي في حلبجة والتهجير القسري للعرب الشيعة إلى إيران وتهجير الكرد الفيلية إلى إيران بحجة التبعية لها, وقتل عشرات الألاف من البشر العراقي ودفنهم في مقابر جماعية يجري اكتشافها باستمرار, إضافة إلى حروبه الخارجية ضد إيران وعزه الكويت وما تبع ذلك من حصار وحروب مدمرة. وكانت الحصيلة مرة جداً ومريرة على المجتمع بأسره وعلى جيران العراق والعالم. ومع سقوط عشرات الألوف من الأطفال والنساء في تلك العمليات, إلا أن الموت قد لاحق بوجه خاص الرجال وبنسبة عالية جداً. وتسببت هذه الحالة في اختلال التوازن بين عدد النساء وعدد الرجال الذي خلق مشكلة أخرى هي تعدد الزوجات التي تقلصت كثيراً في أعقاب صدور قانون الأحوال الشخصية في فترة حكم الراحل المغدور عبد الكريم قاسم. لقد ترك الكثير من الرجال الذين قتلوا أو استشهدوا أو أجبروا على الهجرة زوجاتهم وأطفالهم دون معيل أو في وضع يرثى له. كما عمت البطالة المجتمع وأصبحت نسبة تصل إلى حدود 60 % من السكان عاطلة عن العمل أو تحاول الحصول على لقمة العيش بأعمال هامشية مؤقتة. وكانت المصيبة في هذا المجال كبيرة حقاً.
في مثل هذا الوضع البائس أجبرت الكثير من العوائل على إرسال أبنائها إلى العمل بمختلف السبل للحصول على أجر يمكن به سد رمق العائلة وتسرب الأطفال والصبية من الأولاد والبنات ومن مراحل دراسية مختلفة من المدارس ليحوموا في شوارع العراق تفتيشاً عن عمل أولقمة عيش. وقد استفادت مجموعات خبيثة من الناس هذه الحالة فراحوا يتجارون بأعضاء هؤلاء الأطفال أو يختطفونهم ويبيعونهم في الدول المجاورة للحصول على كلاهم أو أجزاء أخرى من أجسامهم أو تشغيلهم بقضايا لا تمس إلى الخلق الأدمي بصلة. فقد راج سوق الدعارة المتنوعة في العراق وخارجه بأجساد العراقيات والعراقيين من مختلف الأعمار. وعلينا أن نقول ذلك لنستطيع إدراك حجم المأساة التي واجهت المجتمع في ظل الدكتاتنورية وسياساتها الشنيعة والحصار الاقتصادي الذي دام 13 عاماً.
وإذ ما يزال الوسط والجنوب يعاني من مشكلات كبيرة بسبب الإرهاب وتخلف الأطفال عن الدراسة وحركتهم في الشوراع وتحريهم عن عمل وعن دخل إضافي للعائلة, فأن كردستان قد قطعت شوطاً طيباً في هذا المجال, ولكنه ما زال بعيداً عن الحد الأدنى الذي يفترض توفره للأطفال لكي يتسنى لهم ولأفراد عوائلهم العيش الكريم بحيث لا يجبروا على إرسال أبنائهم إلى العمل بأعمال قاسية لا يتحملها جسد الأطفال والصبية الصغار, إضافة إلى كونه محرم دولياً وعراقياً أيضاً.
كنت ماراً في أحد أزقة مدينة عنكاوة الصغيرة التابعة لمحافظة أربيل في إقليم كردستان العراق, وهي من المدن التي يعيش أهلها في بحبوحة نسبية بالمقارنة مع مدن أخرى. وأن الغالبية العظمى من سكان هذا القضاء هم من المسيحيين الكلدان, فشاهدت صبيين لا يتجاوز عمر الواحد منهم الحادية عشر أو الثانية عشر سنة لا غير, أحدهما يملأ عربة صغيرة بأحجار البناء والرمل وأكياس الأسمنت والثاني يجرها ليوصلها إلى البنائين, وهكذا يتبادلان العمل المرهق, في مقابل أجر زهيد جداً لا يتناسب وطبيعة العمل. وجدتهما والعرق يتصبب منهما ثم تعبا فجلسا للحظات قليلة ليستريحا قليلاً, استطاعت كامرتي الصغيرة في هذه اللحظات أن تلتقط لهما الصورة المرفقة وهما في جلسة الاستراحة وفي غاية الإنهاك. ابتسما للصورة بالرغم منهما, إذ لم يصادفا من يبدي اهتماماً بهما غير هذه الكامرة الصغيرة.
لا شك لدي في أن أهل هذه المدينة يحافظون على تقليد إرسال أبنائهم إلى المدرسة والدراسة ويتمنون لهم النجاح والتقدم. ومع ذلك تجد في هده المدينة, ولكن في أربيل وفي المدن الكردستانية الأخرى, المزيد من الأطفال الذين يعملون في أوقات الدراسة في أعمال شاقة للغاية لا يقوم بها إلا الرجال الأقوياء. ولا يمكن أن تبرز هذه الظاهرة إلا لثلاث أسباب أساسية, وهي:
1. وجود حاجة ماسة لدى العو ائل الفقيرة والكادحة التي تجد نفسها مجبرة على إرسال أطفالها الصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم الثامنة والتاسعة أو العاشرة أو حتى الرابعة عشر إلى العمل في مثل تلك الأعمال الشاقة.
2. عدم وجود نظام دعم مناسب للعوائل الفقيرة بحيث تستطيع تحسين أوضاعها بالقدر الذي يسمح لها بعدم تشغيل الأبناء الصغار, وهم بعمر الزهور.
3. عدم وجود نظام تعليمي ورقابي مناسب بحيث يمكن التحري عن أسباب تسرب الأطفال أو عدم حضورهم الدروس وتغيبهم عن الدوام, رغم وجود نظام التعليم الإلزامي في كردستان العراق حتى نهاية الصف السادس الابتدائي.
إن الصورة التي التقطتها كامرتي تدلل بما لا يقبل الشك عن هذه الحالة, وقد التقطت الكثير من الصور, التي تدلل على استمرار وجود واسع لظاهرتي البطالة والبطالة المقنعة في كردستان العراق والتي أشار إليها السيد رئيس وزراء كردستان في خطابه أثناء أداء القسم القانوني أمام البرلماني الكردستاني ووعد بمكافحتها.
ولا شك بأن ظاهرة عمل الأطفال بأعمال شاقة وظاهرة البطالة الواسعة التي تتجاوز ال 50% في العراق وكذلك البطالة المقنعةو في بقية أرجاء العراق واسعة جداً بالمقارنة مع كردستان, ولكن كردستان تنعم بالأمن والاستقرار, وهما غير متوفرين في الإقليم العربي من العراق.
لقد شاهدت ظاهرة عامة في كردستان العراق, وأعني بها ذهاب الأطفال والصبية إلى المدارس وهم يرتدون الزي الموحد. تشعر بأنهم يحسون بالأمن والاستقرار وعدم الخوف من قاتل جبان ينتحر في وسطهم ويأخذ حزمة من الورود الجميلة معه إلى القبر, أو قاتل مجرم يفجر سيارته وسط جمع من الناس, بضمهم الأطفال, كما يحصل في بغداد أو في محافظات أخرى. ولكن هذه الصورة العامة تخدشها لطخة الصبية الصغار وهم يعملون في أعمال شاقة.
إن الإنسان يتمنى على المسؤولين في كردستان أن يبذلوا الجهود لتحسين أوضاع العوائل الفقيرة والكادحة لكي لا تجبر على إرسال الأبناء إلى العمل بعيداً عن صفوف الدراسة والمدرسة وحياة الطفولة الضرورية. إن هؤلاء الأطفال يمثلون مستقبل كردستان العراق وهم الأجيال التي ستتحمل مسؤولية بناء المجتمع الكردستاني الديمقراطي الجديد. لا أعتقد بأن أي مسؤول في كردستان يرفض أن يرى ابنه يعمل بتلك الأعمال الشاق وهو في عمر الدراسة, ولهذا يفترض أن يرى كل مسؤول كل طفل في كردستان باعتباره إبناً له. هذا ما أرجوه وأتمناه, وليس كل ما يتمنى المرء يدركه. ومع ذلك كلي أمل بأن هذه الظاهرة ستزول أيضاً, إذا ما أحسنا تخطيط حياتنا ومستقبلنا, وأحسنا صرف الموارد المالية المتوفرة في خزينة الدولة والإقليم, وهو أمر ممكن ويحتاج إلى المزيد من العمل الدؤوب والموجه لصالح معالجة المشكلات التي تواجه الإقليم والعراق بشكل عام.
إن توحيد الإدارتين في حكومة واحدة يفترض أن يسمح بحل الكثير من المشكلات التي كان من المتعذر حلها بصورة منفردة, وهو أمل يراود الجميع وأملي أن لا يخيب هذا الأمل بأي صورة من الصور.