| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الثلاثاء 21/3/ 2006

 


 


ما هو الموقف الصائب من المصالح الإيرانية في العراق؟

 

كاظم حبيب

تشترك جميع بلدان العالم الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمصالح متبادلة في ما بينها ولا يمكن إغفال هذه الحقيقة وتلك المصالح بأي حال. وتزداد تلك المصالح أهمية عندما ترتبط بدول تقع في منطقة واحدة ومتجاورة, كما هو حال دول وشعوب الشرق الأوسط, ومنها بلدان الخليج, إذ أن السياسات التي تمارس فيها, سواء أكانت داخلية أم خارجية, وسواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم عسكرية وأمنية, تؤثر بهذا القدر أو ذاك على الدول المتجاورة حدودياً بشكل خاص. وإدراكاً من جانب المجتمع الدولي لهذه الحقيقة, إضافة إلى التجارب الغزيرة والمريرة التي تكونت عبر القرون والعقود المنصرمة, توصلت الدول المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى وضع مبادئ أساسية تنظم العلاقات الدولية تضمن إمكانية تحقيق التعايش السلمي بين الدول ذات النظم السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية المتباينة وتسهم في إبعاد خطر تحول المشكلات إلى صراعات وتناقضات ونزاعات عسكرية وحروب, وأبرزها:
* إقامة علاقات حسن جوار تستند إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب الأخرى؛
* الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة الوطنية؛
* احترام المصالح والاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المتبادلة؛
* معالجة المشكلات والنزاعات القائمة بين الدول عن طريق التفاوض السلمي والديمقراطي, والابتعاد عن استخدام القوة والحروب؛
* إشراك الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية في سبيل إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة في حالة تعذر الوصول بين الأطراف المتنازعة إلى حلول عملية تقبل بها تلط الأطراف؛
* احترام حقوق المواطنة أو الإقامة لأتباع الأقليات القومية أو الجاليات المقيمة في هذا البلد أو ذاك, باعتبارها من قوميات مماثلة للقوميات في الدول المجاورة واعتبار ذلك جزءاً من ممارسة حقوق الإنسان التي يكفلها القانون الدولي؛
*عدم إيواء قوى معادية تمارس نشاطاً ضد النظم المجاورة, ولا يتعارض هذا مع مبدأ إيواء اللاجئين السياسيين بما يتفق مع المبادئ والحقوق التي نظمها القانون الدولي وكرستها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان...الخ..
ويفترض في حكومات الدول المتجاورة أن تبادر إلى معالجة أي مشكلة عند حصول تجاوزات من هذه الدولة أو تلك وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى بأسلوب ودي وديمقراطي قبل استفحاله وتحوله إلى نزاع دموي. وفي حالة التعذر, يمكن إشراك الأمم المتحدة لمساعدتهما في الوصول إلى حل مناسب. فهل وصلت مشكلات التدخل الإيراني في شؤون إلى الدرجة التي لا يمكن معالجة الأمر دون تدخل الأمم المتحدة أو مشاركة دول أخرى في إيجاد الحل المناسب لها؟ أرى بأن الوضع في العراق قد وصل, منذ ما يقرب من ثلاث سنوات, إلى المستوى الذي استوجب في حينها تدخل الأمم المتحدة أو دول أخرى لمعالجة المشكلة بين العراق وإيران لصالح البلدين ولصالح علاقاتهما التاريخية. وهي الآن كما أرى أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فما هي المشكلات المعلقة حالياً بين البلدين ؟ يبدو لي بوضوح وجود عدة مشكلات جوهرية, وهي:
1. وجود قوات من مجاهدي خلق في العراق يشكلون, بالنسبة للنظام السياسي الإيراني, خطراً عليه ويريد التخلص من وجودهم في العراق, إذ يعتقد المسؤولون في إيران احتمال استخدامهم من جانب الولايات المتحدة ضدها. ومن الطرف العراقي فأن إخراج تلك القوات التي تحالفت مع النظام العراقي وكانت مخلب قط له يفترض إخراجها بطريقة مناسبة من العراق إلى الولايات المتحدة.
2. وجود القوات الأمريكية والبريطانية في العراق الذي تعتبره إيران تهديداً لها, خاصة وأنها في نزاع مستمر منذ أكثر من ربع قرن مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهي بالتالي تثير القوى المتحالفة معها ضد وجود هذه القوات. العراق ليس إلى جانب استمرار بقاء هذه القوات ولكن خروجها يعتبر قضية عراقية بحتة ولا يجوز تدخل إيران فيها, شريطة أن لا تستخدم الأراضي العراقية ضد إيران.
3. وجود تدخل واسع النطاق وفظ من جانب إيران في الشؤون الداخلية للعراق تبرز بصيغ مختلفة:
أ‌. وجود تنظيمات دينية واجتماعية زرعتها إيران في العراق وبالتعاون مع قوى عراقية أو بدونها, وخاصة في المنطقة الجنوبية من العراق وفي بغداد.
ب‌. وجود تنظيمات أمنية وعسكرية سرية تابعة لإيران في العراق تلعب دورها في الكثير من حالة الفوضى والتخريب والاختطاف والقتل التي يتعرض لها العراق حالياً.
ت‌. الحدود التي يتغلغل منها الإيرانيون المتطرفون والمهربون للأسلحة والمخدرات وغسل الأموال وعصابات الجريمة المنظمة في البلدين وغيرهم لإشاعة الفوضى والعبث في العراق.
ث‌. العلاقة المذهبية التي تسعى إيران إلى استغلالها سياسياً في صالحها مما زيد من الصراع الطائفي ويحوله إلى نزاع مذهبي سياسي يدمر وحدة النسيج الوطني العراقي.
ج‌. رغبة إيران في وصول الزائرين إلى العتبات المقدسة في العديد من المدن العراقية وخاصة النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء على سبيل المثال لا الحصر. والعكس صحيح أيضاً في رغبة الكثير من العراقيات والعراقيين من أتباع المذهب الشيعي في زيارة العتبات المقدسة في مدينتي خراسان وقم.
وبما أن حكومتي البلدين عجزتا حتى الآن عن الوصول إلى معالجة جادة لهذه المشكلات بل زادت تعقيداً, فأن من الصائب إدخال طرف ثالث فيها, سواء أكانت الولايات المتحدة الأمريكية أم أي دولة أخرى أم الأمم المتحدة من أجل حل تلك المعضلات. إذ لن يهدأ الوضع في العراق دون احترام المصالح المتبادلة للبلدين. فمصلحة إيران تتركز في :
• ضمان عدم تدخل الدول الكبرى في شؤون إيران الداخلية من الأراضي العراقية أولاً, وإخراج قوات مجاهدي خلق من العراق, وهم سياسيون مقاتلون بالأساس, ثانياً, وضمان وصول الزائرين الإيرانيين إلى العتبات المقدسة في العراق بسلام وعودتهم إلى إيران بسلام أيضاً.
أما مصالح الجانب العراقي فتتمثل بما يلي:
• حماية الحدود العراقية الإيرانية من تسرب جميع الأشخاص الذين يمارسون نشاطات محرمة ضد العراق, ومنع تسرب الأسلحة والمخدرات والعصابات أولاً, وسحب جميع المنظمات الدينية والاجتماعية السرية أو القوى العاملة في المنظمات العلنية لصالح إيران من العراق أو حلها ثانياً, وسحب قوى الأمن والجيش والحرس الثوري الإيراني من العراق كلية ومنع دخولهم بأي سبيل كان, بغض النظر عن الجوازات أو الهويات التي يحملونها ثالثاً, وإيقاف الإعلام الذي يؤجج النعرات والنزاعات الطائفية من محطات الإذاعة والتلفزة الإيرانية الموجهة إلى العراق أو إلى العالم رابعاً, وحماية أمن وسلامة الزائرين العراقيين إلى العتبات المقدسة في إيران, ومساعدة العراق في الكشف عن أوكار الإرهابيين في داخل البلاد وعلى الحدود بين البلدين.
ورغم صعوبة الوصول إلى حل نهائي بهذا الصدد, إذ أن وجود القوى المحافظة والمتشددة في السلطة في إيران اقتراناً بنهجها في تصدير الثورة الإسلامية الشيعية إلى الخارج وصراعها المتفاقم مع الولايات المتحدة وسعيها لتشكيل محاور مضادة لها في منطقة الشرق الأوسط والمشكلة النووية المثارة حالاً في مجلس الأمن الدولي سيعقد ذلك, إلا أن الدخول بالحوار وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية, وبموافقة قوى إسلامية عراقية مثل رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في داخل الائتلاف العراقي الموحد, رغم معارضة البعض الآخر من أعضاء الائتلاف العراقي الموحد لذلك, سيسهم في معالجة معينة مفيدة للوضع في العراق عموما, ولكن بشكل خاص لجنوب العراق وبغداد. إن طلب السيد عبد العزيز الحكيم من إيران الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة يعكس عمق المشكلة القائمة بين قوى الإسلام السياسي ذاتها بسبب تدخل إيران وضغطها على بعض القوى لاتخاذ مواقف معينة لا ترتبط بالضرورة بمصالح العراق.
إن العراق لا يحتاج إلى مزيد من تدخل قوى أو دول الجوار في شؤون العراق الداخلية, بل هو بأمس الحاجة إلى إيقاف جميع أشكال التدخل, إضافة إلى الامتناع عن أي تدخل في شؤون الدول الأخرى المجاورة من جانب العراق أو من جانب القوى الأجنبية الموجودة فيه حالياً. وإذا كان هذا الأمر يمس الحكم في إيران, فأنه يمس أيضاً الحكم في سوريا وقوى وأحزاب سياسية غير قليلة في دول الخليج والسعودية والأردن ولبنان وتركيا. إن الكف عن التدخل في شؤون العراق الداخلية من قبل دول الجوار ومساعدته في التخلص من الإرهابيين سيسهم في تعجيل إشاعة الأمن والاستقرار في العراق والتعجيل بخروج القوات الأجنبية منه أيضاً, إذ أن وجودها الراهن ليس نهاية التاريخ بأي حال. إن المفاوضات ونتائجها الإيجابية يمكنها أن تخدم شعب العراق والأطراف الأخرى في آن واحد ونأمل أن تتكلل بالنجاح, ولكن علينا أن لا نعول الكثير عليها, رغم أهميتها والرغبة في إنجاحها.

نشر في جريدة المدى العراقية