موقع الناس     http://al-nnas.com/

الفرق بين الصدرين كالبعد بين السماء والأرض!

 

كاظم حبيب

السبت 20/5/ 2006

لم يكن بودي أن أخوض من جديد في شأن السيد مقتدى الصدر ومواقفه الفكرية والاجتماعية والسياسية وحول ما يرد في بعض خطبه أو تصريحاته. ويعود هذا لسببين, أولهما أني كتبت عن أفكار السيد مقتدى الصدر وأساليب عمله وطريقة تعامله مع أحداث العراق الشيء الكثير لا تستوجب العودة إليه, إذ لم يأت بجديد نافع يمكن معه خوض الحوار معه, والثاني أن الرجل قد استنزف طاقاته وتوجهاته ولم يعد هناك من لا يعرف بم يتحدث هذا الرجل ومدى سطحية وهزال الفكر والرأي الذي يتحدث به والبؤس الذي يتجلى في عقم فلسفته في الحياة وفي النظر إلى الأمور. إلا أن الإسفاف الذي برز في الآونة الأخيرة في ما يطرح من أفكار أكدت لي عدة حقائق جوهرية بشان السيد مقتدى الصدر. وهي:

إن الرجل لم يبلغ سن الرشد فكرياً وسياسياً أن يعتمدها الإنسان في حياته, ألا وهي:

القراءة والدراسة المعمقة للعلم وعلوم الدين وما تركه لن الأولون الصالحون من تراث.

لا يمتلك التجربة الضرورية ولا تعلم من التجارب التي مر بها الراحل المرحوم السيد محمد باقر الصدر, وهو من بيت آل الصدر, ولا من والده الراحل المرحوم السيد محمد صادق الصدر.

وأنه لا يمتلك الرؤية الثاقبة في علاقته من البشر بحيث يستطيع أن يتعلم منهم ما هو ضروري في مواجهة الأحداث الجارية في العراق.

إن الرجل, وهو ما يزال في بداية طريق العلوم الدينية والسياسية, سعى إلى التنظير الذي فاق قدراته الفكرية والسياسية وتركته يسقط في مطبات لا مبرر لها ورطته وورطت معه أولئك الذين اعتمدوا والده في الحصول على رأي ناضج منه. وإن من كان حوله لم يسع على تقديم النصح له, إذ أن الصديق من صَدَقَ صاحبه وليس من جامله أو صدَّقهُ في كل ما يقول!

وأن الرجل رغب أن يسير في التنظير على درب المفكر الكبير والعلامة البارع السيد محمد باقر الصدر, وكان الفرق بينهما كالمسافة بين السماء والأرض أو الفرق بين الثرى والثريا.

أحاول أن أشير هنا إلى مسألة أساسية تميز بها العلامة الذي أحترمه احتراماً كبيراً ولم يعد بيننا, وأعني به السيد محمد باقر الصدر. من قرأ كتاب "اقتصادنا" أو "فلسفتنا" أو الكتابات الغنية الأخرى التي صدرت له وغير المعروفة كما عرف الكتابان المذكوران, يدرك بأنه أمام إنسان تميز بالعلم والمعرفة والتجربة الغنية والاستعداد للتعلم الدائم أثناء التعليم. كان الرجل لا يتحرى عن المسائل السهلة ليبحث فيها بل كان يتحرى عن الفقه الخلافي ليشرح من خلاله وجهة نظره, ليحاور الفكر الآخر بصدق وحسن نية دون الإساءة للفكر الآخر, ناقش الفكر الماركسي واختلف معه, واختلفت معه, ولكني احترمته واحترمت أطروحاته, لأنه كان يسعى إلى العقلانية في التفكير والمناقشة, يحاول أن يتجنب اللاعقلانية التي تمتلئ بها الكتابات الدينية لأناس لا يفهمون معنى العلم والحار العلمي والحق في الاختلاف. كم كان مهماً ومفيداً للسيد مقتدى الصدر أن يدرس هذين الكتابين لكي يتعلم من عمه الكبير أسس الحوار وطرق التعبير عن الر أي وسبل مواجهة الرأي الآخر.

إلى القراء أقدم تصريحين للسيد مقتدى الصدر: الأول يهاجم فيه كل النساء غير المحجبات على الطريقة المعروفة لدى جماعة بن لادن والطالبان وبعض الجماعات الأخرى في اليمن, بأنهن أقرب إلى العهر والعياذ بالله.

والتصريح الثاني يضحك على لاعبي كرة القدم بأنه لا يستطيع أن يفهم كيف أن رجلاً عاقلاً يركض وراء الكرة. يبدو أن المفروض أن تركض الكرة وراء الرجل!

إن المقارنة بين أحاديث السيد محمد باقر الحكيم والسيد مقتدى الصدر تبين لنا مدى عمق وسعة أفق وتبحر المفكر الأول من جهة, ومدى سطحية وهزال وبؤس فكر الرجل الثاني, الذي لا يمت للعقلانية بأي حال من الأحوال.

لا أطلب من السيد مقتدى الصدر أن يكون كالسيد محمد باقر الصدر أو مثل والده السيد محمد صادق الصدر من حيث العلم والمعرفة والتجربة بأمور الدين والدنيا, ولكن يفترض أن يحترم ما توصلا إليه. وخاصة المفكر الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر, وأن يتجنب الثرثرة بأمور لا يفهمها وتقود إلى الإساءة للإسلام ذاته. فمهاجمة الرياضة مثلاً, هي إساءة للمقولة النبوية التي تؤكد العقل السليم في الجسم السليم, ولا يمكن أن يكون الجسم سليماً ومعافى دون أن يمارس الإنسان بصيغ مختلفة الرياضة, سواْ أكانت ألعاباً سويدية أم كرة قدم أم كرة السلة والطائرة أو حتى الزورخانة التي كان يمارسها أجدادنا في العراق والتي ما تزال ملاعبها ولاعبيها طرية في ذاكرتي الكربلائية.

الرجل لا يحترم المرأة ولا يحترم حقوقها ولا يريد لها الخير على العكس مما يورده المئات من المجتهدين وعلماء الدين الذين يقدرون للمرأة دورها ومكانتها ومساواتها بالرجل مع الأخذ بالاعتبار التباين في الجانب الفسيولوجي وما يقترن به من نتائج. ومع احترامي لكل رأي حول المرأة أو أي أمر آخر, ولكن ليس من حق مقتدى الصدر أن يسيء إلى المرأة كما جاء في أكثر من خطبة وتصريح له, وخاصة للمرأة التي لا ترتدي الحجاب, هذا الحجاب الذي فرضه الذكور على الإناث, وهو ليس من صلب الإسلام ولا نجد في الآيات القرآنية ما يفرض على المرأة المسلمة الحجاب الذي يمارس اليوم بين عامة النساء الشيعيات, وأن ما ورد في القرآن حول هذه المسالة مس بالأساس نساء النبي محمد بن عبد الله وبشكل خاص, وأنه لم يكن مثل الحجاب الراهن الذي يضع المرأة المسلمة في سجن اسود بينما خلقها الله حرة وكاملة الخلق ولا تحتاج إلى حجاب, كما لا يحتاجه الرجل. فالقول بأن المرأة غير المحجبة تبدو كالعاهرة أمر يتطلب إقامة الدعوى القضائية من جانب المحاكم العراقية ضد مقتدى الصدر المتهم بالإساءة للمرأة واتهام ملايين النساء المسلمات غير المحجبات بتهمة باطلة ومسيئة للمرأة وخلقها الرفيع.

لو كان الوضع في العراق اعتيادياً لأقمت الدعوى القضائية على هذا الرجل الذي يسيء إلى كل النساء غير المحجبات من المسلمات في العالم, ولكن لا الوضع في العراق طبيعي ولا القضاء العراقي حالياً يمر بوضع طبيعي, ولا مليشيات المهدي المستعدة لقتل أي إنسان يتحدث بأمر ما عن مقتدى الصدر هو وضع طبيعي, فكيف والأمر حين أطالب بإقامة دعوى قضائية على مسؤول مليشيا المهدي, هذه المليشيا التي مارست التعذيب والقتل في النجف الأشرف باسمه أثناء احتلالها لصحن الأمام علي بن أبي طالب, بسبب ما ورد من إساءات ضد المرأة العراقية أو المسلمة غير المحجبة في بعض خطبه البائسة وأحكامه القرقوشية.

أطلق البعض على السيد مقتدى الصدر لقب الحجة. والحجة لقب ديني يفترض أن يكون حامله قد فهم شيئاً كثيراً نسبياً من علوم وأمور الدين والدنيا. فكيف حاز على هذا اللقب الديني وهو ما يزال يطلق الأحاديث دون أن يفكر بها التفكير الضروري وبصورة عقلانية. كان الإمام على بن أبي طالب يتمنى أن تكون له رقبة كرقبة البعير لكي يمعن بكلامه قبل أن يصدر من فمه, لكي لا يندم على ما يقوله, رغم أن الإمام علي بن أبي طالب كان عميق التفكير واضح البيان وصادق التعبير وحريص على الدقة. أما "القائد الجديد", مقتدى الصدر, كما يسميه بعض أتباعه, فلا يهمه ما يتحدث به, المهم أن يتحدث, إذ يرى وكأن جميع المسلمات والمسلمين هم قطيع من الماشية الذي ينبغي له أن يؤمن ويثق بما يقول به الصدر الجديد. كم كنت أتمنى على هذا الرجل وهو ابن بيت السيد محمد باقر الصدر, هذا العلامة الذي تشرفت حين دعيت للمشاركة في الحفل التأبيني الذي أقيم في لندن في الذكرى العشرين لاستشهاده على أيدي المجرمين من أقطاب وجلاوزة النظام البعثي الصدامي, لتقديم دراسة عن الإصلاح الاقتصادي في العراق قبل سقوط النظام بعدة سنوات, كما أتمنى عليه أن يعيد النظر بما تحدث به هنا وهناك وما صرح به بعيدا عن المعقول, إذ لا بد وأنه يعرف المقولة التالية: "حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له"!

أرجو أن يقدم السيد مقتدى الصدر اعتذاراً لكل النساء اللواتي أساء لهن, كما أرجو أن يعتذر للرياضيين الذين يركضون وراء الكرة, وليست الكرة تركض وراء اللاعبين, لأنه بذلك يهين الرياضة والرياضيين في سائر أرجاء العالم, ويوجه الإهانة إلى مئات الملايين من البشر الذين يتذوقون كرة القدم وبقية أنواع الرياضة التي لها مساس بالكرة أيضاً, وليتذكر بان الرياضة هي التي تخلق الجسم السليم الذي يحمل بدوره العقل السليم!

إن كان من يحوم حول السيد مقتدى الصدر مخلصاً له, كان وما يزال عليه أن ينبه السيد إلى تلك المطبات الثقيلة التي يرتكبها أغلب الأحيان حين يتحدث, رغم تصريحاته الجيدة حول وحدة الشيعة والسنة العرب أو عموم الشيعة والسنة, علماً بأن ميليشيات جيش المهدي تمارس ما يناقض ذلك في الواقع المعاش. كم أتمنى أن يتنكر لما يقوم به أتباعه وغرهم من إشعال النيران في محلات حلاقة شعر النساء أو محلات بيع الخمور أو تعاطيها, كم أتمنى أن يمتنع عن إعطاء التصريحات التي تمس حياة المجتمع اليومية ويتركها لمن هم أكثر منه علماً وخبرة حياتية وتعاملاً مع الناس. كم أتمنى أن يسكت هذا الرجل, فالسكوت من ذهب إن كان الكلام من نحاس...

منتصف مايس/ أيار 2006