موقع الناس     http://al-nnas.com/


ما هي المهمات التي ستواجه حكومة الجعفري القادمة؟

 

كاظم حبيب

الأثنين 20 /2/ 2006

انتهت أحزاب وقوى قائمة الائتلاف العراقي الموحد مشاوراتها بانتخاب السيد الدكتور إبراهيم الجعفري, رئيس حزب الدعوة الإسلامية, ممثلاً عنها لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وهي مهمة ثقيلة في كل الأحوال بسبب الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها المجتمع العراقي واستمرار الإرهاب الدموي بقتل البشر وتدمير البنية التحتية وإعاقة عملية إعادة البناء وإضعاف التوجه صوب التنمية وتجديد البلاد. والمهمة ثقيلة أيضاً بسبب العدد الكبير من القوى الفاعلة بمستويات مختلفة في الساحة السياسية العراقية وكثرة البرامج المتباينة المطروحة. سيواجه السيد رئيس الوزراء المسائل التالية:
• مفاوضات بهدف الاتفاق على برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وعسكري وأمني حكومي بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان العراقي الجديد, إضافة إلى التباحث مع القوى الأخرى خارج المجلس.
• مفاوضات للاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية الرئاسية وغير الرئاسية وفق قاعدتين هما الاستحقاق الانتخابي والمشاركة الواسعة للقوائم الفائزة بشكل خاص لتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة لهذه المرحلة مع الانتباه إلى وجود مستقلين كفوئين يمكنهم أخذ حقائب وزارية يبرز الاختلاف حولها.
• الاتفاق على الأشخاص الذين سيشغلون الوزارات من مختلف القوائم والقوى السياسية بحيث يمكن خلق الانسجام في تركيبة الحكومة الجديدة.
إن إنجاز هذه المراحل لا تحتاج إلى حنكة سياسية فقط, بل تستوجب توفر مرونة عالية ورغبة صادقة لدى الكتلة البرلمانية الممثلة للأحزاب المنخرطة في الائتلاف العراقي الموحد في مشاركة أكبر عدد ممكن من الكيانات السياسية الممثلة في البرلمان في الحكومة الجديدة وعدم وجود رغبة في إقصاء هذا الطرف أو ذاك أو وضع خطوط حمراء حول مشاركات القوى المختلفة, والابتعاد عن محاولة الهيمنة على الوجهة السياسية للحكومة من جانب الائتلاف العراقي الموحد.
إن المشاركة في الحكم يعني المساهمة في ممارسة التأثير السياسي على سياسات ومواقف الحكومة بالوجهة التي يسعى إليها هذا الطرف أو ذاك, وبالتالي كلما أمكن إشراك أكبر عدد ممكن من القوى السياسية, أمكن تنشيط تعبئة أوسع القوى لمعالجة المشكلات الراهنة في المرحلة الحرجة الراهنة. وإذا ما انتهت هذه العملية بمراحلها المختلفة سيكون لزاماً على مجلس الوزراء أن يبدأ بعرض برنامجه على البرلمان للفوز بثقته والبدء بتنفيذه.
لقد مر الدكتور الجعفري بتجربة قوامها ثلاث سنوات في الحكم تقريباً, سواء أكان رئيساً دورياً لمجلس الحكم الانتقالي لمدة شهر, أم كان نائباً لرئيس الجمهورية أم كان رئيساً للوزراء لمدة عام واحد. ويفترض أن تكون هذه التجربة قد علمته الكثير من أمور الحكم في ظروف العراق الملموسة. أحاول في أدناه أن أتطرق لما بدا لي سلبياً في الفترة السابقة والتي, كما أرى يستوجب تغييرها في فترة رئاسته للحكومة القادمة, ومنها:
1. لم يدلل الدكتور الجعفري على أنه لا يتمسك بالطائفية السياسية ولا يمارسها عملياً من جهة, أو يبتعد عن محاولة زج المرجعية الدينية بالمشكلات السياسية التي تواجه البلاد والتي يفترض أن يحمي المرجعية منها, بل العكس كان هو السائد.
2. لقد برزت في ممارسات الجعفري الفردية والغطرسة في العمل في إطار الحكومة. وهي إشكالية ابتلى بها أغلب حكام العراق القدامى والجدد, إذ لم يكن علاوي أفضل حالاً في هذا الصدد, ولهذا وجب التنبيه, إذ أن هذه الوجهة ستقود إلى خلق إشكاليات كبيرة في حكومة توافقية كبيرة.
3. لم يكن السيد الجعفري من الساسة الساعين إلى وحدة الصف, بل كان من المشاركين في إضعاف الوحدة المنشودة بتصريحات أساءت إلى العديد من القوى وحاول فتح جراح قديمة دون مبرر.
4. عجزه عن تنفيذ الكثير من الوعود التي قطعها على نفسه للناس بخطبه وتصريحاته الكثيرة والطويلة التي أصبحت في أحيان غير قليلة مملة, فخير الكلام ما قل ودل, وخير الأعمال ما نفذ فعلاً.
5. السماح بإغراق الوزارات العراقية بالحزبيين المرتبطين مع هذا الوزير أو ذاك بحزب معين, والتي جعلت الوزارات حكراً على أعضاء أو مؤيدي أو الحائزين على "تسكرة" بطاقة" تزكية من حزب معين.
6. سمح لهيئة النزاهة التصرف الكيفي وغير الملتزم بقانون ودون الاعتماد على معايير موحدة, بل التحرك وفق مصالح سياسية غير سليمة, وكذا الحال بالنسبة إلى هيئة اجتثاث البعث. وفي الوقت نفسه انتشر الفساد المالي والوظيفي في سائر أرجاء البلاد وأصبحت رائحة ذلك تزكم الأنوف.
7. لم يقف إلى جانب حرية المرأة ومنحها المكانة اللائقة بها في المجتمع أو رفض محاولة فرض الحجاب عليها أو السكوت عن تصرفات كثيرة من هذا النوع, وخاصة إزاء المسيحيين وغيرهم من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى.
8. ولا شك في أن عدم معالجة قضية كركوك سوف تبقى مشكلة معقدة ومثيرة لمزيد من التعقيدات في الوضع السياسي العراقي ولا بد من معالجتها وفق المادة 58 من قانون إدارة الدولة المؤقت أو المادة الواردة في الدستور الجديد وعلى أساس الإحصاء والاستفتاء السكاني. ولم تكن حكومتا علاوي والجعفري على استعداد لإنجاز هذه المهمة.
والمشكلة التي ستواجه العراق في الفترة القادمة هي العلاقة مع إيران, إذ أن سياسات إيران المتطرفة على الصعيد العربي والإقليمي والدولي تشير إلى محاولتها ولوج مغامرة تشكيل محور إيراني–عراقي يمتد عبر النظام السوري, الذي ما يزال يتدخل بفظاظة في شؤون العراق الداخلية, ليصل إلى لبنان وحماس في فلسطين لممارسة سياسة متشددة في المنطقة وذات أرضية دينية لا تتناغم مع وجهة التطور الديمقراطي في العراق والمنطقة.
إن المهمات الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي, وخاصة الإرهاب والبطالة ونقص الخدمات وبطء حركة إعادة إعمار العراق وبناء مؤسسات الدولة, إضافة إلى مهمة الاتفاق على خروج القوات الأجنبية من العراق خلال فترة الدورة النيابية الجديدة, تستوجب من السيد الجعفري ممارسة سياسة عقلانية حكيمة تستند إلى رؤية متفتحة ومسؤولة إزاء القوى السياسية المختلفة ووجهة التطور الديمقراطي الاتحادي للعراق. وهذا يعني دون أدنى ريب رفض ومكافحة ممارسة سياسات التمييز الديني والطائفي والحزبية الضيقة, والالتزام الثابت بمبادئ وحقوق المواطنة الحرة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة, ثم التوجه الفعلي لمعالجة مشكلات الإرهاب على أساس سياسي بالدرجة الأولى مع ممارسة كل الإجراءات الأخرى سواء العسكرية منها أم الأمنية أم الفكرية أم الثقافية. وعلى الحكومة أن تلتزم بالتنوع والتعدد الثقافي لا على أساس قومي فحسب بل وعلى أسس فكرية وسياسية.
لا أتمنى للسيد الجعفري الفشل بل أرجو له النجاح, ولكني أحذر بأن الفشل سيكون نصيب الحكومة القادمة إن جرى الإخلال من جانب رئيس الحكومة أو الحكومة عموما بمبادئ الوحدة الوطنية العراقية والتطرف في الوجهة الدينية ورفض التعاون والتنسيق مع العلمانيين العراقيين العرب وغيرهم, أو استمرار قوى الإرهاب بقتل بالمزيد من البشر يومياً, ومنهم العلماء وأساتذة الجامعات وتخريب البنية التحتية وتعويق عملية التنمية, أو ترك الحبل على الغارب بالنسبة للمليشيات شبه العسكرية العاملة حالياً في صفوف الأحزاب الإسلامية السياسية أو ترك التحقيق في مقتل الكثير من الشخصيات الوطنية العراقية على أيدي مجهولين, أو التجاوز على الحرية الأكاديمية والغوص في ما يبعد الإنسان عن العلم والحياة الحرة! أتمنى أن لا يحصل كل ما هو سلبي وأن يتطور العراق نحو الأمن والاستقرار والسلام والازدهار.


نشر في جريدة الصباح البغدادية بتاريخ 18/2/2006