| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 1/1/ 2008



حصاد عام مضى وآمال بعام بدأ لتوه!

كاظم حبيب

نحن الذين نعيش في المهجر لنا بغض النظر عن التباين في أهوائنا ومشاربنا وطرق تفكيرنا وأساليب عملنا وقراءاتنا وكتاباتنا وأحلامنا وآمالنا , التي رغم اتفاقها مع الكثير مما يحلم ويأمل ويفكر به المواطنات والمواطنون في الوطن , يصعب علينا أن نحس , وأقولها بكل صدق وشفافية وموضوعية , بما يحس به الإنسان العراقي وما يتطلع إليه, سواء أكان امرأة أم رجلاً , صبياً وشاباً أم شيخاً , عربياً أم كردياً أم من أية قومية أخرى ينحدر. فنحن في الخارج نتعجل الأمور ونريد أن يعيش الشعب في الداخل بنفس أجواء الأمن والطمأنينة والسلام التي يعيش فيها العراقيات والعراقيين في الخارج مع التركة الثقيلة لـ 35 عاماً من القهر والخراب الروحي والنفسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي , ومع سنوات من الإرهاب الدموي القاتل والمدمر للحياة الاعتيادية. فالمواطنة والمواطن في الداخل يشعران بالفارق الكبير حين يقل القتل ويستطيع الإنسان الخروج بحرية أكبر من داره ليتجول في شوارع وأزقة بغداد أو في أي مدينة أخرى , أو يستطيع مصاحبة أفراد عائلته إلى أحد ملاعب الأطفال ليتمتعوا بساعات فرح ومتعة كانت نادرة وغالية الثمن , أو يقل اختطاف الناس والصبية من الشوارع ويقل ابتزاز الناس لدفع المزيد من أموال لا يملكونها لشراء حياة وحرية من اختطف منهم , أو حين يتم اعتقال عصابة إجرامية في مدينة النجف تمتلك معتقلاً تحت الأرض للتعذيب والقتل والابتزاز , أو يمتد التيار الكهربائي لساعة أو ساعتين أو أكثر يومياً , أو ينتعش الإنسان عندما يحصل على عمل ليعيش مع أفراد عائلته من أجره بكرامة. هذه الأحلام والآمال الصغيرة مهمة جداً للإنسان الذي يعيش في داخل الوطن لأنها تمسه مباشرة وتؤثر عليه وتساهم في تغيير أوضاعه صوب الأحسن.
نحن ننتقد كثيراً ونعتقد جازمين بأن هذا النقد الذي نوجهه عادلاً وصائباً وسيساعد على إقناع المسئولين بتغيير الأوضاع صوب الأحسن , ونصاب بخيبة أمل حين لا يتحقق ما قدمناه من ملاحظات نقدية لأن المسئولين لم يأخذوا بها. ولكن هل تجري الأمور في العراق وفق هذا المنطق وبهذا اليقين الذي نحس به نحن الذين نعيش اليوم في الخارج ؟ يصعب التيقن من صحة هذا التقدير , لأن تعقيدات وتشابك الأوضاع في العراق لا تسمح بمثل هذا التبسيط أولاً , وهي تأخذ بخناق الحكام والحاكمين في آن واحد ثانيا , ولكنها لا تأخذ بخناقنا إلا من الناحية النفسية حيث نعيش آلام وآمال وتطلعات الناس من خارج إطار اللوحة. ماذا يعني ذلك؟ لا يعني ذلك الكف عن النقد أو الرضا عما حصل حتى الآن , ولكن يتطلب تقييم النتائج المتحققة بشكل موضوعي وإيجابي هادئ وعقلاني من جهة , وتوجيه النقد بالصيغة التي لا تعني بأننا وحدنا نمتلك الحقيقة كلها ونعرف بكل بواطن الأمور ونستطيع لو حللنا محل الحكام أن نحلها بطريقة أسرع وأفضل من جهة أخرى.
ففي هذا بعض التجني كما أشعر به ولا أتحدث باسم أي إنسان آخر. عام ودعناه , فماذا جلب للناس في العراق ؟ لقد جلب لهم الكثير , جلب لهم منذ النصف الثاني من العام المنصرم تصفية الكثير من مواقع التنظيم الإرهابي الأكبر في العراق , تنظيم القاعدة بجرائمه الأكثر بشاعة ودموية , وقلص إلى ابعد الحدود حركة قوى البعث الصدامية الإرهابية وبتحول كثرة من الناس ممن ساند بالفعل أو الاحتضان أو المال أو القول تلك القوى الشريرة إلى موقف أكثر عقلانية ووعياً في إطار صحوة العشائر العراقية في مناطق غرب بغداد وولوجها طريق التعاون والحلول السلمية التوافقية لمشكلات العراق المعقدة ورفض عزلتها عن المسيرة الراهنة , وجلبت معها تسلم مناطق جديدة من العراق لملفات الأمن , رغم كل المصاعب والتعقيدات والتشابكات القائم في هذه العملية , وجلب لها اختطافاً وموتاً مريعاً أقل على أيدي الإرهابيين وربما فساداً مالياً اقل وأحكاماً مناسبة بحق القتلة والفاسدين , وجلب لها أحكاماً عادلة وشرعية بحق من غاص في دم الشعب الكردي في مجازر الأنفال وحلبچة والجنوب والكُرد الفيلية , وجلب لها فرص عمل جديدة على قلتها , كما جلب لها إمكانية إطلاق سراح الكثير من المعتقلين والسجناء السياسيين وممن اتهموا زوراً أو وشاية أو صدقاً بالإرهاب وبمستويات مختلفة. وبدأ الإحساس بأهمية التلاحم والتفاعل بين أتباع مختلف القوميات والأديان والمذاهب وتطوير روح الاعتراف المتبادل والتسامح ولو بخطوات وئيدة. وجلب للشعب الكردي الذي كان مضطهداً ومهمشاً على امتداد عقود الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الحكم الوطني حتى هروب أجهزة النظام القمعية من كُردستان في صيف العام 1991 وتشكيل حكومة وطنية كًردستانية ومجلس نيابي وانتخابات عامة وفيدرالية كردستانية حرة , وجلب للقوميات الأخرى اعترافاً بالوجود والحقوق , ولأتباع الأديان اعترفاً في الدستور وأقل في التطبيق , كما في حالة المسيحيين والصابئة [ مع بروز ظاهرة ممارسة القتل العمد بحق الإيزيديين من قبل الجماعات الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية من قوى القاعدة على نحو خاص وفي مناطق محافظة الموصل] الذين تعرضوا للاضطهاد والتهجير من مناطق الجنوب واحتضان الكثير منهم ومن العرب الآخرين من قبل شعب وحكومة إقليم كُردستان في رحاب الإقليم , وهجرة جماعات أخرى منهم إلى الخارج , وجلب معه قتلاً أقل بين المليشيات الطائفية المسلحة يأمل الإنسان في أن تعالج بصورة نهائية ولصالح غيابها السريع والتام كتنظيمات مسلحة خارج أطر القوات المسلحة العراقية , وجلب لها المزيد من ساعات التيار الكهربائي الذي ينير للناس بيوتهم وحياتهم اليومية. والشيء الآخر الذي جلبه لهم هو اعتبار العام 2008 هو آخر سنة لتمديد وجود القوات الأجنبية في العراق على وفق مقترح الحكومة العراقية لمجلس الأمن الدولي وإمكانية عقد اتفاقيات لا نشك في أن القوى الوطنية العراقية ستعقدها وفق المصالح العراقية وتحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية.
وبدأ عام جديد , فهل سيكون فيه من جديد؟ اعتقد بذلك وآمل أيضاً في أن يكون العام الجديد عام تحقيق المزيد من الرغبة في العيش بأمن وسلام وفرص عمل وتحسين مستوى حياة ومعيشة الناس , مزيد من التفاهم بين الناس وتقليص دور القوى التي تريد تصعيد النهج الطائفي في السياسة الداخلية وفي العلاقات الإقليمية , نأمل أن يقل تدخل دول الجوار في الشأن العراقي , نأمل أن تتشكل حكومة جديدة ببنية أكثر تعبيراً وتمثيلاً لمكونات الشعب العراقي القومية والجغرافية بدلاً من التمثيل الطائفي السياسي , نأمل أن تختفي من الساحة السياسية والإدارية العراقية مظاهر المحسوبية والمنسوبية والفساد المالي والإداري ووجود المليشيات الطائفية أو حرمان المرأة من حريتها وحقوقها .. نأمل الكثير ونتطلع إليه بالقدر الذي يوقف أولاً وقبل كل شيء الموت عبر قوى الإرهاب , ويوقف التمييز القومي والديني والطائفي بمختلف أشكال ظهوره , ونأمل بحياة حرة وكريمة لشعبنا. نأمل أن تعالج المشكلات المعلقة , بما فيها المادة 140 من الدستور الخاصة بكركوك التي لم تتحقق وفق ما نص عليه الدستور في الفترة السابقة , خلال الفترة التي حددت لها أخيراً وباتفاق الآراء. ونأمل أن تعالج القضايا المعلقة التي لم تحل في نهاية العام المنصرم بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كُردستان في أربيل بروح الأخوة والتفاهم الشعور بالمصير المشترك. كما نأمل أن تنجز مناقشة القوانين المتوقفة وتقر وفق المصلحة الوطنية العراقية ...
هذا وغيره هو ما نتطلع إليه ونأمل تحقيقه في العراق ونعمل ونكتب من أجله ونضع أيدينا في أيدي كل من يساهم ولو بجزء من ذلك لصالح بناء عراق ديمقراطي اتحادي متين ومتماسك يزدهر مع الأيام ويحتل موقعه اللائق بين شعوب ودول العالم ويساهم في مسيرة الإنسانية صوب غدٍ أفضل وحياة اقل إيلاماً للفقراء والمعوزين والأطفال , وأكثر ازدهاراً لتلك الشعوب والدول والمناطق الأقل تطوراً والتي لا تزال تزحف في نهاية ركب الحضارة البشرية.
لتكن آمال وطموحات وتطلعات الشعب العراقي بكل مكوناته القومية هي آمالنا وطموحاتنا وتطلعاتنا الشخصية , ولتكن حريته وحياته الديمقراطية وسيادته وعيشه الكريم هي البوصلة التي تنير لنا الطريق.

1/1/2008  - جريدة المدى



 


 

Counters