| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأثنين 1/11/ 2010

 

الاختلاف في الرأي حول أهمية الوثائق السرية الأمريكية عن العراق!

د. كاظم حبيب
 

حين نُشرت وثائق أولية عن جرائم التعذيب النفسي والجسدي والأخلاقي ومن قتل تحت التعذيب التي أرتكبت في "أبو غريب", لم يصدق الكثير من الناس ذلك, إذ أن المحرر الأمريكي الراغب في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط وينقذ العراق من أعتى دكتاتنور عرفته منطقة الشرق الأوسط خلال القرن العشرين, هذا المحرر تغوص بعض قواه الأمنية في العراق بارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة التي يندى لها جبين البشرية والتي لم تختلف في جوهرها واساليبها والأدوات المستخدمة فيها عن جرائم التعذيب التي كانت تمارسها أجهزة الدكتاتور صدام حسين. ولكن وبعد حين ظهرت المزيد من المعلومات ونشر المزيد من الصور عن تلك الأفعال الشنيعة التي مارستها أجهزة الأمن المرتزقة في سجن "أبو غريب" والتي يندى لها جبين البشرية كلها, وهي لا تزال تلاحق المحرر الأمريكي في العالم!

وحين نشرت الوثائق السرية الأمريكية على موقع ويكيليكس, انشطر الناس في العراق إلى أربعة أقسام:
1 . الناطقون باسم الحكومة ومسؤولو الأحزاب السياسية الحاكمة لم يكذبوا ما ورد في تلك الوثائق, بل ركزوا على الفترة التي نشرت فيها وأنها تهدف إلى حرمان المالكي من تشكيل حكومته وإثارة الغبار حوله والشكوك في مصداقيته.
2. المدافعون عن النظام العراقي وعن المالكي وعن مليشيات جيش المهدي حقاً أو باطلاً تبرعوا ليس إلى الاتفاق مع التشكيك بفترة نشر المعلومات, بل وبالمعلومات ذاتها وحاولوا إبراز كون هذا الرجل أسانج يعمل في مسائل الجنس أيضاً, وراحوا يهاجمون من اتخذ موقفاً آخر بطريقة لا تدلل على مستوى حضاري في توجيه الإساءات.
3. المناهضون لحكومة المالكي وجدوا ذلك فرصة للتشهير بالمالكي ذاته ونسوا دورهم في كل ما جرى في العراق ومعاناة الشعب العراقي من جراء تلك الأوضاع التي شاركوا في تشكيلها.
4. أما الجماعات التي أبدت اهتمامها بسيادة الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان, فإنها طرحت المسألة ببساطة كبيرة حين طالبت بالتحقيق في ما جرى والتحري عن مدى صواب أو خطأ تلك المعلومات الواردة في الوثائق, والانطلاق من حسين النية, معلم بأن الناس في العراق يعرفون جيداً بأن الكثير مما ورد في تلك الوثائق كان متداولاً في أحاديث الناس قبل ذاك. وأكدت هذه المجموعة أن كل متهم هو برئ حتى تثبت إدانته, ولكن لا بد من التحقيق
ليطمئن القلب أولاً, ولكي يتم نفي أو تأكيد تلك المسائل الواردة في الوثائق ثانياً, بغض النظر عن المسؤول, إضافة إلى التحري عن تلك الأحداث الت لم تنشر عنها وثائق من قبل موقع ويكيليكس. فما هو الغريب في هذا الأمر؟ لا أجد في هذا أي غرابة, بل هي حاجة لكل الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم خلال تلك الأحداث.

فلِمَ إذن هذا الهجوم الشرس من البعض على طلب تشكيل لجنة تحقيق دولية حيادية بعيدة عن كل من وجهت لهم التهم, لكي لا يتهموا فيما بعد بأنهم تلاعبوا بالنتائج, ولكي يتم التحقيق بهدوء وموضوعية حول ما جرى في العراق خلال السنوات السبع الأخيرة. لماذا هذا التوتر في الكتابة عن موضوع طبيعي هو طلب التحقيق في ما نشر, لِمَ هذه الإساءات لمن يطالب بذلك, وكأنه قد بلع الطعم القادم من وراء البحار عبر اسانج؟ لِمَ هذا الشعور بوجود مؤامرة ضد المالكي؟ إن التحيق الدولي النزيه سيقود إلى تبرئة المالكي إن لم يكن قد ارتكب جرماً, وسيدين علاوي مثلاً إن كان قد ارتكب جرماً أو يدين ويبرئ غيرهم ايضاً.

كم كان بودي أن يتمالك البعض أعصابه ويدعم عملية التحقيق, لأنها لا تهدف الإساءة إلى أحد, بل تهدف تحقيق ثلاث مسائل جوهرية:
1. التيقن عن مدى صواب أو خطأ تلك الوثائق التي نشرت على العالم كله والتي لم تعد مخفية ولا يجوز أن يكون الإنسان كالنعامة يدفن رأسه بالتراب لكي ويعتقد أن عدوه لا يراه! إن الجرائم المذكورة في هذه التقارير كبيرة وكبيرة جداً.
2. في حالة وقوع جرائم فعلية تكشف عنها تلك الوثائق, وأيا كان المتهم بها, لا بد من محاسبته بطريقة حضارية واستناداً إلى الدستور العراقي.
3. ومن أجل أن يتعظ الجميع ولا تتكرر عملية التعذيب والقتل ثانية في العراق, ولكي يدرك كل شخص أن التستر عليها لن يبقى طويلاًو بل سوف يكشف يوماً .

على الأخوة الذين عرفوا معنى التعذيب في أي فترة من فترات الحكم في العراق أن يتحدثوا عن معانتهم لكي يدرك من لم يواجه التعذيب في حياته, ماذا يعني التعذيب النفسي والجسدي على أيدي الجلاوزة من أي نظام كان بالنسبة لكرامة الإنسان وأوضاعه النفسية والجسدية وحياته اليومية, دع عنك الذين استشهدوا تحت التعذيب في مختلف مراحل العراق.

لقد مررت بالتعذيب النفسي والجسدي في المرحلة الملكية والمرحلة البعثية الثانية مثل عدد كبير من المناضلين والمناضلات, وأدركت بعمق ماذا يعني ذلك للإنسان. ورغم أني صمدت بوجه الجلاوزة الأشرار في الحالتين وخرجت مرفوع الرأس, ولكن آثار ذلك لا تزال على جسدي وفي كل بقعة منه, ولكنها أثرت على وضعي النفسي أيضاً, إذ لم أعد قادراً القبول بأي شكل من اشكال التعذيب لأي إنسان كان بل أرفضه كلية وأناهضة لكل قوة, كما أرفض حكم الإعدام منذ أن أصبحت عضواً مؤيدلأ لمنظمة العفو الدولية منذ العام 1980. وقد اختلفت مع البعض ممن كنت أعمل معهم بصدد التعذيب وبشكل مطلق.

واليوم وحين أطلب تشكيل لجنة تحقيقة للنظر في ما نشر من اتهامات, بغض النظر في ما إذا كانت صحيحة أو كاذبة, ينبري البعض وبلا ذوق سليم ليسيء إلى من يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية بشتى الإساءات المرفوضة.
إن الاختلاف في وجهات النظر فضيلة وليست رذيلة, ايها الأخوة الكرام, وحين نختلف في الرأي علينا أن لا نسيء الظن ونصدر أحكاماً لا معنى لها سوى الإساءة للآخر. ليس هناك أسهل من الإساءة والشتائم السياسية للآخر, ولكن الأكثر صعوبة والأكثر إنسانية ووعياً هو التعامل العقلاني والحكيم مع الرأي الآخر, مع الاجتهاد في الرأي.
إن ثقافة الحوار الهادئ وغير المسيء للآخر لا يزال بعيدا عن أسلوب الحوار بين الأشخاص وأسلوب النقاش حول الآراء.

أتمنى علينا جيمعاً أن ندرك بأن من مصلحة الجميع كشف الحقائق وعدم تركها سائبة تحتمل كل التفسيرات وتحتمل توجيه الاتهامات للجميع. فالصراحة والشفافية أو المجاهرة بالرأي ليس رذيلة, بل فضيلة ضرورية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق الراهن وفي كل المراحل.

ورغم الإساءات التي حاول البعض توجيهها لمن قدم مقترح تشكيل لجنة تحقيقية دولية, وأنا منهم, فأني أصر على ضرورتها لصالح المجتمع كله ولصالح العمل في مجلس النواب والحكومة والقضاء العراقي, ولصالح من وجهت لهم التهم, إذ ستبقى عالقة في رقابهم ما لم يتم التحقيق والتبرئة الفعلية منها.
 


 1/11/2010

 

 

free web counter