| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأثنين 19/2/ 2007

 



تركيا تعود إلى عادتها القديمة, فهل في ذلك أي غرابة ؟

 

كاظم حبيب

بدأت لجنة مختصة مرتبطة بمجلس الوزراء العراقي اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ نص المادة 140 من الدستور العراقي الدائم بشأن كركوك. وقد ألزمت هذه المادة السلطة التنفيذية وجهة العمل التالية :
" أولاً – تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, بكل فقراتها.
ثانياً – المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية, والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور, على أن تنجز كاملة ( التطبيع , الإحصاء , وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها , لتحديد إرادة مواطنيها ) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنه ألفين وسبعة ".
استندت هذه المادة إلى منطوق المادة 58 من قانون إدارة الدولة المؤقت التي حددت الآليات السلمية والديمقراطية للانتهاء من التهيئة للاستفتاء السكاني حول كركوك بعد إزالة آثار وعواقب السياسات الشوفينية التي مارسها النظام الدكتاتوري في كركوك كالتطهير العرقي والتهجير القسري للسكان الكرد والتركمان وإعادة المرحلين إليها من مناطق عربية إلى مناطق سكناهم السابقة وإجراء الإحصاء السكاني... إلخ.
وحالما بدأت اللجنة بوضع ما اتخذته من قرارات حيز التنفيذ حتى انبرى المسؤولون الأتراك يعملون بدأب وسرعة لإعاقة نشاط اللجنة المختصة والمطالبة بعدم إجراء الإحصاء السكاني هذا العام من خلال إثارة السكان العرب والتركمان في كركوك, وخاصة أولئك العرب الذين رحلوا إليها بسبب مساندتهم للنظام البعثي الدكتاتوري حينذاك وليس الذين هجروا إليها عنوة من منطقة الفرات الأوسط. ولهذا الغرض دعا المسؤولون الأتراك ووجهوا معهد الاستراتيجية الدولي في أنقرة إلى عقد مؤتمر واسع حضره مسؤولون أتراك وأساتذة جامعة وصحفيون, إضافة إلى دعوة مجموعات من العراقيين التركمان والعرب الأعضاء في أحزاب سياسية مشاركة في الحكم أو في مجلس النواب أو خارجهما. وقد كرس هذا المؤتمر أعماله وقراراته ضد إقليم كردستان والتحالف الكردستاني وحكومة الإقليم ووجه نداءً لتشكيل تحالف عربي تركماني لمعارضة جهود اللجنة في حل المشكلة وتحقيق التضامن والتآخي في هذه المدينة التاريخية والغنية بالنفط الخام من خلال حسم المشكلة بإجراء الاستفتاء السكاني حول كركوك. ومثل هذه الدعوة تدخل في سياق التحريض لا ضد تطبيق المادة الدستورية في أوقاتها المحددة حسب, بل هي تحريض العرب والتركمان ضد الكرد وضد التركمان الذين يؤيدون إجراء الاستفتاء وزيادة التوتر في المدينة التي تعاني من نشاط القوى الإرهابية التكفيرية والصدّامية والطائفية السياسية.
وإذ وجد المسؤولون أن هذا المؤتمر لم يكن كافياً للتحريض والإثارة والتشويش على تطبيق بنود المادة بعد أن نشرت الإجراءات التي تم الاتفاق على تطبيقها, هبَّ المسؤولون أنفسهم ليرسلوا عبر الصحافة التهديدات النارية ويعيدوا إلى أذهان الناس في العراق والعالم تاريخ الدولة العثمانية الاستعماري المشين في العراق, حيث عانى سكان ولايات بغداد والبصرة والموصل من جميع القوميات طيلة اريعة قرون عجاف ومريرة من حكم وظلم وتخلف السلاطين وقمع أجهزة الحكم والجندرمة ونهب موارد البلاد. وقد تركوا العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى أرضاً يباباً وشعباً متخلفاً وجائعاً يعاني من الفقر والجهل والمرض. ولم يكن اضطهادهم وقسوتهم في التعامل مع العرب والكرد, بل حتى مع التركمان , غائباً عن أنظار الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي. كما أن السياسة التركية الراهنة تذكر الجميع بالاتفاق المشين الذي عقدته تركيا مع النظام الدكتاتوري في العراق في تجاوز حدود العراق والتغلغل في العمق للتعاون مع ومساعدة الحكومة العراقية في ضرب القوى الديمقراطية التي كانت تكافح ضد ذلك الحكم البغيض والمخلوع. كما لم ينس الرأي العام العالمي المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى, تلك المجازر التي تدخل ضمن جرائم ضد الإنسانية والتي أدانها البرلمان الفرنسي أخيراً واعتبرها جرائم ضد الإنسانية.
وأخيراً أطلق وزير خارجية تركيا, عبد الله گول, تصريحات جديدة سيئة وخطيرة, إذ تميزت بالكثير من الوقاحة المرفوضة دبلوماسياً والتي لا يجوز السكوت عنها وإدانتها ليس من قبل حكومة وأحزاب وشعب إقليم كردستان, فحسب, بل ومن الحكومة العراقية والقوى والأحزاب السياسية العراقية والشعب العراقي بكل مكوناته, إذ أنها تتطرق لثلاث مسائل جوهرية, وهي:
1. التدخل الفظ في شؤون العراق الداخلية وفي شؤون القوميات في العراق ومحاولة التحريض على العداء والقتال حيث ورد في حديثه لصحيفة زمان التركية ما يلي: "لقد تركنا ولاية الموصل للعراق وفق اتفاقية 1926، تركناها لعراق واحد موحد فلهذا يجب أن تبقى العراق هكذا ولا نسمح بتقسيم العراق. وأضاف عبد الله گول حسب الجريدة نفسها: أن حدوث شيء من قبيل التقسيم, تعتبر الاتفاقية ملغاة". والغريب في ذلك هو أن السياسي التركي يعرف تماماً بأن الفيدرالية ليست انفصالاً, بل إنها تعزيز لوحدة العراق حين تتمتع جميع القوميات بحقوقها القومية المشروعة والعادلة وحين تسود حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية, على عكس الوضع القائم في تركيا وفي ذلك الجزء من كردستان الواقع في حدود الدولة التركية على نحو خاص حيث تغيب حقوق الإنسان وحقوق المواطنة والحقوق القومية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحيث يسود التخلف والبؤس والبطالة في هذا القسم الكردستاني من الدولة التركية.
2. يمنح الوزير حكومته التركية حق التدخل في الشأن العراقي, إذ ورد في جريدة زمان التركية ما يلي: "عبد الله گول ربط مسألة كركوك بمسألة ولاية الموصل التي كانت كركوك جزءاَ من تلك الولاية العثمانية. ثم يواصل قوله " لقد تركنا ولاية الموصل للعراق وفق اتفاقية 1926، تركناها لعراق واحد موحد فلهذا يجب أن تبقى العراق هكذا ولا نسمح بتقسيم العراق". نسى هذا الوزير أو تناسى بأن الولايات الثلاث بغداد والموصل والبصرة كانت مناطق محتلة من قبل الدولة العثمانية وجرى تحريرها منها, وهي ذات الحالة التي تمس المدن العراقية الأخرى التي كانت تشكل كلها مجتمعة ولاية الموصل وقبل ذاك كانت تسمى ولاية شهرزور حيث كانت كركوك عاصمة هذه الولاية التي كانت خاضعة للحكم العثماني, ونسى أيضاً بأن تركيا ما تزال تحتل الكثير من الأراضي العربية التي كانت تابعة لسوريا مثلاً.
3. ويهدد عبد الله گول أيضاً بالتدخل في الشأن العراقي إذا واصلت اللجنة عملها بمعالجة سلمية وديمقراطية لقضية كركوك وفق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم وإجراء الاستفتاء السكاني كما أوردتها جريدة زمان التركية, إذ قال گول: ما زلنا قلقين تجاه هذا الموضوع ونعارض إجراء الاستفتاء الذي يهدف وضع كركوك تحت سيطرة فئة عرقية واحدة". لماذا هذا القلق أيها السيد الوزير, وما دخلك بالعراق وأهله, ومتى أعطيت حق التدخل بشؤون التركمان في العراق وأنتم الذين نسيتم حقوقهم في ظل حكم البعث الدكتاتوري حيث سلط عليهم أيضاً التعريب والتطهير العرقي كما سلطه على الكرد أيضاً؟
إننا إذ نرفض هذا التدخل الفظ والبعيد كل البعد عن السلوك الدبلوماسي, نطالب بالكف عن ذلك وترك الشعب العراقي يعالج مشكلاته بنفسه. فمسألة كركوك شأن عراقي بحت لا يجوز لأي دولة مجاورة أو التدخل فيه أو إرسال التهديدات الفارغة التي يمكنها أن تثير إشكاليات للدولة التركية ذاتها. إن تركيا ما تزال تعاني من احتلالها الاستعماري لجزء من قبرص وترفض حتى الآن الاعتراف بخطأ ذلك الاحتلال, ولن يكون في مقدورها اليوم تكرار تلك التجربة البائسة التي يرفضها سكان قبرص الترك أيضاً والعالم كله وهو أحد معوقات دخول تركيا للاتحاد الأوروبي.
إن الدعوة المطلوبة والتي يفترض أن توجه لسكان كركوك من جميع القوميات هو العمل المشترك والتكاتف والتضامن لجعل هذه المدينة مدينة التآخي والسلام والمحبة, مدينة العمل والازدهار والرفاه والنموذج الحي الذي يحتذى به من جميع المدن العراقية كردية كانت أم عربية أم تسكنها قوميات أخرى.

16 شباط/فبراير 2007
الاتحاد العراقية