| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الخميس 19/1/ 2012


 

هل للقتلة في العراق دين أو مذهب؟ 

كاظم حبيب

" هل للقتلة في العراق دين أو مذهب؟ ". كان هذا السؤال وما يزال يدور في بال كثرة من البشر لا في العراق فحسب, بل وفي الكثير من بلدان العالم. جماعات من القتلة الأوباش كانت وما تزال ترتبط بتنظيمات سياسية "إسلامية" إرهابية تدَّعي التزامها بالمذهب السني بتفرعاته العديدة. وجماعات أخرى من القتلة الأوباش كانت وما تزال ترتبط بتنظيمات سياسية "إسلامية" إرهابية تدَّعي التزامها بالمذهب الشيعي بتنوعاته المختلفة. هذه القوى مجتمعة مارست الإرهاب منذ أكثر من سبع سنوات عجاف فقتلت عشرات الألوف من العراقيات والعراقيين, سواء أكان ذلك عبر الاغتيالات المباشرة أم بالتفجيرات الانتحارية أم بالسيارات والدراجات البخارية والهوائية المفخخة أم بإشعال الحرائق في الكنائس والجوامع والمساجد والبيوت والمؤسسات الثقافية والاقتصادية وفي الأحياء والأسواق الشعبية. كما قتلت الناس على الهوية وعلى الأسماء, فمنهم من قتل لأن اسمه عمر أو عثمان أو أبو بكر, ومنهم من قتل لأن اسمه علي أو جعفر أو كاظم أو رضا. فمات المئات من البشر في مثلثات الموت وفي أكثر من مكان.

نسفوا جامع الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء وقتلوا البشر على الجسر الرابط بين الأعظمية والكاظمية وهما يحتضنان قبر الإمام أبو حنيفة من جانب وقبر الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد من جانب آخر. نسفوا جوامع ومساجد أخرى لأتباع المذهبين في الإسلام.

قتلوا الناس والعلماء والأدباء والصحفيين وشيوخ الدين ومجموعة كبيرة من المثقفين الديمقراطيين وبعض السياسيين في كل المدن العراقية, وخاصة في الوسط والجنوب وداخل بغداد والمحافظات الغربية والموصل وكركوك, قتلوا المسلمين السنة والشيعة, وقتلوا المسيحيين وقتلوا الصابئة المندائيين وكذلك أتباع الدين الإيزيدي. لقد ولجوا بل غاصوا في دم العراقيات والعراقيين من مختلف القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية الديمقراطية خلال الأعوام المنصرمة وما زالوا حتى اليوم يقتلون المزيد من البشر. قتلوا في الآونة الأخيرة جمهرة من الزوار المتجهين صوب مدينة كربلاء للمشاركة في الذكرى الأربعينية لاستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. كل الذين قتلوا من زوار الحسين هم كانوا من بنات وأبناء الشعب الفقراء والمحتاجين الذاهبين إلى هناك طلباً للمساعدة والعون لإنقاذهم من الحالة المأساوية التي هم فيها, فماتوا على أيدي مجموعة من القتلة المجرمين. ولكن هؤلاء القتلة, وأياً كانت الهوية التي يحملونها, قتلوا أيضاً جمهرة من الناس الأبرياء, جمهرة من المواطنات والموطنين في مدينة الموصل.

الشعب العراقي يواجه جريمة بشعة, جريمة تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية حيث قتل حتى الآن مئات ألوف العراقيات والعراقيين على أيدي القتلة من أتباع "المليشيات الإسلامية السياسية الطائفية المسلحة", سواء أكانت من تنظيمات القاعدة أم من غيرها, وسواء أكانت من تدعي الانتساب للمذهب السني أم للمذهب الشيعي, فهي كلها من حيث المبدأ لا تنتمي إلى أي دين أو مذهب ديني. فهذه الجماعات كلها لا تحترم الدين الإسلامي ولا المذاهب الدينية المتفرعة عن الإسلام ولا تنتمي إليها رغم الادعاء بغير ذلك. إنهم جماعات من الناس المرضى الذين يعانون من عقد وأمراض نفسية وعلل وعاهات اجتماعية, وبضمنها التعصب الديني والمذهبي أو التعصب القومي, إنهم من الغلاة المجانين, ولكنها تسلب الإنسان عقله وتدفع به خارج أطواره كإنسان وتحيله إلى مجرم قاتل لا يدين بدين ولا بمذهب.

إن هؤلاء المجرمين يشعرون بالسعادة حين يمارسون فعلة القتل وتزداد سعادتهم بزيادة عدد الضحايا الذين يسقطون بفعل عملياتهم الإجرامية, سواء بحصولهم على السحت الحرام, أم بما أقنعهم القيمون عليهم بأنهم سيدخلون الجنة حين يقتلون أكبر عدد ممكن من أتباع المذهب الشيعي أو من أتباع المذهب السني. إنهم يسعون إلى تأجيج الفتنة لا بين السياسيين فحسب, فكثرة من السياسيين كما يبدو, شاؤا أم أبوا, أدوات مباشرة أو غير مباشرة بيد هؤلاء القتلة ومن يقف ورائهم, بل وبين أبناء وبنات الشعب من أتباع المذهبين, وبالتالي السعي لإحداث مجزرة بشرية في العراق يذهب ضحيتها مئات ألوف أخرى إضافية ودمار شامل وتدهور حضاري يوازي أضعاف ما نحن عليه الآن من تدهور وخراب حضاري وسقم كبير.

إن المهمة  الملقاة على عاتق الناس العقلاء والحكماء والأسوياء من بنات وأبناء الشعب العراقي أن يتصدوا لهؤلاء القتلة ولمن يقف خلفهم ومن يوجههم ويساندهم بمختلف السبل في الداخل وفي دول الجوار وغيرها, أن يشاركوا في الكشف عن هوية كل هؤلاء وشل أيديهم وإبعادهم عن المواقع المؤثرة وإبعاد السياسيين منهم عن التأثير في الأحداث بالاتجاه الذي يسعى إليه القتلة.

إن المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق عصيبة والقوى الحاكمة لا تعي الدرب الخطر الذي تدفع إليه والعواقب الوخيمة المترتبة عن سلوكها غير السوي في الحياة السياسية وفي عدم القدرة على إدارة الصراع بطريقة سلمية وديمقراطية حضارية. فالعراق اليوم يعيش مرحلة تدهور سياسي كبير وتراجع حضاري كبير وردة اجتماعية بعيدة المدى سوف تستغرق وقتاً غير قصير لتجاوزها ولإيقاف الجرائم التي ترتكب يومياً في العراق على أيدي القتلة.

 

18/1/2012
 

 

 

 

free web counter