| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 19/8/ 2008



أليس مفيداً للعراق أن يتابع دروس الجزائر
مع الإرهاب الإسلامي السياسي المتطرف ؟

كاظم حبيب

حقق الشعب الجزائري معجزته النضالية بطرد المحتل الفرنسي _ الذي استقر في الجزائر طيلة 132 عاماً كانت عجافاً ومرة وقاسية ومليئة بالمظالم والظلمات _ في الخامس من تموز/يوليو 1962 وانتزع استقلاله السياسي والبدء بتشكيل الحكم الوطني.
بدأت جبهة التحرير الجزائرية بممارسة سياسات بدت وكأنها ستقود إلى نتائج إيجابية بقيادة أحمد بن بلا. ولكن لم يمض سوى ثلاثة أعوام حتى دب الخلاف بين قادة الثورة والنخبة الحاكمة وحصل الانفصام بينهم ووقع انقلاب العقيد بومدين , الذي زج بغريمه أحمد بن بلا في السجن لسنوات طويلة حقاً. بدأ مسؤولو جبهة التحرير الوطني الجزائرية يتحولون من موقع الثوار إلى موقع الحكام , وبدأت معها عملية انفصال تدريجية ولكن ملموسة ومتفاقمة بين هؤلاء المناضلين السابقين وبين أساليب الحكم التي بدأوا يمارسونها , وما اقترن بها من ظواهر مرضية عديدة , منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. الانفراد بالسلطة من جانب حزب جبهة التحرير الوطني ومنع قيام أحزاب أخرى ومحاربتها ودفعها إلى العمل السري وزج الكثير من الناس في السجون.
2. ابتعاد القيادة السياسية والحزب الحاكم عن الشعب وحاجاته الملموسة وتطلعاته ونشوء فجوة متسعة بينهما وبروز تناقضات وصراعات وانفصام فعلي.
3. بدء عمليات التلاعب بأموال الخزينة العامة ونهب قطاع الدولة من الباطن وتفاقم عمليات الرشوة والفساد المالي والإداري على نطاق واسع لا في جهاز الدولة حسب , بل في أجهزة الحزب الحاكم والمنظمات المهنية التي سخرها لمصلحة الفئة الحاكمة والحكم. لقد كانت مرحلة يمكن أن نسميها بمرحلة نشوء ونمو القطط السمان التي اغتنت على حساب الشعب ومصالحه وتطور اقتصاده.
4. تنامي السخط بسبب تردي الأحوال المعيشية للسكان والفئات الكادحة وتفاقم عدد الدور القصديرية الفقيرة في مقابل تنامي غنى وفساد النخبة الحاكمة وتعاظم دورها البيروقراطي المعطل لعمل الدولة وعلاقتها بالناس , مما خلق نقاط احتكاك ثم تناقض وصراع سياسي واسع النطاق.
5. تغييب الحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية للإنسان الجزائري وبدأت معها الهجرة المتزايدة للشباب الجزائري العاطل عن العمل والقلق وفاقد الثقة بمستقبله في الجزائر , لقد أعطى هؤلاء الشباب ظهورهم إلى الجزائر والحكم , بعد ان أعطى الحكام ظهورهم للناس الطيبين في الجزائر.
6. ممارسة تزوير مفضوحة للانتخابات العامة لصالح الحزب الحاكم وتزوير انتخابات مجالس النقابات العمالية وغيرها بهدف إيصال أعضاء جبهة التحرير أو الموالين كلية لها إلى قياداتها والبقاء فيها واستثمارها للحصول على مزيد من الامتيازات في مقابل فقر وتدهور أحوال الناس.
7. عدم الاستجابة لمطالبة الشعب الأمازيغي بتلبية حقوقه المشروعة في الجزائر واعتبار البلاد كلها عربية وأن الجميع عرب شاءوا ذلك أم أبوا , مما برز السلوك الشوفيني العربي بشكل صارخ ومريب , كما اغتصبت الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان , في حين كانت ولا تزال الغالبية العظمى من السكان هم من أصل أمازيغي , كما أن غالبية المعربين هم من أصل أمازيغي أيضاً.
8. وإزاء هذا الوضع بدأت النخبة الحاكمة تواصل استخدام أجهزة الأمن والشرطة للسيطرة على الوضع ومواصلة الحكم بالقوة وزج المعارضين بالمعتقلات والسجون وتعريضهم للتعذيب والمحاربة بالرزق لعائلاتهم , مما رفع من نقمة الشعب على الحكام وحزب جبهة التحرير الذي اتسم بالفساد الواسع النطاق.
وهنا برزت ظاهرة القوى الإسلامية السياسية تدريجاً وهيمنت على الساحة السياسية , خاصة وان القوى الديمقراطية كانت ضعيفة وعاجزة عن رفع راية المعارضة في البلاد , بل ساومت الحكم على حساب المجتمع والتطور الاقتصادي في الجزائر. وبدأت عملية تحول جمهرة من الناس من حزب جبهة التحرير الوطني إلى جانب قوى الإسلام السياسية وممارسة التطرف في العمل السياسي. واقترنت هذه الظاهرة بعودة الكثير من الذين التحقوا بأفغانستان لمحاربة الجيش السوفييتي والحكومة الأفغانية , وأصبح الناص يطلقون عليهم تسمية "المجاهدين الأفغان" , ثم خاض حزب "فيس" الانتخابات واكتسح الساحة. فقامت النخبة الحاكمة من حزب جبهة التحرير بإلغاء نتائج الانتخابات ولم تستكمل دورتها الثانية واستمرت في الحكم.
من هنا تسارعت عملية تشكيل الجماعات المسلحة المتطرفة وبدأت تنزل ضرباتها العسكرية التدميرية بالناس البسطاء , وقدر عدد القتلى بأكثر من مئة ألف شهيد وقتيل من طرف قوى الإرهاب. واستمر هذا الوضع سنوات طويلة , ثم تسنى للسلطة أن توجه ضربات قاسية لهذه القوى وبالتعاون مع المجتمع الذي عرضته تلك الجماعات للموت.
مضى عدة سنوات على استتباب الأمن وعودة الهدوء الإيجابي إلى الجزائر. ولكن الحكومات المتعاقبة وانتخاب عبد العزيز بوتفليقة لدورة أخرى في رئاسة الجمهورية – وهو من العيل السابق الذي شكل جزءاً من القيادة السابقة التي اتهمت بالفساد , لم تفعل شيئاً جدياً للشعب ولم تعزز دور الناس في العملية الاقتصادية ولم تكافح البطالة كما ينبغي , ففتحت ثغرات جديدة وجدية ولج منها الإسلاميون الإرهابيون المتطرفون مرة أخرى إلى الجزائر. وها هم يمارسون القتل من جديد وينوعون ضرباتهم ضد أجهزة الدولة والشرطة وفي المجتمع ويقتلون عشرات الناس دفعة واحدة.
إن الغرور والشعور بالانتصار على قوى الإرهاب من جانب الحكم الجزائري من دون إطلاق الحريات والحياة الديمقراطية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومكافحة الفساد المالي والإداري وإيقاف نزيف نهب موارد الدولة من جهة , ودون القيام بعمليات تخدم الشعب ومصالحه ومكافحة البطالة فيه وتحسين ظروف عمل ومعيشة وحياة وسكن الناس وتطوير الخدمات من جهة ثانية , وضع الجزائر من جديد في مرمى قوى الإرهاب الدموي , ومنها تلك التي هربت من العراق. إن الحكومة الجزائرية لم تبذل جهداً كافياً وضرورياً لسد الفجوة والجفوة القائمة بينها وبين الشعب , بل تركتها كما هي مما أدى إلى يلج منها أعداء الشعب من جديد ليوجهو ضرباتهم الوحشية ضد الناس الجزائريين.
وفي العراق حقق الحكم نجاحات جيدة في مجال الأمن وبمساعدة جدية من جانب قوات الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن لم يحصل أي جديد في المشكلة السياسية بل انفتحت بعض النوافذ الأخرى التي تشكل عقداً شديدة الضرر أن تفجرت في العراق.
إن الحكم يتحدث عن المنجزات المتحققة و وله الحق في ذلك , ولكن دون غرور وشعور بالقوة , غذ لا تزال الفجوة كبيرة بين القوى السياسية العراقية أولاً والفجوة أكبر بين الأوساط الاجتماعية وخاصة الكادحة والفقيرة وبين الحكم , وبين المثقفين والحكم أيضاً. ومن هذه الثغرات سيعود الإرهابيون إلى العراق , ما لم تلجأ الحكومة إلى إزالة الفجوة القائمة بين المجتمع والحكم.
البطالة لا تزال كبيرة والخدمات لا تزال غائبة وفي أدنى مستوياتها , والفساد المالي والإداري والحزبية الضيقة وطائفية أجهزة الدول ضاربة أطنابها , ودخل الكادحين واطئ جداً , وهناك ما يزيد عن ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر الفعلي للدول النامية وليس بالمقارنة مع الدول المتقدمة , ومشكلة كركوك بدأت تعصف بالوضع السياسي. ومن هذه الثغرات يمكن أن ينفذ الإرهابيون إلى العراق ليمارسوا أعمالهم العدوانية ضد الشعب. إن عدم البدء الجاد بحل المشكلات القائمة بالطرق التفاوضية والسلمية وبالحوار البناء والمساومة المعقولة والمقبولة سيسهم في تخريب الأجواء الضرورية للتقدم وإحراز مواقع متقدمة في مكافحة الإرهاب والفساد في آن واحد. هذا الدرس الثمين الذي تقدمه تجربة الجزائر يفترض أن نتعظ به جميعاً وأن يتمعن بها حكام العراق حالياً , سواء أكانوا على صعيد الحكم المركزي في بغداد , أم على صعيد الحكم في إقليم كُردستان العراق.


19/8/2008
 



 

 

free web counter