| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأربعاء 18/10/ 2006

 



هل الشعب العراقي عظيم دون الشعوب الأخرى؟

 

كاظم حبيب

وجه صدام حسين بتاريخ 15/10/2006 رسالة معنونة بـ " أيّها الشعب العظيم ...... أماجدُ غُرْ وماجدات. أيّها النشامى في قوّاتنا المسلحة المجاهدة البطلة.. يا أبناء أمّتنا المجيدة". وهي كما نعرف أنها كلمات فارغة من مخلوق حكم الشعب العراقي بالحديد والنار وسلط عليه أجهزة أمنه الخمسة وأغرقه بالكوارث ومارس العنصرية ضد الشعب الكردي والطائفية ضد العرب الشيعة وميز بين الناس عل ى أساس القومية والدين والمذهب والفكر والرأي السياسي ونشط الصراع في صفوف الأمة والدول العربية حين زج بالجيش في حروب عدوانية بشعة ضد الشعب وضد الجيران وغزو الأشقاء واحتلال أراضيهم. والسؤال هو: لِمَ يستخدم الطاغية صدام حسين كلمة العظيم بعد الشعب العراقي؟ هل لها معنى فعلي في عقل هذا المصاب بالنرجسية وداء العظمة؟ من أين جاء بهذه العظمة لهذا الشعب دون غيره, وهو الذي اضطهد هذا الشعب وأذله طوال عقود من السنين العجاف؟ وهل يختلف الشعب العراقي بمكوناته القومية العديدة, بشعوبه العديدة, عن بقية شعوب العالم؟ وهل بقية شعوب العالم ليست عظيمة ما عدا الشعب العراقي الذي يتميز بالعظمة والأمة العربية بالمجد, وأي مجد؟ هل هي محاولة للتقرب من أفراد المجتمع واستجدائهم بتسميتهم عظماء باعتبارهم بنات وأبناء هذا الشعب العظيم, على طريقة "شيم المعيدي وأخذ عباءته"؟ أم أنه قمة التدجيل مع شعب عانى من مرارات الاستبداد والاضطهاد والقمع والتشريد والموت على أيدي جلاوزة الدكتاتور, ومرع كرامته بالوحل عبر سياساته العنصرية والطائفية والتمييز المتعدد الأشكال ضد الإنسان عموماً وضد المرأة على وجه الخصوص؟
لا أجد مبرراً البتة أن نتحدث عن عظمة هذا الشعب أو ذاك من شعوب العالم, فالشعوب كلها سواسية. والشعب العراقي الذي نطلق عليه هذه التسمية المجازية مكون من أربع قوميات أو أربعة شعوب هم العرب والكرد والتركمان والكلد أشور. ولهذا يطرح السؤال نفسه: هل نعي ما نردده باستمرار وعلى مدى عقود من أن هذا الشعب شعب عظيم؟ ما هو وجه العظمة في هذا الشعب ويختلف به عن بقية شعوب العالم؟
لم يطلق الطاغية صدام حسين وحده كلمة العظيم على الشعب العراقي فحسب, بل كل القوى السياسية العراقية وكل السياسيين والكتاب والمثقفين والناس الاعتياديين, وأنا منهم, أيضاً, تحدثنا عن هذا الشعب العظيم, بل تجرأنا أن نتحدث باسمه أيضاً, دون أن يكون قد منحنا صوته أو صوت أكثريته ليكون لنا مثل هذا الحق.
لقد استخدمنا هذا المصطلح وعشرات من المصطلحات الأخرى التي لا معنى لها, بل كانت وما تزال تثير من الإشكاليات أكثر مما توضح أموراً مهمة في الجانبين الاجتماعي والنفسي. وعلينا أن ننتبه إلى المطب الذي يريد صدام حسين جر بعض الناس إليه, فحين يوجه هذا الطاغية رسالته إلى الشعب العراقي "العظيم", فهو يريد أن يحقق أغراض عدة منها, إن صدام حسين ابن هذا الشعب هو الآخر عظيم, وأن الجماعات التي يتنخا بها ويشّيمها, سواء أكانوا من "النشامى المجاهدين في الجيش أم من الاماجد والماجدات أو من الشعب العظيم", يريد أن يدفع بها إلى ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بحق هذا الشعب, إذ لم يكتف بما ارتكبه خلال الأعوام المنصرمة.
دعونا نتابع ماذا يفهم من حديثنا عن "شعبنا العظيم"و الذي يعتبره صدام حسين جزءاً من الأمة العربية. إن هذه التسمية, حتى من لم ينتبه إليها البعض, فإنها من حيث المبدأ تستند إلى فلسفة "أنا" والآخر", أنا العظيم والآخر حقير, أنا الخير والآخر الشر بعينه, أنا النقي الصالح, والآخر الهجين الطالح ... الخ. (في العام 1995 نشر المركزي العربي للفنون والآداب في بروكسل/بلجيكا كتاباً للكاتب العراقي السيد كريم عبد بعنوان "الدولة غير المثقفة", أثار في أحد مقالات هذا الكتاب الموسوم" خطاب السلطة وأوهام الجمهور" الغموض والنرجسية والأوهام التي تلف هذا المصطلح. راجع صفح 111-115). وكان موفقاً في إثارته لهذه المسألة.
علينا أن نفكر كثيراً بهذا المصطلح "العظيم" الذي نلصقه بشعبنا يومياً ودون وعي وحوار داخلي أو ذاتي حول ما نكتب. إنها محاولة جادة لإبعاد الشعب في العراق بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية عن الحالة المأساوية التي يعيش فيها الناس طيلة عقود وقرون والتي تسببت بها النظم السابقة, وخاصة النظام الصدامي المخلوع, وما يعاني منه اليوم هذا الشعب. وهي محاولة من صدام حسين أن يثير الشعب "العظيم" الذي لا يحتمل الأجنبي ضد القوات الأجنبية والقوات العراقية التي يسميها بالعاملة مع المحتلين في الوقت, في وقت كان السبب الأول والمركزي وراء فقدان العراق لاستقلاله من ما يزيد عن عقدين من السنين, وأنه السبب في وصول القوات الأجنبية إلى العراق, وهو ورهطه وراء الكثير من الجرائم التي ترتكب اليوم في العراق.
علينا أن نلقي نظرة على حالة هذا الشعب العراقي المكون من أربع قوميات أو أربعة شعوب وأن نتحدث مع هذا الشعب "العظيم" مع كل فرد فيه, مع أنفسنا بكل صراحة ووضوح. فماذا نرى في واقع هذا الشعب؟
- على امتداد قرون خضع هذا الشعب لنظم استبدادية ظالمة وقاسية حرمته من الحرية والحياة الكريمة وسامته سوء العذاب. وكل الذي ركعوا هذا الشعب وأذلوه تغنوا باسمه وبجلوه لأنه استكان لهم!
- عاش تحت أشكال من الاحتلال والظلم والفاقة وأجبر على الركوع مئات المرات أمام المحتلين ابتداءً من هولاكو ومروراً بالكثير من النظم البائسة وانتهاء بالدولة العثمانية وبالمحتلين الإنكليز على امتداد القرون المنصرمة.
- تسلطت عليه الدكتاتورية الفاشية لزمرة صدام حسين وقدم أكثر من مليوني إنسان ضحية بسبب هيمنة هذه الزمرة الجانحة على الحكم ولم يستطع التخلص من هذا الطاغية الشرير ورهطه.
- دفع الجيش العراقي للمشاركة في الحروب وفي الغزو وفي احتلال أرض الجيران والأشقاء, ومع ذلك يطلق عليه بالجيش الباسل والمجاهد ومن سلالة هذا الشعب "العظيم".
- يعيش اليوم في أوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية مزرية وتحت هول إرهاب مرير ويموت منه يومياً العشرات ولم تتوحد كلمة أحزابه وقواه السياسية لمواجهة هذه الجريمة, رغم أنهم بنات وأبناء هذا "الشعب العظيم".
- يمارس الكثير من أبنائه القتل اليومي ضد بعضهم الآخر وتحت عناوين وواجهات مختلفة, ولكن الحصيلة واحدة هي ممارسة القتل والذبح على الهوية. فالميليشيات المسلحة ذات الوجهة الدينية والمذهبية المتطرفة وذات النهج القائم على التمييز العنصري والديني والطائفي والفكري تمارس القتل والتشريد والتهجير والابتزاز ولا يستطيع هذا الشعب العظيم أن يرد عنه هذا الضيم الجديد..
والقائمة تطول ... فهل هو عظيم لأنه يتحمل كل ذلك وفيه من هم يمارسون ذلك؟ هل هو عظيم لأنه تحمل البؤس والفاقة والقمع عشرات السنين؟ هل هو عظيم لأنه صبر على الضيم وقبل بالركوع على ركبتيه أمام جلاديه؟ إن هذه اللغة الطائشة التي يستخدمها الجلادون لإرضاء غرور ونرجسية من يضطهدون يومياً ينبغي أن تتوقف, أن ترفض, وأن لا نساهم بترديدها.
ليس هناك من شعب عظيم وآخر غير عظيم. كل الشعوب متساوية في ما فيها من خيرين وأشرار, كل شعب ينجب من يقدم الخدمات للناس ويساهم في إغنائها وتطويرها, كما ينجب من يقوم بقتل وذبح الناس ويدفع بهم إلى الفغقر والفاقة والحرمان ويزجهم في حروب دامية. روما أنجبت ميكائيل أنجلو , لكنها قبل ذاك أنجبت المستبد المجنون نيرون الذي أحرق روما, الشعب الألماني أنجب غوتيه وشيلر وأمانوئيل كانت وماركس, ولكنه أنجب أيضاً غوبلز وروزينبيرغ (هتلر نمساوي المنحدر), والشعب العربي في العراق أنجب المتنبي والجواهري وعبد الجبار عبد الله, ولكنه أنجب أيضاً أحمد حسن البكر وصدام حسين وعلي حسن المجيد, وعبد الرزاق عبد الواحد وحميد سعيد, الشعب الكردي أنجب كاوة الحداد و وگوران وبيكس, ولكنه أنجب أيضاً الطاغية صاحب القصر, الذي قتله كاوه الحداد, وعمر علي وسعيد قزاز ...الخ.
نجد في العراق بين العرب والكرد والتركمان والكلد أشور والصابئة والأيزيدية والكاكائية والشبكية من غنى للناس في العراق وبلغات مختلفة أغان جميلة وألحان منعشة وكتب أشعاراً رائعةً ...الخ, ولكن نجد بجوار ذلك من مارس قتل الأدباء والفنانين ومارس اضطهاد المبدعين وغيبهم في السجون على امتداد تاريخ العراق ...
إن الحديث عن الشعب العظيم ينسي شعبنا مأساته ومراراته ويزيد من نرجسية الفرد والنرجسية الجمعية في آن.
لا شك في أن الإنسان العراقي أو في هذه المنطقة من العالم شارك في بناء حضارة هذا العالم, ومنها حضارة بلاد ما بين النهرين, كما أن أناساً آخرين ساهموا في كل مكان من هذه المعمورة في بناء حضارات إنسانية مماثلة, وما وصل إلينا من الحضارات العراقية القديمة لا يعني أن الشعوب الأخرى لا تمتلك حضارات مماثلة لها, ربما لم تكتشف بعد, وما اكتشف منها لا يقل أهمية وقدما عن حضارة العراق القديم. وما بني من إهرامات في مصر, نجد ما يماثلها في المكسيك أو في السودان.
علينا أن نتجنب النفخ في صورة الفرد العراقي والشعب العراقي أو أي شعب من هذا المكون المجازي العراقي الراهن. ونتجنب السقوط في فخ الدكتاتور صدام حسين في ضوء رسالته الأخيرة التي تعبر عن البؤس والعدوانية والخواء الفكري الذي بلغه هذا المخلوق, وما يريد أن يصل إليه عبر هذه اللغة الخشبية التي سطر بها رسالته.
علينا أن ندرك معاً بان الشعب العراقي بكل مكوناته القومية كان وما يزال يعيش في حالة شديدة من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, يعيش في ظل عدم التنوير الديني والاجتماعي وتسلط كثرة من المؤسسات الدينية وكثرة من رجال الدين المتخلفين على فكره وإرادته وتصرفاته, يعيش في ظل الإرهاب الدموي الذي يسلطه عليه أبناؤه وأبناء بعض جيرانه ومن أبناء الأمة العربية والأمة الإسلامية. وهو بهذا المعنى يعاني من تخلف شديد وردة عميقة ينبغي أن نتحدث عنها قبل أن نقبل بمصطلحات العظمة والماجد والباسل.

18/10/2006