| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 17/11/ 2009

 

هل ستكون الانتخابات العامة القادمة في العراق نزيهة ونظيفة؟

كاظم حبيب

لم يعرف العراقيون الانتخابات قبل نشوء الدولة العراقية الملكية الحديثة, ومع ذلك طالبوا بالاستفتاء على طريقة الشورى التي لم تكن يوماً شورى بالمعنى الصحيح, بل كانت "تؤخذ الدنيا غلابا وبحد السيف", كما جرى في عهد معاوية بن أبي سفيان حين أراد أن يكون ابنه يزيد خليفة له:
".. عندما أرسل يطلب رأيهم في أمر أخذ البيعة ليزيد "وليا للعهد" قام يزيد بن المقنع , فلخص الموقف الأموي من الخلافة في عبارة موجزة بليغة عندما جمع فأوعى!. قال: "أمير المؤمنين هذا" وأشار إلى معاوية.. "فإن هلك , فهذا" وأشار إلى يزيد.. "فمن أبى, فهذا" وأشار إلى سيفه!.. فقال له معاوية: "أجلس , فإنك سيد الخطباء"!!(
راجع: إمام, إمام عبد الفتاح د. الطاغية - دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي-. عالم المعرفة 183, سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت. مارس/آذار 1994 م. ص 205/206).

هذا في عهود الدولة العربية والإسلامية. أما في العهد الملكي فقد عبر عن ذلك بوضوح كبير نوري السعيد, ميكافيلّي العرب, حين كان يؤكد بأن من المستحيل حصول مرشح لمجلس النواب على مقعد فيه ما لم يجد الدعم والمساندة الحكومية, وبهذا كان يتحدى جميع النواب وتحت قبة البرلمان ذاته. (محاضر مجلس النواب العراقي في العهد الملكي).

هذه هي التقاليد المتوارثة التي نشأ عليها النظام السياسي العراقي حتى سقوط الملكية, وهي تقاليد سيئة وتزوير دائم للانتخابات واستهانة كاملة بإرادة الناس أو الناخب. فعلى سبيل المثال لا الحصر حين فاز 12 نائباً في انتخابات مجلس النواب في العام 1954 لم يتحمل نوري السعيد هذه النتيجة, فحل مجلس النواب وأجرى انتخاب ضمن كل أعضاء المجلس لصالح مشاريعه والمراسيم الاستبدادية التي أصدرها في العام 1955.
وفي العهد الجمهوري الأول لم تكن هناك انتخابات في ما عدا انتخابات النقابات التي جرى السعي لتزويرها أيضاً. وغياب الدستور الدائم والانتخابات العامة تسببت في تفاقم فردية قاسم وسوء سياسات الأحزاب والقوى إلى تدهور الأوضاع وانتصار الانقلاب الفاشي في العام 1963.
وأكثر الأساليب شراسة وعدوانية وتزييفاً لإرادة الإنسان والشعب جرت في عهد البعث وصدام حسين بعد أن وصلا إلى السلطة مرة أخرى. ففي هذا العهد البعثي كان التصويت يتم بورقة كتب خلفها اسم وعنوان الناخب ومنها يتبين لمن أعطى هذا المواطن أو ذاك صوته, وحينها تبدأ أجهزة الأمن بمطاردة الضحية التي لم تمنح صوتها لصدام حسين وقائمة البعث ليجد نفسه إما في السجن أم في المقابر الجماعية. والشعب العراقي كله شاهد على ذلك.

وفي العهد الجديد لعبت المليشيات الطائفية المسلحة دورها في حصد رؤوس من يقف ضد مرشحيها أو القوائم الدينية الشيعية على نحو خاص, وكذلك حصل فيما بعد بالنسبة للقوائم السنية أيضاً.
بعدها وأثناء ذلك أيضاً جاء دور البطانيات والثلاجات والمدفئات والأموال لتمنح للفقراء والبسطاء من الناس, وهم الغالبية العظمى في العراق, لقاء القسم برأس أبو فضل العباس أبو رأس الحار الذي يسطر (يصفع) من لا يوفي بقسمه لمنح هذا الصوت أو ذاك لهذه القائمة أو تلك أو هذا المرشح أو ذاك. يضاف إلى ذلك أساليب أخرى متنوعة.
ثم كان التزوير المفضوح في وضع أوراق إضافية أكثر من عدد الناخبين في صناديق الاقتراع في الكثير من الدوائر الانتخابية.. وكانت مفضوحة جداً, ولكنها عبرت ولم تجد المفوضية ضرورة إعادة الانتخابات فيها... وثم..الخ.

لقد شهدت انتخابات 2005 حصول عمليات تزوير كبيرة وعدم نزاهة, إذ كانت هذه الظواهر هي سيدة الموقف. فماذا يمكن أن يحصل اليوم؟ وهل ستتكرر العملية والتقاليد السلبية؟
لدينا في مجلس النواب كتلاً عديدة تهيمن على الموقف في المجلس الراهن, وهذه الكتل الكبيرة هي التي حسمت الموقف من قانون الانتخابات الجديد. فقد حصل توافق بينها, ولكن هذا التوافق الذي أدى إلى صدور قانون الانتخابات في الكثير من جوانبه غير ديمقراطي سواء من الناحية المبدئية, أم من ناحية الممارسة العملية وباتجاهات عدة, منها:
** فهو قانون غير ديمقراطي إزاء القوميات وأتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين ومن غير العرب والكُرد؛
** وغير ديمقراطي في الموقف من المواطنات والمواطنين في الخارج؛
** وغير ديمقراطي من حيث عدد المقاعد التعويضية بالنسبة للقوائم والأشخاص الذين لا يحققون المتوسط العراقي في عدد الأصوات المطلوبة؛
** وغير ديمقراطي في زيادة سكان محافظات بعينها وإبقاء محافظات أخرى دون تغيير في سكانها وكأن لا ولادات فيها ولا نمو سكاني, في حين كانت المحافظات الأخرى ومنها الموصل وكأن السكان قد تضاعفوا فيه, مما سيزيد من مقاعدها في المجلس دون وجه حق!
** وغير ديمقراطي في رفضه اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة؛
** وغير ديمقراطي في فرص الإعلام التي تمنح للقوائم المختلفة؛
** وغير ديمقراطي بالنسبة للأموال التي تسخر لخوض المعركة الانتخابية بين القوائم الكادحة وقوائم الأغنياء والمتخمين بالأموال...
هذا ابتداء, ولكن ماذا سيجري في مجرى العملية الانتخابية وفرز الأصوات؟ .. هذا ما يمكن تقديره والتنبؤ بنتائجه وفق تجاربنا السابقة وتقاليد الحكام العرب والمسلمين بشكل عام.

هل ستكون هذه الانتخابات أفضل من سابقاتها؟ من الممكن أن تكون كذلك, خاصة وأن القوى الإسلامية السياسية اُجبرت تحت ضغط الشارع العراقي والرأي العام العالمي إلى كسب مرشحين وقوى غير إسلامية سياسية أو علمانية في قوائمها, فهل هي محاولة لعبور العاصفة ثم العودة إلى الطائفية السياسية للأحزاب السياسية الإسلامية لتكريس مواقعها في الحكم؟ إذ أن الأحزاب الإسلامية بنيت على أسس طائفية صارخة ولم تتخل عنها عملياً حتى الآن ولم تغير برامج أحزابها بما يساعد على القول بأنها قد تغيرت حقاً لصالح المواطن والمواطنة العراقية. هذا ما نتوقعه وما سوف تكشف عنه الأيام رغم رغبتنا بأن لا يكون الأمر بهذه الصورة. ويمكن أن تكون هناك مفاجئات, ولكنها سوف لن تكون استثنائية في ظل الأوضاع الراهنة وموازين القوى الداخلية.

رغم التحسن النسبي في أوضاع الأمن الداخلي, إلا أن الأوضاع العامة ومستوى الوعي العام لا يضمنان انتخابات نزيهة ونظيفة كما يرغب الإنسان أن تكون عليه, ولكن لنعمل من أجل أن تكون نظيفة ونزيهة قدر الإمكان وبحدهما الأدنى, رغم المقدمات التي تمنع من أن تكون ديمقراطية.

ويبدو لي أن من واجب رئاسة الجمهورية رفض هذا القانون والاستجابة للمطالبة المتنامية بضرورة إجراء تعديلات عليه لصالح انتخابات حرة أقل تزويراً وأكثر نزاهة وتعبيراً عن رأي الناس.

وعلى العموم يمكن أن نجد الجواب عن السؤال الرئيسي في هذا المقال في مجرى وفي أعقاب 21/1/2010 حين تنتهي الانتخابات وحين يتم فرز الأصوات, وحين يكون قد فات الأوان لأي تعديل مناسب إلا أثناء الدورة البرلمانية الجديدة ما لم تبادر رئاسة الجمهورية وتقترح إجراء تعديلات جادة على هذا القانون قبل التوقيع عليه.


17/11/2009





 

 

free web counter