| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 17 /12/ 2006

 



ما المهمات التي تستهدفها المصالحة الوطنية؟

 

كاظم حبيب

مضت فترة غير قصيرة منذ أن طرح شعار المصالحة الوطنية في الشارع العراقي قبل أن تتبناه الحكومة العراقية الراهنة. ومضت فترة مناسبة على تبني الحكومة العراقية والجامعة العربية لهذا الشعار دون أن تبرز في الأفق بوادر إيجابية على هذا الطريق, رغم الأهمية التي يعلن عنها الكثيرون باعتبارها الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام الأهلي في العراق. والسؤال الذي كان ولا يزال يلح علينا هو: لماذا لا تتوصل القوى السياسية العراقية إلى مصالحة وطنية فعلية؟
لكي نكون صريحين وواضحين في جوابنا عن هذا السؤال أولاً, ولكي نوفر الأرضية الصالحة لحوار الذي بدأ يوم 16/12/2006 لتحقيق المصالحة الوطنية, لا بد أن نقف بجرأة أمام الواقع العراقي الراهن. فالشعب العراقي يعيش اليوم الوقائع والأجواء والهواجس التالية :
1. في العراق الآن حالة مرضية تعاني منها الحركة الإسلامية السياسية, حالة الطائفية السياسية والصراع الطائفي في ما بين أحزاب هذه الحركة, إذ أن كلاً منها يسعى إلى إحراز النصر على الآخر, ولكن الكل هو الخاسر, أي أن الخاسر الوحيد هو الشعب كله. ويبدو هذا واضحاً في برامج وسياسات وتصريحات وإجراءات مختلف الأحزاب الإسلامية السياسية. وهذا يعني ما لم تكف هذه الأحزاب عن أن تكون طائفية وتتخلى عن مشاريعها الطائفية للدولة العراقية, فلن يحصل تفاهم بينها ولن يحصل سلام أهلي في العراق, وعندها سيتخلى الشعب عنها ويبدأ بالتحري عن أحزاب مدنية تلبي حاجاته للأمن والاستقرار والسلام الأهلي. وهي عملية بدأت حالياً في العراق بوضوح لا لبس فيه, رغم بطئها النسبي.
2. في العراق الآن صراع صارخ داخل القوى السياسية المتحالفة في الحكومة العراقية, بعضها مؤمن بالمصالحة وبعضها الآخر يتحدث بها ولكن غير مقتنع بها أصلاً ولا يريدها ولا يسعى إليها, بل يمارس القوة والعنف والقتل في مواجهة الآخر. وما لم تنقِِ الحكومة صفوفها من هذه الجماعات أو تقنعها بانتهاج سبيل واحد وليس بازدواجية الممارسة السياسية, لن تستطيع الوصول إلى مصالحة وطنية, إذ أن هذه المصالحة كانت زوما تزال وستبقى تنسف من الداخل عملياً. وأمامنا الكثير من الأمثلة على هذا النهج لا نحتاج إلى ذكره, إضافة إلى وجود اختلاف جدي في السياسة والتوجهات والمواقف, ومنها الموقف من وجود القوات الأمريكية في العراق والتي تطالب الحكومة باستمرار وجودها فترة أخرى, بينما تطالب قوى معينة داخل الحكومة برحيلها فوراً وتعمل بصراحة, والفارق كبير وقاتل بين الموقفين.
3. إن من الصعوبة بمكان أو من المستحيل أن يتم الاتفاق بين الحكومة والقوى السياسية المعارضة للعملية السياسية ما لم تتوصل الحكومة إلى إعادة ترتيب بيتها الحكومي باتجاه التزام سياسة واحدة, بحيث لا تنفرد قوة معينة أو أكثر في داخل الحكومة لتأليب من يتم التفاوض معه ضد سياسة الحكومة, وبالتالي يتعذر الوصول إلى حل مشترك للمسائل المعلقة بين الطرفين. لهذا يستوجب الأمر إعادة تشكيل الحكومة بما يسمح بوحدة الموقف السياسي إزاء مختلف القضايا المطروحة.
4. ليس من السهل الوصول إلى نتائج إيجابية مع القوى المعارضة للعملية السياسية, إن حاولت الحكومة الوصول إلى اتفاق مع جميعها, إذ أن بعضها يدخل في الحوار من أجل نسفه أساساً, تماماً كما في موقف بعض القوى داخل الحكومة. أو يرفض الحوار أصلاً لأنه يريد نسف العملية كلها, كما في موقف الشيخ حارث الضاري وجمهرة من هيئة علماء المسلمين وليس الكل. ومن هنا يفترض أن يكون النهج هو الوصول مع المعتدلين من القوى السياسية المعارضة إلى اتفاقات تسمح بتحييد البعض وعزل المتطرفين منهم. وهي عملية ضرورية لا يمكن تجاوزها في المرحلة الراهنة.
5. ولا يمكن الوصول إلى حلول عملية في وقت تصعد المليشيات المسلحة من نهجها القتالي ضد القوى الأخرى, سواء أكانت تلك المليشيات تابعة لأحزاب إسلامية سياسية شيعية أم سنية ومعلن عنها أو غير معلن عنها. ولهذا يتطلب الأمر اتخاذ قرارات حازمة لحل تلك المليشيات ووضع القوى التي تقف وراءها أمام مسؤوليتها المباشرة.
6. ولا نكشف سراً حين نؤكد بأن الثقة بين أطراف العملية السياسية أولاً, ومع أطراف المعارضة ثانياً غير موجودة حالياً, وبالتالي فأن استعادة الثقة والمصداقية مسالة مهمة جداً في أي حوارات للوصول إلى نتائج إيجابية.
7. هذا الواقع الذي نتحدث عنه من جهة, وأهداف المصالحة الوطنية من جهة أخرى, تتطلبان ثلاثة إجراءات أساسية, وهي:
أ‌. إعادة النظر بالتحالفات القائمة من أجل إنشاء تحالفات سياسية جديدة لا تقتصر على القوى السياسية الممثلة في البرلمان الراهن, بل وتشمل قوى أخرى خارج البرلمان لتؤثر في الساحة السياسية العراقية ولا تقوم على أساس ديني أو مذهبي, بل على أساس سياسي وأهداف واضحة تجمع عليها الأطراف المتحالفة وتمس المجتمع المدني والديمقراطي والدولة المدنية الاتحادية.
ب‌. إعادة النظر بتشكيل الحكومة في ضوء التحالفات الجديدة بحيث يمكنها أن تكون مهيأة للدخول في حوارات مع القوى الأخرى ثم تشاركها في حكومة أخرى جديدة تسهم بها القوى التي تتخذ موقف المعارضة حالياً.
ت‌. إعادة النظر بالسياسات والإجراءات والمواقف التي تستوجبها طبيعة المرحلة على مختلف المستويات وبما يسمح بتعزيز التحالفات والسياسات الجديدة ويدفع بالبلاد إلى شاطئ الأمن والاستقرار والسلام الداخلي.
وإذا اتفقنا على ذلك, عندها نكون قد اقتربنا من الحوار السياسي لتحقيق المصالحة الوطنية. فما هي أهداف المصالحة الوطنية؟
المصالحة الوطنية, التي يفترض أن تسعى إليها القوى السياسية العراقية, تهدف, كما أرى, إلى ضمان وتعزيز وحدة الدولة العراقية المدنية الديمقراطية الاتحادية, أي ضمان مبدأ المواطنة المتساوية والمشتركة التي ترفض أي هوية طائفية بل تدعو إلى هوية وطنية مشتركة ومتساوية ينعم فيها العرب والكرد والتركمان والكلد أشور, المسلمون من مختلف المذاهب, والمسيحيون, من مختلف المذاهب, والصابئة المندائيون والأيزيديون والكاكائيون والشبكيون وأصحاب الفكر والرأي الآخر, بالحقوق, ويمارسوا الواجبات بكل حرية. وإلى جانب ذلك يفترض في المصالحة أن تتوصل إلى تأكيد الاتفاق على ما يلي:
1. رفض العنف في الوصول إلى أهداف القوى السياسية المتباينة في برامجها التفصيلية.
2. رفض الطائفية السياسية والتخندق المذهبي السياسي أو تشديد الصراع المذهبي في العراق.
3. رفض القوى الإرهابية التي تسعى إلى تحطيم النسيج الوطني والاجتماعي للمجتمع العراقي, سواء أكانت تكفيرية المنحى أو استبدادية النزعة وشمولية النهج أو رافضة للديمقراطية.
4. الإقرار بالعمل على أسس ديمقراطية سلمية والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة بعد فترة زمنية من التوافق السياسي لتكريس الحياة السلمية الهادئة والمستقرة.
5. العمل من أجل الابتعاد عن القوائم الانتخابية ذات الطبيعة الدينية والطائفية التي تعزز الاصطفاف والاستقطاب والدعاية الطائفية للوصول إلى برلمان يراد له أن يكون وطنياً وليس دينياً أو طائفياً, إذ أن للأديان والمذاهب أماكنها الخاصة بها, ثم الكف عن توزيع المجلس والوزارات والدوائر على أساس المحاصصة الطائفية.
6. أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة المالكة والحاملة للسلاح والمسؤولة عن الأمن والاستقرار وحماية الحدود, وأن يتم نزع السلاح من كل القوى السياسية خارج إطار الدستور والقوانين.
7. رفض أي تدخل أجنبي في شؤون العراق الداخلية, سواء أكان من دول الجوار أم من غيرها. ويحصر وجود القوات الأجنبية بموافقة الدولة العراقي وهي التي تقرر وقت خروجها.
8. الالتزام بالدستور العراقي في حل المشكلات القائمة, بما في ذلك مسألة كركوك ووفق المادة 140. وكذا الموقف من موضوعة فيدرالية الوسط والجنوب, مع الأخذ بنظر الاعتبار الموقف الذي أقر في إعادة النظر بجملة من المواد ومنها مادة فيدرالية الجنوب والوسط, التي يمكن استبدالها بفيدرالية عربية واحدة إلى جانب فيدرالية كردستان.
9. الاتفاق على الموقف من القوى البعثية التي تخلت عن الدكتاتور صدام حسين وتسعى للمشاركة السياسية دون أن تتعرض للمسائلة ما دامت لم ترتكب جرائم بشعة بحق الشعب العراقي. وهذا يعني ضرورة إلغاء قانون اجتثاث البعث والتمييز الواضح بين الجماعات الإرهابية في هذا الحزب والجماعات الأخرى التي تعترف بالكوارث التي تسبب بها النظام السابق للعراق طيلة عقود وتسعى إلى وضع أسس جديدة لعملها السياسي. فليس من مصلحة العراق والعمل السياسي أن نرمي كل البعثيين في قدر واحد. وعلينا أن نتذكر بأن في صفوف البعثيين كانت هناك جمهرة كبيرة صامتة تخشى الموت من المستبد بأمره, كما توجد اليوم أكثرية صامتة تخشى الإرهاب التكفيري والصّدامي والطائفي. وأن بعضهم قتل بسبب معارضته للنظام السابق.
10. ويبدو ضرورياً أن تهدف المصالحة الوطنية إلى تبني مبدأًً سليماً في استثمار الموارد الأولية, وخاصة النفط الخام, وتوزيع الثروة وإعادة توزيعها في المجتمع لصالح الإنسان وبصورة عادلة على مستوى المركز والفيدرالية والمحافظات.
11. وأن تتفق في البرنامج السياسي المشترك على مكافحة الفساد المالي المتفشي والفساد الإداري والمحسوبية والمنسوبية والطائفية السياسية في التعيين وفي إحالة العقود ...الخ.
إن العراق أمام مهمات كبيرة, ومنها الخدمات الأساسية للسكان وإعادة بناء ما دمرته الحروب والصراعات والإرهاب وإعادة الثقة بين المواطنين وبينهم وبين الحكومة والأحزاب السياسية والحياة السياسية عموماً وإيقاف طاحونة القتل والموت اليومي والتخريب والتدمير الهائل للبنية التحتية وثروات البلاد.
إن الطموح كبير في الوصول إلى نتائج إيجابية من نهج المصالحة الوطنية, ولا يمكن أن تتحقق ما لم نلتزم بما أشير في أعلاه وغيره كثير يمكن للكتاب والسياسيين أن يضعوا اليد عليه لكي يكونوا عوناً للحكومة الراهنة في محاولتها معالجة الوضع الأمني المتدهور في العراق ومواجهة جملة من محاولات استمرار طاحونة الموت والتخريب في العراق. كما يكونوا عوناً لقوى المعارضة لكي تعي المستنقع الذي يمكن أن يسقط فيه العراق إن واصلت سياسة رفض العملية السياسية.

منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2006
جريدة المدى العراقية