| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                    الخميس 17/2/ 2011

 

كيف نساهم في تحقيق الانتصار لشعب إقليم كردستان العراق
كيف نكسر شوكة الأعداء..

كاظم حبيب

بعد نشر لقائي الصحفي مع جريدة روزنامة الكردستانية وصلتني رسالة من صديق عزيز جاء فيها:
"قرأت اليوم في صحيفة (روزنامة) عنواناً عريضاً يقول د. كاظم حبيب الكاتب والسياسي العراقي: الوضع في الاقليم سائر نحو الانفراد بالسلطة واضعاف الديمقراطية، ومن العناوين الاخرى، لا توجد ديمقراطية حقيقية في اقليم كردستان، كانت هناك بعض المواقف لحكومة الاقليم ظهرت فيها الشدة كان من الممكن ان تكون لينة، واقتضى بعض المواقف الشدة لكنها كانت لينة.

هذه العناوين هي التي ابرزتها الصحيفة أما الاجوبة ففيها اشارات مضيئة وافكار جيدة..هذا ما وددت ان تعرفوه". رسالة رقيقة وغاية في المجاملة والأحترام الأخويين.

ثم قرأت مقالاً للأستاذ شيرزاد شيخاني يشير فيه إلى ابتعاده عن ممارسة النقد الذي كان يمارسه بقوة قبل ذاك بسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها الإقليم والأعداء الذين يحيطون به ويريدون إلحاق الأذى والضرر بكردستان. ويشير إلى أنه يرفض المزايدة عليه ومن حقه ذلك طبعاً.

فكرت في الإجابة المباشرة على رسلة الصديق الكريم, ولكني فضلت أن أوجه رسالة إلى كل من قرأ المقابلة الصحفية وللأستاذ الفاضل آزاد شيخاني, رغم أني لست ممن يسيء الظن به, إذ إن الواقع السياسي في العراق وكردستان يتحمل الكثير من وجهات النظر اتفاقاً أو اختلافاً, وليس في هذا أي ضير.

لا شك أن صحيفة روزنامة هي من الصحف المعارضة وهي تتمتع بحرية النشر ونشرت المقابلة الصحفية النقدية ولم يتعرض لها المسؤولون في إقليم كردستان, وهو أمر إيجابي. وكأي صحيفة معارضة تحاول أن تستفيد من إجابات معينة عن أسئلتها بما يناسبها لوضعها عناوين رئيسية بارزة للمقابلة. وهو أمر لا يمكنني الاعتراض عليه لأنه وارد في مقابلتي مع توضيح عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في الإقليم وفي العراق التي من طبيعتها تقييد الحرية الفردية والديمقراطية.

حين قرأت رسالة صديق ومقالة الأستاذ أزاد شيخاني برزت أمامي كفلم سينمائي راهن تجربتي الذاتية التي أصبح عمرها الآن 62 عاماً منذ أن التحقت بالحركة الطلابية العراقية ومن ثم بالحزب الشيوعي العراقي, وبشكل خاص تجارب ممارسة النقد والنقد الذاتي.

تشير تجربتي الشخصية ومراقبتي لسير الأحداث بأن السكوت عن أخطاء الذات من جهة, والسكوت عن أخطاء الأصدقاء والحلفاء السياسيين الذين يهمنا انتصارهم وليس انكسارهم من جهة أخرى, يعتبر خطيئة كبرى ما بعدها خطيئة بحق الذات وبحق الأصدقاء والحلفاء السياسيين, إذ حين يصاب الإنسان ذاته بأذى أو الأصدقاء والحلفاء السياسيين نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها, ستقول لنفسك سكت عن أخطائي ولم اكن جريئاً في نقدها, كما ستقول لإصدقائك والحلفاء السياسيين كنت أريد توجيه النقد لكم ولني لم افعل واشعر بالذنب, في حين كان الموقف السليم يتطلب توجيه الملاحظة النقدية لكي يصحح الاصدقاء والحلفاء الخطأ ويتجنبوا الوقوع فيه ثانية.

أورد لكم نماذج من تجربتي الشخصية:
** حين كان الاتحاد السوفييتي يمارس سياسات داخلية بعيدة عن المبادئ الاشتراكية التي كان يبشر بها, كنا نرى ونحس ونعيش تلك الأخطاء بمرارة, وحين كان يرتكب أخطاء في علاقاته مع الدول العربية والدول النامية على الساحة السياسية الإقليمية أو الدولية, كان نرى ذلك بوضوح كبير, وحين كان يساهم في سباق التسلح افقليمي والدولي وكان نشعر بالخطأ الفادح لمثل هذه السياسة, كان لا نمارس النقد ولا نرفع صوت الرفض لتلك السياسات وكنا نقول لأنفسنا بأن هذا النقد سيضعف الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي في مواجهة الأعداء. وكانت النتيجة استمرار الأخطاء وتراكمها ومن ثم النخر الداخلي والإنهيار من الداخل على وجه الخصوص. في حين ربما كان في مقدورنا تعديل تلك السياسية لو بدأنا بنقدها ابتداءً, ولم نفعل وضعينا احتمال التغيير في سياسات تلك الدول.

** حين كان الحزب الشيوعي يتحالف مع قوى سياسية في العراق, سواء أكان مع حزب البعث العربي الاشتراكي أم مع قوى سياسية أخرى, كان يسكت عن أخطائها بسبب مشاركته في السلطة أو تحالفه مع قوى خارج السلطة, ارتكبنا بهذا الصدد أخطاءً لا يمكن قبولها وكان الأجدر بنا نقدها وعدم الرضوخ لها. وكانت النتيجة خراب البصرة!
سقط الاتحاد السوفييتي لأن غالبية الأحزاب الشيوعية, وليس كلها, وغالبية الشيوعيين في العالم, وليس كلهم, وكافة الدول التي كانت تستفيد من الاتحاد السوفييتي, سكتت عن مواقفه الخاطئة وسمحت للأخطاء بالتراكم ومن ثم تتحول إلى تناقضات حادة وصراعات سياسية محتدمة في الداخل قادت إلى تلك النتيجة المرة في العام 1989 و1990. وهكذا كان الأمر مع الأحزاب التي أقيم التحالف معها, وكانت العواقب مريعة حقاً.

أعتبر نفسي صديقاً للشعب الكردي وحريصاً على انتصاره وبناء مستقبله المشرق وتعزيز فيدراليته وتعزيز مواقع القوى والأحزاب الكردستانية التي ناضلت طويلاً في سبيل حق الشعب الكردي في تقرير المصير والفيدرالية .. الخ, وصولاً إلى حقه في تقرير مصيره متى وجد ذلك ممكناً وضرورياً. وحين أرى جملة من الأخطاء, من وجهة نظري, تصاحب العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الجارية في كردستان العراق, ولكن بجوار ذلك جملة من المنجزات القيمة وفي مقدمتها وجود الفيدرالية ذاتها والأمن السائد فيها والتوسع في مجالات البناء والتعمير وفي التعليم ...الخ, فلا يجوز لي أن أسكت عن الأخطاء وأبرَّز الجوانب الإيجابية وحدها, كما لا يجوز لي أن أبرًّز الأخطاء وأنسى الجوانب الإيجابية التي تحققت للشعب في كردستان.\

إن الانتقاد لا يسيء إلى أحد ولا يؤذي أحداً بل هو مفيد حقاً إذ يمكن أن يجنب المسؤولين تكراره أو تكريسه ويساعدهم على تجاوزه. والسكوت عنه هو الذي يلحق الضرر بالمسؤولين انفسهم في حالة عدم التنبيه عنه من جانب الأصدقاء المخلصين للشعب الكردي.

لا يمكن أن تكون صديقاً لشخص أو شعب أو حزب إن لم تمارس النقد الإيجابي الذي يشخص الأخطاء ولكن لا يريد الإساءة إلى أحد. وهذا هو ديدني لا مع كردستان العزيزة ولا مع الشعب الكردي ولا مع الأصدقاء في الحكومة الكردستانية او الأحزاب التي ناضلت معها في ربوع وجبال كردستان, بل ومع نفسي. ومن قرأ كتاباتي في نقد الحزب الشيوعي العراقي, سيجد أن النقد قد وجهته أولاً لنفسي وقبل أن أوجهه للجنة المركزية أو المكتب السياسي, إذ كنت مشاركاً في رسم وتنفيذ سياسة الحزب خلال عقدي السبيعينات والثمانينات من القرن الماضي. وحين انتقدت الحزب الشيوعي الكردستاني, وهو حزب أعتز به وأقدر نضال رفاقي فيه, بل من منطلق الحرص عليه وعلى التجربة الكردستانية الفتية ومن أجل أن ينتبه لسياسته ومواقفه, إذ أن مجاراة الأخطاء أو نقدها داخلياً ومع الأحزاب الحليفة ليس نافعاً باستمرار, بل لا بد من إشعار المجتمع بأن الحزب الشيوعي الكردستاني يمارس النقد من منطلق الحرص على التحالف وعلى كردستان والشعب الكردستاني.

منذ سنوات حين شعرت بوجود خلل في بعض جوانب إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني, حسب تقديري, وجهت رسالة إلى الأخ الأستاذ جلال الطالباني والمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني, ولم يكن في حينها رئيساً للجمهورية, أوضحت فيها رأيي الشخصي بواقع إعلام الاتحاد الوطني حينذاك وضرورة تحسينه, فما كان من أمين عام الحزب الأستاذ الطالباني إلا أن طلب تعميم تلك الرسالة على وسائل إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني وتنظيماته. وكان موقفه سليماً وواضحاً, إذ عرف جيداً أني لا أريد الإيذاء بل تجاوز الخلل القائم.

وحين شعرت قبل ثلاث سنوات تقريباً بضرورة توجيه رسالة خاصة إلى السيد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني عن أوضاع الإقليم وعن رؤيتي المتواضعة لها, لم أتردد في الكتابة وتوجيه الرسالة إلى جنابه الكريم دون أن أقوم بنشرها لإنها كانت موجهة له شخصياً.

كان وسيبقى إقليم كردستان ولسنوات طويلة قادمة محاطا بالأعداء من كل زاوية, خاصة بعد أن حقق جزءاً أساسياً مما يطمح له الشعب الكردي, وأعني بذلك إقامة فيدراليته منذ العام 1992. وبالتالي فأن تعزيز التجربة وإغنائها دوماً وبناء المجتمع المدني الديمقراطي وإطلاق الحرية الفردية والحريات الديمقراطية مع مكافحة البطالة والبطالة المقنعة والفقر عبر تسريع عملية التنمية وبناء البنية التحتية وإنشاء الصناعة الوطنية وتحديث وتنويع الزراعة والسعي لتوفير الأمن الغذائي وكسب الناس إلى صف الحكومة من جهة ثانية, هما اللذان يساهمان في تعزيز القدرة الفعلية للشعب الكردستاني والإقليم على مواجهة الأعداء والانتصار عليهم داخلياً, وليس من خلال السكوت عن الأخطاء التي ترتكب.

حين أوجه النقد وأشير إلى الخطأ أدرك جيداً بأن طائفة من المسؤولين سوف لن ترتاح لهذا النقد لأنه يمسها مباشرة, والبعض الآخر يجده مناسباً له لأنه يريد استخدامه لصالحه ودعماً لمواقفه ضد مواقف الحكومة. إلا إن هناك من يراه ضرورياً سواء أكان في صف الأحزاب الحاكمة أو خارجها. لا استطيع أن ألغي لا هذا ولا ذاك ولا غيره. ولكن ليس هذا هدفي, بل هدفي هو الإسهام, كما أرى, في تعديل المسار الذي ارى ضرورة تطويره في الجوانب التي أشرت إليها. ولكني لا أمتلك الحقيقة كلها ولا الحق في الإدعاء بصواب ملاحظاتي, ولكن هذا هو اجتهادي الشخصي الذي يحتمل الصواب والخطأ.

أقول لكل الأصدقاء وللصديق الأكرم الذي كتب لي السطور الطيبة السابقة بكل صراحة وصدق بأني أعتز جداً وأتشرف بمشاركتي المتواضعة مع جمهرة غير قليلة من العرب, من شيوعيين وديمقراطيين وتقدميين ومستقلين, وبمختلف السبل, في النضال من أجل حصول الشعب الكردي على حقه الأساسي في تقرير المصير وإقامة فيدراليته في إطار الدولة العراقية التي نعمل من أجل أن تكون دولة مدنية ديمقراطية اتحادية حرة. وإن النقد الذي أمارسه يهدف إلى تعزيز هذه الفيدرالية وتطويرها وتقدمها المستمر, فهي صمام أمان للعراق كله.
 

 

17/2/2011

 

 

free web counter