| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الخميس 17/11/ 2011


 

رسالة مفتوحة الى سماحة السيد عمار الحكيم

كاظم حبيب


الأخ الفاضل سماحة السيد عمار الحكيم المحترم / رئيس المجلس الإسلامي الأعلى العراقي - بغداد

تحية واحتراماً

أتابع باستمرار نشاط حزبكم السياسي. وبسبب هذه المتابعة المستمرة وجهت لوالدكم المرحوم سماحة السيد عبد العزيز الحكيم رسالة خاصة حول فيدرالية الجنوب ورأيي بها في تلك الفترة العصيبة من الصراع الطائفي المقيت وعواقبه في العراق.

واليوم أتوجه برسالتي هذه لجنابكم بشأن قضية أخرى أرجو أن تنال اهتمامكم واهتمام حزبكم والمؤيدين له في العراق وكذلك كافة المهتمين بالشأن العراقي وأحزابه السياسية, خاصة وقد لمست تحولاً إيجابياً في بعض مواقفكم التي فيها رؤية شبابية لعدد من القضايا المهمة من جانب, وموقف الأستاذ عادل عبد المهدي في التخلي عن منصب نائب رئيس الجمهورية.

منذ تأسيس حزبكم في الربع الأخير من عام 1982 عملتم ضد النظام العراقي وناضلتم مع بقية القوى السياسية العراقية لإسقاط الدكتاتورية بهدف الخلاص منها, كما شكلتم الوحدات الأنصارية التي شاركت مع بقية القوى الوطنية المسلحة ضد النظام الدموي في العراق.

إن خلاص الشعب العراقي من نظام استبدادي شوفيني وطائفي مقيت فتح الأبواب لإقامة نظام وطني وديمقراطي مناهض للاستبداد والشوفينية والتمييز الديني والمذهبي وتأمين الحريات العامة وحقوق الإنسان في بلد لم يهنأ شعبه عقوداً طويلة.

ومنذ سقوط الدكتاتورية والدكتاتور في العام 2001 شارك حزبكم بعضوية المجلس الانتقالي وفي كافة الحكومات التي تشكلت منذ أول حكومة عراقية حتى الآن وتحملتم مع بقية القوى المشاركة في الحكم مسؤولية إدارة شؤون البلاد. كما شاركتم في تشكيل البيت العراقي ومن ثم الائتلاف العراقي وأخيراً التحالف الوطني العراقي. وأنتم أدرى بما جرى ويجري في العراق منذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر. واليوم يواجه الشعب العراقي مجموعة كبيرة من المشكلات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتراكمة والمتفاقمة التي يئن تحت وطأتها الموطنات والموطنون في البلاد, وخاصة الفئات الفقيرة والمسحوقة والتي تعيش على هامش الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتواجه بشكل خاص مصاعب التلوث والظروف البيئية المعقدة.

وتبدو في الأفق بوادر لا تخفى على حس وعين وخبرة الإنسان العراقي, بوادر السلوك الفردي الذي سرعان ما يتحول إلى سلوك استبدادي مشين يعرض البلاد إلى مخاطر جديدة, كما نعيشها اليوم في صراع بين الحكومة الاتحادية والمحافظات وكذلك بينها وبين الإقليم. وليس عبثاً أن نشهد تحركات شبابية وشعبية في العراق وجدت صدى لها في خطبكم الأخيرة على نحو خاص وتشخيصكم لأسبابها.

إن العراق بلد متعدد القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية. وهو أمر إيجابي إذا ما توفرت مستلزمات إدارة دفة البلاد بصورة حكيمة وعقلانية وبعيداً عن التمييز والتهميش والإقصاء.

وحين تؤسس جماعات سياسية أحزاباً سياسية على أساس ديني ومذهبي, فإن ذلك يعني وبالضرورة دفاعها عن هذه المجموعة البشرية التي عانت من تمييز وتهميش مثلاً. وهذا يعني إنها تعمل على وفق قاعدة تقود إلى التمييز أيضاً إزاء أتباع الديانات والمذاهب الدينية الأخرى, مما يقود إلى التنصل من مبدأ المواطنة على مبدأ الهويات الثانوية المتعددة التي تقود بدورها على صراعات وعواقب ليست إيجابية. إن الخلاص من حكم عمل على أساس التمييز بين الطوائف يفترض أن لا يقود على نشوء نظام سياسي يمارس التمييز بين الطوائف, وهو ما نعيشه اليوم في العراق والذي قاد ويقود إلى ما نحن عليه الآن في البلاد.

إن حزبكم السياسي نشا على وفق قاعدة الخلاص من الدكتاتورية التي أذلت الشعب العراقي كله ومارست التمييز والاضطهاد والقمع والتشريد ضد الشيعة والكُرد على سبيل المثال لا الحصر, وهو في واقع الحال يعمل في مناطق معينة من العراق وليس في كل العراق. وسبب ذلك يكمن في الجانب المذهبي الشيعي الذي يتبناه حزبكم, أي حيث وجد أناس يؤمنون بالمذهب الإسلامي الشيعي ويرغبون بالعمل في حزبكم على أسس مذهبية شيعية.

أنتم في العراق تعيشون الصراع الدائر بين الأحزاب السياسية الحاكمة الذي انتقل, وبهذا القدر أو ذاك, إلى المجتمع. وهو بهذا يحمل مخاطر جمة على وحدة المجتمع العراقي ومستقبله, إذ أن من يعتبر نفسه ممثلاً لهذه الطائفة أو تلك في هذا التحالف الحكومي يسعى إلى تأمين مصالح طائفته أو قوميته بعيداً عن تحقيق التناغم والانسجام بين مصالح أتباع كل الديانات والمذاهب والقوميات, أي مصالح كل الشعب أو الغالبية العظمى منه.

أنتم في العراق تعيشون الفساد والإرهاب, وهما وجهان لعملة واحدة, والمجتمع يعاني الأمرين من هاتين الظاهرتين الطاغيتين, إنه يعاني من الحكم القائم غير الصالح. ولا شك في أنكم تشاركون هذا الحكم المسؤولية, شئتم ذلك أم أبيتم بحكم وجودكم فيه وفي التحالف الحاكم عموماً.

واشعر بأن سماحتكم وحزبكم لا بد وأنكم تفكرون بهذا الأمر ملياً وتسعون لإيجاد الحلول التي ترونها مناسبة لمعالجة الواقع غير الصحي القائم وإنقاذ المجتمع من الموت اليومي والنهب اليومي ..الخ.

لهذا اقترح عليكم وعلى حزبكم أن تضعوا ضمن الحلول التي تشغلكم الأفكار التالية:
أن يعلن حزبكم التزامه الكامل بالنقاط التالية:
1. العمل من أجل إقامة مجتمع مدني ويأخذ بمبدأ الهوية الوطنية العراقية, أي مبدأ المواطنة العراقية الحرة والمتساوية.
2. يرفض التمييز بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية.
3. يقبل في عضوية الحزب أتباع المذاهب الإسلامية الموجودة في العراق.
4. رفض حزبكم لقاعدة ربط الدين بالدولة واعتماده قاعدة "الدين لله والوطن للجميع".
5. يعمل باستقلالية عالية في سبيل الدفاع عن مصالح كل الشعب العراقي دون استثناء.

في إحدى الخطب التي ألقاها الشهيد المرحوم سماحة السيد محمد باقر الحكيم قبل اغتياله الجبان مع مجموعة كبيرة من أبناء الشعب, أشار إلى أهمية إقامة المجتمع المدني في العراق, إذ أدرك في حينها المخاطر الجمة للهويات الطائفية وسيادة الحكم القائم على أساس الطوائف والمحاصصة الطائفية في الحكم. ولكنه لم يمهل لتوضيح فكرته أو تطويرها, وحبذا لو توليتم هذا الأمر.

من هنا يلخص مقترحي بتبني حزبكم لمبدأ إقامة المجتمع المدني الديمقراطي وقاعدة المواطنة الحرة والمتساوية لأبناء وبنات الوطن الواحد بغض النظر عن الدين أو المذهب, إذ هما السبيل الوحيد لتقدم حزبكم وتحقيق نتائج إيجابية.

لم يستطع السيد نوري المالكي, رئيس الوزراء منذ أكثر من ست سنوات تحقيق نتائج إيجابية لحزبه وقامته, إلا حينما أعلن عن قائمة دولة القانون, ولكنه نكث بهذا العهد كما أرى, وبالتالي سيعيش عواقب ذلك.

أتمنى أن تناقشوا هذه الفكرة, وهي لا تعزلكم عن أتباع المذهب الشيعي ولا عن المذهب ذاته, ولكنها ستفتح الطريق أمام عقلانية في تشكيل الأحزاب وحكمة مطلوبة في ممارسة السياسة في العراق ورؤية تتناسب مع شبابيتكم في قيادة "المجلس الإسلامي الأعلى العراقي". عندها سيجد الناس في العراق حزباً غير طائفي ويدافع عن جميع الطوائف وأتباع جميع الأديان كمواطنات ومواطنين لا غير.

أتمنى عليكم أن تناقشوا النهج المقترح برؤية جادة وصادقة بخلاف ما حصل مع حزب الدعوة الإسلامية ورئيسه السيد نوري المالكي.

أتمنى لكم الصحة الموفورة والسلامة وللشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية الإنسانية الحياة الحرة والكريمة والسلامة.


مع خالص المودة والتقدير.

كاظم حبيب

 

 

8/11/2011

 

free web counter