| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 17/1/ 2012


 

هل يمكن حل الأزمة الطاحنة في العراق؟

كاظم حبيب

المحاولات الجارية في العراق لحل الأزمة الطاحنة كثيرة ومتعددة الجوانب والاتجاهات والأهداف, وهي تتجه صوب عقد مؤتمر وطني عام تساهم فيه كافة القوى والأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية بغض النظر عن تمثيلها أو عدم تمثيلها في مجلس النواب. والسؤال الذي يدور في بالي, وربما في بال الكثيرين, هو: كيف يراد لهذه الأزمة المستعصية والمتعقدة باستمرار أن تحل في هذا المؤتمر؟ وهل هناك إمكانية فعلية حقاً لحلها؟

ليس هناك من إنسان عاقل لا يريد حل الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتفاقمة والطاحنة للمجتمع منذ سنوات, إذ إن الضحية المباشرة هي الغالبية العظمى من الشعب العراقي, إضافة إلى معاناة الاقتصاد الوطني من غياب التنمية وتدني مستوى حياة ومعيشة نسبة عالية من السكان وتدني مستوى الحياة الثقافية والتعليمية وكذلك تردي الوضع البيئي. ولكن كل الدلائل تشير إلى واقع استعصاء هذه الأزمة وتراكم متفاقم لمدخلاتها السلبية التي ستحدد مخرجاتها التي ستكون عاجزة عن إيجاد حل لها في هذا المؤتمر ما لم يلج المؤتمر في صلب الموضوع وعمق المشكلة المركزية في البلاد, إذ أن الأزمة بالأساس بنيوية عميقة وشاملة, وهذا يعني أنها ليست أزمة سطحية وآنية وعابرة يمكن معالجتها عبر مصالحة بين المالكي وعلاوي, فكلاهما لا يصلح لقيادة البلاد.

ولا شك في أن إضافة سلبية جديدة قد دخلت على هذه الأزمة البنيوية التي زادت في الطين بلِة والتي نتجت عن أسلوب تفكير أو ذهنية وطريقة عمل رئيس الوزراء العراقي وسعيه المحموم لضمان هيمنته (وهيمنة حزب الدعوة الذي يقوده ولو مؤقتاً) على العراق دولة وشعباً.

فما أن خرجت القوات الأمريكية من العراق, وما أن عاد رئيس الوزراء العراقي من لقاءٍ له مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية, باراك أوباما, حتى شعر بقوة استثنائية مزيفة وقدرة مشوشة على تحريك الشارع العراقي والمجتمع بإشارة منه, أي أنه شعر بأن الوقت قد حان لفرض هيمنته الفعلية على الساحة العراقية من خلال توجيه ضربة "معلم" يستطيع بها التخلص الفعلي من خصومه السياسيين, رغم كونهم ما زالوا حلفاء له في حكومته المشلولة كلية. ففتح مدرجاً مليئاً بالملفات والتقط واحداً منها بتشخيص محدد وأصدر أمراً بإلقاء القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. وبهذا القرار وبالصورة التي صدر بها عمق الأزمة السياسية العراقية ورفع بها إلى مستويات جديدة. لقد كان عليه أن يؤمن احتفالاً شعبياً كبيراً ومن قبل الجميع بمناسبة خروج أخر جندي أمريكي من البلاد, وأن يضع القضية الأخرى, قضية طارق الهاشمي في عهدة القضاء.

لقد كان رئيس الوزراء على عجل من أمره فأراد بضربة استباقية قاضية أن يشل الطرف الثاني ولكن الرجل نسى, وهو في نشوة استثنائية كمن ينتظر نصراً جديداً خارقاً له, كل الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية الكامنة وراء أي تصرف له من هذا القبيل في داخل العراق وفي منطقة الشرق الأوسط. وهذه العجالة المقترنة بغياب المستشارين العقلاء عن مكتبه لأنها مليئة بالعديد من الإمعات, وضعته وجهاً لوجه مع القضاء العراقي, إذ ارتكب مجموعة كبيرة من الأخطاء الفاحشة التي يفترض أن تقود به إلى القضاء, لو كان القضاء العراقي حراً مستقلاً حقاً. يمكن تكثيف الأخطاء الفاحشة التي ارتكبها رئيس الوزراء بالنقاط التالية:

الخطأ الأول: احتفاظ رئيس الوزراء ومنذ ثلاث سنوات بملفات خاصة بالقضاء العراقي في أدراج مكتبه تتضمن تهماً عديدة موجهة ضد نائب رئيس الجمهورية باعتباره يدير مجموعة من أعوانه وحمايته مارست الاغتيال المباشر ضد خصومه السياسيين وتنفيذها تفجيرات في بغداد وفي غيرها أدت إلى تدمير وقتل الكثيرين بتوجيه مباشر من نائب رئيس الجمهورية وبدعم من التخصيصات الموضوعة تحت تصرف هذا النائب من أموال خزينة الدولة. إن وضع تلك الملفات في خزانة رئيس الوزراء تعتبر مخالفة صريحة يعاقب عليها الدستور العراقي, إذ إن هذا يعني إخفاء معلومات عن جرائم ارتكبت بحق أبناء وبنات الشعب. هذا من جانب ومن جانب آخر فأن عدم اعتقال أفراد هذه العصابة في حينها, إن كانت التهم صحيحة ولا يمكن استبعادها, يمكن أن يكون قد ساعدها على ارتكاب جرائم أخرى بحق أبناء وبنات الشعب. وبهذا يكون رئيس الوزراء قد منع القضاء العراقي من ممارسة دوره الطبيعي في ملاحقة عصابات القتل والتدمير من جهة, واحتمال تسببه في موت آخرين من جهة ثانية.

الخطأ الثاني: عدم اعتراض رئيس الوزراء, وهو المالك لملفات تخص تهماً موجهة ضد طارق الهاشمي, على ترشيح الأخير لمنصب نائب رئيس الجمهورية, رغم معرفته الموثقة بما لديه من معلومات, بأن الرجل متهم بقيادة عصابة اغتيالات, رغم مشاركته بالعملية السياسية!

الخطأ الثالث: قيام رئيس الوزراء ومن خلال أجهزة الإعلام بإعلان قرار إلقاء القبض على المتهم بارتكاب جرائم قتل وتفجيرات دون ترك الفرصة للقضاء في ممارسة صلاحياته, وبالتالي تجاوز, وهو المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية, على صلاحيات سلطة القضاء التي يفترض أن تكون مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية.

الخطأ الرابع: ورغم معرفة رئيس الوزراء بتلك التهم, سمح له بمغادرة بغداد, ولم يسمح للقضاء بممارسة مهمة إلقاء القبض على المتهم الأول والاكتفاء باعتقال بعض أفراد حمايته. وبهذا تجاوز رئيس الوزراء على صلاحيات القضاء واستقلالية قراراته وسمح لمتهم بالإجرام بمغادرة العاصمة بغداد.

الخطأ الخامس: بهذه الإجراءات المنافية للدستور والمتجاوزة عليه أعطى رئيس الوزراء فرصة واضحة لمن يريد أن يقول بأن التهم الموجهة لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هي سياسية بامتياز وليست قضائية. وهو أمر سلبي في غير صالح القضية كلها ولا في صالح العملية السياسية في العراق ومعالجة المشكلات التي أغرقت البلاد بالدماء والدموع وبالكثير من المشكلات الاجتماعية والخدمية, إضافة إلى الفقر والبطالة..الخ.

الخطأ السادس: ومما زاد في الطين بلِة طلب رئيس الوزراء العراقي من رئيس إقليم كردستان تسليم نائب رئيس الجمهورية إلى القضاء العراقي وعبر الإعلام أيضاً, وهو يعرف جيداً إن هذا لن يحصل, لأن رئيس الوزراء ذاته جعلها مسالة سياسية بامتياز, وبالتالي أراد بذلك تعقيد العلاقة مع إقليم كردستان وعرقلة عقد المؤتمر الوطني العراقي, مما جعل رئيس ديوان رئيس الإقليم يصرح بأن الرئيس لن يشترك في المؤتمر إن عقد ببغداد. إذ من يرتكب مثل الأخطاء الواردة في أعلاه يمكن أن يرتكب أخطاء أخرى يزيد الوضع تعقيداً وسخونة.

نحن أمام شخصية سياسية عليلة فكريا وسياسياً. وهذا الاستنتاج يدفع بي إلى التساؤلات العادلة الآتية, بالارتباط مع تتبعي لمجرى الأحداث في العراق وسياساته ومواقفه وأساليب عمله: هل ارتدى الرجل "جبة كبيرة" تفوق حجمه السياسي الفعلي, وبالتالي فهو غير قادر على تحمل مسؤولية قيادة العراق في هذا الظرف العصيب؟ وهل يعاني الرجل حقاً من نزعة طائفية حادة ومقيتة؟ وهل يعاني من نرجسية مرضية؟ وهل يسعى إلى التمسك بشكل استبدادي بالسلطة ويتسم بنظرة استعلائية فارغة وغرور أعمى من خلال قوله من على منبر مفتوح على شاشات التلفزة بما نصه: "هو ليش يگدر واحد يأخذه حتى ننطيها بعد!!"؟ وهل مثل هذا الرجل ملائم لقيادة العراق في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق وشعبه؟ أنا لا أشك بقدرة هذا الرجل على قيادة البلاد فحسب, بل أنا على يقين تام بذلك.
إن حل المشكلة لا يكمن في مصالحة تقليدية بين شخصين أو كتلتين, رغم التناقضات والصراعات التي تطحنهما, إذ إنها ليست الحل بأي حال وهي عملية ترقيع بائسة, لأن الشقوق كثيرة وهي أكبر بكثير من الرقع المتوفرة التي يراد استخدامها لمعالجة الوضع المتردي.

المشكلة أيها السادة, ومن دون أي لف أو دوران, تكمن في النظام السياسي الطائفي السائد في العراق, في المحاصصة الطائفية اللعينة التي تتناقض كلية مع مبادئ الحرية والحياة الديمقراطية ومع الدستور العراقي والمبادئ الأساسية التي وردت فيه بهذا الصدد والتي جلبت لنا من لا يستطيع قيادة البلاد بحكمة وعقلانية. والكتل السياسية الرئيسية لا تريد التخلي عن طائفيتها وعن سلوك المحاصصة في توزيع السلطة التنفيذية. وهي ليست أزمة محلية فحسب, بل وإقليمية تشترك فيها دول الجوار بشكل يومي وكثيف لا يسمح بالتراجع عن مواقفها الراهنة. كما إنها تتشابك مع مشكلات وصراعات على المستوى الدولي من خلال واقع الصراعات المحتدمة والجارية على صعيد الإقليم.

إن قراءة الواقع العراقي تشير إلى إن الأحزاب الإسلامية السياسية التي تدعي تمثيلها لأتباع المذهب الشيعي, رغم كونها غير موحدة بل ومتصارعة, على عكس إدعاءات حسن السنيد, عضو قيادة في التحالف الوطني, في لقاء له يوم 11/1/2012 مع قناة السومرية, رغم أن فيهم من هم عقلاء ويتابعون الخلل في تطور التحالف الوطني ودولة القانون, تريد أن تبقى مهيمنة على السلطة وأن تكون القوة الفاعلة الرئيسية في البلاد وتفرض إرادتها ورؤيتها وحلولها وقراراتها على بقية القوى السياسية, في حين ترى الأحزاب السياسية القومية والإسلامية الممثلة في القائمة العراقية التي تدعي تمثيلها للمواطن العراقي, ولكنها في الواقع تريد تمثيل أتباع المذهب السني, رغم وجود بعض العناصر القليلة التي تتخذ مواقف آخر, تريد أن تزيح هذه القوى الشيعية وأخذ مكانها في السلطة وممارسة الهيمنة على البلاد. والتحالف الكردستاني يقف حتى الآن بين مدينتي نعم ولا, رغم محاولات المصالحة التي لا تغوص في قاع المشكلة وعمقها الحقيقي!

من يستمع إلى تصريحات قوى في طرف التحالف الوطني الشيعي يجد إن اللغة الطائفية طاغية بشكل استثنائي, فحسن السنيد, أحد قادة التحالف الوطني الشيعي, يتحدث في لقاء له مع قناة السومرية بلغة طائفية مقيتة حقاً تعمق الفجوة لا بين الأحزاب الطائفية فحسب, بل وتنقلها إلى القاعدة الاجتماعية إلى الشعب لتؤجج الصراعات بين أبناء وبنات الشعب الواحد.

ومن يستمع إلى تصريحات القائمة العراقية التي تحاول أن تتحدث بلغة عراقية لا سنية, ولكنها تمارس في الواقع لغة بعثية وطائفية سياسية سنية في آن واحد. ويتجلى ذلك بشكل صارخ في تصريحات حيدر الملا, احد النشطاء السابقين المشوهين في أجهزة أمن صدام حسين, إذ يطرح خطاباً سياسياً سيئاً ومثيراً ومشدداً للصراعات الطائفية أو في تصريحات صالح المطلگ الذي لا اعتقد أنه تخلى عن ولائه لعزت الدوري!

ليس هناك من حل سريع للأزمة العراقية الراهنة وليس في مقدور من يريد حل الأزمة مؤقتاً حلها فعلاً لأنها لا ترتبط بالرغبات بل بالمصالح المتناقضة والمتصارعة التي تريد دفع البلاد إلى نزاع فعلي لحسم الموقف إلى أحد الطرفين, وهم يدركون تماماً عجز الطرفين عن تحقيق هذا الهدف غير السليم وغير الواقعي.

ولا شك في أن إيران وقوى إقليمية أخرى من جهة, والسعودية وتركيا وبعض القوى والدول في الخليج من جهة أخرى, تلعب دورها البارز في تشديد هذا الصراع ونقله إلى الشارع العراقي, وهي الخطورة الكبرى في الوضع الراهن المحمل باحتمال انفجار الصراع وتحوله إلى نزاع دموي قاتل في الشارع العراقي.

إن على من يريد حل الأزمة, أن يعالج المشكلة المركزية, ورغم إن المطالبة بانتخابات عامة مبكرة يمكن أن لا تغير من الأمر كثيراً, ولكنها ربما تقنع جمهرة متسعة من بنات وأبناء الشعب بما ينتظرها حين تعيد منح صوتها لمن أخل بما وعد به خلال السنوات الست المنصرمة. إنها الفرصة التي ربما من المفيد أن يخرج بها المؤتمر الوطني العام إن عقد حقاً وناقش المشكلات بجدية ومسؤولية.

 

13/1/2012
 

 

 

 

free web counter