موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل يجري العمل حقاً من أجل تحويل الجامعات إلى حسينيات والأساتذة إلى آخندية؟

 

كاظم حبيب

الخميس 16 /2/ 2006

نشر الأستاذ الدكتور محمد الربيعي خلال الأسابيع المنصرمة مقالين بعنوان "الحرية الأكاديمية وانتهاكات الحرم الجامعي" بحث فيهما الواقع الراهن في الجامعات العراقية في بغداد وفي بقية جامعات الوسط والجنوب. وأشار إلى تلقيه مجموعة كبيرة من الرسائل التي تشير إلى صواب ما طرحه وتسليطه الأضواء على الواقع المزري الذي يعيش فيه أساتذة الجامعات والمعاهد وجمهرة غير قليلة من الطلبة في الحرم الجامعي, وأنها قدمت له نماذج كثيرة عن الاعتداءات المتفاقمة والمتنوعة في أهدافها وأساليبها وعواقبها التي تعرض لها الجامعيون.
يشكل الواقع الجامعي جزءاً من الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع والدولة العراقية, وبالتالي فالأجواء السائدة في الشارع تنعكس دون أدنى ريب على الحياة الجامعية, خاصة وأن هناك قوى كثيرة يهمها تشديد الأزمة التي يعيشها المجتمع من أجل إمرار مخططاتها المناهضة للعلم والثقافة الديمقراطية, وهي تسعى إلى نشر الثقافة الصفراء والغيبيات والأساليب الشمولية في التعليم والفاشية في المضمون في مقابل الثقافة القومية اليمينية والفاشية التي فرضها النظام البعثي طيلة عقود في البلاد.
أود هنا أن أميز بين ثلاث قوى تلعب دورها السلبي الحاد على الصعيد العراقي في حقل العلم والثقافة والعلماء والمثقفين, في مجال الجامعات العراقية. ورغم أن هذه القوى متباينة في انتماءاتها الفكرية والسياسية وفي بعض أهدافها, فأنها تلتقي في ما بينها ببعض أهدافها وسبل الوصول إلى تلك الأهداف وفي المحصلة النهائية لنشاطاتها.
1. قوى الإسلام السياسي المتطرفة التي ترتبط بقوى الإرهاب الدولي والإقليمي والمحلي, قوى القاعدة والجهاد الإسلامي وأنصار الإسلام وغيرها من نفس الطبيعة والسلوكية. هذه القوى تمارس أسلوب القتل العام في البلاد ولا تميز بين الأستاذ والكاتب والعامل والفلاح والسياسي وكل الناس الطبيعيين, إذ أن هدفها الأساس هو بث الرعب والفوضى وتدمير كل شيء في العراق. وهذه القوى تمارس نشاطها بفعالية كبيرة وحرية عالية لأنها محمية من قوى كثيرة تعمل في داخل هيئات الدولة والمجتمع وتلك التي ترتبط بها فكرياً ومذهبياً وسياسياً.
2. قوى البعث الصدامية التي كانت تعمل في أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات والاستخبارات وفدائيي صدام حسين. وهذه القوى تتوجه بالتهديد أو القتل فعلاً صوب ثلاث جماعات في المجتمع وفي الجامعات العراقية بشكل خاص, وهي:
a. ضد البعثيين الذين تركوا البعث وانخرطوا بالعملية السياسية الجارية, وخاصة أولئك الذين يرفضون التعاون معهم حالياً.
b. القوى الديمقراطية التي كانت وما تزال ضد قوى البعث.
c. ضد بعض رموز السلطة من الشيعة لإشاعة الصراع المذهبي في العراق.
3. الميليشيات شبه العسكرية التابعة لبعض قوى الإسلام السياسي المشاركة في العملية السياسية, ولكنها تميل إلى أسلوب الردع والتخويف والسيطرة على المجتمع وعلى الحرم الجامعي. وهذه القوى تسعى إلى فرض إرادتها بكل السبل المتوفرة ولا تتورع عن التهديد بالقتل والضرب والإهانة أو حتى القتل, وهي تمارس ذات السياسة التي مارسها وما زال يمارسها الحرس الثوري في المجتمع والجامعات الإيرانية.
إن المجموعة الأخيرة هي التي تمارس الإرهاب الفكري والسياسي في الجامعات العراقية, في ما عدا كردستان حيث لا تخضع لنفوذها أو حكمها المباشر, بأمل الوصول إلى ما يلي:
• تحويل الجامعات العراقية والمعاهد العلمية إلى حسينيات فعلية لإقامة لصلاة وتنظيم العزاء الحسيني وكأنها جوامع.
• تغيير مناهج التعليم بما ينسجم وفكرها الديني والمذهبي وأهدافها في "غسل أدمغة الناس وتطهيرها من أردان العلم والثقافة الإنسانية والحضارة الحديثة!", وزجها في ثقافة الغيبيات والخرافات وثقافات قرون الجهل والتجهيل العام والشامل.
• إبعاد أساتذة الجامعات والعلماء والمثقفين عن المؤسسات العلمية والجامعات ومراكز البحث العلمي والمجتمع وإفراغها من كل من يمت إلى الحضارة الحديثة بصلة.
• مد الجامعات بجمهرة من رجال الدين والآخندية من خريجي المدارس الدينية أو الملتزمين بهذا المذهب أو ذاك من المذاهب الإسلامية وفق مواقع الجامعات, سواء لبسوا العمامة أم استبدلوها بلباس حديث.
• حرمان الجامعات من حريتها الأكاديمية وفرض الخيمة الإسلامية السياسية والمذهبية المحددة عليها.
هذه هي العملية الجارية حالياً, وهذه هي القوى التي تمارس دورها في دفع العراق إلى أعماق الظلام الفكري, وهي من حيث المبدأ تتكامل مع بعضها لتنتج الخراب العلمي والثقافي والحضاري في البلاد. أما أعمال الفراد القلائل فهي وقتية وستنتهي بانتهاء الفوضى والانفلات الأمني, ولكن لا ينتهي العمل المنظم الآخر الذي يسعى إلى تغيير واقع التعليم وتعميم خيمة فكرية واحدة, تماماً كما كان البعث يريد فعله.
إن سيطرة قوى الإسلام السياسي على زمام السلطة في العراق سيفاقم من هذه المحنة. فالخلاص النسبي من قوى الإسلام السياسي الإرهابية والقوى البعثية الإرهابية يساهم في الوقت الحاضر بتشديد سلطة المجموعة الثالثة التي لا يقل فعلها السلبي عن القوى الأخرى. ومن المؤسف أن أشير إلى أن الوضع سيتدهور أكثر بوصول السيد الجعفري من جديد إلى رئاسة الحكومة العراقية في بغداد, ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذا التيار.
من هنا تأتي أهمية الدعوة إلى عقد مؤتمر علمي لأساتذة الجامعات العراقية وإداراتها للبحث في سبل الدفاع عن الحرية الأكاديمية والحرم الجامعي وعن حياة وحرية الأساتذة وموقعهم اللائق في المجتمع. كيف يمكن تخليص المناهج العلمية الصرفة والإنسانية من تأثير الفكر الغيبي المناهض للعلم والثقافة الحديثة والحضارة الإنسانية.
ومن أجل التحضير لهذا المؤتمر أدعو إلى أن تقوم جمهرة من العالمات والعلماء والمثقفات والمثقفين بإعداد بيان يدعو إلى ممارسة الحرية الأكاديمية وحرية الأساتذة في التعليم وحمايتهم من عنت القوى السياسية المختلفة التي تسمح لنفسها بالتدخل في شؤون الجامعات والمناهج وتسعى إلى ما يسمى "بتطهير الجامعات وغسل الأدمغة!". وأقترح أن يقوم الأستاذ الدكتور محمد الربيعي, وهو من المهتمين بهذا الحقل, بإعداد مسودة البيان الذي يوجه نحو الداخل والخارج ليساهم في الدعوة إلى تشكيل سدٍ منيعٍ في مواجه التيار الغيبي الذي يحاول دفن الحرية الأكاديمية وتغييب الأساتذة والمثقفين الديمقراطيين والعلمانيين.
علينا أن ندرك بأن الخطر داهم ولا يجوز لنا تضييع الوقت في الحوار فقط, بل يفترض أن نتوجه صوب العمل لمواجهة المحنة الجديدة, إذ أخشى أن ندخل في المرحلة التي يبدأ البعض من العراقيات والعراقيين بالترحم على من سبق الوضع الراهن رغم كل الجرائم البشعة التي ارتكبتها النظم القومية اليمينية السابقة, وخاصة الأخير إزاء العلم والعلماء وإزاء الحرية الأكاديمية والحرية الشخصية.
وتبدو لي إمكانية التعاون من أجل الدعوة إلى عقد مؤتمر تمهيدي في الخارج, حيث نمتلك حرية أوسع مما يتمتع به أحبتنا وأخوتنا في العراق حالياً.
علينا أن نكثر مكن نشرنا للكثير من المعلومات المتوفرة عن الواقع الجامعي في العراق وعن التجاوزات المتواصلة التي يتعرض لها الأساتذة أو الطالبات والطلبة بشكل عام من قبل تلك القوى التي تمارس الإكراه والتهديد أو حتى الضرب والإهانة والقتل.