| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 16/12/ 2010

 

رسالة مفتوحة إلى رئيس قائمة التحالف الكردستاني
في إقليم كردستان العراق


الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور فؤاد معصوم المحترم / رئيس قائمة التحالف الكردستاني/بغداد العراق

تحية ودٍ و احترام

وجدت نفسي ملزماً, كمواطن عراقي, أن افاتحكم, ومن خلالكم أعضاءقائمة التحالف الكردستاني كافة وحكومة وشعب وأحزاب كردستان العراق الديمقراطية, بالهموم التي تثقل عليَّ وعلى الكثير من مواطنات ومواطني العراق في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق الحديث.

لقد ناضلنا معاً ضمن قوى ديمقراطية وتقدمية عراقية لسنوات طويلة من أجل سيادة مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والسلام في كردستان والعراق. ولم يكن هذا النضال سهلاً ومرً بمنعطفات حادة وحقق نجاحات وعانى من انكسارات وقدم الكثير من التضحيات الغالية لهذا الغرض. ولا يمكن نسيان التضامن المتين بين القوى الديمقراطية والتقدمية من عرب وكرد وتركمان وكلدان وآشوريين في فترات الحكم الملكي أو في الفترات اللاحقة, وخاصة حين كانت الحركة القومية والديمقراطية الكردية تتعرض إلى التجاوز الفظ والاعتداءات العسكرية والمجازر الدموية من قبل النظم الرجعية أو الفردية والاستبدادية أو حين كانت الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان تتعرض إلى المصادرة في العراق كله.

وقد توفرت فرصة ثمينة, رغم كل التعقيدات, في أعقاب سقوط النظام الدكتاتوري في بغداد في ربيع العام 2003, لبناء عراق مدني ديمقراطي اتحادي تزدهر فيه كل المبادئ الخيرة التي ناضلنا من أجلها وتتحقق الأحلام الطيبة التي راودت خيال وأحلام كل المناضلين الشجعان الذين سقطوا في جبال وسهول ومدن وقرى كردستان العراق, أو في وسط وجنوب العراق وبغداد, أو في سجون المستبدين ومعتقلاتهم, أو الذين احتضنتهم القبور الجماعية والذين غيبوا في مجازر عمليات الأنفال وحلبچة والأهوار والحروب الدموية للنظام البعثي الصدامي المقيت.

ومثل هذه الفرصة التي توفرت لم تستثمر من جانب كل القوى الديمقراطية والتقدمية العراقية من مختلف القوميات لتعزيز صفوفها وتوسيع نشاطها وقاعدتها الاجتماعية والسياسية ولم توحد أهدافها ومهمات نضالها فی المرحلة الجديدة وتطرح بوضوح القواسم المشتركة لما تسعى إليه في أعقاب 2003, بل عمل كل منها منفرداً ومنعزلاً عن النضال المشترك مما أدى إلى مزيد من التباعد في ما بينها وإلى الضعف العام لصالح غيرها من القوى والتيارات الفكرية والسياسية التي تتعارض من حيث المبدأ مع بناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية مزدهرة, دولة المواطنة الحرة والمتساوية حيث تنتعش فيها القوميات العديدة وتحقق أهدافها ومصالحها المشتركة بعيداً عن الطائفية السياسية والمحاصصة والتمييز أو الشوفينية وضيق الأفق القومي.

لقد كان إقليم كردستان في العقود المنصرمة موقعاً مهماً للنضال الوطني والديمقراطي لصالح الشعب الكردي وعموم الشعب العراقي. وما تحقق فيه من منجزات منذ العام 1991, رغم كونها من حيث المبدأ نتيجة فعلية لنضال وتضحيات هذا الشعب الأبي, ولكنها لم تكن بمعزل عن نضال وتضامن وتضحيات الشعب العراقي بکل مکوناته, وخاصة القوى والأحزاب الديمقراطية والتقدمية فيه. وكان لزاماً, كما أرى, على التحالف الكردستاني وحكومة إقليم كردستان والشعب الكردي كله, ولمصلحتهم جميعاً على المدى البعيد, أخذ المبادرة والعمل من أجل وحدة عمل التيار الديمقراطي العراقي العام وتقويته وتعزيز مواقعه على صعيد العراق كله, إذ أن قوى الشعب الكردي وأحزابها الوطنية تعتبر جزءاً أساسياً وأصيلاً منه. ولا أبتعد عن الحقيقة حين أؤكد الحقيقة التالية: أن قوى التيار الديمقراطي هي الضمانة الفعلية لبناء العراق المدني الديمقراطي الاتحادي وضمان حقوق ومصالح وفيدرالية إقليم كردستان العراق والاعتراف له بحقه في تقرير مصيره. ولذلك فأن ضعف التيار الديمقراطي ليس من مصلحة الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية غير الفاشية وغير الطائفية, وبالتالي لا بد من العمل من أجل إيجاد قواسم مشتركة بين جميع مكونات هذا التيار الوطني والديمقراطي للعمل المشترك لصالح الأهداف المشتركة, أهداف الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والاستقرار والسلام في جميع أرجاء العراق الاتحادي.

تشير المعطيات على أرض الواقع في العراق إلى تصاعد حملة منظمة وهادفة إلى مصادرة ما هو متوفر, وهو قليل, من حرية فردية وحقوق أساسية للمواطنين والمواطنات مقترنة بحملة ضد مكونات الثقافة الديمقراطية والتراث الشعبي الديمقراطي وضد حرية المثقفين والمثقفات. وهي بداية خطيرة يمكن, أن لم تُلجم بسرعة وتصميم, أن تتفاقم وتهدد العراق بسيادة الاستبداد الفكري والسياسي والثقافي من جديد على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية العراقية. فم يكن نضالنا المشترك من أجل استبداخ خيمة فكرية شوفينية بخيمة فكرية طائفية بأي حال من الأحوال.

فأوضاع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة ومفهوم المواطنة الحرة في تراجع شديد وتتخذ أبعاداً خطيرة تهدد المجتمع بمزيد من القيود الثقيلة والمحرمات التي لا يمكن تصور حصولها في دولة يتحدث دستورها عن الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة.

إن التضييقات المتفاقمة على الحريات العامة وما حصل ويحصل في محافظات العراق, ومنها البصرة وبابل والأنبار وديالى وبغداد أخيراً وعلى نحو خاص, وما يمكن أن يحصل في بقية محافظات البلاد من إجراءات مماثلة هي بمثابة إنذار خطير لكل القوى الديمقراطية والتقدمية في العراق يؤكد بأن مسيرة العملية السياسية والحياة الحرة والحريات العامة تواجه خطراً مباشراً وشديدا.

إن ما يجري في العراق اليوم يتناقض كلية مع الدستور العراقي وبخلاف ما التزم به العراق أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والوثائق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان, بأن لا يعود العراق إلى الاستبداد والقسوة وقمع الحريات ومصادرة حقوق الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني.

إن ما يجري في العراق على صعيد محافظات بغداد والوسط والجنوب بشكل خاص سوف لن يتوقف عليها, بل سينسحب بطرق عديدة وبأساليب مختلفة ليهدد محافظات كردستان العراق والوضع في كردستان عموماً, فلا يمكن أن يسود على سطح واحد مناخان, كما تقول الحكمة الكردية والمثل الشعبي الكردي.

ولهذا فالسكوت على ما يجري اليوم في بغداد والبصرة وبابل وغيرها غير مقبول ويهدد ما تحقق من مكسب إسقاط الدكتاتورية في العراق, إذ أن ما أخرج بطريق القوة وعبر القوات الأجنبية من الباب, يعود بأساليب أخرى ليلج إلى العراق من شبابيكه ليفرض نفسه على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحت واجهات دينية وستر مهلهلة.

أدرك أهمية حصول الشعب الكردي على مكاسبه الوطنية والقومية وأؤيد ذلك, كما أيدتها في السابق استناداً إلى المبادئ التي اعتمدها في حياتي السياسية منذ ستة عقود. ولكن لا بد من القول بأن هذه المكاسب سوف تتعرض إلى مخاطر جمة إن استمر االتدهور في أوضاع الوسط والجنوب وبغداد.

إن مشاركة قائمة التحالف الكردستاني, وأنتم على رأسها, في مجلس النواب العراقي وفي الحكومة الاتحادية وفي مختلف الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية, يضع على عاتقكم شخصياً وعلى عاتق قائمة التحالف الكردستاني ورئاسة وحكومة وبرلمان إقليم كردستان والشعب الكردي مسؤولية كبيرة في الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان وعن الثقافة الديمقراطية العراقية وعن اتحاد الأدباء والكتاب العراقي, الذي هو خير ممثل للثقافة الديمقراطية والتنوع الثقافي في العراق وعن حرية تدريس كل الفنون في أكاديمية الفنون الجميلة. إن السكوت على ما يجري اليوم في العراق من محاولة لتغييب الثقافة العراقية الديمقراطية والتراث الشعبي الثر لن يخدم أحداً, بل يحملهم مسؤولية تدهور الأوضاع في العراق أيضاً, وهو ما لا نرجوه لقوى التحالف الكردستاني.

أتمنى على قائمة التحالف الكردستاني أن تتصدى بقوة ووضوح ضد كل التجاوزات الجارية على الحياة الثقافية والثقافة الديمقراطية العراقية والحريات العامة والفردية, وأن ترفض قرارات التحريم المخالفة لروح ومضمون الدستور العراقي الصادرة عن مجالس المحافظات وتطالب بإلغائها فوراً, أنها إجراءات تجعل من العودة إلى الدكتاتورية والهيمنة والخيمة الفكرية والسياسية لطرف واحد خطراً ماثلاً أمام الجميع. إنها إجراءات لا تبشر بالخير لكل الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه الدينية واتجاهاته الفكرية الديمقراطية.

أتمنى عليكم شخصياً أن تعملوا لمواجهة ومنع انحدار العراق بطرق مختلفة صوب الاستبداد والقسوة والتعسف الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي, صوب القمع وما ينشأ عنه ويرتبط به من إرهاب وفساد. أتمنى عليكم أن تعملوا, بغض النظر عن وجود تحالفكم ومشاركتكم في السلطة, على إيجاد القواسم المشتركة مع بقية قوى التيار الديمقراطي والحركة الديمقراطية العراقية لتعزيز مواقعها وقاعدتها الاجتماعية والسياسية لصالح مستقبل أفضل للعراق وإقليم كردستان العراق.

أرجو لكم أخي الفاضل موفور الصحة والسلامة والعمر المديد.

مع خالص التقدير والاعتزاز.
كاظم حبيب
 

16/12/2010

 

 

free web counter