| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 16/9/ 2010

 

هل مبادرة علماء النفس في العراق قادرة على حل
أزمة تشكيل الحكومة في العراق؟

كاظم حبيب

بادرت مجموعة متخصصة من علماء النفس في العراق إلى تقديم مقترح جرئ ومسؤول إلى كل القوى السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات وإلى الحكومة ومجلس الناب وجهات أخرى, كما نشر في الصحافة العراقية, تضمن دعوة إلى قبول وساطة هذه المجموعة المتخصصة من علماء النفس السياسي العراقيين للحوار مع كل الأطراف المعنية لحل العقد الراهنة التي منعت إلى الآن تشكيل الحكومة رغم مرور سبعة شهور على انتخاب مجلس النواب العراقي. فقد جاء في المبادرة ما يلي:
" كنا طرحنا مبادرة نشرتها مجلة (الأسبوعية) بتاريخ 5 أيلول 2010، وبثتها وكالة أكا نيوز في اليوم نفسه، نتوسط فيها لحلّ الأزمة السياسية العراقية بوصفنا متخصصين بعلم النفس السياسي وإدارة الصراع في أوقات الأزمات، ومحايدين نقف على مسافة واحدة من الكتل السياسية، يدفعنا إلى ذلك حرصنا على تجنيب البلاد وأهلها ما ينذر بحصول كارثة.

ولقد تم تشكيل فريق علمي تخصصي من شخصيات أكاديمية عراقية، داخل العراق وخارجه، آملين من الأطراف المعنية منحه الفرصة لانجاز مهمته التي تستهدف خدمة هذه الأطراف أيضا". مدركين إن ما يجمع بين القادة السياسيين العراقيين هو اكثر مما يفرّق، وان المشكلة ليست في الصراع نفسه بل في طريقة إدراك كلّ طرف له، وكيفية تعامله معه.. وان الموقف بحاجة إلى وسيط غير مُسيَّس له خبرة في إدارة الصراع وسيكولوجيا الاقناع.. ونرى في هذا الفريق الوسيط المؤهل للقيام بهذه المهمة. آملين من مجلس النواب العراقي والكتل السياسية والحكومة دعوته للمجيء الى بغداد، متطلعين إلى مؤازرة منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين ليكونوا شركاء في تحقيق هذه المهمة الوطنية النبيلة.

إننا بمحاولتنا العلمية التخصصية والمخلصة هذه نكون قد برأنا ذمم مفكّري الأمة وعلمائها من تقديم النصيحة للمسؤولين عن رعيتها، ووضعنا ذنبا ثقيلا في رقاب السياسيين الذين يصدّون عنها."

أني إذ أحيي هذه المبادرة المهمة والفريدة والمخلصة, أؤكد بأن مجالاً علمياً حيوياً نشأ وتطور خلال النصف الثاني من القرن العشرين ولا يزال يزداد دوره وتأثيره في معالجة المشكلات والصراعات المحلية والإقليمية والدولية, فهو علم نظري وتطبيقي مختص بحل النزاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمائية ...الخ, والذي تبلورت فيه العديد من النظريات العلمية والتي استندت إلى دراسات تطبيقية وتراكم الكثير من التجارب الناجحة والفاشلة عبر العقود المنصرمة. وقد نشرت الكثير من الأبحاث القيمة في هذا الصدد, ومنها عن المعهد المتخصص بحل النزاعات في برلين والذي عملت فيه لعدة سنوات.

إن مشكلة الحكم في العراق لا ترتبط بالصراع الطائفي السائد حالياً, ولا بسبب الخلافات والسياسات والمواقف المتراكمة قبل ذاك, ولا بالتدخلات الإقليمية والدولية, حسب, بل وبسبب غياب الثقة التامة بين الأطراف المختلفة نتيجة كل ذلك وغيره وبسبب انعدام الصراحة والشفافية والقدرة على المساومة المحسوبة للوصول إلى حلول ترضي الأطراف المختلفة, دون أن تخل بكرامة هذا الطرف أو ذاك أو تعرض مصالح أحد الأطراف إلى الخسارة لصالح الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى.

إن الوساطة وإدارة الصراع والتفاوض المرن والعقلاني والتحري عن حلول تساومية عقلانية ومقبولة من جميع الأطراف علم وفن وخبرة متراكمة وحصافة سياسية متميزة لا يملكها بالضرورة المتفاوضون لأسباب غير قليلة, سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم نفسية, في حين يكون في مقدور الفريق الوسيط طرح مقترحات حلول تدرس وفق أسس ديمقراطية مجربة وعبر النقاش الهادئ والبعيد عن التوتر حيث يتم في ضوئها الحل الذي يمكن ان يرضى به الجميع دون خسارة مصالح أو كرامة من هذا الطرف أو ذاك.

إن المقترح المقدم من الأخوة علماء النفس في العراق مسؤول حقاً ويرغب جاداً في إيجاد حل للأزمة الراهنة المتعددة الجوانب, ولكنها في الوقت نفسه محاولة جادة وضرورية لحقن الدماء وإنهاء الأجواء التي تساعد الإرهاب على الاستمرار في قتل الناس وتخريب الممتلكات وإيقاف عملية التنمية والتشغيل. إن المبادرة تدفع باتجاه التصدي لتمزيق النسيج الوطني المهلهل حالياً بفعل الواقع العراقي القائم والتركة الثقيلة للعقود المنصرمة.

إن رفض هذه المبادرة من أي طرف كان لا يعني سوى القبول بالواقع الراهن, باستمرار الأزمة واستمرار الموت اليومي للعراقيات والعراقيين, ولا يعني سوى تحمل النخب السياسية الحاكمة المسؤولية الكاملة عن الدماء التي تسيل على أرض الوطن والدموع التي تنهمر من عيون الثكالى من الأمهات والزوجات والأيتام.

إن مبادرة العلماء قادرة على حل المعضلة لو أتيح لهم ممارسة دور الوسيط فعلاً ولو توفرت الإرادة الحقيقية لدى الأطراف المعنية وليست الموافقة الشكلية لحل المعضلة على وفق دور هذا الفريق.

 


16/9/2010
 

 

free web counter