| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 16/3/ 2006

 


 


الفراغ السياسي الراهن وعمليات القتل الجماعي في العراق

 

كاظم حبيب

الأزمات الكثيرة تضغط بثقلها على الإنسان العراقي, أزمة وقود, أزمة كهرباء, أزمة نقل, أزمة خدمات صحية, أزمة عمل وبطالة خانقة لنسبة علية من القوى القادرة على العمل, أزمة فساد مالي سائد في الدولة والمجتمع, أزمة ثقة بالنفس وبالآخر, أزمة عجز أجهزة الدولة عن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد, وأزمة خوف من موت مرتقب يتصيد الناس في كل مكان. أزمات ومحن كثيرة تثقل كاهل الإنسان العراقي. ثم تفجرت الأزمة السياسية بين أطراف العملية السياسية العراقية. لم تكن هذه الأزمة مفتعلة, بل تجسد حقيقة الوضع في العراق. فقد رشح إلى رئاسة الوزارة شخصية عراقية ساهمت في النضال مع بقية القوى السياسية العراقية ضد النظام الصدامي وعمل خلال السنوات الثلاث المنصرمة مع بقية القوى السياسية العراقية في مجلس الحكم الانتقالي وفي مجلس رئاسة الدولة ثم أصبح رئيساً للوزراء. ولكنه برهن خلال السنة المنصرمة على أنه ليس الرجل القادر على:
1. تحقيق وحدة أعضاء مجلس الوزراء من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والتفافهم حوله, وأن يجعل منهم فريقاً واحداً يسعى إلى تحقيق ما يفترض تحقيقه من البرنامج الذي طرحه لسنة واحدة. لقد تميز بالفردية والخطب الرنانة داخل وخارج مجلس الوزراء التي أحالت مجلس الوزراء إلى اجتماعات باهتة الخطيب الأول فيها والأخير هو الدكتور الجعفري.
2. فشل في كسب ثقة القوى السياسية العراقية المختلفة, بل ساهم في إثارة بعضها ضد البعض الآخر محاولاً استعادة أحداث الماضي بصورة مشوهة, مما دفع بغالبية القوى السياسية إلى عدم تأييد ترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء, حيث بدأت تفجرت الأزمة التي كان بالإمكان إيقافها بإعلان انسحابه لصالح زميل أخر من قائمة الائتلاف العراقي الموحد.
3. تميز بالعجز عن اتخاذ القارات الصائبة لمواجهة الأحداث الجارية والتصدي لها, كما فشل في منع موت المزيد من العراقيين وإيقاف ولو نسبي للفساد المستشري في أجهزة الدولة والمجتمع. لقد قتل الإرهابيون المجرمون مئات العراقيات والعراقيين على جسر الأئمة دفعة واحدة وقتلوا 60 إنساناً في مدينة الصدر وأجهزوا في يوم واحد على أكثر من 80 إنساناً وقتلوا المزيد من الصحفيين, إضافة على الجريمة البشعة التي ارتكبت في سامراء وضد الحرم الشريف للإمامين على الهادي والحسن العسكري. وفي فترة حكمه ظهرت فرق الموت في وزارة الداخلية التي قتلت الكثير من العراقيين واتسع تأثير ودور المليشيات المسلحة الخاصة بالأحزاب والقوى الإسلامية السياسية, الشيعية منها والسنية, التي تزيد الوضع سوءاً وتعمق وتشدد الصراعات الطائفية.
4. استشرى الفساد المالي والوظيفي في فترة رئاسته لمجلس الوزراء بسبب ضعف اهتمامه بهذه المشكلة التي ترهق كاهل الميزانية والمجتمع العراقي وتضعف الثقة بالجميع. إن هذا لا يعني بأي حال التشكيك بالسيد الجعفري ونزاهته, فهو ليس موضوعي, بل بساسته التي عجزت عن التصدي الجاد لهذه المشكلة رغم قصر فترة وزارته. وهي مسؤولية مشتركة مع بقية الوزراء.
5. استشرت الطائفية في أجهزة الدولة وفي المجتمع, كما استطاعت منظمات سياسية طائفية تسهم بتشديد الصراع بين العراقيات والعراقيين على أساس طائفي.
6. ازداد ثقل وتأثير إيران السياسي والأمني في جنوب العراق وفي البصرة على نحو خاص واتسع تدخلها في شؤون العراق الداخلية, وسعى أخيراً إلى جر تركيا لهذا الصراع بزيارته الأخيرة غير المتوقعة لتركيا.
7. ورغم التشغيل النسبي, فأن البطالة ما تزال ترهق كاهل الشعب العراقي وتزيد من مصاعب الحياة وتدفع بالكثير من الناس إما إلى أحضان الإرهابيين والتكفيريين وأتباع الدكتاتور الإرهابي صدام حسين, وإما إلى قوى سياسية إسلامية متطرفة لا تختلف كثيراً عن قوى العيارين في العراق العباسي وما بعده, وإما إلى السقوط في أحضان الكآبة والحزن والغوص في الخرافات والغيبيات.

هموم ثقيلة تجثم على صدر الإنسان العراقي وأسئلة كثيرة تدور في باله وهو يواجه هذه الأزمة في ما بين القوى السياسية العراقية الراهنة ومحنة المجتمع مع هذه القوى السياسية التي اعتادت على الصراع في ما بينها بدلاً من التفكير الهادئ والموضوعي بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي عقلاني وواقعي يسمح لها بوضع أجندة وطنية عراقية للسنوات الأربع القادمة يتفق عليها الجميع وتشكل قاسماً مشتركاً بين جميع أطراف التحالف السياسي, وطرح أسماء شخصيات يتفق عليها الجميع أو الغالبية العظمى من القوائم العراقية الممثلة في البرلمان العراقي الجديد لتوزيع المناصب وتشكيل حكومة وحدة وطنية عريضة تضع حداً لحالة التفكك والانهيار الجاري في مؤسسات الدولة وعجزها عن مواجهة متطلبات الوضع الراهن. فالإنسان العراقي يواجه حالة فراغ فعلية في الساحة السياسية العراقية ويقف حائراً ومذعوراً أمام هذه القوى السياسية التي تتناحر في ما بينها على رئيس وزراء برهن على فشله وعجزه عن إدراك حقيقة الوضع في العراق ولكنه يصر ويتشبث بمركزه كالغريق الذي يتشبث بقشة يعرف عواقب تشبثه, في حين يرى ويسمع بأم عينيه سقوط الضحايا يومياً وبالعشرات, وهو الوزير الأول, وكأن هذه الضحايا ليست من البشر وتستوجب منا جميعاً التفكير بهم قبل التفكير بالمركز الذي يحتله هذا الفرد أو ذاك, وكأني, أسمعه يقول, الأعمار بيد الله وكل يموت بأجله!

إن القوى السياسية العراقية, شاءت ذلك أم أبت, وخاصة تلك التي تصر على الجعفري أو التي تسيّر المظاهرات في الوسط والجنوب لصالح الجعفري, تسهل مهمة قوى الإرهاب المجرمة من أتباع الدكتاتور المخلوع صدام حسين, الذي يقف في محكمة الجنايات ويتحدى المجتمع العراقي كله ويدعي كونه ما يزال رئيساً للجمهورية العراقية ومنتخباً باستفتاء شعبي وقائداً عاماً للقوات المسلحة, وتلك القوى المتوحشة لقوى الإسلام السياسي المتطرفة والتكفيرية وغيرها من قوى الإرهاب, التي تجد فرصتها الذهبية بهذا الفراغ السياسي للانقضاض على الشعب العراقي وقتل المزيد من نسائه ورجاله.
إن المفاوضات الجارية تبشر, كما أشار إلى ذلك المؤتمر الصحفي السريع الذي عقد يوم أمس بعد اجتماع الأطراف الممثلة في البرلمان الجديد, بالخير والوصول إلى اتفاق حول نقطتين, وهما:
1. أجندة وطنية مشتركة.
2. حكومة وحدة وطنية عريضة يقبل بها جميع الأطراف المتحاورة.
وهو الحل الوحيد للمشكلة الراهنة وإلا فسيعم الإرهاب جميع أرجاء البلاد, خاصة وأن المبادرة ما تزال بيد الإرهابيين ولم تنتقل إلى أيدى القوات الحكومية والقوات الأجنبية المشاركة في مناهضة الإرهاب في العراق.
كم أتمنى على الدكتور الجعفري أن يفكر بالشعب العراقي وبالضحايا التي تتساقط نتيجة استمرار الأزمة والعجز عن حلها السريع بسبب تشبثه بالترشيح لرئاسة مجلس الوزراء قبل أن يفكر بمركزه وليبرهن للجميع بأنه أكبر من هذا المركز, فهل سيحصل ذلك؟