موقع الناس     http://al-nnas.com/


الرأي الآخر:
 

هل يختلف العرب وغيرهم عن الكرد في الموقف من العلم العراقي الراهن؟

 

كاظم حبيب

الخميس 16 /2/ 2006

منذ سقوط نظام البعث العفلقي-الصدامي في العراق في ربيع العام 2003 رفضت نسبة عالية من نساء ورجال الشعب العراقي من مختلف القوميات رفع العلم العراقي أو السير وراءه. وكان الكرد أكثر جرأة في التعبير صراحة عن هذا الموقف وممارسته فعلاً برفضهم رفع علم البعث في ربوع كردستان ورفعهم علم كردستان, بسبب عدم الاتفاق مع القوى الأخرى على علم جديد حتى الآن. والسؤال المنطقي الذي يفترض أن يطرحه العراقيون على أنفسهم هو: لماذا اتخذت قيادة الشعب الكردي هذا الموقف؟ هل هو رفضاً للوحدة مع العراق وللعلم العراقي وموقفاً انفصالياً من قبل الكرد, أم أن الموقف صائب في جوهره؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال وعلى القراء الحكم بموضوعية في الموقف من العلم العراقي الراهن؟
كلنا يدرك بأن العلم العراقي الراهن اتخذ صيغته الحالية خلال مرحلتين, وهما:
المرحلة الأول: وضع العلم العراقي من قبل النظام البعثي - القومي الجديد الذي جاء بانقلاب دموي ضد جمهورية تموز الأولى وعلى أساس قيام الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق التي حاول البعثيون والقوميون في عام 1963 دفعها إلى الوجود وماتت على أيدي البعثيين والقومين أنفسهم رأساً وفي الفترات اللاحقة أيضاً. وقد تضمن النجوم الثلاث التي كان يراد لها أن تعبر عن تلك الوحدة الثلاثية التي تتم.
المرحلة الثانية: عندما بدأت الحرب العراقية – الإيرانية وعند سعي الدكتاتور والعسكري الخائب صدام حسين كسب الرأي العام العربي والإسلامي في سائر أرجاء العالم إلى جانبه فكتب كلمتي "الله أكبر" على العلم وبين النجمات الثلاث وبدمه, وبالتالي كانت طريقة فجة أساء فيها إلى اسم الله والإسلام.
وعلينا أن نتساءل: بماذا يذكر العراقيات والعراقيون استمرار وجود ورفع العلم العراقي الراهن؟
إنه يذكرهم بما يلي من الوقائع والحقائق:
1. فباسم هذا العلم والوحدة العربية قتل عبد الكريم قاسم ورفاقه وقتل المئات من العراقيات والعراقيين الشيوعيين والديمقراطيين ومن مختلف الأديان والمذاهب في العراق في انقلاب عام 1963 ودون تقديم أياً منهم إلى المحاكمة.
2. وتحت هذه الراية الخائبة مارس النظام الصدّامي خمس سياسات عدوانية, وهي:
أ) سياسة استبدادية قمعية عامة وشاملة.
ب) وسياسة عنصرية قمعية ضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى.
ج) وسياسة طائفية مقيتة وممارسة التمييز المتعدد الأوجه.
د) وسياسة مناهضة حقوق المرأة وسلب إرادتها.
هـ) وسياسة عسكرية عدوانية نحو الخارج.
3. وتحت هذه الراية البعثية سار الجيش العراقي في حروب متتالية شوفينية مقيتة ضد الشعب الكردي على امتداد حكم البعثيين ثم القوميين ثم البعثيين, وباسمها شنت حملات الأنفال وحلبچة وغيرها من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي بكل مكوناته. وتحت علم يحمل اسم الله قتل النظام عشرات ألآلاف من العرب المسلمين من أتباع المذهب الشيعي في الوسط والجنوب ومن الكرد الفيلية.
4. وتحت هذه الراية أيضاً وباسم حماية الجبهة الشرقية للأمة العربية شنت الحرب ضد الشعب الإيراني التي دامت ثماني سنوات عجاف ومريرة على الشعبين والمنطقة.
5. وباسم الوحدة والأمة العربية قام النظام بغزو الكويت واحتلال أرضه وفرض الاحتلال على شعبه والتسبب بالحصار الاقتصادي وحرب الخليج الثانية وتدمير حقيقي للبنية التحتية للاقتصاد العراقي.
وقد بلغ عدد ضحايا هذه الحروب أكثر من مليون ونصف المليون إنسان, إضافة إلى المئات من مليارات الدولارات الأمريكية.
6. وباسم هذه الراية اعتقل النظام وسجن وعذب وأقام المقابر الجماعية للعراقيات والعراقيين والكويتيين على امتداد أرض العراق الاتحادي, وهي تضم رفات مئات الألوف من الناس الأبرياء من مختلف القوميات وخاصة من الكرد والعرب ومن مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية.
7. وباسم هذه الراية تقوم اليوم جمهرة من البعثيين من أجهزة النظام السابق وبعض القوميين بعمليات إرهابية دموية ضد الشعب العراقي لإيقاف مسيرته في إعادة البناء والتقدم.
8. كما أن العلم بعد كل ذلك كان محاولة لخدع الشعب العربي في سائر أرجاء العالم وكأن النظام كان يسعى إلى الوحدة العربية, في حين كان النظام ضد إقامة الوحدة العربية ما لم تكن تحت سيطرته, وسعى عبر الحرب لقهر إرادة الشعب الكويتي بحجة الوحدة مما تبلور في تأييد جمهرة من القوميين لهذا الغزو معتبرين إياه بداية لإقامة الوحدة العربية وتنفيذ شعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالد!".
9. وأخيراً وليس أخراً لا يعبر هذا العلم عن مكونات الشعب العراقي القومية ولا عن أرضه وخصائصه.
ومن هنا يمكنني الإجابة عن الأسئلة في أعلاه بالقول: إن رفض رفع العلم العراقي الراهن لا يشكل رفضاً من جانب الكرد لعلم وطني عراقي موحد, وليس تعبيراً عن رفض الوحدة مع العراق, فهو الاختيار الراهن للشعب الكردي وقيادته, وبالتالي فهو ليس بحركة انفصالية, بل يجسد وعياً بالمسؤولية وأدركاً لطبيعة النظام السابق وعلمه وطبيعة مكوناته.
ولهذا أجد نفسي متفقاً مع كل الذين يرفضون رفع هذا العلم في المحافل المختلفة باعتباره علم العراق الرسمي. لقد كان في مقدور المسؤولين العراقيين منذ سقوط النظام اختيار علم آخر أو اختيار العلم العراقي الجمهوري الذي عبر في حينها عن مكونات الشعب العراقي خير تعبير. وكان تقدير السيد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني سليماً وواضحاً وعادلاً في آن في إجابته عن سؤال مراسل قناة الفضائية العربية حول الموقف من العلم العراقي والذي بث في 10/2/2003.
والآن هل يمكن وضع علم عراقي جديد يوحد جميع العراقيات والعراقيين حوله؟
نعم هذا ممكن تماماً, وقد نشرت وزارة الإعلام, كما صدر عن الجمعية الوطنية السابقة دعوة لمشاركة الفنانات والفنانين في العراق والخارج إلى وضع علم عراقي جديد يعبر عن واقع العراق الجديد؟ وفي هذا الأمر أحاول أن أدلو بدلوي المتواضع لأقترح مكونات هذا العلم العراقي الجديد: أرى إمكانية وضع علم عراقي جديد يعبر ببساطة كبيرة عن الرموز الأساسية للشعبين العربي والكردي وبقية القوميات, أي يجسد حقيقة أرض وفضاء هذا الشعب. أرى أن يتضمن ثلاثة مكونات جوهرية, وهي:
• الشمس المشرقة دوماً على أرض العراق وهي رمز الشعب الكردي وكردستان أيضاً.
• النخلة الباسقة دوماً التي تعبر عن وسط وجنوب العراق وهي الثمرة الطيبة والمعطاءة دائماً والغذاء لنسبة عالية من السكان على مدى تاريخ العراق.
• النهر الذي يعبر عن مياه دجلة والفرات والزابين وفروعهما ومرورهما بكل الأرض العراقية عبر كردستان والموصل وصولاً إلى شط العرب فالخليج. إنه الماء الذي يشكل أكثر من 70 % من جسم الإنسان وهو المطهر لجسم الإنسان الذي يعتمده كل البشر ومنهم الصابئة المندائية.
الشمس والنخلة والنهر تشكل رموزاً للجميع وتمتد عبر تاريخ المنطقة بأسرها. وسيلقى مثل هذا العلم القبول لدى العراقيات والعراقيين من مختلف المكونات القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية. وصياغته بصورة فنية ليست معقدة بل سلسلة يمكن لكل منا تصورها, إلا أن الفنانات والفنانين سيبدعون في تشكيله.
ولكن السؤال الآخر الذي يدور في بال الجميع ويستوجب الإجابة عنه هو: هل يحق لإقليم كردستان رفع علم كردستان بجوار العلم العراقي الجديد عند إقراره؟
نعم, هذا ممكن أيضاً, إذ أن جميع مكونات الجمهوريات الاتحادية تحمل على سارياتها علم الجمهورية الموحد وبجواره علم الفيدرالية المعينة. كان هذا موجوداً في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية, وهو معمول به حالياً في جمهورية ألمانيا الاتحادية وفي غيرها من الدول التي تقوم على أساس اتحادي, وليس في هذا أي إساءة للعلم الوطني الموحد ولا إخلال بقواعد العمل الخاصة بالأعلام الوطنية والقومية والإقليمية. ويمكن أن يحصل هذا على نطاق المحافظات الأخرى العربية التي يمكن أن يكون لها علمها الإقليمي أيضاً في حالة تشكل إقليم عربي إلى جانب إقليم كردستان على أرض العراق.
لندعو الفنانات والفنانين العراقيين مرة أخرى لتقديم مشروع علم عراقي يوحد القوميات العراقية حوله ولا يمنعها من رفع أعلامها الإقليمية بل يوطد العلاقة والوحدة الوطنية والأخوة في ما بينها.

نشر في جريدة المدى البغدادية بتاريخ 15/2/2005