| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 15 /1/ 2007

 

 

هل تنجح حكومة المالكي في إنجاز مهماتها؟


كاظم حبيب

(1)
يقترب العراق من العام الرابع على نهاية الدكتاتورية البغيظة، كما يقترب من نهاية العام الأول على تولي السيد نوري المالكي رئاسة الوزراء. وهي أول حكومة منتخبة وضعت لنفسها برنامجاً توافقياً بين جميع القوى والأحزاب والقوائم التحالفية المشاركة في الحكومة ووفق مهمات أساسية محددة. ولكن هذه المهمات الأساسية التي أوكلت لكل المسؤولين السابقين والجدد لا تزال غير منجزة وتنتظر الانجاز، مع حقيقة أن صبر أفراد المجتمع بدأ ينفد، إذ أن الإنسان الاعتيادي لا يجد أي تغيير في أوضاعه الكارثية التي تتسبب بها قوى الإرهاب المجرمة وعوامل أخرى كثيرة.
إن غالبية الشعب العراقي لا تزال تعاني عواقب الانفلات الأمني وفوضى السياسة والعمليات الانتحارية لقوى الإرهاب التكفيرية والصدامية وعصابات الجريمة المنظمة، وأن الغالبية العظمى من أفراد المجتمع العراقي تعاني نقصاً كبيراً جداً في الخدمات العامة وكل اللاءات تنطق بها غالبية الألسنة العراقية.. لا ماء.. لا كهرباء .. لا هواتف... لا أمن.. لا استقرار أو اطمئنان ولا هم يحزنون.

وتعاني جمهرة متعاظمة من الناس بطالة خانقة تزيد من بؤس الناس وفاقتهم وكراهيتهم للوضع وعدم ثقتهم بالحكومة.
وفوق هذا وذاك تسود حالة الفساد المالي والإداري حياة الدولة والمجتمع في جميع محافظات العراق في الوسط والجنوب، مع وجود بطالة مقنعة وعالية في كردستان العراق إضافة إلى وجود الفساد المالي والإداري في هذا الإقليم أيضاً.
ويهيمن الصراع والنزاع الطائفي السياسي على الساحة السياسية العراقية ويلتهم بنيرانه المواطن الاعتيادي ويزهق أرواح الناس وأموال المجتمع ويحرمه من حياة هادئة.
نتوقف عند هذا الحد، إذ أن قائمة النواقص والمصاعب الحياتية لكل الناس تقريباً طويلة ومؤلمة.

(2)
تعهدت الإدارة الأمريكية وقواتها المسلحة أمام الأمم المتحدة والرأي العام العالمي بحماية أمن العراق من عبث قوى الإرهاب المتسللة من دول الجوار أو القوى الإرهابية العراقية الناشطة في البلاد. وتعهدت حكومة المالكي ببسط سيطرتها ونشر الأمن وتحقيق الاستقرار وإنهاء الوجود المسلح للمليشيات الطائفية وتصفية قوى الإرهاب وتأمين الخدمات وتوفير فرص عمل للناس العاطلين والراغبين في العمل ومكافحة الفساد، ولكن بشكل خاص تنشيط المصالحة الوطنية. ولكن لا الإدارة الأمريكية ولا حكومة السيد المالكي استطاعتا تحقيق ما التزمتا به، بل استمرت طاحونة الموت اليومي فاعلة على أوسع نطاق ممكن. ومما زاد في الطين بلة تلك الأخطاء الفادحة والمتواصلة التي وقعت بها الإدارة الأمريكية والقادة العسكريون الأمريكيون في العراق، وعجز الحكومة العراقية عن إيقاف تلك الأخطاء أو التصدي لها أو تقليص الأخطاء التي وقعت بها الحكومة ذاتها. وبما أن الإدارة الأمريكية والحكومة لم تحترما الكلمة التي التزمتا بها فقد وقع ما يلي: استهانة القوى المناهضة للعملية السلمية بقرارات الإدارة الأمريكية والحكومة وعدم خشيتها منهما من جهة، وانهيار صدقيتهما أمام أنظار الغالبية العظمى لدى الشعب، خاصة أن الممارسات الطائفية العدوانية والتمييز والفساد قد تفاقمت بدلاً من تقلصها. وإذ اعترف رئيس الإدارة الأمريكية بأخطائه الفادحة وتحملها شخصياً، فان على الحكومة العراقية أن تمتلك الشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها خلال السنة المنصرمة، وخاصة في مجالات المصالحة الوطنية وحل المليشيات والفساد المالي ..الخ.

(3)
نحن الآن أمام سؤالين، الأول هو: ما المهمات التي يفترض إنجازها من قبل حكومة المالكي بعد نشر الاستراتيجية الأمريكية الجديدة؟ أما السؤال الثاني فهو: هل في مقدور الحكومة العراقية الراهنة تحقيق ما بذمتها من تعهدات أمام الشعب والعالم؟
إن المهمات المركزية التي تواجه المجتمع العراقي تقع مباشرة على عاتق الحكومة العراقية وعلى عاتق كل القوى السياسية المشاركة في الحكم. ولا يمكن أن تأخذ القوات الأمريكية ولا غيرها هذه المهمات على عاتقها، إذ أن هذا سيقود إلى الفشل أيضاً.
المهمات المركزية التي تواجه الحكومة العراقية ذات ستة أبعاد، إنها البعد السياسي، وأعني به المصالحة الوطنية التي تزداد أهميتها وضرورتها يومياً وإلغاء بعض القر ارات والقوانين التي صدرت بعد سقوط النظام وتعرقل عملية المصالحة. ثم البعد الأمني الذي يستوجب ممار سة الحكومة له بمختلف أجهزتها الأمنية. والبعد العسكري، أي قيادة العمليات العسكرية ضد قوى الإرهاب وضد المليشيات الطائفية المسلحة التي ترفض نزع سلاحها وتسليمه إلى الحكومة، إضافة إلى الحوار السياسي مع دول الجوار ومواجهة تسلل الإرهابيين من بعضها إلى العراق، وخاصة من إيران وسوريا. ثم البعد الاقتصادي الذي يفترض توفير الخدمات الأساسية وتوفير فرص عمل للعاطلين عنه والراغبين فيه وتحسين مستوى معيشة السكان الكادحين. والبعد الإعلامي الداخلي والخارجي، أي العربي والإقليمي والدولي، وأخيراً البعد الإصلاحي لأجهزة الإدارة والمال ومكافحة الفساد السائد في البلاد.

(4)
المهمات ثقيلة جداً ولا يمكن تصور النجاح فيها بين ليلة وضحاها، بل ستأخذ وقتها المناسب. ولكن في قناعتي، وبرغم المجازفة في الإجابة عن هذا السؤال، أرى أن حكومة المالكي التي أدركت مجموعة من القضايا الأساسية سوف تسعى إلى ممارسة وجهة جديدة في العمل يمكنها أن تقود إلى النجاح. فهي قد أدركت ما يلي:
إن هناك حاجة ماسة إلى تشكيلة حكومية جديدة وبشخصيات أكثر انسجاماً والتزاماً وقدرة على تحقيق المهمات.
والحاجة ماسة جداً إلى ممارسة العمل الجماعي المشترك لمجلس الوزراء والمشاورات المستمرة من دون الإبطاء بتنفيذ ما يفترض تنفيذه ومتابعة تنفيذ القرارات.
وأن الوجود الأمريكي والأجنبي عموماً يفترض أن ينتهي بأسرع وقت ممكن، ومن ثم فليس هناك من وجود دائم. ومن هنا يفترض أن تسعى الحكومة العراقية إلى توفير مستلزمات النهوض بالمهمات المختلفة والتهيئة لإنهاء الوجود الأجنبي في العراق.
وأن الطائفية السياسية المهيمنة على الشارع السياسي العراقي ينبغي له أن يسقط من خلال التخلي عن ممارسة سياسة طائفية أو تمييز ديني وطائفي أو قومي، والذي يفترض أن يجد تعبيره في عمل الوزارات والوزراء والمسؤولين كافة.
وأن الحاجة ماسة إلى مشاركة الناس في دعم إجراءات الحكومة، ومن ثم فان استعادة ثقة الناس بالحكومة مسألة مركزية.
ولا يمكن مواجهة الإرهاب مع استمرار وجود المليشيات الطائفية المسلحة واختراقها أجهزة الدولة العسكرية والسياسية، ومن ثم لا بد من القيام بعملية واسعة ضد هذه المليشيات لنزع أسلحتها وتقديم المجرمين منهم للعدالة.
ويفترض أن تقوم الحكومة بمنع دعم وزراء معينين وقوى سياسية مشاركة في الحكم لقوى طائفية سياسية مسلحة التي تطرح مواقف متباينة جداً عن سياسة الحكومة وتدعو إلى العنف في مواجهة قوى الحكومة أو حتى القوات الدولية المساندة للحكومة العراقية وما تزال موجودة بموافقتها. إن فشل الحكومة يمكن أن يبدأ بسبب عمل هذه المجموعات الموجودة في السلطة وتهديمها الأرضية التي تقف عليها الحكومة والسياسة التي تمارسها وعدم مواجتها بصرامة وحزم تامين.

(5)
إن الحكومة قادرة في العام الراهن، عام 2007، أن تنجز العديد من المهمات المركزية، وخاصة في مجالي السلم الأهلي وتحقيق المصالحة وعزل المتزمتين الرافضين لها شعبياً ووقف الإرهاب.
إن الحكومة العراقية بحاجة إلى استراتيجية خاصة بها وإلى تكتيكات سياسية عملية وملموسة، سواء أكانت سياسية أم أمنية وعسكرية أم اقتصادية وإعلامية وإصلاحية، إذ أن الاستراتيجية الأمريكية لم تتضمن فعلياً سوى الجانب العسكري والتي تجلت في زيادة القوات العسكرية بـ 21500 مقاتل وإلى زيادة الأسلحة وتحديثها. في حين أن العراق بحاجة إلى عمل سياسي وإعلامي كثيفين ودؤوبين على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، إلى جانب العمليات الأمنية والعسكرية القتالية والنشاط الاقتصادي.
لا يجوز أن تفشل الحكومة هذه المرة، إذ أن فشلها كارثة حقيقية على المجتمع العراقي، وعلى الجميع مد يد العون لإنجاح المساعي الدافعة باتجاه المصالحة الوطنية وحل المليشيات المسلحة وعزل القوى الطائفية السياسية المصرة على نهجها الطائفي التمييزي وتلك القوى التي ترفض المصالحة ونزع أسلحتها وحل المشكلات الاقتصادية وتوفير الأجواء المناسبة لخروج سريع وهادئ للقوات الأجنبية من العراق.

المدى - 15 /1/ 2007