| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 15/10/ 2006

 

 

رؤية حوارية
 

هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية 

وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟

( 2-2 )

 

كاظم حبيب

ما هي العلاقة الفعلية بين إرهاب الإسلام السياسي المتطرف المتفاقم حالياً وبين السياسات العولمية للدول الرأسمالية المتقدمة؟ هل هناك علاقات مباشرة أم غير مباشرة؟ وهل هناك اعتراف بوجودها من جانب الدول المتقدمة أم إنكار مستمر لها؟ وهل يمكن تجاوزها والتغلب عليها؟ وما هي مستلزمات ذلك؟ هذه بعض الأسئلة التي نسعى للإجابة عنها في هذه المقالة المكثفة.
لا نأتي بجديد حين نقول بأن عالمنا الرأسمالي المعاصر يتكون من مركز متقدم يتشكل من مجموعة صغيرة من الدول الرأسمالية المتقدمة التي يقل عددها عن 10 % من مجموع دول العالم, ونسبة لا تزيد عن 20 % من سكان العالم من جهة, ومن مجموعات كبيرة من الدول تشكل محيطات متباينة في مستويات تخلفها في القوى المنتجة وفي طبيعة علاقات الإنتاج السائدة فيها تقع وتتحرك حول المركز في دوائر متباينة في بعدها أو قربها عن المركز, أي بلدان تتباين في مستوى تخلف القوى المنتجة المادية والبشرية وفي طبيعة ومستوى تطور علاقات الإنتاج السائدة فيها, وفي مستوى تقدمها الاقتصادي والعلمي والتقني والتعليمي والثقافي, ومستوى وعيها وتنورها الاجتماعي والديني, وكذلك في مستوى أو معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي في السنة من جهة أخرى. وهذه المجموعات الكبيرة من الدول التي تشكل أكثر من 90 % من مجموع دول العالم, كما تشكل نسبة تزيد عن 80 % من سكان العالم. هذه الحقيقة القائمة تعترف بها جميع الإصدارات الرسمية للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والإشكالية لا تبرز في الاعتراف بهذا الواقع, بل في الأسباب الكامنة وراء ذلك وسبل معالجة هذه الحالة المتفاقمة حيث تتسع الفجوة والهوة بين المجموعتين من الدول. يضاف إلى ذلك عدم اعتراف العديد من الدول الرأسمالية المتقدمة تكمن بالعواقب الوخيمة التي تنجم عن هذا الانقسام الكبير في العالم الراهن وعدم السعي نحو تقليصه بسياسات مطلوبة الصعيدين الإقليمي والعالمي. إذ أن هناك الكثير من المعطيات الرقمية التي تبين بوضوح تفاقم الفجوة, وهي الإشكالية التي تواجه شعوب ودول العالم في القرن الحادي والعشرين التي يفترض فيها أن تجد حلولاً إنسانية وديمقراطية لها
يختلف العالم الرأسمالي في تقويمه لهذا الواقع. فبعض الدول الأوروبية تعتبر أن التخلف والفقر والحرمان والاستغلال تشكل عوامل لا تزيد من الفرقة بين الشعوب والدول فحسب, بل وتتسبب في بروز ظواهر الإرهاب على الصعيد العالمي. في حين ترفض بعض الدول الأخرى في العالم الرأسمالي ذلك وتعتقد أنها تكمن في مواقع أخرى كالدين وما ينجم عن اختلاف في الحضارات أو الثقافات وبالتالي ما تتسبب به من صراع حضاري في ما بينها. وإذ أعتبر أن الاتجاه الأول يطرح المسألة بشكل صائب, في حين يرتكب الثاني خطأ أساسياً في عدم رؤيته الإشكالية بعمقها وشموليتها الحقيقية وعواقبها الفعلية, فأن الاتجاهين يمارسان عملياً سياسة متفق عليها إزاء الدول النامية, وخاصة في المجال الاقتصادي, وبالتالي فهم لا يؤثران على الحصيلة, رغم اختلافيهما في الرؤية الأولى.
فالسياسات التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة في إطار النظام الرأسمالي واحدة وتختلف في الدرب الذي تمارسه للوصول إلى ذات النتيجة. فإحداهما تختار القوة والعنف والحرب. في حين تختار الأخرى الأسلوب السلمي, ولكنها لا تتورع عن استخدام العنف عندما تعتقد بأن مصالحها أصبحت مهددة.
ندرك جيداً بأن العائلة الميسورة التي تعيش في بحبوحة لا يمكنها أن تتصور ماذا يعني الفقر والجوع والحرمان, وتحتج عندما تسمع أصوات تنادي بتوفير الخبز, إذ تلتقي عندها بصوت ملكة بريطانيا الشهيرة التي قالت إن لم يتوفر الخبز فأعطوهم الكيك (الگاتو), وهي لم تكن تعرف بأن الكيك أغلى بكثير من الخبز الذي تعجز العوائل الكادحة والفقيرة عن توفير المال لشرائه وإشباع بطون أفرادها.
طبعاً لا يمكن الادعاء بأن الفقر والعوز وحده يقود إلى الإرهاب, إذ أن هناك عوامل كثيرة تساهم في هذه العملية المريعة, وأعني بذلك التخلف الفكري والوعي الاجتماعي وغياب التنوير الديني في المجتمع والدور غير العقلاني للكثير من المؤسسات الدينية ورجال الدين, إضافة إلى غياب الحرية والديمقراطية عن النظم السياسية الحاكمة وممارسة القمع وسيادة ثقافة العنف في ممارسات الدولة والمجتمع, وكذلك السياسات الأخرى التي مارستها أو ما تزال تمارسها الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط على امتداد الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة ...الخ.
فالإرهاب الذي تمارسه بعض الجماعات السياسية المنظمة لا يمكن تبريره بأي حال مهما كانت العوامل التي نبحث فيها, إذ أن المستهدف بالمحصلة النهائية هو الإنسان ذاته, وخاصة الإنسان الكادح. ولكن ما نتحدث عنه هو أهمية بذل الجهود لإزالة العوامل الكامنة والأرضية الصالحة وراء نمو الإرهاب وتوسعه وجره جماعات جديدة من البشر غير المتنور والجاهل والمتعصب صوب ممارسة عمليات الانتحار وقتل البشر, كما يحصل اليوم في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها. وربما ستتسع قائمة الدول التي تقع فيها مثل هذه الأحداث ما لم يسارع المجتمع الدولي إلى معالجة العوالم الكامنة وراء انتشار ظاهر الإرهاب, وخاصة في العالم الإسلامي.
من الممكن حقاً قلع الكثير من الجذور التي تغذى الإرهاب حالياً من خلال جملة من الإجراءات التي يفترض أن تتخذ من جانب كل دولة ومن جانب الأمم المتحدة على مستويات عديدة ومجالات كثيرة منها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتنوير ديني. وليس من مهمة هذه المقالة التوسع في طرح المعالجات, ولكن لا بد لنا ابتداءً أن نشير إلى بعض أهم ما يفترض التوجه صوبه:
1. وضع سياسة من جانب الأمم المتحدة تلتقط الإشكاليات التي تعاني منها الدول قبل استفحالها وتقديم الحلول العملية لها مبكراً, كما في حالة الصراع على الأرض أو المياه.
2. اتخاذ موقف الإنصاف والحياد في معالجة تلك المشكلات بعيداً عن التحيز ووحدانية الجانب, كما في الصراع حول القضية الفلسطينية أو حقوق الشعوب في تقرير مصيرها, كما في الإشكاليات الخاصة بالدول ذات التعدد القومي, ومنها دول منطقة الشرق الأوسط. وأن تضمن الأمم المتحدة تنفيذ مقرراتها كاملة غير منقوصة من قبل جميع الدول, وليس كما يحصل الآن في الصراع العربي الإسرائيلي, حيث لا تنفذ إسرائيل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وتستمر في احتلال الأراضي العربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان.
3. رفض التعاون مع الدول التي لا تقر مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات أو التي تدعو إلى الكراهية والحقد الديني في أسس تربيتها ومناهج تعليمها بهدف تطويقها سياسياً بما يعجل من تراجعها ودعم نضال شعوبها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ونشر المحبة والتضامن بين الشعوب.
4. التعاون بين جميع دول العالم وعبر الأمم المتحدة من أجل معالجة إشكاليات التخلف الاقتصادي والاجتماعي والبطالة المتفاقمة في بلدان العالم الثالث, بهدف تقليص الفجوة الراهنة. وهي تتطلب موافقة الدول الكبرى على توجيه نسبة مناسبة تتراوح بين 1-2 % من الدخل القومي السنوي لصالح عملية التنمية في الدول النامية, وخاصة الأكثر فقراً. ولا يكفي هنا إلغاء الديون عن كاهل هذه البلدان فحسب, بل ويفترض أن تقدم لها المساعدات لتعجيل عملية التنمية فيها ومراقبة هذه العملية دون تدخل مباشر في شؤونها.
5. مكافحة الفساد المالي الذي تعاني منه الهيئة العامة للأمم المتحدة وبقية المنظمات التابعة لها وكذلك الشركات والدول المختلفة التي تساهم في ضياع الثروة الوطنية وخسارة تتحملها الشعوب قبل غيرها.
6. مكافحة سياسات عسكرة الاقتصاد والمجتمع في جميع دول العالم, ومنها دول الشرق الأوسط التي تصرف المليارات الكثيرة سنوياً على التسلح بدلاً من توجيهها صوب التنمية وتحسين مستوى حياة مواطنيها.
إن على الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة أن تعترف بدورها في ما تعاني منه شعوب البلدان النامية بسبب سياساتها الاستغلالية والاستعمارية وبسبب الحرب الباردة, وأن تتحمل مسؤوليتها في معالجة آثار ذلك لا بصورة مباشرة وفردية, بل عبر الأمم المتحدة وعبر سياسات تمارس آليات سلمية وديمقراطية وتنموية. كما أن عليها أن تكف عن استخدام العولمة, كعملية موضوعية, لصالحها فقط وحرمان الدول النامية من نتائجها الإيجابية على اقتصاديات الشعوب, بل أن تجد المساومة المقبولة لكي تستفيد منها كل الدول. إن ما نقوله هنا يمكن أن نجد تجلياته الملموسة في ممارسات المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية الحرة, أو في سيادة الفساد المالي والإداري في بنية ونشاط المنظمة الدولية والشركات والدول لمحيطة بها والعاملة معها. ويبدو لنا بأن الولايات المتحدة هي أكثر الدول إصراراً على ممارسة نهج المحافظين الجدد وبرنامجهم الدولي القائم على اللبرالية الجديدة. ومن هنا نشأ هذا الرفض الواسع لسياساتها اليوم من جانب شعوب الكثير من دول العالم, في حين كان المفروض أن تمارس سياسات أخرى أكثر عقلانية وواقعية وإنصافاً لتصل إلى جني تأييد ومساندة شعوب ودول العالم, وخاصة في مجالات التنمية وحقوق الإنسان ومساندة الشعوب في ممارسة حق تقرير المصير, على عكس ما تمارسه اليوم.
إن الضمانة الفعلية لنجاح أي سياسة أو إجراء لمكافحة الإرهاب على صعيد كل دولة وعلى الصعيد العالمي يكمن في القدرة على إقناع الشعوب بأهمية ذلك, باعتبارها الضحية الأولى للعمليات الإرهابية التي تستهدفها. وفي العراق ومنطقة الشرق الأوسط تحتل عملية التنوير الاجتماعي والديني أهمية أساسية وكبيرة في مواجهة الإرهاب, إذ أن الجهل والتعمية الدينية التي تمارسها بعض المؤسسات الدينية المتطرفة ورجال الدين المتطرفين بهدف تعميق الصراع الديني والطائفي, إضافة إلى التعمية القومية المتطرفة بهدف تشديد الصراع القومي وتعميق الاستقطاب, يشكلان معاً السبب وراء الكثير من الكوارث والعواقب المريعة التي يتعرض لها المجتمع العراقي بمكوناته العديدة حالياً.

أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2006
نشر في جريدة الاتحاد العراقية