| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 15/10/ 2006

 



رؤية حوارية
 

هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية 

وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟ 

( 1-2 )

 

كاظم حبيب

غالباً ما يشن الهجوم على العولمة الرأسمالية وتحشد الجهود وتعبأ الجماهير في سائر أنحاء العالم للنضال ضد العولمة باعتبارها رأسمالية. وغالباً ما يسود عدم الوضوح في أوساط شعبية كثيرة حول هذه المسألة الأساسية التي تمس من حيث المبدأ حياة كل الناس على الكرة الأرضية, وخاصة أوضاع الكادحين والفقراء والمعوزين, وكأن العولمة ذاتها هي السبب وراء هذا الواقع الذي تعاني منه الغالبية العظمى من شعوب الأرض, وليس العيب في مكان آخر.
لا بد لنا من حيث الجوهر أن نشير إلى أن العولمة الجارية حالياً تتميز بكونها:
1. عملية موضوعية مرتبطة عضوياً بتطور القوى المنتجة على الصعيد العالمي, وهي ليست عملية إرادية أو رغبة ذاتية يمكن رفضها أو القبول بها بغض النظر عن النتائج أو العواقب المترتبة عنها.
2. وهي عملية تجسد مستوى التطور الذي بلغته القوى المنتجة في إطار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية التي تسود العالم في هذه المرحلة من تطور البشرية.
3. وهي بالتالي, كعملية موضوعية خارج إرادة الإنسان ورغباته, خاضعة لحركة وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية, الخاصة منها والعامة, التي تنبثق عن سيادة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية أو أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
4. وأن التحول صوب علاقات إنتاجية أخرى جديدة هي التي يمكن أن تغير من مضمون العولمة, أي من طبيعة ووجهة تطور ومضمون القوانين الاقتصادية الموضوعية الخاصة والعامة. وهذا يعني إن التخلص من علاقات الإنتاج الرأسمالية وبناء علاقات إنتاجية اشتراكية أو أي اسم آخر يمنح لبناء علاقات جديدة تتسم بالعدالة الاجتماعية في استخدام وتوزيع الثروة الوطنية, يزيح عن كاهل الشغيلة والمجتمع البشري الاستغلال الذي تسلطه علاقات الإنتاج الرأسمالية منذ عدة قرون.
5. وهذا يعني بدوره إن الرأسمالية كعلاقات إنتاجية لا يمكن رفضها أو القبول بها لمجرد عدم رغبتنا بها أو لأنها استغلالية وتشطر المجتمع البشري إلى فئة صغيرة مُستغِلة وأخرى كبيرة مُستغَلة, بل يفترض النضال السلمي من أجل حقوق الشغيلة المستغَلة وفي سبيل تغيير علاقات الإنتاج من خلال التعامل مع مستلزمات عملية التغيير على صعيد البلدان وصعيد العالم ومن خلال فهم فعل القوانين الموضوعية الاجتماعية منها والاقتصادية واتجاهات التطور وقدرة الإنسان في التأثير فيها من خلال استيعابها والتعامل الواعي معها ومع حركتها وفعلها من أجل دفع حركة التغيير في المجتمع الواحد أو على الصعيد العالمي نحو الأمام.
إن هذا التشخيص يساعدنا على التمييز بين مسألتين أساسيتين غالباً ما يجري الخلط بينهما في غير صالح وجهة النضال السليمة في المجتمعات المختلفة, كما أنها تنتج وهماً كبيراً يلحق أضراراً فادحة بحركة التطور في المجتمع الواحد وعلى الصعيد العالمي, إذ أنه ما أن يريد قفز المراحل وحرقها أو يريد الركض وراء حركة التاريخ ولن يلحق بها. والمقصود بالخلط بين مسألتين هو الخطأ الذي ترتكبه بعض القوى السياسية في عدم التمييز المطلوب والواضح في خطابها السياسي اليساري أو اليميني, رغم الاختلاف في أهدافهما, بين: العولمة كعملية موضوعية من جهة وسياسات العولمة التي تمارسها الدول الرأسمالية الصناعية السبع الكبرى + روسيا الاتحادية من جهة أخرى , ولكن على نحو خاص سياسات الولايات المتحدة الأمريكية القائمة على نهج اللبرالية الجديدة واستناداً إلى فلسفة المحافظين الجدد الذين يشكلون قمة البرجوازية الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والمتمثلة بجمهرة كبيرة من السياسيين الأعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي, إضافة لإلى جمهرة من السياسيين والاقتصاديين والعسكريين الآخرين ومراكز البحث العلمي. ولكن يحتل التمييز بين هاتين المسألتين ضروري لثلاثة أسباب جوهرية, وهي:
1. لكي لا نناطح الحقائق الموضوعية, مثل العولمة الموضوعية, وهي صخور صلدة يمكنها أن تحطم رؤوسنا دون أدنى ريب ودون أدنى مبرر, ولأن مثل هذه المناطحة ذات طبيعة رجعية ضد التطور وضد الثورة العلمية والتقنية في القوى المنتجة وفي العلاقات الاقتصادية الدولية.
2. ولكي لا نلحق أضراراً غير مبررة بوجهة النضال التي يفترض أن تنصب ضد سياسات العولمة التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة وخوضها لتحقيق مصالح الشعوب الكادحة والفقيرة والمُستغَلة, سواء أكان ذلك في الدول النامية أو العالم الثالث, أم في الدول الرأسمالية المتقدمة.
3. ولكي يتوجه النضال من أجل الاستفادة القصوى من مضامين العولمة التقدمية المرتبطة عضوياً بتطور القوى المنتجة والثورة العلمية التقنية وثورة المعلومات (الأنفوميديا) وتجنب, قدر الإمكان, الجوانب السلبية المرتبطة بطبيعة علاقات الإنتاج الرأسمالية وقوانينها الاقتصادية المسيرة لعملية العولمة من جهة, وبطبيعة سياسات الدول الرأسمالية المتقدمة التي تريد جر مكاسب العولمة لها وتحميل الدول النامية سلبيات سياساتها العولمية من جهة أخرى.
ومن المفيد أن أذّكر القوى اليسارية عموماً والماركسية منها على وجه الخصوص إلى مقولة ماركس حول الموقف الرجعي من تطور العلاقات الاقتصادية الدولية والخشية منها التي برزت في سياسات ومواقف البرجوازية الصغيرة وبعض القوى الأخرى المحلية في منتصف القرن التاسع عشر, والتي لا تختلف في الوجهة من السياسات والمواقف الرجعية والخشية الراهنة من تطور العولمة, أي الخشية التي برزت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين والتي ما تزال متواصلة وتنعكس في برامج وسياسات الكثير من قوى اليسار والأحزاب الشيوعية إزاء العولمة وليس السياسات العولمية فقط. كتب ماركس يقول:
"إن حاجة البرجوازية الدائمة إلى توسيع أسواقها لترويج منتجاتها تدفع بها إلى كافة أنحاء المعمورة. فعليها أن تتمركز في كل مكان وأن تستقر في كل مكان وأن تنشئ صلات في مكان.
ومن خلال استغلالها السوق العالمي قامت البرجوازية بإضفاء طابع عالمي على الإنتاج والاستهلاك في كل قطر. فإزاء خيبة الرجعيين وقنوطهم قامت البرجوازية بإلغاء الأساس الوطني الذي كانت الصناعة تنهض عليه, وتم تدمير كل الصناعات الوطنية القديمة أو أنه يجري تدميرها يومياً, فقامت مكانها صناعات جديدة يتوقف على إدخالها حياة كل الأمم المتمدنة أو فنائها, فهذه صناعات لم تعد تستخدم المواد الخام المحلية بل المواد الخام المجلوبة من أكثر المناطق نأياً, ومنتجاتها لا تستهلك محلياً فحسب, بل في جميع أنحاء الدنيا. وبدل الاحتياجات القديمة التي كانت توفرها منتجات قطر ما نجد احتياجات جديدة يتطلب توفيرها منتجات بلاد بعيدة ومناخات قصية ومكان العزلة المحلية والوطنية السابقة والاكتفاء الذاتي تنشا حاجة إلى علاقات متشعبة وصلات دولية شاملة. وما ينطبق على علاقات الإنتاج المادية ينطبق على علاقات الإنتاج الفكرية, إذ يصبح الإبداع الثقافي لمختلف الدول ملكاً مشتركاً ويصبح من المستحيل أكثر فأكثر شيوع الرؤية القطرية الضيقة, وعن شتى الآداب القطرية والحلية ينشأ أدب عالمي". (راجع: كارل ماركس وفريدريك إنجلز. البيان الشيوعي. كولون-ألمانيا. منشورات الجمل. طبعة أولى. 2000. ص 42-43).
ويمكن للمحلل أن يقارن بين الوجهة العامة للتطور في منتصف القرن التاسع عشر وبين وجهة التطور الراهنة حيث أصبحت العلاقات الاقتصادية الدولية ليست وحدهما المعولمة, بل جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والبيئية ...الخ. إن ما أراد قوله ماركس أن هذا التحول موضوعي ولا يمكن مقاومته, ولكن كيف يمكن تغييره حين يجري العمل على توفير مستلزمات تغييره.
ويبدو لي ضرورياً أن أشير إلى أنه يفترض في قوى اليسار الديمقراطي أن تتجنب الوقوع في فخين خطرين, وهما:
• فخ القوى اليمينية, وخاصة قوى الإسلام السياسي والقوى القومية المتطرفة, التي تناهض العولمة من منطلق فكري وسياسي رجعي رافض للتقدم والتطور والدفع باتجاه التغيير بحجة الإمبريالية والغزو الفكري والثقافي وما إلى ذلك.
• فخ القوى الرأسمالية المتقدمة التي تحاول إيهامنا بأن سياساتها هي التي تجسد العولمة الموضوعية وأن لا خيار هناك غير الطريق الذي تقترحه لمسيرة شعوب البلدان النامية.
وإذا كان الاتجاه الأول معادٍ للتقدم ويرفض الجديد من مواقع ورؤية إسلامية وقومية سياسية ذات نهج أصولي سلفي وشمولي استبدادي, فأن الاتجاه الثاني يعتبر مناهضاً للتطور المعجل لاقتصاديات شعوب البلدان النامية وتقدمها الاجتماعي والثقافي وإحباط سعيها لكسرها حلقة الفقر والتخلف الراهنة.
وعلينا أن ننتبه بأن على البلدان النامية تقع مسؤولية تطوير اقتصادياتها باتجاه التغيير من علاقات لإقطاعية وشبه إقطاعية وأبوية متخلفة إلى علاقات إنتاجية رأسمالية جديدة ومتقدمة بالقياس إلى أوضاعها الراهنة, فإنها ترسي الأساس المادي والفكري لتطورها اللاحق للخلاص من علاقات الاستغلال الراهنة وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الأكثر عدلاً في توزيع واستخدام الدخل القومي وإعادة توزيعه. وليس في مقدورها حرق المراحل والحديث عن الاشتراكية في المرحلة الراهنة, أي في مرحلة التخلف الاقتصادي والاجتماعي, فالاشتراكية لا تبنى على أرضية متخلفة بل على أرضية رأسمالية متقدمة وعلى وعي سياسي واجتماعي وتنويري متقدم.
ولكن ما هي العلاقة بين إرهاب الإسلام السياسي المتطرف والسياسات العولمية للدول الرأسمالية المتقدمة؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكون موضوع الحلقة الثانية من هذا المقال.

أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2006