| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأربعاء 13/8/ 2008


 

هل الموقف الخاطئ من القضية الكردية له عواقبه الوخيمة في العراق؟

كاظم حبيب

مرَّ الشعب العراقي خلال ثمانية عقود ونيف منصرمة بتجارب كثيرة وغنية في مضامينها وفي الدروس المستوحاة مع القضية الكردية والشعب الكردي التي يفترض أن يعيها الشعب العراقي بكل مكوناته القومية وأن يتم التصرف في ضوئها من جانب كل القوى السياسية العراقية دون استثناء. فالصراحة والشفافية والوضوح في المواقف هو الذي يساعد على تجنب المطبات المحتملة والعواقب غير المرغوبة في المسيرة نحو حل جميع المشكلات المعلقة في العراق في ما يخص القضية الكردية ومعلقاتها. فالمناورة والتآمر والمخاتلة وإظهار غير ما هو مبطن لا يساعد بأي حال في الوصول إلى نتائج طيبة , بل يقود على كوارث غير معروفة العواقب. لهذا يتطلب من كل الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة السياسية العراقية العمل بجدية ووفق أسس مبدئية صارمة ووفق الدستور الذي أقر بغض النظر عن موقف هذا الفرد أو ذاك من هذه المادة أو تلك إذ أن الأصل هو الإجماع مع حق كل فرد في النضال من اجل تغيير أو تعديل أو حتى إلغاء هذه المادة أو تلك وفق الطرق الديمقراطية السليمة التي يقرها الدستور ذاته. فلدي ملاحظات جدية على الدستور الحالي ابتداءً من المقدمة ومروراً بالموقف من المرأة وانتهاءً بالموقف من الشريعة وحقوق الإنسان وما يحمله من أوجه متناقضة في هذا الصدد. ولكن عليّ وعلى غيري الالتزام بالدستور وتنفيذه وعدم التلاعب به , إذ أن ذلك لا يخدم أحداً , وما يبنى على قاعدة غير شرعية لا يجوز البناء عليها أو اعتبارها شرعية والتأخر في تنفيذ نص ومضمون مادة ما لا يعني إلغاء العمل بها بل ممارستها حتى بعد انتهاء المدة المحددة لها ومحاسبة من قصر في تنفيذها في الموعد المحدد. هذا من حيث المبدأ الذي لا بد من تبيانه لكي نتجنب سلوك المخاتلة من بعض القوى القومية الشوفينية وبعض الإسلاميين السياسيين المتطرفين والرافضين لمفهوم القومية أصلاً , إذ يتفقا على أسلوب معين ليثيرا زوبعة ويقودا البلاد إلى عواقب وخيمة.
لقد مر العراق بتجارب عديدة , وكان عدم الاعتراف بوجود قضية كردية أو التوجه صوب ضرب المطالب المشروعة والعادلة للشعب الكردي أن يقود إلى ثلاث حالات لا بد من تبيانها لكي نتجنب عواقبها. وهذه الحالات ليست من عندياتي , بل تشير إليها تجارب ثمانية عقود ونيف , أي منذ موافقة عصبة الأمم في العام 1925/1926 بإلحاق ولاية الموصل بالعراق بعد أن كانت تحت الوصاية البريطانية , إذ بعدها أصبحت ضمن العراق وتحت الانتداب البريطاني.
1. محاولة خنق صوت الشعب الكُردي وقواه السياسية بالدم والحديد , كما حصل خلال الفترة بين العقد الرابع ونهاية النظام الملكي في العراق والذي شهد عدة انتفاضات شعبية , فخنق الصوت لم يمنع من مواصلة النضال السياسي بل رفع من سقف التضحيات البشرية والمادية , كما في أحداث 1946 على سبيل المثال لا الحصر. وقد ساهم هذا النضال بإضعاف الحكومة العراقية وساعد على تعبئة القوى السياسية وتحريك وحدات من الجيش العراقي للانقضاض على الحكم الملكي وإسقاطه في ثورة الرابع عشر من تموز في العام 1958 وبالتعاون بين اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني والجيش العراقي.
2. رفض معالجة القضية الكردية وفق أسس سليمة تخدم الشعب الكُردي والعراق كله قاد إلى عاقبة وخيمة في أعقاب ثورة تموز 1958 , إذ دفعت بالقوى السياسية الكُردية إلى استخدام السلاح والحصول على دعم مباشر وغير مباشر من كل الذين كانوا يريدون إسقاط النظام الجمهوري الأول بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم. وأول من تقدم بالدعم هو النظام الإيراني بمبادرة مباشرة من شاه إيران حين اتصلوا بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني وأبدوا استعدادهم لدعم النضال ضد قاسم. ولم تتحرك إيران إلا بقرار من حلف السنتو حيث كان العراق جزءاً منه وانسحب منه بعد الثورة مباشرة. وهي إشكالية معروفة للكُرد ولغيرهم. وكان خطأ قاسم , الذي كان بالإمكان تعديله تدريجاً , قاد القيادة الكُردية إلى رد فعل خاطئ أيضاً , وكانت النتيجة غياب الجمهورية الأولى بالتعاون مع حزب البعث وشركات النفط الأجنبية وكل القوى الأخرى التي شاركت في إسقاط الحكم الجمهوري في انقلاب شباط الفاشي الأسود في العام 1963. ثم انقلب الانقلابيون على الوعد والعهد بحل المسألة الكردية فكان السقوط نصيبهم أيضاً. كانت مطالب الكُرد عادلة ومشروعة , ولكن الموقف منها كان خاطئاً والعجالة في طرح المطالب وعدم الصبر في معالجة المشكلة في فترة حكم قاسم الذي كان إيجابياً إزاء الشعب الكردي عموماً ولم يكن في كل الأحوال عنصرياً أو شوفينياً حاقداً , قاد إلى إعلان ثورة 1961 بقياد الملا مصطفى البارزاني. وخلال العقود الأربعة المنصرمة حصد الشعب العراقي عواقب المواقف الخاطئة إزاء القضية الكردية وردود أفعال الآخرين بشأنها. إن من يُحاصر في زاوية حادة ويشعر بأن هناك من يريد اغتياله والقضاء على قضيته , سوف يتشبث بكل السبل والوسائل المتوفرة لديه والممكن الحصول عليها دفاعاً عن نفسه وعن قضيته بما فيها التوسل بوسائل غير معهودة في الظروف الطبيعية كالتوسل والتعاون مع القوى الأجنبية. وعلينا أن لا ننسى ذلك أبداً. وهذا ما حصل في العام 1961 , وهو ما حصل فيما بعد في الموقف من حكومات البعث وعارف والبعث مرة أخرى من جانب الأحزاب الكردستانية والأحزاب الإسلامية السياسية بما فيها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق , سواء أكان ذلك بصدد التعاون مع إيران أم التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
3. والتجربة الراهنة منذ خمس سنوات تشير إلى أن هناك صعوبة لدى الغالبية العظمى في فهم أهمية التعامل مع هذه القضية الحساسة وما يرتبط بها من معلقات. إن السعي لاستخدام القوة يقود على ردود فعل مماثلة والعواقب وخيمة حقاً على الجميع. خمس سنوات ولمن نستطع ممارسة اسلوب عقلاني تححد في الدستور لحل المشكلة , فهل في مقدورنا حلها الآن؟
وفق قناعتي الشخصية أن ليس أمامنا إلا طريق الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومعالجة كل القضايا المعلقة بكل هدوء وشفافية وصراحة بما يساعد على معالجة المشكلات التي تمس القضية الكردية أو القضايا المرتبطة بها , بما فيها موضوع كركوك والمناطق الأخرى , هذه القضايا الساخنة التي كان المفروض معالجتها وفق المادة الدستورية 140 بدلاً من إعاقة تنفيذها في وزارات السادة أياد علاوي وإبراهيم الجعفري والمالكي حتى الوقت الحاضر. يفترض الابتعاد عن المناورة والمخاتلة والتآمر في هذه القضية ويفترض الابتعاد عن التحالف مع إيران وتركيا لإلحاق الأذى بالكُرد , إذ أن النجاح الراهن لمن يمارس ذلك سيكون مؤقتاً وستكون له عواقب وخيمة على مجمل التطور في العراق. وليس هناك من يريد الأذى بالعرب في كركوك أو بالتركمان أو بالكُرد أو بغيرهم من قاطني هذه المدينة , فكلهم أبناء هذا الوطن وعلينا أن نعطي لكل حقه. نحن أمام حالة خطرة أتمنى أن لا يفكر السيد المالكي حلها بطريقة يعتقد بأنها ناجحة , كما فعل في البصرة أو الموصل أو في ديالى , إذ أن القضية الكردية غير قضية ميليشيات جيش المهدي أو القاعدة , بل هي قضية شعب وعلينا إيجاد الحلول الناجعة لها. إن إصدار قرارات دون التفاوض مع رئاسة الإقليم أو رئاسة أركان الجيش العراقي والالتفاف عليهما ليس من مصلحة أحد وتقود إلى احتمال صدام غير مبرر وعلاقات توتر جديدة في العراق , ونحن في بداية الشعور النسبي الهش بوجود أمن في بغداد مثلاً.
ليست الولايات المتحدة شريكاً يعتمد عليه , هذه هي تجاربنا الطويلة مع الولايات المتحدة الأمريكية , ولكن هناك تحولات في الوضع الدولي وعلينا وعي هذه الحقيقة والتعامل معها بكل حساسية ودقة , إذ لها عواقب وخيمة حين يرتكب أي خطأ بالحسابات , تماما كما أخطأ كثيرون في العراق قبل ذاك , دعْ عنك أخطاء التقدير لحكومات في دول أخرى. الولايات المتحدة تتحرك وفق مصالحها بغض النظر عن مصالحنا نحن العراقيين , وهي تسعى اليوم إلى عقد اتفاقية طويلة الأمد مع العراق وتحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها على العراق. وعلينا أن نعرف هذا جيداً , إذ لم يكن مجيئها حباً في سواد عيون العراقيات والعراقيين , سواء أكانوا عرباً أم كُرداً أم تُركماناً أم كلداناً وآشوريين وسريان..
لست متشائماً في إيجاد حل لهذه المشكلات , ولكني أحذر من أي خطأ يمكن أن يرتكب في هذه المرحلة الحرجة من تطور العراق , فهو سيحرك كل من لا يريد الخير لهذا البلد ولمكوناته القومية ولتطوره اللاحق. ففي الداخل تقف قوى القاعدة المضروبة تنتظر فرصة ثانية , والقوى القومية والبعثية الشوفينية الأكثر تطرفاً وقوى الإسلام السياسية الأكثر تطرفاً وعدوانية والمسلحة حتى الأسنان رغم نزع بعض أسلحتها تنتظر فرصتها من خلال تأجيج الصراع العربي – الكُردي , في حين لا يزال الصراع بين القوى السياسية السنية والشيعية لم يخمد بعد ؛ وفي الخارج تقف الدولة التركية بانتظار الفرصة السانحة لإنزال الهزيمة بالفيدرالية الكردستانية التي تعتبرها أكثر من شوكة في عينيها , وكذلك الدولة الإيرانية التي ترفض مبدأ الفيدرالية "إسلامياً" , أو وفق إسلامها , والتي تحرك قوى الإسلام السياسية العربية والكردية في العراق ضد الفيدرالية الكُردستانية , رغم المجاملة وفتح قنصلية أو ما شاكل ذلك , وكذلك بعض الدول العربية التي ترى ما يجري في العراق عملية انفصالية لا غير لا بد من وأدها في مهدها. العراق الراهن يقف أمام قوى مناهضة حقاً , فكيف يفترض أن تتعامل قواه السياسية؟
أملي أن ترى كل ذلك وغيره كل القوى السياسية الوطنية والديمقراطية والعقلانية في العراق لكي تتجنب كوارث إضافية ومقابر جماعية جديدة وخسائر مادية جديدة.
أرجو أن يتحكم العقل في سلوكنا ويتم ترجيح الحكمة والاستفادة من تجارب الماضي في التعامل مع كل القضايا المعلقة الراهنة والمستقبلية في العراق.



14/08/2008


 

free web counter