موقع الناس     http://al-nnas.com/

أليس هناك من يحمي حياة مواطنينا من الصابئة المندائيين من مخاطر الاضطهاد والقتل أو القبول بالتشيع؟

 

كاظم حبيب

الأثنين 13 /3/ 2006

نشرت "جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة" بالاضطهاد في شباط/فبراير من العام 2006 مقالاً, كما وجهت نداءً إلى مستشارة ألمانيا الاتحاديةً, دعت فيه إلى العمل من أجل تأمين الحماية لأتباع الديانة الصابئة المندائية في العراق الذين يواجهون مخاطر جمة من مواطنيهم في العراق, ومنها الانقراض, وطالبت الحكومة الألمانية بقبول جمهرة تعد بالآلاف من المواطنات والمواطنين الصابئة الذين يجبرهم الوضع الذي يواجهونه في العراق إلى ترك العراق والهجرة إلى بقية بلدان العالم الغربي أو الموت على أيدي المتعصبين من المسلمين. وأورد المقال عدداً من الأمثلة الفعلية الموثقة حول الاعتداءات اليومية التي يتعرض لها الشباب والنساء من أتباع الديانة المندائية في العراق. والسؤال الذي يدور في بال الناس في أوروبا هو:  هل ما ورد في المقال حقيقة أم خيال أولاً, وهل تحولت جمهرة كبيرة من المسلمين العراقيين, الذين تخلصوا لتوهم من اضطهاد الدكتاتور صدام حسين إلى مستبدين يرفضون الاعتراف بالأديان الأخرى والمذاهب الأخرى والأفكار الأخرى ثانياً؟

كل الدلائل تشير إلى وتؤكد صواب تلك الأمثلة وما ليدنا أكثر مما نشر بكثير أولاً, وأن هناك جمهرة كبيرة من المسلمين تحولا إلى أفظاظ قساة ومستبدين ومتعصبين إزاء أتباع الأديان والمذاهب الأخرى, ومستعدون لقتل الناس, كما حصل في المنطقة الجنوبية وفي غيرها من مناطق الوسط والجنوب إزاء الصابئة المندائية ثانياً, وهم موضوع بحثنا في هذا المقال.

المجتمع العراقي يعرف بأن أتباع الديانة المندائية يعيشون في العراق منذ ألاف السنين, وهم من أصل سكان العراق القديم ومن بين أقدم الديانات التي وجدت في العراق, وأنهم حافظوا على ديانتهم طيلة القرون المنصرمة رغم ما أصابهم من استبداد وعنت وحيف وإساءات من قبل المتعصبين والمتزمتين من أتباع الدين الإسلامي, رغم دورهم الإنساني والثقافي والإبداعي الصناعي والفني في حياة المجتمع العراقي. وهم أقلية سكانية أنجبت الكثير من خيرة العلماء والفنانين والأدباء والشعراء العراقيين, بينهم نسوة أيضاً.

ومن المفروض أن المسلمين يعرفون ما جاء به القرآن الكريم بشأن الصابئة باعتبارهم أهل كتاب. فقد ورد في القرآن الكريم ما يلي: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.", (سورة البقرة, آية 62). وجاءت ذات الآية (69) في سورة المائدة, ثم تكررت في الآية 17 من سورة الحج مع إضافة المجوس بعد النصارى. وبالتالي يفترض أن يعامل المسلمون الصابئة المندائية معاملة كريمة وسليمة وإنسانية باعتبارهم جزءاً من هذا الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية, وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات, ولهم الحق في ممارسة عباداتهم والبقاء على دينهم.

ولكننا في الواقع العراقي المعاش نقف اليوم أمام حالة استثنائية غريبة ومريعة في آن واحد. وأعني بها أن جمهرة غير صغيرة من المسلمين ترفض الاعتراف بما جاء في القرآن وتتعامل مع الصابئة المندائية على أساس أنهم كفرة ينبغي إما أن يقتلوا أو أن يتركوا دينهم ويتحولوا إلى الإسلام أو أن يتركوا العراق, والمواقف الثلاثة مخالفة للقرآن والسنة والإسلام في آن, إنها مخالفة لتلك السورة التي تعترف للآخرين بحقهم في أي دين يختاروه, حتى لمن كفروا بالله واليوم الآخر حين ورد في القرآن الكريم باختصار "... لكم دينكم ولي دين".

كما هو معروف للمجتمع العراقي يقطن الصابئة المندائيين بشكل خاص في المنطقة الجنوبية من العراق, إضافة إلى غرب إيران. وأغلب سكان جنوب العراق هم من المسلمين من أتباع المذهب الشيعي. وبالتالي فأن من يعرضهم للاضطهاد والتهديد بالقتل والقتل الفعلي والتهجير القسري وفرض التحول إلى الإسلام هم جمهرة من المسلمين الشيعة على نحو خاص. ولقد كتبنا أكثر من مرة حول هذه المسألة. إن ما ورد في المقال المشار إليه في أعلاه يجسد جزءاً من الواقع المأساوي الذي يعيش فيه الصابئة حيثما وجدوا في العراق, وأنهم يعانون أكثر من ذلك بكثير. ونحن مسؤولين عن ذلك معاً.

إن مسؤولية ما يتعرض له الصابئة المندائية من اختطاف واغتصاب للنساء وقتل وتهجير قسري والتحويل القسري عن دينهم يقع على عاتق الحكومة العراقية التي يفترض أن تكون مسؤولة عن أمن المواطنين وحمايتهم من كل أذى يمكن أن يلحق بهم ومنحهم حق الإيمان المطلق بدينهم. ولكن هذه المهمة هي في الوقت نفسه من مسؤولية رجال الدين, إذ أنهم مسؤولون من الناحية الدينية, الأخلاقية والاجتماعية, عن حسن سلوك وتصرف المسلمين الأخلاقي والاجتماعي إزاء الآخر وعن حماية غير المسلمين من أذى أتباع الدين الإسلامي الجهلة وغير الواعين وغير المدركين للدين أو المتعصبين والمتزمتين والمتطرفين. إنها من مسؤولية آية الله العظمى السيد علي السيستاني الأخلاقية والاجتماعية وبقية علماء الدين الأفاضل في المنطقة الجنوبية وفي كل مكان في العراق أن يمنعوا الأذى عن الصابئة المندائية وعن المسيحيين واليهود والأيزيديين وغيرهم أتباع الأديان والمذاهب الأخرى من سكان العراق.     

إن التخلف الديني والتعصب المذهبي والفتاوى الخاطئة لبعض رجال الدين ودور المتطرفين من رجال الدين, الذين يؤكدون على وحدة المسلمين, ولكنهم يبتعدون عن تأكيد وحدة الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية وضرورة ضمان الاعتراف والاحترام المتبادل, يساهمون في دفع الأميين من المسلمين الشيعة في العراق, إلى إلحاق الأذى بأتباع الديانة المندائية.

إن النداء يتوجه إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة الإقليم والوزراء, إلى أجهزة الدولة المسؤولة عن حفظ أمن واستقرار وحياة جميع المواطنات والمواطنين, إلى علماء الدين المسلمين شيعة وسنة, إلى كل المثقفات والمثقفين, إلى كل الناس الطيبين في العراق في أن يعملوا من أجل حماية الصابئة المندائية, والدفاع عنهم ورفع الأذى والحيف اللاحق بهم ومنع تهجيرهم قسراً إلى خارج العراق أو فرض التشيع عليهم أو قتلهم.

إن ما يجري في العراق في هذا الصدد جريمة كبرى ينبغي أن لا نسكت عنها. لنرفع صوت الاحتجاج ضد هؤلاء المارقين الذين يمارسون هذه الأفعال الدنيئة ضد الصابئة المندائيين, لنطالب بتقديمهم إلى المحاكمة لينالوا العقاب العادل, سواء من كان مسؤولاً عن تنفيذ تلك العمليات الجبانة, أم من يعطي التوجيهات بتلك الممارسات القذرة.