| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 13/7/ 2006

 



 
هل من سبيل لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية في العراق؟

 

كاظم حبيب

لم يكشف بن لادن عن أي جديد حين أعلن عن موقفه من موضوع المصالحة الوطنية في العراق, إذ أن مشروع المصالحة لم يكن موجهاً لهذه الفئة المجرمة والضالة التي فتكت بعشرات الألاف من بنات وأبناء الشعب العراقي خلال السنوات الثلاث المنصرمة وبالتعاون الوثيق والتنسيق مع قوى إرهابية أخرى تشكل النواة السيئة للنظام الدكتاتوري الصدامي المخلوع.
وليس غريباً أن أعلنت قوى أخرى موقفها من مشروع المصالحة الوطنية سواء بالقبول أو الرفض, إذ أن المهمة ما تزال في بداية الطريق وتحتاج إلى تنضيج وتعميق وتوسيع بحيث تشمل أوسع الجماعات والقوى التي يمكن أن يشملها المشروع.
كما لا أجد غرابة في الاتفاق غير المعلن بين قوى عراقية ثلاث ذات امتداد قومي ومذهبي على رفض هذا المشروع, بعضها قبل وبعضها في أعقاب صدور موقف بن لادن وشريطه المسجل الذي بث من قناة الجزيرة في قطر ولمرات عدة وعلى مدى يومين. فمن هي هذه القوى الثلاث؟
1. إنها أولاً هيئة علماء المسلمين التي تسعى لأن تكون ممثلة لكل أتباع المذهب السني العرب في العراق, وهي عاجزة عن ذلك حقاًُ, لأنها لا تمثلهم جميعاً بأي حال. وهذه الهيئة تضم في صفوفها ثلاث قوى هي:
• الجماعات الدينية الطائفية السياسية الموغلة بالتشدد الطائفي والنزعة الوهابية المتطرفة والسياسات الرجعية غير المتسامحة مع الأديان والمذاهب الأخرى.
• الجماعات الدينية التي كانت تعمل في صفوف البعث, حين هيمن أعضاء البعث على الجوامع السنية لا في بغداد فحسب, بل في مختلف المناطق التي فيها جوامع سنية في القسم العربي من العراق.
• الجماعات القومية ذات النزعة الدينية والمذهبية التي تحسب على الجناح اليميني من التيار الناصري والمرتبطة بالمؤتمر القومي العربي الذي مركزه في لبنان.
2. والجماعة الثانية هي القوى القومية العربية اليمينية ذات النزعة العلمانية التي تعمل في إطار المؤتمر القومي العربي والتي يحركها ضد المصالحة موقفها الشوفيني المتزمت من الشعب الكردي ومن الفيدرالية الكردستانية. ورغم علمانيتها فهي محبوسة بجو مذهبي متشدد إزاء أتباع المذاهب الشيعي على أساس أنهم يمثلون "الرؤية الشعوبية المناهضة للعروبة" في العالم العربية ويمارسون التعاون مع إيران على حساب المصالح العراقية, ومثل هذه الرؤية القومية قاصرة عن فهم طبيعة أتباع المذهب الشيعي, وتعميم قاصر عن رؤية التباين الموجود في صفوف أتباع هذا المذهب الشيعي.
3. والجماعة الثالثة هي القوى التي كانت تحسب على نظام البعث والتي تعرضت للإبعاد والمعاملة السيئة من جانب القوى الإسلامية السياسية الشيعية أو غيرها, والتي لم تكن في الجوهر والموقف الحقيقي بعثية, ولكنها وجدت نفسها خارج السرب فراحت تغني وحدها وتتفق, شاءت أم أبت, مع قوى إرهابية ليست منها ولا معها. وهؤلاء الناس لا يحسبون على مذهب واحد أو رأي واحد, بل ينحدرون من اتجاهات فكرية وسياسية ودينية ومذهبية مختلفة.
أدرك تماماً بأن من غير السهل, إن لم يكن مستحيلاً, إقناع قيادة هيئة علماء المسلمين أو الجماعات القومية العاملة تحت قيادة المؤتمر القومي العربي ورئيسه الراهن معن بشور بضرورة ولوج العملية السياسية والقبول بمبادئ المصالحة الوطنية وتطويرها من خلال العمل السياسي والحوار, إذ أن لها مواقف ثابتة يحركها انحدارها البعثي والقومي الشوفيني والمذهبي المتزمت, وهي غير قادرة حتى الآن على هضم كونها قد فقدت السلطة السياسية, إذ كانت تعتبر سلطة البعث سلطتها القومية والمذهبية في آن. وهي تحرك من قبل قوى أخرى خارج إطار العراق, أي من خلال امتدادها القومي والمذهبي وعلاقتها بقوى الأخوان المسلمين والوهابيين المتطرفين.
ولكن أدرك تماماً أيضاً بأن الكثير من أتباع هذه القوى يمكن أن تلتحق بالعملية السياسية وتؤيد قوى القوائم التي وافقت على ولوج العملية السياسية والتعاون من أجل معالجة الموقف. ومن هنا تأتي أهمية أن يكون الحوار حول المصالحة الوطنية لا يرتبط بما طرحه رئيس الوزراء الدكتور المالكي فقط, بل وكذلك ما يمكن أن يطرح للنقاش أثناء الحوار أو ما تطرحه الأقلام العراقية من مقترحات بهذا الصدد. وأعني بذلك أن مشروع المصالحة الوطنية قابل للإغناء والتطوير والتحسين من جانب الجماعات الأخرى التي يفترض أن تكون طرف الحوار الثاني, وأن يتسم طرف الحوار الأول بالمرونة في التعامل مع مشروعه.
ولكن كل الجهود التي تبذل على طريق المصالحة الوطنية ستبقى معرضة للفشل الذريع إن استمرت بعض الظواهر المشينة على مسرح السياسة العراقية, ومنها:
أ‌. استمرار السلوك الطائفي السياسي في أجهزة الدولة والشارع العراقي في القسم العربي من العراق, وما ينشأ عن ذلك من استمرار الإحساس بالحيف والمظلومية, تماماً كما كان يحس الآخرون بها في ظروف أخرى.
ب‌. استمرار الفساد الوظيفي, المالي والإداري, لا في أجهزة الدول التنفيذية وحسب, بل وفي أجهزة الدولة الأخرى, بما فيها سلطة القضاء والسلطة التشريعية, أو حتى التهم التي توجه للوزراء دون أن يحصل أي تحقيق عقلاني بتلك التهم. ولنا في ما طرحه رئيس هيئة النزاهة تأكيد لما نقول أن ليست نزاهة في العراق حالياً وعملياً كنظام وكمؤسسات وليس كل الأفراد.
ت‌. استمرار وجود المليشيات المسلحة, سواء المعلن عن وجودها أو غير المعلن عنه, والتي تشكل السلطة الثانية في البلاد والمؤثرة على مجمل العملية السياسية والأمنية. إنها بصراحة تنشر الإرهاب والفساد في البلاد وعلى نطاق واسع.
ث‌. استمرار وجود أجسام غريبة في أجهزة وزارة الداخلية والدفاع والأمن الوطني, التي يمكنها أن تفسد كل مشاريع الخطة الأمنية, بما تنقله من معلومات خاصة بأجهزة الأمن, إلى القوى افرهابية والطائفية السياسية المتربصة, فهي بمثابة طابور خامس يعمل اليوم بكفاءة عالية في غير مصلحة العراق وشعبه, وأسبابه تكمن في الغياب الحكومي وغياب المعايير والرقابة وانتشار البطالة وإشاعة الطائفية السياسية والفساد المالي في البلاد ..الخ.
ج‌. الكفاح الفعلي ضد الإرهاب من جهة, وضد النشاطات الطائفية المناهضة لأتباع الأديان والمذاهب الأخرى من جهة أخرى, التي أصبحت اليوم تقلق بال المجتمع كله وتقود إلى وقوع تغيير ديموغرافي (سكاني) في مناطق العراق المختلفة, وهي التي تساهم بقوة في تفكيك وتدمير الوحدة الوطنية وروح المواطنة المتساوية وتتجاوز بفظاظة تامة على مبادئ حقوق الإنسان وتعيق التحول صوب المجتمع المدني الديمقراطي.
نتطلع في أن تلعب كل القوى السياسية, ومنها القوى الديمقراطية, والقوائم الممثلة في المجلس النيابي, دورها في تنشيط عملية المصالحة الوطنية وأن لا تتركها على عاتق الحكومة وحدها, إضافة إلى تنشيط دور منظمات المجتمع المدني الأخرى, ومنها بشكل خاص منظمة السلم والتضامن والمنظمات المهنية والنسوية وحقوق الإنسان.


خاص جريدة المدى البغدادية - زاوية الرأي الآخر

ا