| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 13/8/ 2006

 

 


حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول رؤية مس بيل للعرب!

(1-2)

 

كاظم حبيب

نشر موقع الحوار المتمدن بتاريخ 12/8/2006 مقالاً للسيد ميثم الجنابي تحت عنوان "الدكتور كاظم حبيب مس بيل" يطرح فيه رأيه في ما كتبته حول انطباعات وتشخيصات مس بيل العامة للشخصية الشرقية أو العربية. وكم كان بودي أن يلتزم الدكتور ميثم الجنابي الأسلوب العلمي الهادئ في الحوار وتفنيد الرأي الذي طرحته باعتباره درس الفلسفة وتخصص بها ويقوم بتعليمه للطلبة أيضاً, وأنه يكتب للآخرين ولا يحاور نفسه. حتى العنوان يعبر عن ذهنية غير ودية لا تريد الحوار بل العراك. كم كان بودي أن يكون الرجل موضوعياً ليتواصل الحوار بيننا, سواء اتفقنا على رأي أم اختلفنا بشأن هذه القضية موضوع البحث أو غيرها. ولكن يبدو للسيد حسابات قديمة لا أعرفها أراد بهذا المقال تصفيتها, ولكنه زاد في الطين بلة.
أحاول ابتداءً أن أسجل بعض الملاحظات حول ما جاء في مقاله من آراء قبل الولوج بالحوار حول الموضوع ذاته :
1. من المؤسف حقاً أن الرجل لم يقرأ مقالي بشكل جيد, وبالتالي اعتبرني أتحدث عن العرب وكأني لست منهم, في حين أن جملة واضحة جاءت في مقالي تقول:
"ليس هناك من تشخيص مطلق, ولا يعني أن ليس في هذا التشخيص من لا يخرج عن إطاره من العرب, ولكن من حقي أن أتساءل, وكلنا يواجه أحداث العراق ولبنان حالياً, هل كانت هذه الآنسة البريطانية الذكية صادقة وموفقة في تشخيصها للفرد العربي أو الشرقي وفي وضع يدها قبل ما يقرب من 90 عاماً على الجرح الحقيقي الذي ينزف عند العرب دون توقف منذ مئات السنين, ويبقى ينزف ما دامت شخصيتنا مكبلة بهذه السمات الغريبة ؟". وحين أشير إلى شخصيتنا, أفلا يعني ذلك أني أحدهم وليس غريباً عنهم!
لم ادع أن العرب جميعاً يتسمون بذلك, بل هناك أكثر من جملة تؤكد أن هذا التشخيص غير مطلق ولا يشمل الجميع, كما جاء في النص السابق أو النص التالي:
"أشعر بأنها لم تكن مخطئة في تقديرها, بل يفترض إضافة سمة جوهرية أخرى هي أن العرب عموماً, وليس الجميع طبعاً, يستخدمون العاطفة قبل العقل, وكانت وما زالت لهذا الواقع, عواقب وخيمة على العرب". لاحظ ليس الجميع طبعاً.
2. يبدو لي أن الباحث لا يقدر معنى الإنسان. فأنا إنسان أولاً, وعربي عراقي ثانياً. احترم قوميتي ولكن لا أراها تتميز عن القوميات الأخرى ولا تفوقها ولا أفتخر لكوني عربي فقط بل لكوني إنسان, إذ أن احترام القومية هو غير الفخر بها وتمييزها عن غيرها من القوميات. ولا يغيظني بأي حال أن يقال عني بأني فارسي أو كردي أو ألماني, أو أي قومية أخرى. ولكن البؤس يبرز حين يحاول البعض لمز وغمز الآخرين بقوله أنه يكتب وكأنه من قومية أخرى.
3. في المقالات التي كتبها ميثم الجانبي ورد فيها على بعض ما جاء في مقالاتي أو ناقش بعض أفكارها بدا لي وكأنه يهرب من تاريخه الشخصي شاتماً بمناسبة أو بدون مناسبة الشيوعية والماركسية, وأخر تسمية أطلقها هي "الشيوعية المتهرئة والشعوبية المبطنة. من يقرأ كتاباتك يا سيد ميثم يدرك تماماً بأنك لم تعد ماركسياً ولا شيوعياً وبالتالي لا تحتاج إلى المزيد من تقديم صك البراءة منهما. ولكن القارئ لكتاباتك يعرف أيضاً أنك كنت عضواً في الحزب الشيوعي العراقي, وأنك درست في الاتحاد السوفييتي بزمالة من الحزب الشيوعي العراقي, فلِمَ هذه المحاولة للتهرب من جهة والتقرب من القوميين اليمينيين والمسلمين المتطرفين من خلال شتمك للشيوعية والماركسية من جهة أخرى, فأنت لا تحتاج إلى ذلك. الماركسية والشيوعية يا سيد الجنابي, وأنت قد درست الفلسفة, شيء, والتطبيقات البائسة والباهتة والمشوهة لهما في الاتحاد السوفييتي أو في البلدان الاشتراكية الأخرى أو حتى تطبيقات كثرة من الأحزاب الشيوعية والعمالية شيء آخر. ولست معنياً الآن بشرح ذلك.
4. شنت القوى القومية اليمينية على امتداد عقود حملة ظالمة ضد الأحزاب الشيوعية في الدول العربية متهمة إياها بالشعوبية. وقتل تحت التعذيب الكثير من الشيوعيين أو عذبوا بشراسة نتيجة اتهامهم بالشعوبية. وهجر مئات ألوف العرب الشيعة من الوسط والجنوب وكذلك الكرد الفيلية في زمن نظام البعث الدكتاتوري متهمة إياهم بالشعوبية, وقتل تحت التعذيب جمهرة كبيرة من الناس بتهمة الشعوبية, وها هو السيد الجنابي, القومي العربي, يوجه لي تهمة الشعوبية المبطنة. اشعر أن الكلمات الجارحة التي وجهها في مقاله, كان سيتحول إلى رصاصات توجه إلى صدري متهماً إياي بالشعوبية المبطنة والحاقدة. كم كنت أتمنى أن لا يتورط الماركسي ودارس الفلسفة إلى هذا الأسلوب في الحوار. فهو يدعو القوى القومية العربية وأهل السنة المتشددين إلى قتل كاظم حبيب, هذا الرجل الذي مارس سياسة شيوعية متهرئة وسياسة شعوبية مبطنة (إذ أن اسم الكاتب تكشف عن هوية ولادة معينة يقتل بسببها في العراق, كما يقتل آخرون بسبب الهوية ايضاً), فهو يقول أن كاظم حبيب , يبدو وكأنه من أصل فارسي أو كردي أو حتى كاتب ألماني من أصول شرقية إسلامية, وهو بالتالي شيوعي متهرئ وكافر وشعوبي مبطن!
5. كم هو معيب أن يتجرأ أستاذ جامعي وباحث علمي ويقول "... ولا أعتقد أن الدكتور كاظم حبيب على قدر من الدراية في التاريخ العربي والثقافة العربية الإسلامية يؤهله للاقتراب منها ", وهو كما يبدو لي لا يعرفني جيداً ولا يعرف دراساتي أو محاضراتي الجامعية أو ثقافتي الشخصية, فمن أين جاءك هذا الاعتقاد ؟ رجل العلم يا سيد ميثم لا يتقول ولا يتحدث إلا بما يعرفه جيداً ولا يشكك بما لا يعرفه. لا أدعي المعرفة بكل شيء ولكني أستطيع أن أحدد الدائرة التي يحوم حولها وما يريد قوله, ولكن هذه طريقة بائسة في تصفية الحسابات التي لم أفكر بها حين وجهت أول نقد لمواقفه حين طرح القضية الكردية بصورة مقلوبة.
6. يتحدث السيد ميثم في مقاله عن الارتزاق الثقافي. إنها تهمة كبيرة يوجهها بالارتباط مع موضوع  "قوى المقاومة اللبنانية والمحتل اليهودي الصهيوني". ويرى أنه "مجرد "موقف سياسي" يندرج ضمن سياق ما أدعوه بظاهرة الارتزاق الثقافي". لو درس موقفي من القضية الفلسطينية ومن دولة إسرائيل, سواء أكان في الكتاب الذي أصدرته مع الدكتور زهدي الداوودي تحت عنوان "فهد والحركة الوطنية في العراق" أو كتابي الموسوم "اليهود ومحنة المواطنة العراقية", أو كتابي الموسوم "الاستبداد والقسوة في العراق" وعشرات المقالات التي كتبتها عن هذه الموضوعات لتبين له أن من يرتزق الثقافة ليس كاظم حبيب, بل من يعتاش على تهييج العواطف دون العقل, وهو, كما يبدو لي بوضوح وبهذه القضية, أحدهم. لقد نشرت قبل فترة مقالاً حول إسرائيل والولايات المتحدة تحت عنوان لا لإرهاب الدولة الإسرائيلية, لا لقتل الأبرياء في لبنان, لا للعدوان!
نشر في جريدة المدى البغدادية في ركن الرأي الآخر, وهذا نصه:

"ها نحن نقترب من نهاية الأسبوع الثالث والماكنة العسكرية الإسرائيلية تحصد يوماً بعد آخر حياة المزيد من الأطفال والنساء والرجال في مجازر بشرية وحشية, كما حصل في 30/7/2006 في قرية قانا حيث سقط أكثر من 60 قتيلاً (منهم 37 طفلاً) وعشرات الجرحى والمعوقين. وكلما طال أمد الحرب ازداد عدد ضحايا السكان الآمنين واتسع نطاق تدمير البنية التحتية والدور والعمارات السكنية على رؤوس الساكنين فيها. وترفض إسرائيل حتى الآن إيقاف عدوانها الهمجي على لبنان وتتحدى الرأي العام العالمي والغالبية العظمى من دول العالم التي تطالب بالوقف الفوري للقتال. ولم يكن في مقدور إسرائيل أن ترفض إيقاف القتال وتتجاوز المطالبة المتعاظمة بوقف القتال دولياً لولا التأييد المطلق الذي تجده من جانب الولايات المتحدة الأمريكية إزاء عدوانها الإرهابي على لبنان. وها نحن أمام الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي التي عجز فيها الأعضاء الدائمون عن الاتفاق على وقت القتال, فخرج القرار هزيلاً يعلن عن أسفه فقط للضحايا اللبنانية البريئة لا غير, وليس فيه أي إدانة مباشرة لإسرائيل. والسؤال الذي يلح علينا جميعاً هو: لم هذا الموقف العدواني الشرس من جانب إسرائيل ضد الشعب اللبناني من جهة, ولم هذا التأييد المطلق لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة في المعارك الجارية في لبنان من جهة أخرى؟
لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يتصور أو يصدق أن عملية أسر جنديين إسرائيليين لغرض استبدالهما بأسرى لبنانيين تكون سبباً لمثل هذه الحرب التي تمارسها إسرائيل ضد لبنان منذ ما يزيد عن أسبوعين والتي قادت حتى الآن إلى سقوط مئات القتلى والجرحى ومئات ألاف المشردين من مناطق سكناهم في لبنان, وإلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في الصف الإسرائيلي, صواب الذريعة التي قدمتها إسرائيل لشن الحرب ضد حزب الله ومن ثم ضد لبنان كله, إذ أنها حجة بائسة لا تصدق ولا تصمد أما الحقائق القائمة على الأرض. فما السبب إذا وراء هذه الحرب وجرائمها الشنيعة؟
يبدو لكل متابع للأوضاع في الشرق الأوسط إن التحالف الإسرائيلي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط يقود حرباً مشتركة ضد إيران وسوريا في لبنان, باعتبارهما من الدول التي تثير الإرهاب في المنطقة وتتخذان من علاقة حزب الله والمقاومة اللبنانية بهاتين الدولتين ذريعة لمواصلة الحرب بحجة تدمير حزب الله واقتلاع جذورة من جنوب لبنان ومنع تسرب الأسلحة عبر البلدين إليه. وبهدف تحقيق هذا الهدف جرى توزيع العمل بين الدولتين المتحالفتين إسرائيل والولايات المتحدةً, فإحداهما تمارس العدوان المباشر وتخوض القتال ضد حزب الله مباشرة, والذي تحول عملياًُ إلى حرب مدمرة ومجازر بشرية مريعة ضد الشعب اللبناني كله, والثانية تقوم بتزود إسرائيل بالسلاح والعتاد وبالموقف السياسي الرافض أو المؤجل باستمرار لقرار يفترض أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي يفرض على إسرائيل إيقاف القتال فوراً بعد أن أبدت حكومة لبنان وكل القوى الممثلة فيها, بمن فيها حزب الله, التزامها بنقاط سبع يتم تنفيذها بعد صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي بالوقف الفوري للقتال. فهل من العدالة أن تجري الحرب ضد إيران وسوريا على الأرض اللبنانية وتحصد بنات وأبناء وأطفال شعب لبنان بهذه الوحشية والتطرف الإرهابي الشرس.
لقد كان وما يزال على إسرائيل والولايات المتحدة أن تدركان بأن السياسة التي تمارسانها في لبنان ستساهم في تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط وليس إلى حلها, فهي ستساهم في:
• زيادة التوتر العام في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وإلى احتمال توسع القتال إلى مناطق جديدة.
• تعزيز مواقع حزب الله على الأرض اللبنانية وفي صفوف المجتمع اللبناني, وخاصة في صفوف الوسط الشيعي, ولكن الإسلامي عموماً, بسبب مقاومته وتحديه وإنزال الضربات القاسية بالجيش الإسرائيلي, وبسبب امتلاك حزب الله لأسلحة متقدمة نسبياً.
• تعزيز وتطوير العلاقة بين حزب الله من جهة, وإيران وسوريا من جهة أخرى, وزيادة تأثير الدولتين على حزب الله وعلى الوضع السياسي في لبنان.
• تنامي أصوات الاحتجاج والعداء للسياسات الإسرائيلية والولايات المتحدة في العالم العربي وعلى الصعيد الأوروبي والدولي, وهي تقود إلى عزلة فعلية لإسرائيل وإلى كراهية متزايدة لسياسات الولايات المتحدة.
• تنامي قدرات قوى الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة من تنظيمات بن لادن والظواهري وغيرهما من التنظيمات السياسية الإرهابية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط.
• إضعاف فعلي لقوى التيار الديمقراطي الذي يدعو إلى الديمقراطية ومعالجة مشكلات الشرق الأوسط بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية.
إن التحالف السياسي والعسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة لن يكون قادراً على معالجة المشكلات بين إسرائيل والدول العربية دون إيجاد حلول واقعية وعملية عادلة بين إسرائيل والدول العربية, وخاصة مع الشعب الفلسطيني بتنفيذ خارطة الطريق بشكلها الصحيح والتزام الطرفين بها وتعجيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, واستعادة لبنان لمزارع شبعا, إضافة إلى استعادة سوريا لمرتفعات الجولان المحتلة منذ ما يقرب من أربعة عقود.
لن تهدأ إسرائيل ولا منطقة الشرق الأوسط حين تبقى المشكلات بينها وبين الدول العربية دون حلول عادلة تساهم في استتباب السلام في المنطقة, عندها فقط يمكن إبعاد إيران عن التدخل في شؤون وأوضاع الدول العربية. لا يمكن محاربة الإرهاب في المنطقة دون محاربة إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل, سواء في فلسطين المحتلة أم في لبنان في الوقت الحاضر أم في احتلالها المتواصل للأراضي العربية.
إن على إسرائيل والولايات المتحدة أن تدركا جيداً بأن استمرار القتال في لبنان وسقوط المزيد من الضحايا لن يحقق لهما مكاسب سياسية على الأرض, بل أنه يزيد من النقمة عليهما ودفع المنطقة إلى مزيد من التطرف وإلى أتون حرب مدمرة.
من هنا تزداد حاجة شعوب وبلدان المنطقة للنضال المتعاظم من أجل الإيقاف الفوري للقتال وإلى انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية المعتدية من الأراضي اللبنانية وتشكيل لجنة تحقيق دولية بالجرائم التي ارتكبت في لبنان من قبل القوات الإسرائيلية وبدء مجلس الأمن الدولي بمعالجة القضايا المعلقة مع لبنان بسرعة, وخاصة موضوع تبادل الأسرى واستعادة مزارع شبعا واستعادة سوريا لمرتفعات الجولان وتعويض الخسائر التي تحملها لبنان بسبب الغارات والقصف والتدمير الإسرائيلي للبنان" انتهى نص المقال. نشر في الأول من آب/2006

ولكن وبعد أن كتبت هذا المقال وغيره بنفس الاتجاه وفي الصحف العراقية التي أنشر فيها, كان عليّ في الوقت نفسه, كإنسان وكعربي. أن أبين المخاطر التي جلبها حزب الله على لبنان نتيجة سياسات متهورة مورست في ظرف غير مناسب وفي ظل موازين قوى غير مناسبة وبتأثير قوى غير لبنانية. الصراحة والمجاهرة والشفافية مع شعوبنا وقوانا السياسية يا سيد الجنابي ليست ارتزاقا, بل أن الارتزاق هو السكوت عن الأخطاء والنواقص.

يتبع

13/8/ 2006