| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 13 /11/ 2006

 

 

رؤية حوارية

ما السبيل لبناء علاقات ودية بين العراق وبين دول الاتحاد الأوروبي؟

 

كاظم حبيب

أشرنا إلى أن العلاقات المتوترة بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول العراق وقضايا أخرى دولية تعود بالضرر المباشر على العراق واتجاهات تطور الأحداث فيه. وهي سياسة غير حكيمة بعد أن انتهى كل شيء ولم يعد في مقدور أحد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء, بل لا بد من النظر إلى المستقبل ومعالجة القضايا الراهنة بصورة جدية ومشتركة لصالح العراق وعلاقاته المنشودة مع دول الاتحاد الأوروبي, وهي بالتالي لصالح دول الاتحاد الأوروبي. وعلى دول الاتحاد الأوروبي بأن لا تترك الأمور تسير وفق الحالة الراهنة, إذ أنها سوف تعقد الوضع لا في العراق حسب, بل وفي كل دول المنطقة لتصل شظاياها المدمرة إلى دول الاتحاد. وهي مسألة لم تعد في طي الغيب أو احتمالاً فقط, بل حقيقة واقعة حصلت خلال الفترة المنصرمة. ولهذا فمن واجب دول الاتحاد الأوروبي, وكذا الاتحاد ذاته, أن تبادر إلى عقد المزيد من اللقاءات وتبادل الزيارات المكثفة للإطلاع التفصيلي على ما يجري في العراق حالياً, والتحري عن سبل دعم العراق في مواجهة مشكلاته وبالتعاون الوثيق مع بقية الدول التي تقدم الدعم حالياً للعراق. ومن أجل تكثيف صورة الواقع الراهن في العراق نشير إلى ما يلي:
أولاً: الجانب الأمني والسياسي: يتلخص في النقاط التالية:
1. يواجه العراق منظمات وجماعات إرهابية تهدف إلى إشاعة الفوضى والموت والخراب في البلاد, وتسعى للسيطرة عليه والانطلاق منه صوب بقية الدول وصولاً في أعمالها الإجرامية إلى دول الاتحاد الأوروبي والتنسيق مع مجموعات موجودة في أوروبا ذاتها نائمة حالياً لتفجير الأوضاع فيها. وهذه المنظمات ذات هوية إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية تعود لأكثر من تنظيم وخاصة جماعة القاعدة وأنصار الإسلام السنة من العرب والكرد والعديد من التنظيمات المماثلة الأخرى والمتعاونة في ما بينها, إذ أن المصدر واحد.
2. كما يواجه الشعب جماعة البعث الصدامية, وليس كل البعثيين السابقين طبعاً, التي تمارس الإرهاب والقتل لإشاعة الفوضى والموت والخراب بهدف استعادة السلطة المفقودة, وهي عاجزة عن رؤية المتغيرات والتعامل معها.
3. إضافة إلى وجود ميليشيات مسلحة تابعة لأحزاب سياسية تساهم في الحكم أو بجواره أو ضده تمارس عمليات انتقامية وقتل وتخويف الناس وإشاعة الفوضى من منطلقات طائفية سياسية مقيتة. وهي سياسات تلحق الضرر بكل مكونات المجتمع العراقي.
4. ولا بد من تأكيد وجود عصابات الجريمة المنظمة التي تستفيد من هذه الأوضاع وتمارس الابتزاز والقتل وتدعم القوى الأخرى بشتى السبل لإدامة الفوضى في البلاد.
5. عجز الحكومة حتى الآن عن إيجاد صيغة أكثر واقعية وأكثر جرأة لمعالجة موضوع المصالحة الوطنية ونزع أسلحة المليشيات الطائفية. وعلينا أن نتعلم لا من تجربة جنوب أفريقيا حسب, بل ومن تجربة القيادتين السياسيتين وقائمة التحالف الكردستاني في كردستان العراق في تعاملها مع الجحوش السابقين أو مع من تعاون مع النظام السابق ومن كان عضواً في حزب النظام.
6. وجود تناقضات وصراعات خفية ومعلنة بين قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية وفي صفوف كل منهما, تعجز معه الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات حازمة وتنفيذها فعلاً, إذ غالباً ما يتخلى عنها البعض من هؤلاء بسبب المصالح الضيقة والرغبة في الهيمنة.
7. ولا شك في أن ضعف تعاون القوى الديمقراطية في العراق عموماًُ له أثره السلبي, كما يساعد القوى الأخرى على التأثير الأكبر في مجرى الأحداث في البلاد, وخاصة غياب التعاون والتنسيق بين القوى الديمقراطية العربية وقوى التحالف الكردستانية.
ثانياً: وعلى الصعيد الاقتصادي فالعراق يواجه ما يلي:
1. خراب اقتصادي واسع وتدمير فعلي للبنية التحتية عجزت الحكومات السابقة والقوات الأجنبية على إعادة بناء ما دمرته الحروب والنزاعات السابقة.
2. بطالة واسعة تصل إلى حدود 60 % من القوى القادرة على العمل من الرجال والنساء, ونسبة غير قليلة منهم تشكل أرضية صالحة لكل ما يجري في البلاد من فوضى وخراب وموت. ونسبة عالية من الناس تعيش تحت خط الفقر أو تتطابق معه أو قليلاً فوقه, وهي تزيد عن ثلثي سكان العراق.
3. فساد مالي وإداري لا تشارك فيه جمهرة من المسؤولين وأجهزة الدولة العراقية حسب, بل وبالأساس الشركات الأجنبية العاملة في العراق ومجموعات من القوات الأمريكية المدنية والعسكرية التي أدت حتى الآن إلى تحميل العراق خسائر مالية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية. كما يسرق النفط الخام العراقي يومياً وبمعدل يتراوح بين 500-750 ألف برميل يومياً من موانئ البصرة أو عبر النقل البري.
4. كما يواجه العراق كارثة بيئية كبيرة بسبب التلوث الذي لحق بالماء والأرض والمزروعات, والعواقب الوخيمة للحروب الساخنة وللعمليات الانتحارية واستخدام مكثف للسلاح وأنواع العتاد في البلاد... الخ.
وإزاء هذه المشكلات هل يمكن القول بأن الاتحاد الأوروبي قادر على المشاركة في معالجة أوضاع العراق الراهنة؟ لدي القناعة التامة بأن هذه الدول سيكون في مقدورها, لو أمكن إقناعها, أن تساعد العراق وإلى حدود بعيدة لا في تقليص الإرهاب ومعالجة بقية المشكلات وخاصة الاقتصادية والأمنية, بل وإلى وقفه والمساعدة في دحر فاعليه. ومن هذه القناعة تنبثق تأكيداتي المستمرة على أهمية البدء بحوار مكثف مع الاتحاد الأوروبي ومع بعض أبرز دوله لتشكيل لوبي مستعد لدعم العراق في ثلاثة مجالات لا غنى للعراق عنها, وهي:
الجانب السياسي: حيث يمكن القيام بدعوة الأطراف المختلفة في العراق إلى حوار هادئ وهادف يطرح مقترحات عملية ترتبط بخبرة الدول الأوروبية في معالجة المشكلات, ويمكن أن يتم بالتعاون مع الأمم المتحدة أيضاً. ويمكن أن تكون ألمانيا أو بروكسل موقعاً لإجراء مثل تلك الاجتماعات وبعيداً عن الأضواء والضجيج الإعلامي.
الجانب الأمني: يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تساعد العراق من خلال تشكيل غرفة عمليات تضم مجموعة من خيرة الخبراء والمختصين بالنشاط الإرهابي وعصابات الجريمة المنظمة لتعمل مع العراقيين يداً بيد في العراق للكشف عن منابع الجريمة وضربها. كما يمكن القيام بعمليات مشتركة للكشف عن منابع إرسال الأموال والمساعدات لتجفيفها. إذ أن أوروبا عموماً, ومنها دول شرق أوروبا, يمكن أن تكون قد تحولت إلى أحد أهم مراكز نقل الأموال إلى الإرهابيين وأعوانهم في العراق. كما يمكن للاتحاد الأوروبي تقديم الكثير من المعلومات الضرورية عن حركة تنقلات الإرهابيين ومعلومات تساهم في الكشف عنهم وعن علاقاتهم المتبادلة ومع العراق. وفي مقدور الاتحاد الأوروبي تزويد العراق ببعض المعدات المساعدة على كشف الألغام أو الكشف عن الأسلحة والعتاد التي كما يبدو غير متوفرة في دول أخرى أو لم تزود الولايات المتحدة الأمريكية الطرف العراقي بها حتى الآن, إضافة إلى ضرورات توسيع المشاركة في تدريب أجهزة الشرطة وبقية القوات المسلحة العراقية.
الجانب الاقتصادي: تؤكد المعطيات التي تحت تصرفنا أن دول الاتحاد الأوروبي لم تدخل الاقتصاد العراقي حتى الآن إلا بحدود ضيقة جداً لا يعتد بها, في حين تتوفر إمكانيات كبيرة جداً ومهمة لأوروبا للعمل المشترك, سواء أكان ذلك في حقل النفط الخام ومنتجاته أم في حقل الطاقة والماء وبقية منظومات البنية التحتية المدمرة حالياً. كما يمكن أن تدخل في مجال الصناعة والزراعة والإنشاءات المختلفة. ومثل هذا الولوج للاقتصاد العراقي لا يساعد على تنمية المشاريع حسب, بل يقود إلى تشغيل المزيد من الأيدي العاملة العاطلة حالياً. إن تردد الدول الأوروبية من ولوج النشاط الاقتصادي العراقي مرتبط بجانبين: أ) الخشية من الإرهاب المتفشي في العراق؛ ب) والخشية من موقف الولايات المتحدة الذي أعاق حتى الآن أو يمكن أن يعيق ولوج هذه الدول للاقتصاد العراقي وخاصة في مجال الطاقة والبنية التحتية.
إن هذه المهمة تتطلب من الجانب العراقي أن يبحث بصراحة مع الطرف الأمريكي المتحكم عملياً في المسألة الاقتصادية والعسكرية والأمنية في العراق, رغم منح رئيس الوزراء العراقي المزيد من الصلاحيات إذ أن القرارات على الورق لا تتطابق مع حسابات الواقع أو البيدر, كما يقول المثل العراقي. ويمكن للتغيير الذي حصل في مجلسي النواب والشيوخ لصالح الديمقراطيين أن يقنع البيت الأبيض بتغيير سياسته والتوجه صوب التعاون الأوثق والأهدأ مع حلفائه الأوروبيين ومع الملفات الشرق أوسطية والنووية, رغم أن الاستراتيجية الأمنية والسياسة والاقتصادية الأمريكية واحدة بالنسبة للحزبين ويختلفان في الأساليب والأدوات وبعض التكتيكات.
إن زيارة الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني يفترض فيها أن تفتح الباب لمزيد من الزيارات الرسمية إلى الدول الأوروبية وإلى الاتحاد الأوروبي وتكثيف الحوارات معهم, لأنها الطريق الوحيد لإقناعهم بضرورة المساهمة في دعم جهود العراق ضد الإرهاب ومن أجل إقامة مجتمع مدني والوصول إلى سلم أهلي في الدولة الاتحادية العراقية الجديدة.

أوائل تشرين الثاني 2006

خاص: جريدة الاتحاد العراقية